المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٩

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في تأديب الأولاد]

- ‌[الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه]

- ‌[الترهيب من إفساد المرأة على زوجها والعبد علي سيده]

- ‌[ترهيب المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس]

- ‌[ترهيب المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة متزينة]

- ‌[الترهيب من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين]

- ‌كتاب اللباس والزينة

- ‌[الترغيب في لبس الأبيض من الثياب]

- ‌[الترغيب في القميص والترهيب من طوله وطول غيره مما يلبس وجره خيلاء وإسباله في الصلاة وغيرها]

- ‌[الترغيب في كلمات يقولهن من لبس ثوبا جديدا]

- ‌[الترهيب من لبس النساء الرقيق من الثياب التي تصف البشرة]

- ‌[ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهب وترغيب النساء في تركهما]

- ‌[الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك]

- ‌[الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعا واقتداء بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة]

- ‌[الترغيب في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه]

- ‌[الترغيب في إبقاء الشيب وكراهة تتفه]

- ‌[الترهيب من خضب اللحية بالسواد]

- ‌[ترهيب الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة]

- ‌[الترغيب في الكحل بالإثمد للرجال والنساء]

- ‌[كتاب الطعام وغيره]

- ‌[الترغيب في التسمية على الطعام والترهيب من تركها]

- ‌[الترهيب من استعمال أواني الذهب أو الفضة وتحريمه على الرجال والنساء]

- ‌[الترهيب من الأكل والشرب بالشمال وما جاء في النهي عن النفخ في الإناء والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح]

- ‌[الترغيب في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها]

- ‌[الترغيب في أكل الخل والزيت ونهس اللحم دون تقطيعه بالسكين إن صح الخبر]

- ‌[الترغيب في الاجتماع على الطعام]

- ‌[الترهيب من الإمعان في الشبع والتوسع في المآكل والمشارب شرها وبطرا]

- ‌[الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين]

- ‌[الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة]

- ‌[الترغيب في حمد الله تعالى بعد الأكل]

- ‌[الترغيب في غسل اليد قبل الطعام إن صح الخبر وبعده والترهيب أن ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها]

- ‌[كتاب القضاء وغيره]

- ‌[الترهيب من تولي السلطنة والقضاء والإمارة لا سيما لمن لا يثق بنفسه وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئا من ذلك]

- ‌[ترغيب من ولي شيئا من أمور المسلمين في العدل إماما كان أو غيره وترهيبه أن يشق على رعيته أو يجور أو يغشهم أو يحتجب عنهم أو يغلق بابه دون حوائجهم]

- ‌[ترهيب من ولي شيئا من أمور المسلمين أن يولي عليهم رجلا وفي رعيته خير فيه]

- ‌[ترهيب الراشي والمرتشي والساعي بينهما]

- ‌[الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله والترغيب في نصرته]

- ‌[الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالما]

- ‌[الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة والترهيب من الدخول عليهم وتصديقهم وإعانتهم]

- ‌[الترهيب من إعانة المبطل ومساعدته والشفاعة المانعة من حد من حدود الله وغير ذلك]

- ‌[ترهيب الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل]

- ‌[الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم ورحمتهم والرفق بهم والترهيب من ضد ذلك ومن تعذيب العبد والدابة وغيرهما بغير سبب شرعي وما جاء في النهي عن وسم الدواب في وجوهها]

- ‌فصل

الفصل: ‌[الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه]

[الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه]

3039 -

عَن سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من ادّعى إِلَى غير أَبِيه وَهُوَ يعلم أَنه غير أَبِيه فالجنة عَلَيْهِ حرَام رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن سعد وَأبي بكرَة جَمِيعًا

(1)

.

قوله: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: صلى الله عليه وسلم قال "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه" الحديث الإدعاء على غير الأب هو الانتساب إلى غيره واتخاذه أبا وقد كانوا يفعلونه في الجاهلية فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وجعل الولد للفراش ثم أذن في الإدعاء إلى غير الأب مع العلم بأنه حرام وهذا تقييد لا بد منه فإن الإثم إنما يكون في حق العالم بالشيء فمن اعتقد إباحة ذلك كفر وحرم عليه الجنة ومن لم يعتقد إباحته ففي كفره وجهان أحدهما أن فعله هذا قد أشبه فعل الكفار والثاني أنه كافر نعمة الله والإحسان وحق الله تعالى وحق أبيه وليس المراد الكفر الذي يخرجه من ملة الإسلام وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يكفرن

(2)

ثم فسره بكفرانهن الإحسان وكفران العشير أي الزوج فعلى هذا الوجه.

(1)

أخرجه البخاري (4326 و 4327) و (6766 و 6767)، ومسلم (114 و 115 - 63)، وابن ماجه (2610)، وأبو داود (5113)، والبزار (1221)، وأبو يعلى (700) و (706)، وابن خزيمة في التوحيد (ص 837 - 840) و (ص 843) عن سعد وأبي بكرة.

(2)

أخرجه البخاري (29) و (1052) و (5197)، ومسلم (17 - 907) عن ابن عباس.

ص: 12

قوله صلى الله عليه وسلم: "فالجنة عليه حرام" للزجر والتغليظ أو أنها حرام قبل العقوبة لا بعدها ومعنى حرام ممنوعة ثم إنه قد يجازي فيمنعها أولا عند دخول الفائزين وأهل السلامة ثم يدخلها وقد لا يجازي بل يعفو الله عنه.

3040 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَيْسَ من رجل ادّعى بِغَيْر أَبِيه وَهُوَ يعلم إِلَّا كفر وَمن ادّعى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ منا وليتبوأ مَقْعَده من النَّار وَمن دَعَا رجلا بالْكفْر أَو قَالَ عَدو الله وَلَيْسَ كَذَلِك إِلَّا حَار عَلَيْهِ. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم حَار بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء أَي رَجَعَ عَلَيْهِ مَا قَالَ

(1)

.

قوله: وعن أبي ذر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس من رجل ادعى بغير أبيه وهو يعلم إلا كفر" الإدعاء إلى غير الأب مع العلم به حرام كما تقدم فمن اعتقد إباحة ذلك كفر ومن لم يعتقد إباحته فمعنى كفر أنه كافر نعمة الله تعالى لا كفران الملة وإنما عبر بالكفر لأنه نقيض الشكر كما أن نقيض الحمد الذم فإن الله تعالى قد أوجب على العبد الشكر للأب كما أوجبه لنفسه قال: الله تعالى أن أشكر لي ولوالديك فمن انتفى من أبيه فقد جحد النعمة وترك الشكر ومن ترك الشكر اتصف بنقيضه وهو الكفر أي كفر النعمة وكما أن الإيمان ينقسم على بضع وسبعين شعبة كذلك الكفر ينقسم إلى أقسام كثيرة قاله ابن حبان في صحيحه

(2)

ا. هـ قاله في شرح الإلمام ففي الحديث دليل على تحريم الانتفاء

(1)

أخرجه البخاري (3508)، ومسلم (112 - 61).

(2)

صحيح ابن حبان (4/ 323) و (4/ 328) و (13/ 268).

ص: 13

من النسب المعروف والاعتزاء إلى نسب غيره وكذلك يدل على تحريم الانتفاء وإن لم ينتسب إلى غيره الأب ولا شك في كونه من الكبائر لما يتعلق به من المفاسد العظيمة من تغير أحكام المواريث والأنكحة وغيرها وشرط الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك أن يكون عالما بذلك فإن غلب على ظن الولد أنه ليس من الأب بأن أخبرته أمه بأنها كانت زنت وأن أباه لم يطأها وعلم الولد الصدق جاز له أن يبتدأ من أمه على ما فيه من النظر لأن اعتراف الأم بذلك لا يقطع حق الأب والأب لو كان حيا وادعت الأم ذلك لم يسمع منها بل لو اتفق الأب والأم على أن الولد ليس منهما لم يقبل ذلك منهما مراعاة لحق الولد لكن الولد ها هنا قد بلغ واعترف بإسقاط حقه فلينظر في ذلك.

قوله: وهو يعلمه محمول على العلم الأعم ليدخل فيه من انتفى من أبيه الذي قد عرف نسبه منه فيدخل فيه الولد المشتبه (فإذا بلغ) ومال طبعه إلى أحدهما فإنه يجب عليه أن ينتسب إلى من يميل طبعه إليه منهما ومفهوم الخبر أنه إذا كان لا يعلم له أبا فيجوز أن ينتسب إلى غيره ولكن مشروط بمن يميل طبعه إليه أو كان قافة أو أخبره قافة فإذا صدق من انتسب إليه ثبت النسب والله أعلم.

قوله: "ومن ادعى ما ليس له فليس منا" قال: العلماء معناه ليس على هدينا وجميل طريقتنا كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست مني.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وليتبوأ مقعده من النار" ومعنى يتبوأ مقعده من النار لينزل منزلة منها أو فليتخذ منزلا لها ظاهره أمرًا ومعناه خبر في أظهر القولين أي أن

ص: 14

الله يبوأه منها يقال تبوأ الدار اتخذها مسكنا ومعنى الحديث هذا جزاؤه إن جوزي وقد يعفى عنه بتوفيقه للتوبة فيسقط عنه ذلك وفي هذا الحديث يحرم دعوى ما ليس له في كل شيء سواء كان فيه حق لغيره أم لا وفيه أنه لا يحل له أن يأخذ ما يحكم به الحاكم إذا كان لا يستحقه ا. هـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن دعا رجلًا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه" الحديث حار عليه أي رجع عليه ما قال هكذا ذكره الحافظ وفي رواية أخرى إذا أكفر الرجل أخاه فقد باء به أحدهما وفي رواية أخر "أيما رجل قال لأخيه كافر فقد باء به أحدهما" هذا الحديث مما عده بعض العلماء من المشكلات من حيث أن ظاهره غير مراد وذلك أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر المسلم بالمعاصي كالقتل والزنى وكذا قوله: لأخيه كافر من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام وإذا عرف ما ذكرناه فقيل في تأويل الحديث أوجه أحدها: أنه محمول على المستحل لذلك وهذا يكفر فعلى هذا معنى باء بها أي بكلمة الكفر وكذا حار عليه وهو بمعنى رجعت عليه أي رجع عليه الكفر فباء وحار ورجع بمعنى واحد.

والوجه الثاني: بمعناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره.

والثالث: أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين وهذ الوجه نقله القاضي عياض

(1)

عن الإمام مالك بن أنس وهو ضعيف لأن المذهب

(1)

إكمال المعلم (1/ 318). ومراد مالك إثم تكفيرهم لا كفرهم قال ابن رشد في البيان والتحصيل (18/ 341 - 342): قال أي مالك: أرى ذلك في الحرورية. فقلت له: أتراهم =

ص: 15

الصحيح المختار الذي قاله المحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع.

والوجه الرابع: معناه أن ذلك يؤول إلى الكفر وذلك أن المعاصي كما قالوا بريد الكفر. والوجه الخامس: معناه فقد رجع عليه تكفيره فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير لكونه جعل أخاه المؤمن كافرا فكأنه نفسه إما لأنه كفر بين هو مثله وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام والله أعلم ذكره في شرح الأحكام

(1)

.

قوله: "إلا حار عليه" الحديث (فهذا) الاستثناء قيل أنه واقع على المعنى وتقديره ما يدعوه أحد إلا حار عليه ويحتمل أن يكون معطوفا على الأول وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من رجل" فيكون الاستثناء جاريا على اللفظ.

وقوله: "عدو الله" وجهان النصب والرفع والنصب أرجح على النداء أي يا عدو الله وأحسن من تكلم على هذا ابن الأثير.

= بذلك كفارا؟ قال لا أدري ما هذا. قال ابن رشد: وقول مالك أرى ذلك في الحرورية يحتمل أن يريد بذلك أن الحرورية التي تكفر المسلمين بالذنوب من القول تبوء بذلك إما بالكفر على التأويل الأول إن كانت تعتقد أن الإيمان الذي عليه المسلمون كفر؛ وإما بالإثم على التأويل الثاني إن كانت لا تعتقد إيمان المسلمين كفرا، وهذا هو الأظهر؛ ويحتمل أن يريد أن من يكفر الحرورية من المسلمين يبوء بإثم ذلك إن لم يكونوا كفارا بما يعتقدونه. وقد قال مالك في هذه الرواية لما قيل له أتراهم بذلك كفارا؟ قال لا أدري ما هذا. وبالله التوفيق.

(1)

الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (8/ 504 - 505) لابن الملقن، وقد سبقه إلى ذلك النووي في شرح النووي على مسلم (2/ 50).

ص: 16

يقال: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفار يضرب بعضكم رقاب بعض" قيل أراد لابسي السلاح يقال كفر فوق درعه فهو كافر إذا لبس فوقها ثوبا كأنه أراد بذلك النهي عن الحرب وقيل معناه لا تعتقدوا تكفير الناس كما تعتقده الخوارج

(1)

.

قوله: "من قال: لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما" لأنه إما أن يصدق عليه أو يكذب فإن صدق فهو كافر وإن كذب عاد الكفر إليه بتكفيره أخاه المسلم والكفر صنفان أحدهما الكفر بأصل الإيمان والأخر الكفر بفرع من فروع الإسلام

(2)

.

3041 -

وَعَن يزِيد بن شريك بن طَارق التَّمِيمِي قَالَ رَأَيْت عليا رضي الله عنه على الْمِنْبَر يخْطب فَسَمعته يَقُول لَا وَالله مَا عندنَا من كتاب نقرؤه إِلَّا كتاب الله وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة فنشرها فَإِذا فِيهَا أَسْنَان الْإِبِل وَأَشْيَاء من الْجِرَاحَات وفيهَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة حرَام مَا بَين عير إِلَى ثَوْر فَمن أحدث فِيهَا حَدثا أَو آوى مُحدثا فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة عدلا وَلَا صرفا وَذمَّة الْمُسلمين وَاحِدَة يسْعَى بهَا أَدْنَاهُم فَمن أَخْفَر مُسلما فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة عدلا وَلَا صرفا وَمن ادّعى إِلَى غير أَبِيه أَو انْتَمَى إِلَى غير موَالِيه فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة عدلا وَلَا صرفا رَوَاهُ

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 185).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 185 - 186).

