المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

شيبة وابن حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ السَّكَرِ، فَقَالَ: الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: السَّكَرُ خَمْرٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ قَالَ: أَلْهَمَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:

فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا قَالَ: طُرُقًا لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكَتْهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ذُلُلًا قَالَ: مُطِيعَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: ذَلِيلَةً.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ قَالَ: الْعَسَلُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ الْعَسَلُ فِيهِ الشِّفَاءُ وَفِي الْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ الْعَسَلَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، وَابْنُ السُّنِّيِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْخَطِيبُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ» . وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي كَوْنِ الْعَسَلُ شِفَاءً مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» .

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ، فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا، فَسَقَاهُ عَسَلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَمَا زَادَهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، قَالَ: اذْهَبْ فَاسْقِهِ عَسَلًا فَذَهَبَ فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: مَا زَادَهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اذْهَبْ فَاسْقِهِ عَسَلًا، فذهب فسقاه عسلا فبرأ» «1» .

[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)

لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ بَعْضَ أَحْوَالِ الْحَيَوَانِ وَمَا فِيهَا مِنْ عَجَائِبِ الصَّنْعَةِ الْبَاهِرَةِ، وَخَصَائِصِ الْقُدْرَةِ الْقَاهِرَةِ، أَتْبَعَهُ بِعَجَائِبِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْعِبَرِ، فَقَالَ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ يُقَالُ: رَذَلَ يَرْذُلُ رَذَالَةً، وَالْأَرْذَلُ وَالرَّذَالَةُ: أَرْدَأُ الشَّيْءِ وَأَوْضَعُهُ. قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُقَلَاءَ ضَبَطُوا مَرَاتِبَ عُمْرِ الْإِنْسَانِ فِي أَرْبَعٍ: أُولَاهَا سِنُّ النُّشُوِّ.

(1) . جاء في لسان العرب: أهل الحجاز يقولون: برأت من المرض برءا بالفتح، وسائر العرب يقولون: برئت من المرض.

ص: 212

وَثَانِيهَا: سِنُّ الْوُقُوفِ وَهُوَ سِنُّ الشَّبَابِ. وَثَالِثُهَا: سِنُّ الِانْحِطَاطِ الْيَسِيرِ، وَهُوَ سِنُّ الْكُهُولَةِ. وَرَابِعُهَا: سِنُّ الِانْحِطَاطِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ سِنُّ الشَّيْخُوخَةِ. قِيلَ: وَأَرْذَلُ الْعُمُرِ هُوَ عِنْدَ أَنْ يَصِيرَ الْإِنْسَانُ إِلَى الْخَرَفِ، وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ وَقِيلَ: خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: تِسْعُونَ سَنَةً، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ- ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ «1» . ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحَانَهُ رَدَّ مَنْ يَرُدُّهُ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ بِقَوْلِهِ: لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ كَانَ قَدْ حَصَلَ لَهُ شَيْئاً مِنَ الْعِلْمِ لَا كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْمَعْلُومَاتِ إِذَا كَانَ الْعِلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الْعَقْلُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ لِئَلَّا يَعْلَمَ زِيَادَةً عَلَى عِلْمِهِ الَّذِي قَدْ حَصَلَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ خَلْقَ الْإِنْسَانِ وَتَقَلُّبَهُ فِي أَطْوَارِ الْعُمْرِ ذَكَرَ طَرَفًا مِنْ أَحْوَالِهِ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَجَعَلَكُمْ مُتَفَاوِتِينَ فِيهِ فَوَسَّعَ عَلَى بَعْضِ عِبَادِهِ حَتَّى جَعَلَ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي أُلُوفًا مُؤَلَّفَةً مِنْ بَنِي آدَمَ، وَضَيَّقَهُ عَلَى بَعْضِ عِبَادِهِ حَتَّى صَارَ لَا يَجِدُ الْقُوتَ إِلَّا بِسُؤَالِ النَّاسِ وَالتَّكَفُّفِ لَهُمْ، وَذَلِكَ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ تَقْصُرُ عُقُولُ الْعِبَادِ عَنْ تَعَقُّلِهَا وَالِاطِّلَاعِ عَلَى حَقِيقَةِ أَسْبَابِهَا، وَكَمَا جَعَلَ التَّفَاوُتَ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي الْمَالِ جَعَلَهُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالْفَهْمِ وَقُوَّةِ الْبَدَنِ وَضَعْفِهِ وَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالصِّحَّةِ وَالسُّقْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ:

أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَعْطَى الْمَوَالِيَ أَفْضَلَ مِمَّا أَعْطَى مَمَالِيكَهُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ أَيْ: فَمَا الَّذِينَ فَضَّلَهُمُ اللَّهُ بِسَعَةِ الرِّزْقِ عَلَى غَيْرِهِمْ بِرَادِّي رِزْقِهِمُ الَّذِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ مِنَ الْمَمَالِيكِ فَهُمْ أَيِ: الْمَالِكُونَ وَالْمَمَالِيكُ فِيهِ أَيْ: فِي الرِّزْقِ سَواءٌ أَيْ: لَا يَرُدُّونَهُ عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ يُسَاوُونَهُمْ، فَالْفَاءُ عَلَى هَذَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ التَّسَاوِيَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى التَّرَادِّ، أَيْ: لَا يَرُدُّونَهُ عَلَيْهِمْ رَدًّا مُسْتَتْبِعًا لِلتَّسَاوِي، وَإِنَّمَا يَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا، وَهَذَا مِثْلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، أَيْ: إِذَا لَمْ يَكُونُوا عَبِيدَكُمْ مَعَكُمْ سَوَاءً وَلَا تَرْضَوْنَ بِذَلِكَ، فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ عَبِيدِي مَعِي سَوَاءً وَالْحَالُ أَنَّ عَبِيدَكُمْ مُسَاوُونَ لَكُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ وَالْمَخْلُوقِيَّةِ، فَلَمَّا لَمْ تَجْعَلُوا عَبِيدَكُمْ مُشَارِكِينَ لَكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ، فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ بَعْضَ عِبَادِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ شُرَكَاءَ لَهُ فَتَعْبُدُونَهُمْ مَعَهُ، أَوْ كَيْفَ تَجْعَلُونَ بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ كَالْأَصْنَامِ شُرَكَاءَ لَهُ فِي الْعِبَادَةِ ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ «2» . وَقِيلَ: إِنَّ الْفَاءَ فِي «فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ» بِمَعْنَى حَتَّى أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ حَيْثُ تَفْعَلُونَ مَا تَفْعَلُونَ مِنَ الشَّرَكِ، وَالنِّعْمَةُ هِيَ كَوْنُهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْمَالِكِينَ مُفَضَّلِينَ عَلَى الْمَمَالِيكِ، وَقَدْ قُرِئَ يَجْحَدُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ وَالْفَوْقِيَّةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ: وَقِرَاءَةُ الْغَيْبَةِ أَوْلَى لِقُرْبِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خِطَابًا لَكَانَ ظَاهِرُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ: يُشْرِكُونَ بِهِ فَيَجْحَدُونَ نِعْمَتَهُ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى قِرَاءَةِ الْخِطَابِ أَنَّ الْمَالِكِينَ لَيْسُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَمَالِيكِهِمْ، بَلْ أَنَا الَّذِي أَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاهُمْ فَلَا يَظُنُّوا أَنَّهُمْ يُعْطُونَهُمْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ رِزْقِي أُجْرِيهِ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَهُمْ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لَا مَزِيَّةَ لَهُمْ عَلَى مَمَالِيكِهِمْ، فَيَكُونُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ الْمُقَدَّرُ فِعْلًا يُنَاسِبُ هذا المعنى، كأن

(1) . التين: 4 و 5.

(2)

. الروم: 28.

ص: 213

يُقَالَ: لَا يَفْهَمُونَ ذَلِكَ فَيَجْحَدُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْحَالَةَ الْأُخْرَى مِنْ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ فَقَالَ: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يَعْنِي النِّسَاءَ فَإِنَّهُ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ، أَوِ الْمَعْنَى:

