الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب القضاء وغيره]
[الترهيب من تولي السلطنة والقضاء والإمارة لا سيما لمن لا يثق بنفسه وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئا من ذلك]
3280 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلكم راع ومسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته رواه البخاري ومسلم
(1)
.
قوله: عن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته" تقدم الكلام على الكتاب واشتقاقه، والقضاء بالمد الولاية المعروفة وجمعه أقضية كغطاء وأغطية وأردية وكساء وأكسية، وقضى السلطان فلانا أي ولاه كما يقال أمر أميرًا.
قوله: "كلكم راع ومسؤول عن رعيته" الحديث، تقدم الكلام عليه في باب النكاح، الراعي هنا الحافظ المؤتمن على ما يليه، وأصل الرعي الحفظ، ومنه رعيت النجوم، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالنصيحة فيما يلونه وحذرهم من الخيانة فيه بإخباره أنهم مسؤولون عنه فالرعاية حفظ الشيء وحسن العهد به
(1)
أخرجه البخاري (893) و (2409) و (2554) و (2558) و (2751) و (5188) و (5200) و (7138)، ومسلم (20 - 1829)، وأبو داود (2928)، والترمذي (1705).
فقد استولى هؤلاء في الاسم، واختلفوا في المعنى أما رعاية الإمام فولاية أمور الرعية والحياطة من ورائهم وإقامة الحدود والأحكام فيهم، وأما رعاية الرجل أهل فالقيام عليهم بالحق في التفقه وحسن العشرة، وأما رعاية المرأة في بيت زوجها فحسن التدبير في أمر بيته والتعهد لخدمته وأضيافه، وأما رعاية العبد فحفظ ما في يده من مال سيده والقيام بشغله والله أعلم
(1)
وتقدم الكلام على ذلك في النكاح أبسط من هذا.
3281 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع رواه ابن حبان في صحيحه
(2)
.
قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع".
3282 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولي القضاء أو جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين رواه أبو داود والترمذي واللفظ له
(1)
شرح السنة (10/ 62).
(2)
أخرجه النسائي في الكبرى (9129)، وأبو عوانة في المستخرج (7477)، وابن حبان (4492)، والطبراني في الأوسط (2/ 197 رقم 1703)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 281) و (9/ 234). وقال الترمذي عقيب حديث (1705): قال محمد: وروى إسحاق بن إبراهيم، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه سمعت محمدا يقول: هذا غير محفوظ، وإنما الصحيح عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وقال الألباني: حسن صحيح - "تخريج فقه السيرة"(434)، "الصحيحة"(1636)، وصحيح الترغيب (1967) و (2170).
وقال حديث حسن غريب وابن ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد قال الحافظ ومعنى قوله ذبح بغير سكين أن الذبح بالسكين يحصل به إراحة الذبيحة بتعجيل إزهاق روحها فإذا ذبحت بغير سكين كان فيه تعذيب لها وقيل إن الذبح لما كان في ظاهر العرف وغالب العادة بالسكين عدل صلى الله عليه وسلم عن ظاهر العرف والعادة إلى غير ذلك ليعلم أن مراده صلى الله عليه وسلم بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه دون هلاك بدنه ذكره الخطابي ويحتمل غير ذلك
(1)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ابن إسحاق: حدثني بعض أصحابنا عن أبي هريرة قال: كان اسمي في الجاهلية عبد شمس بن صخر، فسميت في الإسلام عبد الرحمن، وإنما كناني أبي أبا هريرة لأني كنت أرعى غنما فوجدت هرة فحملتها في كمي فقال أبي: أنت أبو هريرة، وروي ابن سعد
(2)
:
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 4/ 542 (22980) و 4/ 543 (22987)، وأحمد 2/ 3230 (7266) و 2/ 365 (8898)، وابن ماجه (2308)، وأبو داود (3571) و (3572)، والترمذي (1325)، والنسائي في الكبرى (5892 - 5895). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقال الألباني: حسن صحيح الروض النضير 1136، المشكاة 3733، صحيح الترغيب 2171.
(2)
في الأصل أبو كبير العبدى وإنما هو أبو كثير الغبرى كما في الطبقات (4/ 328). وهو السحيمي الغبري اليمامي الأعمى قيل اسمه يزيد بن عبد الرحمن الضرير وقيل يزيد بن عبد الله بن اذينه وقيل بن غفيلة قال أبو عوانة الإسفرائيني أنه أصح من أذينة روى عن أبيه وأبي هريرة وعنه ابنه زفر ويحيى بن أبي كثير وعكرمة بن عمار وعبد الله بن بدر السحيمي وموسى بن نجدة وعقبة بن التوأم والأوزاعي وغيرهم قال أبو حاتم وأبو داود والنسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. تهذيب التهذيب (12/ 211 ترجمة 975).
حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي: حدثنا
عكرمة بن عمار حدثنا أبو كثير الغبرى عن أبي هريرة قال: والله لا يسمع بي مؤمن ولا مؤمنة إلا أحبني، قال: قلت له وما يعلمك ذاك؟ قال: فقال: إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها ذات يوم فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم اهد أم أبي هريرة" فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا، قال قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين" فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني، وفي رواية:"فما خلق الله من مؤمن يسمع بي ولا يراني أو يرى أمي إلا وهو يحبني" ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الرجال أكثر ما روي عنه أبو
هريرة فإنه روي عنه خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا وإنما صحبه أربع سنين، قاله في مرآة الزمان
(1)
.
قوله: "من ولي القضاء أو جعل قاضيا بين الناس فقد" فالقاضى اسم لكل من قضى بين اثنين أو حكم بينهما سواء إن سمى خليفة أو سلطانا أو نائبا أو واليا أو كان منصوبا ليقضى بالشرع أو بأمثاله حتى من يحكم في الصبيان في الخطوط إذا تخايروا وهكذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر
(2)
. أ. هـ.
ومعنى "ذبح بغير سكين" أن الذبح بالسكين يحصل به راحة الذبيحة بتعجيل إزهاق روحها وإذا ذبحت بغير سكين كان فيه تعذيب لها، وقيل: إن الذبح لما كان في ظاهر العرف وغالب العادة بالسكين عدل صلى الله عليه وسلم عن ظاهر العرف والعادة إلى غير ذلك ليعلم أن مراده صلى الله عليه وسلم بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه دون هلاك بدنه، وقيل: غير ذلك ذكره الخطابي
(3)
، أ. هـ.
وقال بعضهم: إذا ذبح بغير سكين كان ذبحه خنقا وتعذيبا فضرب المثل بذلك ليكون أبلغ في الحذر من الوقوع فيه
(4)
.
وفي البيان للعمراني
(5)
قيل لابن عباس: ما هو الذبح بغير سكين؟ قال: "نار جهنم".
(1)
مرآة الزمان (7/ 426).
(2)
مجموع الفتاوى (28/ 254).
(3)
معالم السنن (4/ 159 - 160).
(4)
المصدر السابق.
(5)
البيان (13/ 9).
وقال الشيخ أبو الربيع المالقي حضرت رجلا في النزع فسألته عن حاله فقال: ها أنا أذبح، فعلمت تصديق الخبر لأن الرجل كان قد ولي القضاء مدة جبره عليه بعض الولاة هذا وهو مجبور فكيف إذا كان جبارا، وروي البيهقي أن أبا بكر لما ولي الخلافة ولي عمر بن الخطاب القضاء، وولي أبا عبيدة بيت المال وقال أعينوني فمكث عمر سنة لا يأتيه اثنان ولا يقضي بين اثنين وهو أول قاض ولي القضاء بالمدينة رضي الله عنه، أ. هـ.
ففي الحديث التحذير من طلب القضاء والحرص عليه لأن معناه أن من تصدى للقضاء وتولاه فقد تعرض للذبح فليحذره والذبح هنا مجاز عن الهلاك فإنه من أسرع أسبابه
(1)
. وأغرب من جعل ذلك مدحًا وأنه لشدة ما يلاقيه والصبر على الحق فيه لعظم أجره والظاهر الأول وهذا فيمن لم يتعين عليه فإن تعين عليه لزمه ذلك وله البذل فيه أيضًا وإن كان يحرم الأخذ كما قرره الفقهاء.
قال ابن الصباغ في شامله
(2)
: الأحاديث المحذرة دالة على عظم قدره وصعوبة أمره حتى لا يقدم عليه من لا يجد في نفسه قوة في دينه وبصيرة باقية في علمه ويقينه، وليجتهد في طلب الحق عادلا عن الهوى والميل، وقال بعض أصحابنا: من استشعر في نفسه ميل لم يجز له الدخول ولا يحل له القبول، وحكي القاضي بن كج
(3)
أنه يكره الدخول فيه مطلقا، ولا يجوز له أن يطرق فيه بابا مغلقا.
(1)
معالم السنن (4/ 159)، والنهاية (2/ 153).
(2)
نقله ابن الرفعة عنه في كفاية النبيه (18/ 44).