ص: 17

البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ

(1)

.

قوله: وعن يزيد بن شريك بن طارق التيمي (تيم الرباب الكوفي، والد إبراهيم التيم يسكن الكوفة، روى عن عمر، وعلي، وأبي ذر، وابن مسعود، وحذيفة، وغيرهم وعنه ابنه إبراهيم وإبراهيم النخعي وجواب التيمي والحكم بن عتيبة وهمام بن عبد الله التيمي الكوفيون قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. قلت: وقال ابن سعد: كان ثقة وكان عريف قومه وله أحاديث وقال أبو موسى المديني في الذيل: يقال أنه أدرك الجاهلية).

قوله: رأيت عليا بن أبي طالب رضي الله عنه على المنبر يخطب" تقدم الكلام على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في مواضع من هذا التعليق.

قول: أمير المؤمنين "لا والله ما عندنا من كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة" أي الكتاب وكانت معلقة (بقبضة) سيفه أما احتياطا واستظهارا وإما لكونه منفردا بسماع ذلك والظاهر أنه سبب اقتران الصحيفة بالسيف الإشعار بأن مصالح الدين ليست بالسيف وحده ولكن بالقتل تارة وبالدية تارة وبالعفو أخرى فلا يوضع السيف في موضع الندى بل يوضع كل في موضعه واستثنائه ما في الصحيفة احتياط لاحتمال أن يكون فيها ما لا يكون

(1)

أخرجه البخاري (1870) و (3172) و (3179) و (6755) و (7300)، ومسلم (467 - 1370) و (20 - 1370)، وأبو داود (2034)، والترمذي (2127)، والنسائي في الكبرى (4264)، وابن حبان (3716) و (3717).

ص: 18

عند غيره فيكون منفردا بالعلم بها أ. هـ قاله الكرماني

(1)

مثله حديث أبي هريرة في الصحيحين لما فتح الله على رسوله مكة قتلت هذيلا رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية وفي آخر الحديث اكتبوا لأبى شاه

(2)

فهذا تصريح بجواز كتابة العلم غير القرآن وجاءت أحاديث بالنهي عن كتابة غير القرآن فمن السلف من منع كتابة العلم وقال: جمهور السلف بجوازه ثم أجمعت الأمة بعدهم على استحبابه وأجابوا عن أحاديث النهي بجوابين أحدهما أنها منسوخة وكان النهي في أول الأمر قبل اشتهار القرآن لكل أحد فنهي عن كتابته خوفا من اختلاطه واشتباهه فلما اشتهر وأمنت تلك المفسدة أذن فيه.

والثاني أن النهي نهي تنزيه لمن وثق بحفظه وخيف اتكاله على الكتابة والإذن لمن لم يوثق بحفظه قاله النووي نقله ابن العماد عنه في شرحه لعمدة الأحكام

(3)

ا. هـ.

قوله: "فنشرها" الحديث هذا تصريح من علي س بإبطال ما يزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم أن عليًّا س أوصى إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة وأنه صلى الله عليه وسلم خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم وهذه دعاوي باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها ويكفي في إبطالها قول علي س هذا وفيه دليل

(1)

الكواكب الدرارى (2/ 119).

(2)

أخرجه البخاري (2434) و (6880)، ومسلم (447 و 448 - 1355) عن أبي هريرة.

(3)

العدة شرح العمدة (3/ 1427).

ص: 19

على جواز كتابة العلم والله أعلم.

قوله: "فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات" أي سن الإبل التي تجب الزكاة فيها وما يجب في الجراحات من الديات.

قوله: "وفيها" أي في الصحيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المدينة حرام ما بين عير إلى ثور" وهما جبلان قال القاضي عياض

(1)

: قال مصعب الزبيري ليس بالمدينة عير ولا ثور وفي هذا اختلاف كثير قال الإمام المازري

(2)

: قال بعض العلماء: ثور هنا وهم من الراوي وإنما ثور بمكة قال: والصحيح ما بين عير إلى أحد هذا ما حكاه القاضي

(3)

قال النووي

(4)

: قلت ويحتمل أن ثور كان اسما لجبل هناك إما أحد وإما غيره فخفي اسمه واعلم أنه جاء في هذه الرواية ما بين عير إلى ثور أو إلى أحد وفي رواية أنس اللهم إني أحرم ما بين جبليها وفي رواية ما بين لابتيها والمراد باللابتين الحرتان والأحاديث كلها متفقة بين لابتيها بيان لحد حرمها من جهة المشرق والمغرب

(5)

وتقدم شيء من ذلك في سكنى المدينة والمراد أنه صلى الله عليه وسلم حرم من المدينة قدر ما بين عير وثور بمكة وتقدم الكلام على هذا الجبال في كتاب الحج في بناء الكعبة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن أحدث فيها حدثًا".

(1)

مشارق الأنوار (1/ 136).

(2)

المعلم (2/ 117).

(3)

إكمال المعلم (4/ 489).

(4)

شرح النووي على مسلم (9/ 143).

(5)

وزاد النووي: وما بين جبليها بيان لحده من جهة الجنوب والشمال والله أعلم.

ص: 20

قوله: "فيها" أي في المدينة والحدث الأمر الحادث (المنكر) الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة يعني أحدث فيها ما يخالف الشرع من معصية أو ظلم أو بدعة والبدعة في اصطلاح العلماء ما خالف الكتاب والسنة كما قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"

(1)

أي مردود على فاعله.

قوله: "أو آوى" قال القاضي عياض

(2)

: يقال آوى بالمد والقصر في الفعل اللازم والمتعدي جميعا لكن القصر في اللازم أشهر وأفصح والمد في المتعدي أشهر وأفصح والله أعلم.

قوله: "محدثا" والمحدث المبتدع أي ضمه إليه منعه فمن له عليه حق وإيوائه نصرته وأن يجار من خصمه أو يحتال بينه وبينه أن يقتص منه قال القاضي عياض

(3)

: لم يرو هذا الحرف وهو محدثا بكسر الدال ثم قال: وقال: الإمام المازري يروي بوجهين كسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول قال: فمن فعل فعليه لعنة الله" فتح الدال أراد الإحداث نفسه أي أراد الأمر المبتدع نفسه ومن كسر أراد فاعل الحدث فمعنى الكسر من نصر خائنا وأواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه فإنه إذا رضي بالبدعة وأقره عليها ولم ينكرها عليه فقد أواه وهذا وعيد شديد لمن ارتكب في المدينة إثما.

(1)

أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (17 و 18 - 1718) عن عائشة.

(2)

مشارق الأنوار (1/ 52) وإكمال المعلم (4/ 486).

(3)

إكمال المعلم (4/ 486)، وشرح النووي على مسلم (9/ 140)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 351).

ص: 21

قوله: "فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" لعنة الله طرده للملعون وإبعاده عن رحمته ولعنة الملائكة والناس الإبعاد والدعاء بالإبعاد وهؤلاء هم اللاعنون كما قال تعالى: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}

(1)

ومعناه أن الله تعالى يلعنه وكذلك تلعنه الملائكة والناس أجمعون وهذا مبالغة في إبعاده عن رحمة الله تعالى فإن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد قالوا والمراد باللعن هو العذاب الذي يستحقه على ذنبه والطرد عن الجنة أول الأمر وليس هي كلعنة الكفار الذين يبعدون عن رحمة الله تعالى كل الإبعاد وجاء في الدارقطني فعليه لعنة الله المتتابعة ومعناه المتوالية أي التي لا تفارقه حتى يتصل بعذاب الأخرة إلا أن يتوب أو يعفو الله عنه نعم إن استحل ذلك كفر وخلد في العذاب أبدا قال القاضي رحمة الله

(2)

: واستدلوا بهذا على أن ذلك من الكبائر لأن اللعنة لا تكون إلا في كبيرة ذكره في مشارق الأنوار.

قوله: "لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلا ولا صرفا" فيه أقوال كثيرة تقدم ذكرها في سكنى المدينة من جملتها أنه فقال الجمهور الصرف الفريضة والعدل النافلة وقال: يونس الصرف الاكتساب والعدل الفدية ومعنى الفدية ها هنا أن لا يجد في القيامة فداء يفتدى به بخلاف غيره من المؤمنين الذين جاء من تفضل الله تبارك وتعالى عليهم بأن يفديهم من النار باليهود والنصارى ومن شاء الكفار.

(1)

سورة البقرة، الآية:158.

(2)

إكمال المعلم (4/ 486) وعزوه للمشارق وهم والله أعلم.

ص: 22

وقيل هو من قوله تعالى: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا}

(1)

أي وإن تفد كل فداء وقيل توبة وأما التوبة فإنه إن فعل ذلك مستحلا أحبط الكفر أعماله ولا تصح توبته إلا برجوعه إلى الإسلام لا بإقلاعه عن ذلك الذنب وحده وقيل المراد ها هنا لا تقبل توبته في الأخرة وهو مفسر في الحديث لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا أي لا يعفى عن ذنبه هذا في الآخرة وأما توبة الدنيا فمقبولة إن شاء الله تعالى من كل ذنب وقيل لا يقبل منه قبول رضي وإن قبلت قبول جزاء وقد يكون القبول هنا قبول عبارة عن تكفير السيئات والذنب بها ذكره المنذري في الحواشي على مختصر السنن

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وذمة المسلمين واحدة" الحديث المراد بالذمة هنا العهد والأمان سمي بها لأنه يذم متعاطيها عن إضاعتها ومعناه أن أمان المسلمين للكافر صحيح فإذا أمن أحدهم حربيا فهو آمن لا يجوز لأحدهم أن ينقض ذمته أي عقد من المسلمين أمانا أو عهد لأحد من الدعم وحرم على غيره التعرض له ما دام في أمان المسلم.

تنبيه: وللأمان شروط قال النووي في الروضة تبعا للرافعي

(3)

: ينعقد الأمان بكل لفظ يعيد الغرض صريح كناية فالصريح أجرتك أو أنت مجارا

(1)

سورة الأنعام، الآية:70.

(2)

مختصر السنن (8/ 13).

(3)

روضة الطالبين (10/ 279).

ص: 23

أو أمنتك أو أنت آمن أو في آماني أو لا بأس عليك أو لا خوف عليك أو لا تخف أو لا تفزع أو قال بالعجمية مترس وكناية أنت على ما تحب أو كن كيف شئت وينعقد بالكتاب والرسالة سواء كان الرسول مسلما أو كافرا أو بالإشارة المفهمة من قادر على العبارة.

فصل الإشارة بأمان إلى مشرك أمان عند مالك والشافعي رضي الله عنهما ذكره ابن النحاس في كتاب الجهاد

(1)

.

قوله: "يسعى بها أدناهم" أي أقلهم منزلة في الدنيا وأضعفهم والمعنى أن ذمة المسلمين واحدة أي إذا أعطى واحدا لجيش العدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين وليس لهم أن يخفروه ولا أن ينقضوا عليه عهده وقد أجاز عمر أمان عبد على جميع الجيش سواء صدرت من واحد أو كثير شريف أو وضيع وقد أجاز عمر أمان عبد وهو حجة لمذهب الشافعي وموافقيه أن أمان المرأة والعبد صحيح لأنهما أدنى من الذكور الأحرار.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله" الحديث معناه من نقض أمان مسلم فتعرض لكافر أمنه مسلم قال: أهل اللغة يقال أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته بغير ألف فالهمزة للإزالة فليحذر أمير الجيش وغيره من الغدر ونقض العهد فإنه من أقبح ما اتصف به الرجال وهو مع ما فيه من الإثم العظيم سريع الوبال فظيع النكال وليس من صفات المؤمنين وقال: أنس س "ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: لا إيمان لمن له لا أمانة له ولا دين

(1)

مشارع الأشواق (ص 1061).

ص: 24

لمن لا عهد له" رواه أحمد والبزار والطبراني وابن حبان في صحيحه

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه" الحديث هذا صريح في غلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه أو انتماء العتيق إلى ولاء غير مواليه لما في ذلك من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء والعقل وغير ذلك وهذا حرام لتفويته حق المنعم ولأن الولاء كالنسب يحرم تضييعه كما يحرم الانتساب إلى غير أبيه وهذا من الكبائر العظيمة ويترتب عليه مفاسد كثيرة من الأنكحة الفاسدة وأخذ الأموال الباطلة واختلاط الأنساب وغير ذلك مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق.

قوله: "فعليه لعنة الله" لعنة الله يحتمل أن يراد بها العذاب الذي يستوجبه على ذنبه والطرد من الجنان أولا ودخول النار حتى يخرجه الله تعالى ولا يكون هذا كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله تعالى رأسًا ولعنة الملائكة والناس هنا ترك الدعاء لهم والاستغفار وإبعادهم عنه ذكره المنذري في الحواشي وتقدم الكلام على ذلك قبله أبسط من هذا وتقدم الكلام أيضا على الصرف والعدول.

(1)

أخرجه أحمد 3/ 135 (12383) و 3/ 154 (12567) و 3/ 210 (13199) و 3/ 251 (13637)، والبزار (7196)، وابن حبان (194)، والطبراني في الأوسط (3/ 98 رقم 2606 و 6/ 100 رقم 5926). وصححه الألباني في "تخريج الإيمان" رقم (7)، "المشكاة"(35)، "الروض"(569).

ص: 25

3042 -

وَعَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كفى بامرئ تبرؤ من نسب وَإِن دق وادعاء نسب لَا يعرف رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَعَمْرو يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ

(1)

.

قوله: وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: "كفى بامرئ تبرؤ من نسب وإن دق وادعاء نسب لا يعرف" الحديث الإدعاء على غير الأب مع العلم به حرام كما تقدم فمن اعتقد إباحة ذلك كفر لمخالفته الإجماع ومن لم يعتقد إباحته ففي معنى كفره وجهان أحدهما أنه قد أشبه فعله فعل الكفار والثاني أنه كفر النعمة والإحسان وحق الله تعالى وحق أبيه وليس المراد الكفر الذي يخرجه من ملة الإسلام.