خَلَقَ لَكُمْ مِنْ جِنْسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْتَأْنِسُوا بِهَا، لِأَنَّ الْجِنْسَ يَأْنَسُ إِلَى جِنْسِهِ وَيَسْتَوْحِشُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَبِسَبَبِ هَذِهِ الْأُنْسَةِ يَقَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِلنَّسْلِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالزَّوَاجِ، وَلِهَذَا قَالَ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً الْحَفْدَةُ: جَمْعُ حَافِدٍ، يُقَالُ: حَفَدَ يَحْفِدُ حَفْدًا وَحُفُودًا إِذَا أَسْرَعَ، فَكُلُّ مَنْ أَسْرَعَ فِي الْخِدْمَةِ فَهُوَ حَافِدٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْحَفْدُ: الْعَمَلُ وَالْخِدْمَةُ. قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: الْحَفَدَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْخَدَمُ، وَمِنْ ذلك قول الشاعر، وهو الأعشى:

كلّفت مجهولها نوقا يمانية

إذا الْحُدَاةُ عَلَى أَكْتَافِهَا «1» حَفَدُوا

أَيِ: الْخَدَمُ وَالْأَعْوَانُ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: قِيلَ: الْحَفَدَةُ: أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقِيلَ:

الْأَخْتَانُ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةُ وَأَبُو الضُّحَى وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «2» :

فَلَوْ أَنَّ نَفْسِي طَاوَعَتْنِي لَأَصْبَحَتْ

لَهَا حَفَدٌ مِمَّا يُعَدُّ كَثِيرُ

وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ عَلَيَّ أَبِيَّةٌ

عَيُوفٌ لِأَصْهَارِ «3» اللِّئَامِ قَذُورُ

وَقِيلَ: الْحَفَدَةُ الْأَصْهَارُ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْخَتْنُ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ كَابْنِهَا وَأَخِيهَا وَمَا أَشْبَهَهُمَا، وَالْأَصْهَارُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، يُقَالُ: أَصْهَرُ فُلَانٌ إِلَى بَنِي فُلَانٍ وَصَاهَرَ وَقِيلَ: هُمْ أَوْلَادُ امْرَأَةِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِهِ وَقِيلَ: الْأَوْلَادُ الَّذِينَ يَخْدِمُونَهُ وَقِيلَ: الْبَنَاتُ الْخَادِمَاتُ لِأَبِيهِنَّ. وَرَجَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِأَنَّ جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْأَزْوَاجِ بَنِينَ وَحَفَدَةً، فَالْحَفَدَةُ فِي الظَّاهِرِ مَعْطُوفُونَ عَلَى الْبَنِينَ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَجَعَلَ لَكُمْ حَفَدَةً، وَلَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الظَّاهِرِ أَنْ يُرَادَ بِالْبَنِينَ مَنْ لَا يَخْدِمُ، وَبِالْحَفَدَةِ مَنْ يَخْدِمُ الْأَبَ مِنْهُمْ، أَوْ يُرَادُ بِالْحَفَدَةِ الْبَنَاتُ فَقَطْ، وَلَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ إِلَّا إِذَا كَانَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ، وَمِنَ الْبَنِينِ حَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ الَّتِي تستطيبونها وتستلذونها، ومن لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ الطَّيِّبَاتِ لَا تَكُونُ مُجْتَمِعَةً إِلَّا فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ خَتَمَ سُبْحَانَهُ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ التَّوْبِيخِيِّ، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ: يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ فَيُؤْمِنُونَ بِالْبَاطِلِ، وفي تقدّم فَبِالْباطِلِ عَلَى الْفِعْلِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِيمَانٌ إِلَّا بِهِ، وَالْبَاطِلُ هُوَ اعْتِقَادُهُمْ فِي أَصْنَامِهِمْ أَنَّهَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ وَقِيلَ: الْبَاطِلُ مَا زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مِنْ تَحْرِيمِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَنَحْوِهِمَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ يُؤْمِنُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَقَرَأَ أَبُو بكر بالفوقية على الخطاب وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ أَيْ: مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِمَّا لَا يُحِيطُ بِهِ حَصْرٌ، وَفِي تَقْدِيمِ النِّعْمَةِ وَتَوْسِيطِ ضَمِيرِ الْفَصْلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُفْرَهُمْ مُخْتَصٌّ بِذَلِكَ، لَا يَتَجَاوَزُهُ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هُوَ معطوف على

(1) . في تفسير القرطبي (10/ 143) : اكسائها. وهو جمع كسي، وهو مؤخّر العجز.

(2)

. هو جميل بن معمر.