(3)
كفاية النبيه (18/ 45)، والنجم الوهاج (10/ 138).
وقال الرافعي
(1)
: وحيث أبحنا التقليد فذاك عند الوقوف وغلبة الظن بقوة النفس وأمن الاشتباه واللبس وأما عند الاشتباه فينبغي أن يحذر من الدخول فيه وأن يشتغل بما يعنيه فإن أهم المغانم حفظ السلامة، وحكى القاضي أبو الطيب
(2)
أن المأمون كتب إلى الشافعي رضي الله عنه يستدعيه ليوليه القضاء في الشرق والغرب فأبى ودعا المزني في مرض موته ونهاه عن تولية القضاء وأظهر له كتاب المأمون وقال: إني لم أظهره لأحد غيرك، وحكي أيضًا هو وغيره
(3)
أن المنصور استدعى سفيان الثوري وأبا حنيفة وشريك بن عبد الله لتولية القضاء فهرب سفيان من الطريق وعرض على أبي حنيفة فامتنع وقال: لا أصلح فعرض علي شريك فاعتذر بعلل فأزاحها وولاه، وروي الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه أن المنصور طلب أبا حنيفة للقضاء فأبى فحلف ليفعلن وحلف أبو حنيفة أنه ما يفعل فقال له الربيع يحلف أمير المؤمنين وتحلف فقال الإمام أبو حنيفة أمير المؤمنين أقدر على كفارة يمينه مني فحبسه المنصور أياما ثم دعاه فعرض عليه فقال: إني لا أصلح فإن كنت صادقا فلا أصلح وإن كنت كاذبا فلأجل الكذب ورده إلى الحبس وضربه بالسياط فلم يل وقيل إنه مات في الحبس
(4)
.
وقال الزبير بن بكار في كتابه المسمى بالموفقيات: لما تولى شريك
(1)
كفاية النبيه (18/ 47)، والنجم الوهاج (10/ 141).
(2)
كفاية النبيه (18/ 48).
(3)
المصدر السابق في نفس الموضع.
(4)
تاريخ بغداد (15/ 444)، وكفاية النبيه (18/ 48 - 49).
القضاء هجره سفيان الثوري فوجده شريك فقال سبحان الله يا أبا عبد الله أو ليس للناس من قاض فقال سفيان أوليس للناس من [شرطى]، وكان سفيان إذا ذكر عنده شريك يقول نعم الرجل لو لم يفسدوه بالقضاء
(1)
.
وروى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في حليته بسنده أنه طلب أبو قلابة بالقضاء ففر إلى الشام
(2)
.
وحكاه ابن عبد ربه وقال: إن تلامذته قالوا له يا أستاذ ما يمنعك من ذلك وعندك من العلم ما يمنعك من الجور ومن الورع ما يمنعك من الرشا فأطرق زمانا ثم رفع رأسه وقال لهم: كم يريد السابح الغارق يسح في البحر الطريق لا بد أن يغرق
(3)
.
وحكي اللوحة القاضي أبو الطيب عن بعض الفقهاء أنه مشى مع صاحب له فأراه دكاكين مختمة فقال انظر هذا حتى تحكيه هذا عقار لي علي بن حيران استدعاه ابن الفرات للقضاء فهرب فختم عقاره حتى يظهره، وحكي غيره أنها أقامت شهرا مختومة ومنزله وكان أبو علي هذا من تلامذة ابن شريح وكان يعاتب ابن شريح على القضاء ويقول هذا الأمر لم يكن في أصحابنا وإنما كان في أصحاب أبي حنيفة
(4)
.
(1)
حلية الأولياء (7/ 47)، وبحر المذهب (11/ 43).
(2)
حلية الأولياء (2/ 285).
(3)
العقد الفريد (1/ 20) و (3/ 152) وذكره أيضًا ابن سعد في الطبقات (7/ 183)، والضبى في أخبار القضاة (1/ 23) وعبد الجبار في تاريخ داريا (ص 61)، وبحر المذهب (11/ 44).
(4)
كفاية النبيه (18/ 48).
وأنشد بعض قضاة العدل
(1)
:
وليت القضاء وليت القضاء
…
لم يك شيئا توليته
وواقعني القضاء في القضاء
…
وما كانت قدما تمنيته
قال: وسمعت سيدنا شيخ الإسلام متع الله بحياته الأنام قاضي القضاة بدر الدين بقية العلماء العاملين غير مرة يقول لولا الحياء من السلطان لإحسانه وخشية تغير خاطره لم أقم في الحكم إلى الظهر ويحلف على ذلك ولقد قلت له بقاء سيدنا للمسلمين ينفع ويحصل له به أجر كثير فقال لو خرجت منه بإثم يسير فهو خير فانظر أرشدك الله كيف السلف والخلف ففروا منه وأبعدوا كل البعد عنه مع كمال الحلال وسماع المقال.