3043 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من ادّعى إِلَى غير أَبِيه لم يرح رَائِحَة الْجنَّة وَإِن رِيحهَا ليوجد من قدر سبعين عَاما أَو مسيرَة سبعين عَاما رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه إِلَّا أَنه قَالَ وَإِن رِيحهَا ليوجد من

(1)

أخرجه أحمد 2/ 215 (7140)، وابن ماجه (2744)، والطبراني في الصغير (2/ 226 رقم 1072)، ومن طريقه أبو نعيم في تاريخ أصبهان 2/ 316، والطبراني في الأوسط (8/ 47 - 48 رقم 7919)، وابن عدى في الكامل (7/ 542)، وابن المقرئ في المعجم (1102).

وقال الهيثمي في المجمع 1/ 97: رواه أحمد والطبراني في الصغير والأوسط إلا أنه قال: كفر بامرئ، وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده. قال البوصيري في الزجاجة 3/ 150: هذا إسناد صحيح وهو في بعض النسخ دون بعض ولم يذكره المزي في الأطراف وأظنه من زيادات أبي الحسن علي بن إبراهيم القطان. وصححه الألباني في الصحيحة (3370) وصحيح الترغيب (1987).

ص: 26

مسيرَة خَمْسمِائَة عَام ورجالهما رجال الصَّحِيح وَعبد الْكَرِيم هُوَ الْجَزرِي ثِقَة احْتج بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا قيل فِيهِ

(1)

.

قوله: وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من ادعى إلى غير أبيه" تقدم الحديث الإدعاء الانتساب.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لم يرح رائحة الجنة" يرح بفتح الياء والراء لم يشم ريحا وسيأتي الكلام على ذلك في ذكر الجنة.

3044 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من ادّعى إِلَى غير أَبِيه أَو تولى غير موَالِيه فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ" رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(2)

.

(1)

أخرجه الطيالسي (2274)، وأحمد 2/ 171 (6703) و 2/ 194 (6953)، وابن ماجه (2611)، والبزار (2373) و (2383)، وابن خزيمة في التوحيد (2/ 843)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (79)، وأبو نعيم في صفة الجنة (196) والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 347. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 98: رواه ابن ماجه إلا أنه قال: "من مسيرة خمسمائة عام". رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

وقال البوصيري في الزجاجة 3/ 117 - 118: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات لأن محمد بن الصباح هو أبو جعفر الجرجاني التاجر قال ابن معين لا بأس به وقال أبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وباقي رجال الإسناد لا يسأل عن حالهم لشهرتهم. وصححه الألباني في الصحيحة (2307) وصحيح الترغيب (1988).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 5/ 283 (26111)، وأحمد 1/ 328 (3095)، وابن ماجه (2609)، وأبو يعلى (2540)، وابن حبان (417)، والطبراني في الكبير (12/ 62 رقم 12475) والأوسط (1/ 177 رقم 561).

قال البوصيري في الزجاجة 3/ 117: هذا إسناد فيه مقال ابن أبي الضيف اسمه محمد بن =

ص: 27

3045 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تولى إِلَى غير موَالِيه فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

3046 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من ادّعى إِلَى غير أَبِيه أَو انْتَمَى إِلَى غير موَالِيه فَعَلَيهِ لعنة الله المتتابعة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(2)

.

= أبي الضيف لم أر من جرحه ولا من وثقه وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم. وصححه الألباني صحيح الترغيب (1989).

(1)

أخرجه ابن حبان (4327). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1232). ولم يدرج المصنف تحته شرحا.

(2)

أخرجه أبو داود (5115)، والطبري في تهذيب الآثار - مسند على (334)، والطبراني في مسند الشاميين (1/ 360 رقم 621)، والدارقطني (4066) و (4067). لم يدرج المصنف تحته شرحا.

قال الدارقطني في العلل (2453): يرويه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، واختلف عنه؛ فرواه عمر بن عبد الواحد، عن ابن جابر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أنس. وخالفه الوليد بن مزيد، فرواه عن ابن جابر، قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد، شيخ بالساحل، قال: حدثني رجل من أهل المدينة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه: لا وصية لوارث، ومن تولى غير مواليه

الحديث، وفيه: لا تنفق المرأة من بيت زوجها إلا بإذنه

، وفيه طول. وقال ابن المبارك: عن ابن جابر، عن سعيد بن أبي سعيد، قال: حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الوليد بن مسلم: عن ابن جابر، عن جدته، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقول ابن المبارك والوليد بن مزيد هو الصواب. قال ابن عبد الهادى في التنقيح (4/ 252) وحاشية الأطراف (1/ 225): سعيد بن أبي سعيد راوي هذه الأحاديث عن أنس ليس هو المقبري أحد الثقات، وإنما هو الساحلي وهو غير محتج به كذلك جاء مصرحًا به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، والظاهر أنه سعيد بن خالد الذي روى عنه محمد بن شعيب. =

ص: 28

قوله: وعن أنس رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه" أي اتخذهم أولياء الحديث ومعنى انتمى إلى غير مواليه انتسب إلى غيرهم وصار معروف بهم يقال نميت الرجل إلى أبيه نميا نسبته إليه وانتمى هو أ. هـ قاله في النهاية

(1)

.

3047 -

وَعَن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من ادّعى نسبا لَا يعرف كفر بِالله أَو انْتَفَى من نسب وَإِن دق كفر بِالله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة الْحجَّاج بن أَرْطَأَة وَحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب يعضده

(2)

.

= وقال ابن حجر في النكت الظراف (1/ 225): قلت: هو سعيد بن أبي سعيد الساحلي شامي، وأما المقبري فهو مدني وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1990) غاية المرام (266)، صحيح الجامع (5987).

(1)

النهاية (5/ 121).

(2)

أخرجه الدارمي (3073)، والحارث (30)، والمروزي في مسند أبى بكر (90)، والبزار (70)، والطبراني في الدعاء (1/ 587 رقم 2143) والأوسط (3/ 167 رقم 2818) و (8/ 260 رقم 8575) وابن عدي في الكامل (5/ 54).

قال البزار: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أبي بكر عنه، ورواه عن أبي بكر قيس بن أبي حازم بهذا الإسناد، ورواه أبو معمر، عن أبي بكر، واختلفوا في رفع حديث أبي معمر فرواه جماعة عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن أبي معمر، عن أبي بكر، موقوفا وأسنده بعضهم، والذي أسنده فليس بالحجة في الحديث، والسري بن إسماعيل ليس بالقوي، وقد حدث عنه الزهري، وجماعة كثيرة واحتملوا حديثه.

قال الدارقطني في العلل (48): والموقوف أشبه بالصواب، والله أعلم. وقال الهيثمى في المجمع 1/ 97: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، ورواه =

ص: 29

قوله: من رواية الحجاج بن أرطاة

(1)

هو أبو أرطاة الحجاج بن أرطاة بن ثور بن هبيرة بن شراحيل النخعي الكوفي أحد أئمة الحديث والفقه وهو من تابعي التابعين توفي بالري [ترغيب من مات له ثلاثة من الأولاد أو اثنان أو واحد فيما يذكر من جزيل الثواب].

3048 -

عَن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من مُسلم يَمُوت لَهُ ثَلَاثة لم يبلغُوا الْحِنْث إِلَّا أدخلهُ الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(2)

وَفِي رِوَايَة للنسائي أَن رَسُول الله صلى الله

= البزار، وفيه السري بن إسماعيل، وهو متروك. وصححه الألباني في الصحيحة (3370) وصحيح الترغيب (1991).

(1)

ترجمته: طبقات ابن سعد: 6/ 359، وتاريخ البخاري الكبير: 2/ الترجمة 2835، وتاريخه الصغير: 2/ 110، والضعفاء الصغير، له، الترجمة 75، وتهذيب الكمال 5/ الترجمة 1112، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ الترجمة 112. وقال النووي في تهذيب الأسماء: واتفقوا على أنه مدلس، وضعفه الجمهور، فلم يحتجوا به، ووثقه شعبة وقليلون، وكان بارعًا في الحفظ والعلم. روينا عن سفيان الثوري أنه قال لطلبة العلم: عليكم بالحجاج، فما بقى أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه. قال: وما رأيت أحفظ منه. وعن حماد بن زيد، قال: الحجاج عندنا أقهر للحديث من الثوري، وكان قاضى البصرة. وقال هشيم: سمعت الحجاج يقول: استفتيت وأنا ابن ست عشرة سنة. وقال الحجاج: ما خاصمت قط أحدًا ولا جلست إلى قوم يختصمون، توفى بالري.

(2)

أخرجه أحمد 3/ 152 (12730)، والبخاري (1248) و (1381) والتاريخ الكبير (6/ 421)، وابن ماجه (1605)، والبزار (6472)، والنسائي في المجتبى 4/ 43 (1888) و 4/ 44 (1889) والكبرى (2011) و (2013)، وابن حبان (2943).

وصححه الألباني في الصحيحة (2302) وصحيح الترغيب (1992) وقال في رواية النسائي الثانية صحيح لغيره وقال في رواية ابن حبان حسن صحيح.

ص: 30

عليه وسلم قَالَ من احتسب ثَلَاثَة من صلبه دخل الْجنَّة فَقَامَتْ امْرَأَة فَقَالَت أَو اثْنَان فَقَالَ أَو اثْنَان قَالَت الْمَرْأَة يَا لَيْتَني قلت وَاحِدَة وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه مُخْتَصرا من احتسب ثَلَاثَة من صلبه دخل الْجنَّة الْحِنْث بكَسْر الْحَاء وَسُكُون النُّون هُوَ الْإِثْم والذنب وَالْمعْنَى أَنهم لم يبلغُوا السن الَّذِي تكْتب عَلَيْهِم فِيهِ الذُّنُوب.

قوله: عن أنس رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يموت له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم" الحديث.

قال الإمام أبو العباس القرطبي

(1)

: إنما خص الولد بثلاثة لأن الثلاثة أول مراتب الكثرة فتعظم المصائب فتكثر الأجور فأما إذا زاد على الثلاثة فقد يخف أمر المصيبة الزائدة لأنها كأنها صارت عادة وديدنا.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لم يبلغوا الحنث" الحنث هو الإثم والذنب والمعنى أنهم لم يبلغوا السن الذي يكتب عليهم فيه الذنوب ا. هـ قاله المنذري وقال في النهاية

(2)

: لم يبلغوا الحنث مبلغ الرجال فيكتب عليهم الحنث وهو الإثم ويجرى عليهم الحكم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم" الضمير في رحمته يعود إلى المسلم الموصوف وهو الوالد ا. هـ.

(1)

المفهم (22/ 7).

(2)

النهاية (1/ 449) وعنده: ويجري عليهم القلم.

ص: 31

قال ابن بطال

(1)

: وفى الحديث دلالة أن أولاد المسلمين في الجنة بخلاف من قال الأطفال في المشيئة.

فائدة: فعلى هذا لو مات ثلاثة أولاد بالغين معتوهين عرض لهم العته والجنون قبل البلوغ بحيث لم يجر عليهم تكليف ولم يكتب عليهم إثم فهل يكونون كغير البالغين هذا محتمل والأرجح إلحاقهم فهو وقد يدعى دخولهم قوله عليه السلام لم يبلغوا الحنث وينبغي أن بيني ذلك على المعنين المتقدم ذكرهما فإن عللنا بما في الحديث كان حكم المجانين كذلك لأن الرحمة لهم واسعة كثيرة لعدم حصول الإثم منهم فساووا في ذلك الأطفال ا. هـ ذكره العراقي في شرح الأحكام

(2)

قوله: صلى الله عليه وسلم في رواية النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة" قال في النهاية

(3)

: الاحتساب في الأعمال الصالحات وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على

(1)

شرح الصحيح (3/ 246) ونقل إجماع أهل السنة على ذلك ابن عبد البر في التمهيد (6/ 348) فقال: وقد أجمع العلماء على ما قلنا من أن أطفال المسلمين في الجنة فأغنى ذلك عن كثير من الاستدلال ولا أعلم عن جماعتهم في ذلك خلافا إلا فرقة شذت من المجبرة فجعلتهم في المشيئة وهو قول شاذ (مهجور) مردود بإجماع الجماعة وهم الحجة الذين لا تجوز مخالفتهم ولا يجوز على مثلهم.

(2)

طرح التثريب (3/ 245 - 246) وتمام عبارته: وإن عللنا بما ذكره القرطبي لم يطرد ذلك في المجانين البالغين لأن محبتهم تخفف أو تزول، ويتمنى الأب موتهم لما بهم من العاهة والضرر فلا يحصل له بموتهم تفجع، ولا مشقة، والله أعلم.

(3)

النهاية (1/ 382).

ص: 32

الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدو وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد بعمله فيجعل في حال مباشرته الفعل كأنه معتد به.

قوله: "فقامت امرأة فقالت أو اثنان فقال أو اثنان" قال ابن بطال

(1)

: ويحتمل أنه لما قالت المرأة أو اثنان نزل عليه الوحي أن يحسبها بقوله واثنان ولا يمتنع في أسرع من طرفة العين ا. هـ.

فائدة: في معجم الطبراني أن من دفن ثلاثة من الولد فصبر عليهم واحتسبهم وورد من مات له ولد فصبر واحتسب قيل له ادخل الجنة

(2)

فمن

(1)

شرح الصحيح (3/ 246).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 63 رقم 2488) والكبير (2/ 245 رقم 2030) والقطيعي في جزء الألف دينار (175) عن جابر بن سمرة بلفظ: من دفن ثلاثة من الولد فصبر عليهم واحتسب وجبت له الجنة فقالت أم أيمن: أو اثنين؟ قال ومن دفن اثنين فصبر عليهما واحتسبهما وجبت له الجنة فقالت أم أيمن: وواحدا؟، فسكت أو أمسك، ثم قال يا أم أيمن من دفن واحدا فصبر عليه واحتسب وجبت له الجنة.

وقال الهيثمي المجمع 3/ 10: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه ناصح بن عبد الله أبو عبد الله، وهو ضعيف متروك. وقال الحافظ في الفتح (14/ 18): رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفي سندهما ناصح بن عبد الله وهو ضعيف جدًا.