(3)

. في البحر: لأصحاب.

ص: 214

يَكْفُرُونَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْإِنْكَارِ التَّوْبِيخِيِّ إِنْكَارًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَهِيَ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَلِهَذَا قَالَ: مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً قَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّ شَيْئًا بَدَلٌ مِنَ الرِّزْقِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِإِيقَاعِ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ رِزْقًا مَصْدَرًا عَامِلًا فِي شَيْئًا، وَالْأَخْفَشُ جَعَلَهُ اسْمًا لِلرِّزْقِ وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ: لَا يَمْلِكُ أَيْ: لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنَ الْمِلْكِ، وَالْمَعْنَى:

أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ يَعْبُدُونَ مَعْبُودَاتٍ لَا تَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا أَيَّ رزق، ومن السموات وَالْأَرْضِ صِفَةٌ لِرِزْقٍ، أَيْ:

كَائِنًا مِنْهُمَا، وَالضَّمِيرُ فِي وَلا يَسْتَطِيعُونَ رَاجِعٌ إِلَى مَا، وَجُمِعَ جَمْعَ الْعُقَلَاءِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ، وَالْفَائِدَةُ فِي نَفْيِ الِاسْتِطَاعَةِ عَنْهُمْ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَدْ يَكُونُ مَوْصُوفًا بِاسْتِطَاعَةِ التَّمَلُّكِ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ وَلَا تَسْتَطِيعُ وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي يَسْتَطِيعُونَ لِلْكُفَّارِ: أَيْ لَا يَسْتَطِيعُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ مَعَ كَوْنِهِمْ أَحْيَاءً مُتَصَرِّفِينَ، فَكَيْفَ بِالْجَمَادَاتِ الَّتِي لَا حَيَاةَ لَهَا وَلَا تَسْتَطِيعُ التَّصَرُّفَ؟ ثُمَّ نَهَاهُمْ سُبْحَانَهُ عَنْ أَنْ يُشَبِّهُوهُ بِخَلْقِهِ، فَقَالَ: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ فَإِنَّ ضَارِبَ الْمَثَلِ يُشَبِّهُ حَالًا بِحَالٍ وَقِصَّةً بِقِصَّةٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ مَثَلًا لِأَنَّهُ وَاحِدٌ لَا مَثَلَ لَهُ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَعْبُدَهُ الْوَاحِدُ مِنَّا، فَكَانُوا يَتَوَسَّلُونَ إِلَى الْأَصْنَامِ وَالْكَوَاكِبِ، كَمَا أَنَّ أَصَاغِرَ النَّاسِ يَخْدِمُونَ أَكَابِرَ حَضْرَةِ الْمَلِكِ، وَأُولَئِكَ الْأَكَابِرُ يَخْدِمُونَ الْمَلِكَ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَعَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ يَعْلَمُ مَا عَلَيْكُمْ مِنَ الْعِبَادَةِ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا فِي عِبَادَتِهَا مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ، وَالتَّعَرُّضِ لِعَذَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَوْ أَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَفِعْلُكُمْ هَذَا هُوَ عَنْ تَوَهُّمٍ فَاسِدٍ وَخَاطِرٍ بَاطِلٍ وَخَيَالٍ مُخْتَلٍّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كَيْفَ تُضْرَبُ الْأَمْثَالُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ قَالَ: خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: هُوَ الْخَرَفُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، ثُمَّ قَرَأَ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: الْعَالِمُ لَا يُخَرِّفُ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ أَنْ يُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ قَالَ: لَمْ يَكُونُوا لِيُشْرِكُوا عَبِيدَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَكَيْفَ يُشْرِكُونَ عَبِيدِي مَعِي فِي سُلْطَانِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ لِآلِهَةِ الْبَاطِلِ مَعَ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً قَالَ: خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ خَلَقَ زَوْجَتَهُ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: بَنِينَ وَحَفَدَةً قَالَ: الْحَفَدَةُ الْأَخْتَانُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْحَفَدَةُ الْأَصْهَارُ. وَأَخْرَجَا عَنْهُ قَالَ: الْحَفَدَةُ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْحَفَدَةُ بَنُو الْبَنِينَ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: بَنِينَ وَحَفَدَةً قال: من أعابك فقد

ص: 215