وأخرجه الطبراني في الكبير (10/ 8610034 و 10035) والأوسط (6/ 46 رقم 5753) وابن عدى في الكامل (6/ 225) عن ابن مسعود بلفظ: "من مات له ولد، ذكر أو أنثى، سلم أو لم يسلم، رضي أو لم يرضى، صبر أو لم يصبر لم يكن له ثواب إلا الجنة". قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد، تفرد به عمرو الأودي. =

ص: 33

يحمل المطلق على المقيد يخص ذلك بالصابر دون الجازع وقد مشى على ذلك أبو العباس القرطبي

(1)

والله أعلم.

3049 -

وَعَن عتبَة بن عبد السّلمِيّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من مُسلم يَمُوت لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث إِلَّا تلقوهُ من أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية من أَيهَا شَاءَ دخل رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن

(2)

.

قوله: وعن عتبة بن عبد السلمي

(3)

رضي الله عنه (كنيته: أبو الوليد، له صحبة، عداده في أهل حمص، يقال: كان اسمه عتلة، ويقال: نشبة، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم

= قال ابن عدى: وأبو حفص الأعشى له غير ما ذكرت ورواياته بالأسانيد التي يرويها غير محفوظة. وقال الهيثمي في المجمع 3/ 10: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عمرو بن خالد الأعشى، وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات. وقال الألباني في الضعيفة (6001): منكر.

(1)

المفهم (22/ 7).

(2)

أخرجه أحمد 4/ 183 (17914) و 4/ 184 (17919)، وابن ماجه (1604)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 343)، ابن قانع في معجم الصحابة 2/ 266، والطبراني في الكبير 17/ 119 (294) و 17/ 125 (309) ومسند الشاميين (1070) و (1631)، وأبو نعيم في صفة الجنة (170)، والبيهقي في البعث والنشور (ص / 168 رقم 236)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (2291).

قال البوصيري في الزجاجة 2/ 51: هذا إسناد فيه شرحبيل بن شفعة ذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو داود وشيوخ جرير كلهم ثقات. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1993).

(3)

ترجمته في: الاستيعاب 3/ الترجمة 1768، وأسد الغابة 3/ الترجمة 3552، وتهذيب الكمال 19/ الترجمة 3780، والإصابة 4/ الترجمة 5423.

ص: 34

عتبة، حديثه عند شريح بن عبيد، ولقمان بن عامر، وكثير بن مرة الحضرمي، وخالد بن معدان، وعبد الله بن ناصح، وعقيل بن مدرك، وحبيب بن عبيد الرحبي، وراشد بن سعد، وغيرهم).

قوله صلى الله عليه وسلم: يقول "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل" تقدم الكلام على قوله لم يبلغوا الحنث الحديث قبله.

3050 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يَمُوت لأحد من الْمُسلمين ثَلَاثَة من الْوَلَد فَتَمَسهُ النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقسم رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

وَلمُسلم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لنسوة من الْأَنْصَار لَا يَمُوت لاحداكن ثَلَاثَة من الْوَلَد فتحتسبه إِلَّا دخلت الْجنَّة فَقَالَت امْرَأَة مِنْهُنَّ أَو اثْنَان يَا رَسُول الله قَالَ أَو اثْنَان وَفِي أُخْرَى لَهُ أَيْضا قَالَ أَتَت امْرَأَة بصبي لهَا فَقَالَت يَا نَبِي الله ادْع الله لي فَلَقَد دفنت ثَلَاَثة فَقَالَ أدفنت ثَلَاثَة قَالَت نعم، قَالَ لقد احتظرت بحظار شَدِيد من النَّار

(2)

الحظار بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وبالظاء الْمُعْجَمَة هُوَ الْحَائِط يَجْعَل حول الشَّيء كالسور الْمَانِع وَمَعْنَاهُ لقد احتميت وتحصنت من النَّار بحمى عَظِيم وحصن حُصَيْن.

(1)

أخرجه البخاري (1251) و (6656)، ومسلم (150 - 2632)، وابن ماجه (1603)، والترمذى (1060)، والنسائي في المجتبى 4/ 45 (1891) والكبرى (2015) و (11258).

(2)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (144) و (147)، ومسلم (151 - 2632) و (155 و 156 - 2636)، والنسائي في المجتبى 4/ 46 (1893) والكبرى (2012)، وأبو يعلى (6091).

ص: 35

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم" الحديث الولد يطلق على الذكر والأنثى وعلى المفرد والجمع وفيه إن المسلم إذا مات له ثلاثة من الولد لم يدخل النار إلا تحلة القسم الحديث ومن ضرورة ذلك دخول الجنة إذ لا منزلة بينهما.

وتحلة القسم بفتح التاء وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام قال: العلماء تحلة القسم ما ينحل به القسم وهو اليمين وجاء مفسرا في الحديث أن المراد به قوله الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

(1)

واختلف العلماء في معنى إلا تحلة القسم فقال الجمهور المراد قسم الله تعالى ورود جميع الخلق على النار فيردها بقدر ما يبر الله قسمه ثم ينجو أي لا يدخل النار ليعاقب بها ولكنه يجوز عليها قال: فإذا مر بها وجاوزها فقد أبر الله قسمه اختلف هؤلاء في هذا القسم فقال أبو عبيد والبخاري والجمهور في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} والقسم مقدر أي والله إن منكم إلا واردها.

وقال الخطابي

(2)

: القسم في قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)}

(3)

وقال: الحسن وقتادة حتما مقضيا قسما واجبا وحكى عن ابن مسعود فهذه ثلاثة أقوال في

(1)

سورة مريم، الآية:71.

(2)

أعلام الحديث (1/ 669).

(3)

سورة مريم، الآية:68.

ص: 36

موضع القسم من الآية وقال ابن قتيبة: ليس المراد بذلك قسما حقيقا ولكن هذا اللفظ يعبر به عن تقليل المدة فتقول العرب ما يقيم فلان عنه إلا تحلة القسم أي مدة يسيرة وكما يحلف الحالف على الشيء أن يفعله فيفعل المقدار الذي يبر قسمه مثل أن يحلف على النزول بمكان فلو وقع به وقعه حقيقة أجزأته فتلك تحلة قسمه فالمعنى لا تمسه النار إلا مسة يسيرة مثل تحلة قسم الحالف وشبهوه تلك المدة اليسيرة بمدة قول القائل إن شاء الله لأنه تحلل بها القسم فيقول القائل والله لا أكلم زيدا إن شاء الله فلا ينعقد يمينه فالمراد أنه إن دخل النار يكون مكثه فيها قليلا كمدة تحليل اليمين ثم ينجيه الله تعالى وقيل لا تمسه النار أصلا ولا قدرا يسيرا كتحلة القسم ومنه الحديث الآخر "من حرس ليلة من وراء المسلمين متطوعا لم يأخذه سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم"

(1)

واختلف العلماء في الورود المذكور في الآية على أقوال أحدها أن المراد بقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

(2)

(1)

أخرجه أحمد 3/ 437 (15852)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 443)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص 296، وأبو يعلى (1490) والمفاريد (ص 27)، والطبراني في الكبير 20/ 185 (402 و 403)، وابن عدى (4/ 74).

قال ابن عدى: ورشدين بن سعد له أحاديث كثيرة غير ما ذكرت وعامة أحاديثه عمن يرويه عنه ما أقل فيها ممن يتابعه أحد عليه، وهو مع ضعفه يكتب حديثه. قال الهيثمي في المجمع 5/ 287 - 288: رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، وفي أحد إسنادي أحمد ابن لهيعة وهو أحسن حالا من رشدين. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (786).

(2)

سورة مريم، الآية:71.

ص: 37

المرور على الصراط على الصحيح وهو جسر منصوب على ظهر جهنم عافانا الله الكريم منها حكى عن ابن مسعود وكعب الأحبار وهو رواية عن ابن مسعود ويدل لهذا القول ما رواه الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الرحمن بن بشير الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات له ثلاثة من الولد"

(1)

فذكر الحديث إلى أن قال لم يرد النار إلا عابر سبيل يعني الجواز على الصراط.

الثاني: أنه الوقوف عندها حكاه النووي في شرح مسلم

(2)

.

الثالث: أنهم يدخلونها حقيقة ولكن تكون عليهم بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم الخليل عليه السلام حين ألقي في نار النمرود وحكى عن ابن عباس وجابر بن عبد الله

(3)

.

الرابع: أن المراد بورودها ما يصيبهم في الدنيا من الحمى لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الحمى من فيح جهنم" حكاه ابن بطال

(4)

عن مجاهد س واستشهد بحديث

(1)

أخرجه أبو نعيم في الصحابة (4647) عن الطبراني. وقال الهيثمي في المجمع 3/ 6 - 7: ورجاله موثقون خلا شيخ الطبراني أحمد بن مسعود المقدسي؛ ولم أجد من ترجمه. أحمد بن مسعود أبو الحسن وقيل: أبو عبد الله الخياط المقدسي ترجمه غير واحد قال الذهبي في السير (13/ 244): المحدث الإمام آخر من حدث عنه الطبراني. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2001).

(2)

شرح النووي على مسلم (16/ 181).

(3)

شرح الصحيح لابن بطال (3/ 248).

(4)

شرح الصحيح (3/ 248 - 249).

ص: 38

أبي هريرة قال: عاد رسول الله وأنا معه مريضا كان يتوعك فقال: أبشر فإن الله تعالى يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من نار الأخرة ا. هـ ذكره العراقي

(1)

.

قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قال القاضي عياض: وهو الجواز على الصراط وعليها وهي جامدة كالإهالة وقيل المراد سرعة الجواز عليه

(2)

ا. هـ.

قوله: وفي رواية مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لنسوة من الأنصار لا يموت لأحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة" الحديث أما التقييد بقوله فتحتسبه فلعله إنما ذكر ذلك للنساء لقلة الصبر عندهن وكثرة الجزع فيهن مع إظهار التفجع بفعل ما لا يجوز من كثير منهن فردعهن عن ذلك بهذا الكلام ليحصل إنكفافهن عما يتعاطينه من الأمور المحرمة فكان فائدة هذا التقييد ارتداعهن عن ذلك لا تخصيص الحكم به وقد فهمت في الأصول أن شرط العمل بالمفهوم أن يظهر له فائدة سوى تخصيص الحكم ا. هـ ذكره العراقي أيضا

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: في رواية الأخرى قال: "أتت امرأة بصبي لها فقالت يا نبي الله ادع الله لي فلقد دفنت ثلاثة فقال أدفنت ثلاثة قالت نعم قال: لقد احتظرت بحظار شديد من النار" الحظار هو الحائط يجعل حول الشيء

(1)

طرح التثريب (3/ 253).

(2)

مشارق الأنوار (1/ 196).

(3)

طرح التثريب (3/ 248 - 249).

ص: 39

كالسور المانع ومعنى الحديث لقد احتميت وتحصنت من النار بحمى عظيم وحصن حصين قاله المنذري وقال: بعضهم معناه لقد احتميت بحمى عظيم من النار يقيك حرها ويؤمنك دخولها، الحظار المنع والحظار بكسر الحاء وفتحها ما يجعل حول البستان وغيره من قضبان وغيرها ا. هـ قال العلماء وفي هذه الأحاديث دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة وقد نقل جماعة وفيه إجماع المسلمين وقال المازري

(1)

: أما أولاد الأنبياء صلوت الله عليهم وسلامه عليهم فالإجماع مختفي على أنهم في الجنة وأما أطفال من سواهم من المؤمنين فجماهير العلماء على القطع لهم بالجنة ونقل جماعة الإجماع في كونهم من أهل الجنة قطعا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}

(2)

الآية وتوقف بعض المتكلمين فيها وأشار أنه لا يقطع لهم كالمكلفين وأما أولاد المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب قال: الأكثرون هم في النار تبعا لأبائهم وتوقف طائفة فيهم والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة واستدل بأشياء منها حديث إبراهيم الخليل حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وحوله أولاد الناس قالوا يا رسول الله وأولاد المشركين قال أولاد المشركين ومنه قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}

(3)

ولا يتوجه على المولود التكليف ولا يلزمه

(1)

المعلم (3/ 307).

(2)

سورة الطور، الآية:21.

(3)

سورة الإسراء، الآية:75.

ص: 40

قول الرسول حتى يبلغ وهذا متفق عليه وتقدم الكلام على شيء من ذلك في ترك الصلاة في حديث الخليل المطول والله أعلم.

3051 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من مُسلمين يَمُوت بَينهمَا ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث إِلَّا أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

وَهُوَ فِي الْمسند من حَدِيث أم أنس بن مَالك وَفِي النَّسَائِيّ بِنَحْوِهِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَزَاد فِيهِ قَالَ يُقَال لَهُم ادخُلُوا الْجنَّة فَيَقُولُونَ حَتَّى تدخل آبَاؤُنَا فَيُقَال لَهُم ادخُلُوا الْجنَّة أَنْتُم وآباؤكم

(2)

.

(1)

أخرجه أحمد 5/ 151 (21736) و 5/ 153 (21755) و 5/ 159 (21812) و 5/ 164 (21853)، والبخاري في الأدب المفرد (150)، والبزار (3909)، والنسائي في المجتبى 4/ 44 (1890) والكبرى (2014)، وأبو عوانة (7926) و (7927) و (7928)، وابن حبان (2940) و (4643)، والحاكم في المستدرك: 2/ 86. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1995)، الصحيحة (2260)، صحيح الجامع (5776).

(2)

أما حديث أم أنس: أخرجه ابن أبى شيبة 3/ 36 (11882)، وإسحاق (2162)، وأحمد 6/ 376 (27757) و 6/ 431 (28072)، والبخاري في الأدب المفرد (149)، والطبراني في الكبير 25/ 126 (305) و (306). وقال الهيثمي في المجمع 3/ 6 و 3/ 8: رواه أحمد، والطبراني في الكبير، وفيه عمر بن عاصم الأنصاري، ولم أجد من وثقه ولا ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1996).

وأما حديث أبى هريرة: أخرجه أحمد 2/ 510 (10772)، والنسائي في المجتبى 4/ 45 (1892) والكبرى (2016)، وأبو يعلى (6079)، والبيهقي في الكبرى (4/ 113 رقم 7144)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (2292). وصححه الألباني في أحكام الجنائز 23، صحيح الترغيب (1997)، صحيح الجامع (5780).

ص: 41

3052 -

وَعَن أبي حسان رضي الله عنه قَالَ قلت لأبي هُرَيْرَة إِنَّه قد مَاتَ لي ابْنَانِ فَمَا أَنْت محدثي عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِحَدِيث يطيب أَنْفُسنَا عَن مَوتَانا قَالَ نعم صغارهم دعاميص الْجنَّة يتلَقَّى أحدهم أَبَاهُ أَو قَالَ أَبَوَيْهِ فَيَأْخُذ بِثَوْبِهِ أَو قَالَ بِيَدِهِ كَمَا آخذ أَنا بصنفة ثَوْبك هَذَا فَلَا يتناهى أَو قَالَ يَنْتَهِي حَتَّى يدْخلهُ الله وأباه الْجنَّة رَوَاهُ مُسلم

(1)

الدعاميص بِفَتْح الدَّال جمع دعموص بضَمهَا وَهِي دويبة صَغِيرَة يضْرب لَوْنهَا إِلَى السوَاد تكون فِي الغدران إِذا نشفت شبه الطِّفْل بهَا فِي الْجنَّة لصغره وَسُرْعَة حركته وَقيل هُوَ اسْم للرجل الزوار للملوك الْكثير الدُّخُول عَلَيْهِم وَالْخُرُوج لَا يتَوَقَّف على إِذن مِنْهُم وَلَا يخَاف أَيْن ذهب من دِيَارهمْ شبه طِفْل الْجنَّة بِهِ لِكَثْرَة ذَهَابه فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَ لَا يمْتَنع من بَيت فِيهَا وَلَا مَوضِع وَهَذَا قَول ظَاهر وَالله أعلم وصنفة الثَّوْب بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَالنُّون بعدهمَا فَاء وتاء تَأْنِيث هِيَ حَاشِيَته وطرفه الَّذِي لَا هدب لَهُ وَقيل بل هِيَ النَّاحِيَة ذَات الهدب.

قوله: وعن أبي حسان رضي الله عنه (هو خالد بن غلاق القيسي، ويقال: العيشي أبو حسان البصري قال ابن سعد: وكان ثقة قليل الحديث ووثقه ابن حبان).

(1)

أخرجه إسحاق (144)، وأحمد 2/ 448 (10469) و (10475) و 2/ 510 (10770)، والبخاري في الأدب المفرد (145)، ومسلم (154 - 2635)، والبزار (9548)، وأبو عوانة (11503) و (11504) والبيهقي في الكبرى (4/ 112 - 113 رقم 7142 و 7143) والشعب (12/ 214 رقم 9296) والقضاء والقدر (633). وصححه الألباني في الصحيحة (432) وصحيح الترغيب (1998).

ص: 42

قوله: "قلت لأبي هريرة إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يطيب أنفسنا عن موتانا قال نعم صغارهم دعاميص الجنة" الحديث هذا الحديث يدل أيضا على أن صغار أولاد المؤمنين في الجنة وهو قول أكثر العلم وهو مقتضى ظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ}

(1)

وقد أنكر بعض العلماء الخلاف فيهم وهذا فيما عدا أولاد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فإنه قد تقرر الإجماع على أنهم في الجنة حكاه أبو عبد الله المازري وتقدم الكلام على ذلك في الحديث قبل قبله قوله: صلى الله عليه وسلم "صغارهم دعاميص الجنة" أي صغار أهلها وأصل الدعموص دوييه تكون في الماء لا تفارقه أبدا أي أن هذا الصغير في الجنة لا يفارقها أبدا والدعاميص أيضا جمع دعموص دويبة صغيرة يضرب لونها إلى السواد تكون بالغدران إذا نشفت ا. هـ قاله المنذري وقال غيره الدعموص بضم الدال دويبة تغوص في الماء والجمع الدعاميص كبرغوث براغيث وقال: السهيلي

(2)

دعموص سمكة صغيره كحية الماء كذا جاء مستعارا في هذا الحديث وكذا استعارت عائشة رضي الله عنها العصفور حين نظر على طفل صغير قد مات فقالت طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سواء فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وخلق النار وخلق لها أهلا وفي حديث آخر خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم في أصلاب

(1)

سورة الطور، الآية:21.

(2)

الروض الأنف (2/ 371 - 372).

ص: 43

آبائهم"

(1)

الأصلاب جمع صلب وهو الظهر وفي الحديث أن رجلا زنى فمسخه الله تعالى دعموصا.

وقال الجاحظ: إذا كبر الناموس صار دعاميص وهو يتولد من الماء الراكد وإذا كبد صار فراشا ولعل هذا هو عمدة جعل الجراد بحريا قال: الحافظ المنذري شبه الطفل بها في الجنة لصغره وسرعة حركته إلى آخره ودعميص اسم رجل كان كاهنا يقال هذا دعميص هذا الأمر أي عالم به

(2)

ا. هـ.

مسألة فقهية: في فتاوى القاضي حسين أن دود الماء لو انشق أو ذاب فخرج منه ماء كان ذلك الماء طهورا يجوز منه التوضؤ وعلله بأن هذا الدود ليس بحيوان بل هو ينعقد من دخان يصعد من الماء فيشبه الدود وهذا صريح في جواز شرب الدعميص في الماء لأنها ماء منعقد والظاهر أن هذا لا يوافق عليه والمشهور خلاف ما قاله تفسيرا وحكما أنه محرم الأكل لاستقذاره لأنه من الحشرات والله أعلم قاله الكمال الدميري في حياة الحيوان

(3)

.

مسألة أيضا يحرم أكل الدود بجميع أنواعه لأنه مستخبث إلا ما تولد من مأكول ففيه عندنا ثلاثة أوجه أصحها جواز أكله معه لا منفردا والثاني يجب تمييزه ولا يؤكل أصلا والثالث يؤكل معه ومنفردا وعلى الأصح إطلاقهم أنه

(1)

أخرجه مسلم (30 و 31 - 2662)، وأبو داود (4713)، وابن ماجه (82)، والنسائي في المجتبى 4/ 93 (1963)، وابن حبان (138) و (6173) عن عائشة.

(2)

حياة الحيوان (1/ 468).

(3)

حياة الحيوان الكبرى (1/ 468 - 469).

ص: 44

لا فرق بين أن يسهل تمييزه أو يشق ولا يجوز بيع الدود إلا القرمذ الذي يصبغ به وهو دود أحمر يوجد في شجر البلوط في بعض البلاد صدفي شبيه بالحلزون تجمعه نساء تلك البلاد بأفواههن وكذلك دود القز ويجب إطعامه ورق الفرصاد ويجوز تشميسه وإن هلك لتحصيل فائدته ويجوز بيع الفيلج وفي باطنه الدود الميت لأن بقاءه فيه من مصلحته فيباع وزنا وجزافا كما صرح به القاضي حسين وقال الإمام: إن باعه وزنا لم يجز وإن باعه جزافا جاز وهذا هو الصحيح المعتمد لأن الدود الذي فيه يمنع معرفة مقدارا ما فيه من المقصود وهو القز والله أعلم قاله الكمال أيضا في كتابه المذكور في المسألة

(1)

.

قوله: في الحديث "يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه" هذا شك من الراوي فيأخذ بثوبه أو قال بيده شك أيضا من الراوي "كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا" وصنفة الثوب هي حاشيته وطرفه الذي لا هدب له وقيل بل هي الناحية ذات الهدب قاله الحافظ وقيل الدعموص للرجل الزوار للملوك الكثير الدخول عليهم والخروج لا يتوقف على إذن منهم ولا يخاف أين ذهب من ديارهم شبه به لكثرة ذهابه في الجنة حيث شاء لا يمتنع من بيت فيها ولا موضع وهذا قول ظاهر والله أعلم انتهى.

وقال في النهاية

(2)

: الدعموص أيضا الدخال في الأمور أي أنهم سياحون

(1)

حياة الحيوان (1/ 476 - 477).

(2)

النهاية (2/ 120).

ص: 45

في الجنة دخالون في مناد لا يمنعون من موضع كما أن الصبيان في الدنيا لا يمنعون من الدخول على الحرم ولا يحتجب منهم أحد ا. هـ.

وقال القرطبي

(1)

: وقد سمعت من بعض من لقيه أن الدعموص يراد به الآذن على الملك المتصرف بين يديه وأنشأ لأميه بن أبي الصلت:

دعموص أبواب الملوك وجابر للخرق فاتح.

قوله: في الحديث يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه شك الراوي فيأخذ بثوبه أو قال: بيده شك أيضا من الراوي كما "كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا" وصنف الثوب هي حاشيته وطرفه الذي لا هدب له وقيل بل هي الناحية ذات الهدب قاله الحافظ

قوله: "فلا يتناهى أو قال ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة" يتناهي وينتهى بمعنى واحد أي لا يتركه ويكون التناهي أيضا من النهي.

3053 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله ذهب الرِّجَال بحديثك فَاجْعَلْ لنا من نَفسك يَوْمًا نأتك فِيهِ تعلمنا مِمَّا علمك الله قَالَ اجْتَمعْنَ يَوْم كَذَا وَكَذَا فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا فاجتمعن فأتاهن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فعلمهن مِمَّا علمه الله ثمَّ قَالَ مَا مِنْكُن من امْرَأَة تقدم ثَلَاثَة من الْوَلَد إِلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابا من النَّار فَقَالَت امْرَأَة واثنين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم واثنين رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا

(2)

.

(1)

المفهم (22/ 9).

(2)

أخرجه البخاري (101 و 102) و (1249) و (7310)، ومسلم (152 و 153 - 2633)، =

ص: 46

قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: صلى الله عليه وسلم "ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار" قال القاضي عياض

(1)

: أي ما يترك أخذه بأبيه وتعلقه به وروى ابن حبان في كتاب الضعفاء من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا بأن "المولود يقال له ادخل الجنة فيقف على باب الجنة أى ممتلئا غيظا وغضبا ويقول لا أدخل الجنة إلا وأبوي معي فيقال ادخلوا بأبويه معه"

(2)

ا. هـ.

قوله: قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: صلى الله عليه وسلم "ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار" تقدم الكلام على ذلك.

3054 -

وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: "من أثكل ثَلَاثَة من صلبه فاحتسبهم على الله فِي سَبِيل الله عز وجل وَجَبت لَهُ الْجنَّة" رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته ثِقَات

(3)

.

= وابن حبان (2944)، وأبو عوانة (11484)، والبيهقي في الشعب (12/ 208 - 209 رقم 9287).

(1)

إكمال المعلم (8/ 113).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير 19/ 416 (1004). قال الهيثمي في المجمع 4/ 258: رواه الطبراني، وفيه علي بن الربيع، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3291).

(3)

أخرجه أحمد 4/ 144 (17571)، والروياني (230)، والطبراني في الكبير 17/ 300 (829)، والدمياطي في الاغتباط والتسلى (60). وقال الدمياطي: إنه على رسم أبى داود والنسائي. وقال الهيثمي في المجمع 3/ 5 - 6: رواه أحمد، والطبراني في الكبير، ورجال الطبراني ثقات. وصححه الألباني في الصحيحة (2296) وصحيح الترغيب (2000).

ص: 47

قوله: وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: صلى الله عليه وسلم أنه قال "من أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله" الحديث الثكل فقدان المرأة ولدها كذلك الثكل بالتحريك وامرأة ثاكل وثكلى وثكلته أمه ثكلا وأثكله الله أمه قاله الجوهري في صحاحه

(1)

.

قوله: "فاحتسبهم في سبيل الله" تقدم الكلام على الاحتساب أن الاحتساب في الأعمال الصالحة هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر أو باستعماله أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها وتقدم.

3055 -

وَعَن عبد الرَّحْمَن بن بشير الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث لم يرد النَّار إِلَّا عَابِر سَبيل يَعْنِي الْجَوَاز على الصِّرَاط رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ وَله شَوَاهِد كَثِيرَة

(2)

.

قوله وعن عبد الرحمن بشير الأنصاري

(3)

(هو عبد الرحمن بن بشير

(1)

الصحاح (4/ 1647).

(2)

أخرجه أبو نعيم في الصحابة (4647). وقال الهيثمي في المجمع 3/ 6 - 7: ورجاله موثقون خلا شيخ الطبراني أحمد بن مسعود المقدسي؛ ولم أجد من ترجمه. أحمد بن مسعود أبو الحسن وقيل: أبو عبد الله الخياط المقدسي ترجمه غير واحد قال الذهبي في السير (13/ 244 ترجمة 126): المحدث الإمام آخر من حدث عنه الطبراني. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2001).

(3)

ترجمته: الاستيعاب 2/ الترجمة 1393، وأسد الغابة 3/ الترجمة 3277، والإصابة 4/ الترجمة 5102.

ص: 48

وقيل بشر، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل علي، روى عنه: الشعبي، وابن سيرين، وعبد الملك بن عمير).

قوله: صلى الله عليه وسلم "من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم يرد النار إلا عابر سبيل يعني الجواز على الصراط" تقدم الكلام على ذلك مبسوطا.

3056 -

وَعَن أبي أُمَامَة عَن عَمْرو بن عبسة رضي الله عنه قَالَ قلت لَهُ حَدثنَا حَدِيثا سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِيهِ انتقاص وَلَا وهم قَالَ سمعته يَقُول من ولد لَهُ ثَلَاَثة أَوْلاد فِي الْإِسْلَام فماتوا قبل أَن يبلغُوا الْحِنْث أدخلهُ الله الْجنَّة برحمته إيَّاهُم وَمن أنْفق زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله فَإِن للجنة ثَمَانِيَة أَبْوَاب يدْخلهُ الله من أَي بَاب شَاءَ من الْجنَّة رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن

(1)

.

قوله: وعن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه تقدم الكلام عليهما رضى الله عنهما.

قوله: "قلت له حدثنى حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه انتقاص ولا وهم" الحديث يقال وهم الرجل إذا غلط في الشيء ووهم مفتوحة الهاء إذا ذهب وهمه إلى الشيء وأوهم بالألف إذا سقط من قراءته وكلامه شيئا ا. هـ ورأيت بعضهم ذكره بسكون الهاء والله أعلم.

قوله: صلى الله عليه وسلم "من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة برحمته إياهم" تقدم الكلام على ذلك.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور (2419)، وأحمد 4/ 386 (19747)، وعبد بن حميد (298). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2002).

ص: 49

قوله: صلى الله عليه وسلم "ومن أنفق زوجين في سبيل الله فإن للجنة ثمانية أبواب يدخله الله من أي باب شاء من الجنة" الحديث قال الهروي صاحب الغريبين في تفسير هذا الحديث

(1)

: قيل وما زوجان قال فرسان أو عبدان أو بعيران قال أئمة اللغة الزوج ينطلق على المفرد ومنه قوله تعالى: {كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}

(2)

وينطلق على المثنى وقد بين في الحديث على ما ذكر الهروي أن المراد من الزوجين اثنان متجانسان كفرسين أو عبدين أو بعيرين ويقاس بهما الدرهمان والديناران.

وقال: بعضهم وكل شيء يقرن بصاحبه فهو زوج يقال زوجت بين الإبل إذا قرنت بعيرا ببعير وقيل درهم ودينار أو درهم وثوب.

وقال القاضي أبو الوليد الباجي

(3)

: يحتمل أن يريد عملا من الأعمال كصلاتين وصيام يومين وقال الحسن البصري: يعني اثنين من كل شيء درهمين دينارين ثوبين وقال: غيره يريد شيئين درهما ودينارا درهما وثوبا خفا ولجاما ونحو هذا ا. هـ.

وقال بعضهم: ويحتمل أن يراد به تكرار الإنفاق ومرة بعد مرة لأنه إذا أنفق بعد الإنفاق أي يتعود ذلك ويتخذه دأبا وعادة كذا ذكره في كتاب الميسر

(4)

.

(1)

المعلم (2/ 26).

(2)

سورة هود، الآية:40.

(3)

المنتقى (3/ 218) والمسالك (5/ 124).

(4)

الميسر (2/ 442) للتوربشتي.

ص: 50

قوله: "في سبيل الله" المراد به الجهاد وقيل هو وعلى العموم في جميع وجوه الخير فيتناول جميع وجوه البر وهذا هو الأصح والأظهر وهو الذي رجحه القاضي عياض

(1)

والله أعلم.

3057 -

وَعَن حَبِيبَة أَنَّهَا كَانَت عِنْد عَائِشَة رضي الله عنها فجَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى دخل عَلَيْهَا فَقَالَ مَا من مُسلمين يَمُوت لَهما ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث إِلَّا جِيءَ بهم يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يوقفوا على بَاب الْجنَّة فَيُقَال لَهُم ادخُلُوا الْجنَّة فَيَقُولُونَ حَتَّى تدخل آبَاؤُنَا فَيُقَال لَهُم ادخُلُوا الْجنَّة أَنْتُم وآباؤكم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن جيد

(2)

.

قوله (وَعَن حَبِيبَة هى حبيبة بنت أبي سفيان، قاله أبان بن صمعة لم يرو عنها غير ابن سيرين، ولا تعرف لأبي سفيان بنت اسمها حبيبة، قال أبو عمر: والذي أظنه "حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان").

قوله: صلى الله عليه وسلم "ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث"

(1)

إكمال المعلم (3/ 555).

(2)

أخرجه إسحاق (2074)، وابن سعد في الطبقات 8/ 446، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 452)، وابن أبى عاصم في الآحاد والمثانى (3304)، والطبراني في الكبير 24/ 224 (570 و 571) ومن طريقه الدمياطي في التسلي والاغتباط (87 و 88)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7573).

قال الهيثمي في المجمع 3/ 7: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح خلا يزيد بن أبي بكرة؛ وقد وثقه ابن حبان، وأعاده بإسناد آخر، ورجاله ثقات، وليس فيه يزيد بن أبي بكرة، والله أعلم. وصححه الألباني في الصحيحة (3416) وصحيح الترغيب (2003).

ص: 51

فائدة: فيها بشرى وفي خبر أخر أن الأطفال يجتمعون في موقف القيامة عند عرض الخلائق للحساب فيقال للملائكة اذهبوا بهؤلاء إلى الجنة فيقفون على بابها فيقال لهم مرحبا بذراري المسلمين ادخلوا لا حساب عليكم فيقولوا وأين آباؤنا وأمهاتنا فتقول الخزنة إن أبائكم وأمهاتكم ليسوا مثلكم إنهم كانت لهم ذنوب وسيئات فهم يحاسبون عليها ويطالبون فيضجون ويتضاغون على باب الجنة ضجة واحدة فيقول الله تعالى وهو أعلم بهم ما هذه الضجة فيقولون يا ربنا أطفال المسلمين قالوا لا ندخل الجنة إلا مع أبائنا فيقول الله تبارك وتعالى تخللوا الجمع فخذوا بأيدي أبائكم وأمهاتكم فأدخلوهم الجنة

(1)

ا. هـ قاله في شرح الإلمام.

3058 -

وَعَن زُهَيْر بن عَلْقَمَة رضي الله عنه قَالَ جَاءَت امْرَأَة من الْأَنْصَار إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي ابْن لهَا مَاتَ فَكَأَن الْقَوْم عنفوها فَقَالَت يَا رَسُول الله قد مَاتَ لي ابْنَانِ مُنْذُ دخلت فِي الْإِسْلَام سوى هَذَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالله لقد احتظرت من النَّار بحظار شَدِيد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد صَحِيح وَتقدم معنى الحظار

(2)

.

(1)

قال العراقي في تخريج الإحياء (462): لم أجد له أصلا.

(2)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 426)، وابن أبى خيثمة في التاريخ الكبير - السفر الثانى (1/ 239 رقم 824)، والبغوي في معجم الصحابة (896)، وابن قانع (1/ 239 - 240)، والطبراني في الكبير (5/ 273 رقم 5307)، وأبو نعيم في معجم الصحابة (3071 و 3072 و 3073). قال الهيثمي في المجمع 3/ 7: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (858) وقال في اسم راويه زهير بن أبي =

ص: 52

قوله: عن زهير بن علقمة

(1)

رضي الله عنه: (زهير بن علقمة البجلي وقيل: النخعي، وقيل: زهير بن أبي علقمة، سكن الكوفة، روى إياد بن لقيط قال البخاري ليست له صحبة وقال البغوي: لا أعرف له صحبة، إلا أنهم أدخلوه في المسند، وقال ابن عبد البر وقد ذكره غيره في الصحابة).

قوله: فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لقد احتظرت من النار بحظار شديد" تقدم معنى الحظار.

3059 -

وَعَن الْحَارِث بن أقيش رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من مُسلمين يَمُوت لَهما أَرْبَعَة أَوْلَاد إِلَّا أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته قَالَ رجل يَا رَسُول الله وَثَلَاثَة قَالَ وَثَلَاثَة قَالَ وَاثْنَانِ رَوَاهُ عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد فِي زوائده وَأَبُو يعلى بِإِسْنَاد صَحِيح وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من مُسلمين يقدمان ثَلَاثَة لم يبلغُوا الْحِنْث إِلَّا أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم قَالُوا يَا رَسُول الله وذوا الْإِثْنَيْنِ قَالَ وذوا الْإِثْنَيْنِ إِن من أمتِي من يدْخل الْجنَّة بشفتاعته أَكثر من مُضر وَإِن من أمتِي من يستعظم للنار حَتَّى يكون إِحْدَى زواياها

(2)

.

= علقمة. قال البزار: لا نعلم أسند زهير إلا هذا. وقال الهيثمي في المجمع 3/ 8: رواه البزار، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2004).

(1)

ترجمته: الاستيعاب 2/ الترجمة 823، وأسد الغابة 2/ الترجمة 1775 و 1776، والإصابة 2/ الترجمة 2840.

(2)

أخرجه ابن أبى شيبة 3/ 36 (11879)، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند 5/ 312 =

ص: 53

قوله: وعن الحارث بن أقيش

(1)

رضي الله عنه أقيش بضم الهمزة وفتح القاف وبعدها شين معجمة ذكره أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة وقال وقيش بالواو وفي أوله وبعدها قاف وشين والله أعلم.

قوله: "من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من مضر" اسم قبيلة من قبائل العرب.

3060 -

وَعَن أبي برزة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من مُسلمين يَمُوت لَهما أَرْبَعَة أفراط إِلَّا أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته قَالُوا يَا رَسُول الله وَثَلَاثَة قَالَ وَثَلَاثَة قَالُوا وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ قَالَ وَإِن من أتِي لمن يعظم للنار حَتَّى يكون أحد زواياها وَإِن من أمتِي من يدْخل الْجنَّة بِشَفَاعَتِهِ مثل مُضر رَوَاهُ عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد وَرُوَاته ثِقَات

(2)

وَأرَاهُ حَدِيث الْحَارِث بن أقيش الَّذِي قبله وَيَأْتِي

= (23105)، وابن أبى عاصم في الآحاد والمثانى (1055)، وأبو يعلى (1581)، وابن خزيمة في التوحيد (2/ 742 و 743)، والطبراني في الكبير (3/ 264 رقم 3359) و (3/ 365 رقم 3360 و 3361 و 3362)، وأبو الطاهر المخلص في المخلصيات (359)، والحاكم في المستدرك (1/ 71). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي في المجمع 3/ 8: رواه عبد الله بن أحمد، والطبراني في الكبير، وأبو يعلى، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2005) من طريق وبلفظ الحاكم وضعفه من الرواية الأولى في الضعيفة (2121) وضعيف الترغيب (1233).

(1)

ترجمته: الاستيعاب 1/ 389، وأسد الغابة 1/ 844، وتهذيب الكمال 5/ 1009، والإصابة 1/ 1367.

(2)

أخرجه أحمد في المسند 4/ 212 (18139). قال الهيثمي في المجمع 3/ 8: رواه أحمد من حديث أبي برزة، ورجاله ثقات. وضعفه الألباني في الضعيفة (4823) وضعيف الترغيب (1234).

ص: 54

بَيَان ذَلِك إِن شَاءَ الله.

قوله: وعن أبي برزة رضي الله عنه (اسم أبى برزة الصحابي: نضلة، بنون ثم ضاد معجمة، ابن عبيد، هذا هو الصحيح المشهور في اسمه، ويقال: نضلة بن عمرو، ويقال: نضلة بن عبد الله. قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور، وقيل: اسمه عبد الله بن نضلة، وقيل: نضلة بن نيار، قال: وقيل: كان اسمه نضلة بن نيار، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، وقال: نيار شيطان، وأبو برزة هذا أسلمى من ولد أسلم بن أفصى بن حارثة، أسلم أبو برزة قديمًا، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة. رُوي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة وأربعون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على حديثين، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بأربعة. روى عنه سيار بن سلامة، وأبو عثمان النهدى، والأزرق بن قيس، وغيرهم، نزل البصرة، وولد بها، ثم غزا خراسان، وقيل: إنه رجع إلى البصرة فتوفي بها، وقيل: توفي بخراسان في خلافة معاوية أو يزيد، وقيل: توفي سنة ثنتين، وقيل: سنة أربع وستين. قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور: قيل: بخراسان، وقيل: بنيسابور، وقيل: بمفازة بين سجستان وهراة، وقيل: بالبصرة، رضى الله عنه).

قوله: صلى الله عليه وسلم قال "ما من مسلمين يموت لهما أربعة أفراط إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته" جمع فرط وهو الذي يدرك من الأولاد والذكور والإناث وسيأتي الكلام عليه مبسوطا.

ص: 55

3061 -

وَعَن أبي ثَعْلَبَة الْأَشْجَعِيّ رضي الله عنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَاتَ لي ولدان فِي الْإِسْلام فَقَالَ من مَاتَ لَهُ ولدان فِي الْإِسْلَام أدخلهُ الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُمَا قَالَ فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك لَقِيَنِي أَبُو هُرَيْرَة فَقَالَ لي أَنْت الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الزائدين مَا قَالَ قلت نعم قَالَ لِأَن يكون قَالَه لي أحب إِلَيّ مِمَّا غلقت عَلَيْهِ حمص وفلسطين رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرانِيّ ورواة أَحْمد ثِقَات فلسطين بِكَسْر الْفَاء وَفتح اللَّام وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة كورة بِالشَّام وَقد تفتح الْفَاء

(1)

.

قوله: وعن أبي ثعلبة الأشجعي رضي الله عنه: (أبو ثعلبة الأشجعي له صحبة، قاله البخاري، يعد في أهل الحجاز وقال البغوي: سكن المدينة).

قوله: قال "لأن يكون قاله لي أحب إلي مما غلقت عليه حمص وفلسطين" تقدم الكلام على حمص في باب الحمام وفلسطين

(1)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 213)، وأحمد 6/ 396 (27863)، والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 201)، وابن أبى عاصم في الآحاد والمثاني (1311 و 1312)، والدولابي في الكنى (138)، والطبراني في الكبير 22/ 383 (956) و 22/ 384 (957). قال الدارقطني في العلل (1166): يرويه ابن جريج، واختلف عنه؛ فرواه حماد بن مسعدة، وغيره، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن عمر بن نبهان، عن أبي ثعلبة. ورواه غيره، عن ابن جريج بهذا الإسناد، عن أبي هريرة. والقول قول حماد بن مسعدة، ومن تابعه، لأنه ذكر فيه أبا ثعلبة، وذكر أبا هريرة في آخره، ويقال: إن هذا أبو ثعلبة الأشجعي، وليس بالخشني. وقال الهيثمي في المجمع 3/ 7: رواه أحمد، والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1235).

ص: 56

كورة بالشام قاله المنذري وقال في التنقيح

(1)

: فلسطين كورة كبيرة من كور الشام فيها عدة مدن فيها البيت المقدس والرملة وعسقلان وغير ذلك ومن العرب من يقول فلسطون في الرفع وبالياء في غيره ومنهم من يجريها بالياء في كل حال ويعرب النون وفلسطين أيضا قرية بالعراق ا. هـ.

وقال في النهاية

(2)

: فلسطين هي بكسر الفاء وفتح اللام الكورة المعروفة فيما بين الأردن وديار مصر وأم بلادها القدس ا. هـ.

3062 -

وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد فاحتبسهم دخل الْجنَّة قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ قَالَ مَحْمُود يَعْنِي ابْن لبيد فَقلت لجَابِر أَرَاكُم لَو قُلْتُمْ وَاحِدًا لقَالَ وَاحِدًا قَالَ وَأَنا أَظن ذَلِك رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(3)

.

قوله: وعن جابر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: يقول "من مات له ثلاثة من الولد فاحتبسهم دخل الجنة" أي احتسب الأجر بصبره على مصيبة به في جملة بلايا الله التي يثاب على الصبر عليها قاله في النهاية والاسم منه الحسبان بكسر الحاء والاحتساب.

(1)

كشف المناهج والتناقيح (3/ 385).

(2)

النهاية (3/ 471).

(3)

أخرجه أحمد 3/ 306 (14506)، والبخاري في الأدب المفرد (146)، وابن حبان (2946)، والبيهقي في الآداب (ص 303 رقم 750) والشعب (12/ 210 رقم 9289). قال الهيثمي في المجمع 3/ 7: رجاله ثقات. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (2006).

ص: 57

قوله: قال: محمود يعني ابن لبيد فقلت لجابر أراكم لو قلتم واحدا لقال واحدا" أراكم بضم الهمزة معناها أظنكم.

3063 -

وَعَن قُرَّة بن إِيَاس رضي الله عنه أَن رجلا كانَ يَأْتِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ابْن لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم تحبه قَالَ نعم يَا رَسُول الله أحبك الله كَمَا أحبه فَفَقدهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا فعل فلَان بن فلَان قَالُوا يَا رَسُول الله مَاتَ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لأبيه أَلا تحب أَن لَا تَأتي بَابا من أَبْوَاب الْجنَّة إِلَّا وجدته ينتظرك فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله أَله خَاصَّة أم لكلنا قَالَ بل لكلكم رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَابْن حبَان فِي صَحِيحه بِاخْتِصَار قَول الرجل أَله خَاصَّة إِلَى آخِره وَفِي رِوَايَة للنسائي قَالَ كانَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم إِذا جلس جلس إِلَيْهِ نفر من أَصْحَابه فيهم رجل لَهُ ابْن صَغِير يَأْتِيهِ من خلف ظَهره فيقعده بَين يَدَيْهِ فَهَلَك فَامْتنعَ الرجل أَن يحضر الْحلقَة لذكر ابْنه فَفَقدهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا لي لَا أرى فلانا قَالُوا يَا رَسُول الله بنيه الَّذِي رَأَيْته هلك فَلَقِيَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَن بنيه فَأخْبرهُ أَنه هلك فَعَزاهُ عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا فلَان أَيّمَا كَانَ أحب إِلَيْك أَن تتمتع بِهِ عمرك أَو لَا تَأتي إِلَى بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة إِلَّا وجدته قد سَبَقَك إِلَيْهِ يَفْتَحهُ لَك، قَالَ يَا نَبِي الله بل يسبقني إِلَى بَاب الْجنَّة فيفتحها لَهو أحب إِلَيّ قَالَ فَذَاك لَك

(1)

.

(1)

أخرجه الطيالسي (1171)، وابن أبى شيبة 3/ 36 (11886)، وأحمد 3/ 436 (15835) و 5/ 35 (20692)، والبزار (3302)، والنسائي في المجتبى 4/ 41 (1886) و 4/ 185 (2106) والكبرى (2009)، والروياني (938)، والدولابي في الكنى (628)، والبغوي في الجغديات (1075) ومعجم الصحابة (1995)، وابن حبان (2947)، والطبراني في الكبير 19/ 26 (54) و 19/ 31 (66)، والحاكم 1/ 384، =

ص: 58

قوله: وعن قرة بن إياس رضي الله عنه

(1)

(هو قرة بن إياس بن هلال بن رباب بن عبيد بن سارية بن ذبيان بن ثعلبة بن سليمان بن أوس بن عمرو المزني الصحابي هو جد إياس بن معاوية بن قرة، قاضى البصرة الموصوف بالذكاء، وكان قرة يسكن البصرة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه ابنه معاوية، وبه كان يكني).

قوله: أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له فقال النبي صلى الله عليه وسلم تحبه قال نعم يا رسول الله أحبك الله كما أحبه" الحديث.

فائدة: وعن أنس قال: "مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها لا تحدثوا أبا طلحة بموت ابنه حتى أكون أنا أحدثه قال: فجاء فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب، فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، قال: فغضب، وقال: تركتني حتى تلطخت، ثم

= والبيهقي في الآداب (924) والكبرى (4/ 98 - 99 رقم 7089) والشعب (12/ 215 - 216 رقم 9297 و 9298). قال الهيثمي في المجمع 3/ 9 - 10: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2007)، وأحكام الجنائز (ص 205)، والمشكاة (1756).

(1)

ترجمته: الاستيعاب 3/ 2110، وأسد الغابة 4/ 4292، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 509، وتهذيب الكمال 23/ 4867، والإصابة: 3/ الترجمة 7101.

ص: 59

أخبرتني بابني فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بارك الله لكما في غابر ليلتكما" قال: فحملت

(1)

، وعن أنس أيضا توفي ابن لعثمان بن مظعون فأشتد حزنه عليه حتى اتخذ في داره مسجدا يتعبد فيه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عثمان إن الله عز وجل لم يكتب علينا الرهبانية وإنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله يا عثمان للجنة ثمانية أبواب وللنار سبعة (أبواب) فما يسرك أن تأتي بابا منها إلا وجدت ابنك إلى جنبك آخذا بحجزتك يشفع لك إلى ربك عز وجل قال: بلى قيل يا رسول الله ولنا في فرطنا ما لعثمان؟ قال: نعم لمن صبر واحتسب

(2)

.

فرع: في الحديث "الغلام مرتهن بعقيقته"

(3)

قيل معناه أن أباه يحرم

(1)

أخرجه البخاري (1301) و (5470)، ومسلم (23 - 2144) و (107 - 2144) واللفظ لمسلم.

(2)

أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4923) مختصرا، والبيهقي في الشعب (12/ 220 - 221 رقم 9304 و 9305) واللفظ له من طريقين. الأول من رواية بن وهب، عن ثوابة بن مسعود، عمن حدثه، عن أنس بن مالك. وهو إسناد ضعيف لانقطاعه وثوابه قال ابن يونس: شيخ لابن وهب. أقرأ بمصر، وكان منكر الحديث. وأما الثانى فمن رواية عبد الله بن الجراح القهستاني، نا عبد الخالق بن إبراهيم بن طهمان، عن أبيه، عن بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك. وهو أشد ضعفا من سابقه فعبد الخالق مجهول، وقال ابن عدى: وضرار بن عمرو هذا منكر الحديث، وقال الدارقطني متروك.

(3)

أخرجه ابن ماجه (3165)، وأبو داود (2837) و (2838)، والترمذي (1522)، والنسائي في المجتبى 7/ 17 (4258) والكبرى (4532) و (4533) عن سمرة بن =

ص: 60

شفاعته ولده إذا لم يعق عنه ا. هـ قاله في النهاية

(1)

.

3064 -

وَعَن معَاذ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من مُسلمين يتوفى لَهما ثَلَاثَة من الْوَلَد إِلَّا أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم قَالُوا يَا رَسُول الله أَو اثْنَان قَالَ أَو اثْنَان قَالُوا أَو وَاحِد ثمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن السقط ليجر أمه بسرره إِلَى الْجنَّة إِذا احتسبته رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَإسْنَاد أَحْمد حسن أَو قريب من الْحسن السرر بسين مُهْملَة وَرَاء مكررة محركا هُوَ مَا تقطعه الْقَابِلَة وَمَا بَقِي بعد الْقطع فَهُوَ السُّرَّة

(2)

.

= جندب. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في الإرواء (1165) و (1169)، المشكاة (4153)، صحيح أبي داود (2527 - 2528).

(1)

النهاية (3/ 277).

(2)

أخرجه الطيالسي (563)، وأحمد 5/ 230 (22431) وه/ 237 (22494) وه/ 241 (22517)، وعبد بن حميد (123)، وابن ماجه مختصرا (1609)، والحارث (263)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (373)، والشاشي (1389 و 1390) و (1391 و 1392)، وأبو أحمد في الأسامى والكنى (5/ 20)، والطبراني في الكبير 20/ 145 - 147 (299 و 300 و 301 و 302 و 303)، وابن عدى في الكامل (9/ 30).

قال البوصيري في الزجاجة 2/ 52: هذا إسناد ضعيف لاتفاقهم على ضعف يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب قال المزي في الأطراف تابعه عبيد الله بن عمر الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن عبيد الله التيمي عن عبد الله بن مسلم قال وقال إسرائيل بن يونس وخالد بن عبد الله الواسطي وغير واحد عن يحيى بن عبد الله الجابر عن عبيد الله بن مسلم وهو المحفوظ، رواه مسدد في مسنده عن خليد بن عبد الله حدثنا يحيى الجابر فذكره وسياقه أتم وكذا رواه عبد بن حميد في مسنده من طريق يحيى به.

وقال الهيثمي في المجمع 3/ 9: رواه أحمد، والطبراني في الكبير، وفيه يحيى بن عبيد الله =

ص: 61

قوله: وعن معاذ رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده" كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده".

قوله: "إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته" السرر هو ما تقطعه القابلة وما بقي بعد القطع هو السرة قاله المنذري.

فائدة: يقال عرفت هذا الأمر قبل أن يقطع سرك ولا يقال سرتك لأن السرة تقطع تقطع وجمع السرة سرور وسرات قاله الدميري

(1)

.

فائدة: خرج ابن ماجه بإسناده عن علي س قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن السقط ليراغم ربه إذا أدخل أبويه النار فيقال أيها السقط الراغم ربه أدخل أبويك الجنة فيجرهما بسرة حتى يدخلهما الجنة"

(2)

ا. هـ ورأيت في بعض النسخ عن أسماء بنت عابس بن ربيعة عن أبيها عن علي انفرد به ابن ماجه وأسماء بنت عابس لا يعرف لها إلا هذا الحديث الذي خرجه ابن ماجه وأبو عابس ربيعة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة روى له الجماعة.

قوله: "إن السقط ليراغم ربه" أي يغاضبه قال البيهقي

(3)

: وفي معناه ما رواه

= التيمي، ولم أجد من وثقه ولا جرحه. وضعفه الألباني في المشكاة (1745) وصححه في صحيح الترغيب (2008).

(1)

النجم الوهاج (2/ 191).

(2)

أخرجه ابن ماجه (1406)، وأبو يعلى (468). وقال الألباني: ضعيف، المشكاة (1757).

(3)

شعب الإيمان (12/ 222).

ص: 62

أبو عبيد مرسلا "يظل محتبطئا على باب الجنة يقيرهم يعني متغضبا مستبطئا" وقيل: المحتبطئ: هو كالغلام المدل على أبويه وفي الحديث عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "لسقط أقدمه بين يدي أحب إلي من فارس أخلفه خلفي"

(1)

انفرد به ابن ماجه وفي الحديث أيضًا "لأن أقدم سقطا أحب إلي من مائة مستلئم"

(2)

السقط بالكسر والفتح والضم والكسر أكثرها الولد الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه والمستلئم لابس عدة الحرب يعني أن ثواب السقط أكثر من ثواب كبار الأولاد لأن فعل الكبير يخصه أجره وثوابه وإن شارك الأب في بعضه وثواب السقط موفر على الأب ومنه الحديث "يحشر ما بين السقط إلى الشيخ الفاني يوم القيامة مردا جردا مكحلين"

(3)

.

(1)

أخرجه ابن ماجه (1607)، والعقيلي في الضعفاء 4/ 384، وابن حبان في المجروحين 3/ 103. قال الألباني: ضعيف، الضعيفة (4307)، ضعيف الجامع (4677).

(2)

أخرجه أبو الحسن المدائني في التعازى (2) من طريق أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك. وأبان متروك. وأخرجه البيهقي في الشعب (12/ 219) من طريق أبى عبيد نا ابن علية، عن ليث بن أبي سليم، عن سعيد، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري قوله.

(3)

أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 160 - 161) ومن طريقه البيهقي في البعث والنشور (421)، وأبو يعلى كما في المطالب العالية (4626) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (60 - 184 - 185)، والبغوي في معجم الصحابة (2126) وعنه أبو الطاهر المخلص في المخلصيات (2948) ومن طريقه ابن عساكر (60/ 193)، وأبو عروبة في المنتقى من الطبقات (ص 56)، والطبراني في الكبير (20/ 256 رقم 604) و (20/ 280 رقم 663) و (20/ 280 رقم 664) ومسند الشاميين (1839)، وابن بشران (1431)، =

ص: 63

فرع: قال البغوى

(1)

وغيره: يستحب تسمية السقط لحديث ورد فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "سَمُّوا السَّقْطَ فقيل يا رسول الله ما ندرى أذكر هو أم أنثى؟ فقال سموه خارجة أو حى"

(2)

ونحو هذا باسم غلام وجارية قاله في الديباجة.

= والحرفى (10)، وأبو نعيم في صفة الجنة (258)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (5/ 92 - 93)، والبيهقي في البعث والنشور (422) عن المقدام بن معدى كرب.

قال الهيثمي في المجمع 10/ 333 - 334: رواه الطبراني بإسنادين، وأحدهما حسن.

وقال في موضع آخر 10/ 334: رواه الطبراني، وفيه يزيد بن سنان: أبو فروة الرهاوي، وهو ضعيف، وفيه توثيق لين. وحسنه البوصيري في إتحاف الخيرة (8/ 268). وحسنه اللبانى في صحيح الترغيب (3701). وعزاه الألباني إلى الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عكيم ولم أهتد إليه في المطبوع. وحسنه الألباني في الصحيحة (2512).

(1)

شرح السنة (11/ 271).

(2)

لم أجده بهذا السياق ولكن جاء نحوه بلاغا كما عند البغوي في شرح السنة (11/ 271) قال: روي أن عبد الرحمن بن زيد بن معاوية، قال عند عمر بن عبد العزيز: بلغني أن السقط يسعى يوم القيامة وراء أبيه، يقول: أنت ضيعتني، تركتني بلا اسم لي، فقال عمر بن عبد العزيز، كيف وقد يكون شيئا لا يدرى أغلاما يكون أم جارية، فقال عبد الرحمن: إن من ذلك أسماء تجمع الغلام والجارية: حمزة، وعمارة، وطلحة، وعنبسة.

وروى بلفظ: سموا السقط يثقل الله به ميزانكم؛ فإنه يأتي يوم القيامة ويقول: أي رب! أضاعوني فلم يسموني.

أخرجه الرافعي في التدوين (4/ 144 - 145) من طريق ميسرة بن علي في مشيخته ثنا أبو سعيد معن بن عيسى هذا في الجامع حدثني أحمد بن العباس أبو عبد الله الزهري حدثني أبو هدبة قال سمعت أنسا فذكره. قال الألباني في الضعيفة (3322): قلت: وهذا موضوع؛ آفته أبو هدبة؛ فقد كان كذابًا دجالًا من الدجاجلة.

ص: 64

3065 -

وَعَن أبي سلمى رضي الله عنه راعي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول بخ بخ وَأَشَارَ بِيَدِهِ لخمس مَا أثقلهن فِي الْمِيزَان سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَالْولد الصَّالح يتوفى للمرء الْمُسلم فيحتسبه رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم

(1)

وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث ثَوْبَان

(2)

وَحسن إِسْنَاده وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث سفينة وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَتقدم

(3)

.

(1)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (6/ 126) و (7/ 301)، وأحمد 3/ 443 (15902) و 4/ 237 (18361) و 5/ 365 (23570)، وابن أبى عاصم في الآحاد والمثانى (470) والسنة (781)، والنسائي في الكبرى (9923) واليوم والليلة (167)، والدولابى في الكنى (218)، والبغوي في معجم الصحابة (558 و 559)، وابن حبان (833)، والطبراني في الدعاء (1680) والكبير 22/ 348 (873) والشاميين (615) و (804)، وأبو الطاهر المخلص في المخلصيات (1707)، والحاكم 1/ 511.

وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 49: رواه أحمد، ورجاله ثقات. وقال في 10/ 88: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، قلت: والصحابي الذي لم يسم هو ثوبان إن شاء الله. وقال في 10/ 88: رواه الطبراني من طريقين، ورجال أحدهما ثقات. وصححه الألباني في الصحيحة (1204) وصحيح الترغيب (1556) و (2009).

(2)

أخرجه البزار (4186)، والطبراني في الدعاء (1679) والشاميين (801) وتمام في الفوائد (1581). وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه عن ثوبان وإسناده حسن زيد بن يحيى معروف ليس به بأس، وعبد الله بن العلاء بن زبر وأبوه مشهوران، وأبو سلام مشهور قد ذكرناه.

وقال الهيثمى في المجمع 10/ 88: رواه البزار، وحسن إسناده، إلا أن شيخه: العباس بن

عبد العظيم الباشاني، لم أعرفه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2010).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 225 رقم 5152). وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن سفينة إلا بهذا الإسناد، تفرد به: النضر بن محمد. وقال الهيثمي في المجمع =

ص: 65

قوله: وعن أبي سلمى رضي الله عنه راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم الكلام على هذا الحديث في كتاب الذكر والله أعلم.

قوله: صلى الله عليه وسلم "بخ بخ وأشار بيده لخمس ما أثقلهن في الميزان" تقدم الكلام أيضا على الميزان قريبا.

قوله: رواه والطبراني من حديث سفينة (ورجاله رجال الصحيح).

3066 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من كَانَ لَهُ فرطان من أمتِي أدخلهُ الله بهما الْجنَّة فَقَالَت لَهُ عَائِشَة فَمن كَانَ لَهُ فرط فَقَالَ وَمن كَانَ لَهُ فرط يَا موفقة قَالَت فَمن لم يكن لَهُ فرط من أمتك قَالَ فَأَنا فرط أمتِي لن يصابوا بمثلي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب الفرط بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء هُوَ الَّذِي يدْرك من الْأَوْلَاد الذُّكُور وَالْإِنَاث وَجمعه أفراط

(1)

.

قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما تقدم الكلام عليه.

قوله: "من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة" فذكر الحديث

= 10/ 89: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2011).

(1)

أخرجه أحمد 1/ 334 (3157)، والترمذي (1062) والشمائل (398)، وأبو يعلى (2752)، والحكيم الترمذي (375)، والطبراني في الكبير (12/ 197 رقم 12880)، وابن عدى (5/ 287) والبيهقي في الكبرى (4/ 114 رقم 7147 و 7148) والشعب (12/ 213 رقم 9295).

قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد ربه بن بارق، وقد روى عنه غير واحد من الأئمة. وقال الألباني: ضعيف، ضعيف الترغيب (1237)، المشكاة (1735)، ضعيف الجامع (5801).

ص: 66

إلى أن قال فقالت "له عائشة فمن كان له فرط فقال ومن كان له فرط يا موفقة" يعني الحريصة على معرفة الشرع، والشفقة على الخلق بسؤال قدر ثوابهم، وذكاء القلب على السؤال = توفيق من الله الكريم، وأنت موفقة بهذه الأشياء

(1)

ا. هـ.

قوله: "فأنا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي" الفرط هو الذي لم يدرك من الأولاد الذكر والإناث وجمعه أفراط قاله المنذري وقال: أهل اللغة والغريب الفرط بالتحريك هو الذي يتقدم القوم ليرتاد لهم الماء ويهييء لهم الدلاء والأرشية جمع رشاء كسقاء وأسقية والرشاء بكسر الراء وبالمد هو الحبل والمراد به هنا الولد دون البلوغ يغذيه المرء بين يديه ذكرا كان أو أنثى.

قوله: "وأنا فرط أمتي" الحديث أي أنا متقدمهم إلى الحوض قبل ورودهم أهييء مصالحهم في دار القرار وفرط القافلة هو الذي يتقدمهم فيعد لهم ما يفتقرون إليه من الأسباب ويعين لهم المنازل والحياض يوم القيامة للرسل عليهم الصلاة والسلام لكل على قدره وقدر تبعه وقد هيأ مشربا يروي منه فلا يظمأ بعده أبدا انتهى.

فمعنى الحديث أنا فرطكم أي سابقكم إلى الحوض كالمهييء له والمراد هنا الطفل الذي مات سمي فرطا لأنه قد تقدم أبويه في الذهاب إلى الآخرة.

3067 -

وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قدم ثَلاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث كَانُوا لَهُ حصنا حصينا من النَّار فَقَالَ أَبُو

(1)

المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 464).

ص: 67

ذَر قدمت اثْنَيْنِ قَالَ واثنين قَالَ أبي بن كَعْب سيد الْقُرَّاء قدمت وَاحِدًا قَالَ وواحدا". رَوَاهُ ابْن مَاجَه

(1)

.

قوله: قال أبي بن كعب سيد القراء: قدمت واحدا قال وواحدا" الحديث تقدم الكلام على مناقب أبي بن كعب مرارا مبسوطا وروي ذكر الواحد من حديث جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهو محمول عند العلماء على أنه عليه الصلاة والسلام أوحي إليه ذلك عند سؤالهم عن الاثنين وعن الواحد إن صح ولا يمتنع نزول الوحي عليه في أسرع من طرفة العين كما في نول قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

(2)

لما قام ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رجل ضرير البصر فنزلت هذه الآية: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}

(3)

(4)

وفي هذا الحديث

(1)

أخرجه أحمد 1/ 375 (3624) و 1/ 429 (4158) و (4159) و (4160) و 1/ 451 (4400)، وابن ماجه (1606)، والترمذي (1083)، وأبو يعلى (5116) و (5352)، والطبراني في الأوسط (8/ 30 رقم 7868)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 209)، والبيهقي في الشعب (12/ 212 - 213 رقم 9293 و 9294). قال الترمذي: هذا حديث غريب، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه. وضعفه الألباني في المشكاة (1755)، ضعيف الجامع الصغير (5754).

(2)

سورة النساء، الآية:95.

(3)

سورة النساء، الآية:95.

(4)

أخرجه البخاري (2832) و (4592) من حديث سهل بن سعد. وأخرجه البخاري (2831) و (4594) و (4990)، ومسلم (141 و 142 - 1898) عن البراء. وأخرجه أبو داود (2507) وابن حبان (4693) عن زيد بن ثابت وصححه الألباني.

ص: 68

وغيره دليل على أطفال المسلمين في الجنة لأن الرحمة إذا نزلت بأبائهم استحال أن يرحموا من أجل من ليس بمرحوم قال أبو عمر بن عبد البر وهذا إجماع من العلماء أن أطفال المسلمين في الجنة ولم يخالف في ذلك غير فرقة شذت من المجبرة فجعلتهم في المشيئة وهو قول مهجور مردود بإجماع الحجة الذين لا تجوز مخالفتهم ولا يجوز على مثلهم الغلط

(1)

ا. هـ.

3068 -

وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا مَاتَ ولد لعبد قَالَ الله عز وجل لملائكته قبضتم ولد عَبدِي فَيَقُولُونَ نعم فَيَقُول قبضتم ثَمَرَة فُؤَاده فَيَقُولُونَ نعم فَيَقُول مَاذَا قَالَ عَبدِي فَيَقُولُونَ حمدك واسترجع فَيَقُول ابْنُوا لعبدي بَيْتا فِي الْجنَّة وسموه بَيت الْحَمد رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب

(2)

.

قوله: وعن أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس تقدم الكلام عليه في مواضع من هذا التعليق.

قوله صلى الله عليه وسلم: قال "إذا مات ولد لعبد قال الله عز وجل لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم" الحديث قيل

(1)

التمهيد (6/ 348).

(2)

أخرجه الطيالسي (510)، وأحمد 4/ 415 (20039)، وعبد بن حميد (551)، والترمذي (1021)، وابن حبان (2948)، وابن السنى (581)، والبيهقي في الآداب (756) والكبرى (4/ 113 - 114 رقم 7146) والشعب (12/ 183 - 184 رقم 9249) و (12/ 184 رقم 9250). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، واسم أبي سنان عيسى بن سنان. وحسنه الألباني في الصحيحة (1408) وصحيح الترغيب (2012) و (3491).

ص: 69

للولد ثمرة لأن ثمرة ما ينتجه الشجر والولد نتيجة الأب وفي حديث عمرو بن مسعود (قال لمعاوية) ما تسأل عمن ذبلت بشرته وقطعت ثمرته يعني نسله وقيل انقطاع شهوته للنكاح

(1)

.

قوله: "فيقول ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع" يعني أنه قال: الحمد لله وإنا لله وإنا إليه راجعون.

قوله: "فيقول الله ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد" يعني اجعلوا اسم البيت بيت الحمد إضافة إلى الحمد الذي قاله العبد عن المصيبة لأنه جزاء الحمد والله أعلم وفي حديث أخر "أن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فيصبر ويحتسب بثواب دون الجنة"

(2)

صفي الرجل الذي يصافيه الود ويخلصه له وقيل صفيه أي ولده وحبيبه ومن يصافيه الود.

قوله: "ثم احتسبه" الاحتساب الصبر على لطلب الثواب والاحتساب يستلزم الكف عن كلمات السخط والتكلم بما يرضي الله تعالى ا. هـ والله أعلم.

(1)

أسنده الخطابي في غريب الحديث (2/ 522) من طريق ابن أبى الدنيا وهو عنده في العمر والشيب (55) ومكارم الأخلاق (471).

(2)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (2/ 27) ومن طريقه النسائي في المجتبى 4/ 42 (1887) والكبرى (2010) عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وحسنه الألباني في الجنائز (23)، صحيح الجامع (1851).

ص: 70

خاتمة: فيها بشرى قال الغزالي

(1)

وحكى أن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزويج فيأبى برهة من دهره قال فانتبه من نومه ذات يوم فقال زوجوني زوجوني فزوجوه ثم سألوه عن ذلك فقال لعل الله أن يرزقني ولدا ويقضيه فيكون لي مقدمة الأخرة ثم قال: رأيت في المنام كأن القيامه قد قامت وكأني في جملة الخلائق في الموقف وبى من العطش ما كاد أن يقطع عنقي وكذا الخلائق كلهم من شدة العطش والكرب فنحن كذلك إذا ولدان يتخللون الجمع عليهم مناديل من نور وبأيديهم أباريق من فضة وأكواب من ذهب يسقون الواحد بعد الواحد يتخللون الجمع ويتجاوزون أكثر الناس فمددت يدي إليهم وقلت لأحدهم اسقني فقد أجهدني العطش فقال ليس لك فينا ولد إنما نسقى ءابائنا قلت ومن أنتم قالوا نحن من مات من أولاد المسلمين قال: وهذا أحد المعاني المذكورة في قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ}

(2)

أي تقديم الأطفال إلى أخر الآية ا. هـ.

قوله: "من حلف بالأمانة ليس داخله في أسماء الله تعالى وصفاته" وقيل المراد بالأمانة الفرائض أي لا تحلفوا بالصلاة والحج وغيرهما ولا كفارة فيه ا. هـ ولفظ الأمانة يقع على الطاعة والعبادة والوديعة والأمان وقد جاء في كل منها حديث وحديث من حلف على الأمانة فليس منا يشبه أن تكون الكراهة فيه من أجل أنه أمر أن يحلف بأسماء الله تعالى وصفاته من أموره

(1)

إحياء علوم الدين (2/ 27).

(2)

سورة البقرة، الآية:223.

ص: 71

فنهوا عنها من أجل التسوية بينها وبين أسماء الله تعالى كما نهوا أن يحلفوا بآبائهم وإذا قال الحالف والأمانة كانت يمينا عند أبي حنيفة والشافعي لا يعدها يمينا والله تعالى أعلم.

ص: 72