قال الشيخ الإمام زين الدين بن رجب الحنبلي
(2)
: وقد صنف أبو بكر الآجري وكان من العلماء الربانيين مصنفا في أخلاق العلماء وآدابهم وهو من أجل ما صنف في ذلك ومن تأمله علم منه طريقة السلف من العلماء والطريق التي أحدثت بعدهم المخالفة لطرائفهم فوصف فيه عالم السوء بأوصاف طويلة منها أنه قال قد فتنه حب التنافس في الشرف والمنزلة عند أهل الدنيا يتجمل بالعلم كما يتجمل بالحلة الحسناء للدنيا ولا يحمل علمه بالعمل به وذكر كلاما مطولا إلى أن قال: فهذه الأخلاق وما يشبهها تغلب على قلب من لم ينتفع بالعلم فبينما هو مقارب لهذه الأخلاق إذ رغب نفسه في حب
(1)
مغنى المحتاج (6/ 260) والنجم الوهاج (10/ 136) والقائف هو شرف الدين بن عين الدولة.
(2)
شرح حديث ما ذئبان جائعان من مجموع رسائل ابن رجب (ص 72 - 73).
الشرف والمنزلة فأحب مجالسة الملوك وأبناء الدنيا فأحب أن يشاركهم فيما هم من رخاء عيشهم من منزل بهي ومركب هني وخادم سري ولباس لين وفراش ناعم وطعام شهي وأحب أن يغشي بابه وأن يُسمع قوله ويُطاع أمره فلم يقدر عليه إلا من جهة القضاء فطلبه فلم يمكنه إلا ببذل دينه فتذلل للملوك وأتباعهم فخدمهم بنفسه وأكرمهم بماله وسكت عن قبيح ما ظهر من مناكرهم على أبوابهم وقولهم وفعلهم ثم زين لهم كثيرا من قبيح فعالهم بتأوله الخطأ ليحسن موقعه عندهم فلما فعل هذا مدة طويلة، واستحكم فيه الفساد ولوه القضاء فذبح بغير سكين فصارت له عليه منة عظيمة ووجب عليه شكرهم فألزم نفسه ذلك لئلا يغضبهم عليه فيعزلوه عن القضاء ولم يلتفت إلى غضب مولاه فقطع أموال اليتامي والأرامل والفقراء والمساكين وأمال الوقت والمجاهدين وأهل الشرف بالحرمين وأموالا يعود نفعها على جميع المسلمين فأرضى به الكاتب والحاجب والخادم فأكل الحرام وكثر الداعي عليه بالويل لمن أورثه علمه هذه الأخلاق هذا العلم الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أن يستعاذ منه، وهذا العلم الذي قال فيه عليه السلام:"إن أشد الناس عذابا يوم القيامة لم ينفعه الله بعلمه" وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمع" وكان عليه السلام يقول: "اللهم إني أسألك علما نافعا وأعوذ بك من علم لا ينفع" هذا كله من كلام الإمام أبي بكر الآجري رحمه الله وكان في أوائل الثلاثمائة ولم يزل الفساد يتزايد على ما ذكره أضعافًا مضاعفة ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن دقيق آفات حب الشرف بطلب
الولايات والحرص عليها وهو باب غامض لا يعرفه إلا العلماء بالله تعالى العارفون به المحبون له الذين يعادون له من جهال حلقه المزاحمين لربوبيته وإلاهيته مع حقارتهم وسقوط منزلتهم، العرافين كما كان الحسن رحمه الله يقول فيهم: وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية في رقابهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه، أ. هـ.
وكان بعض المتقدمين قاضيا فرأى في منامه كأن قائلا يقول أنت قاض والله قاض فاستيقظ منزعجا وخرج عن القضاء، وكان طائفة من القضاة الورعين يمنعون الناس أن يدعوهم بقاضي القضاة فإن هذا الاسم يشبه ملك الملوك الذي ذم النبي صلى الله عليه وسلم التسمية به، وقال لا مالك إلا الله وحاكم الحكام مثله أو أشد ومنهم من كان لا يريد الولاية إلا للاستعانة بها على الدعوى إلى الله وحده، وكان بعض الصالحين يتولى القضاء ويقول: انا أتولاه لأستعين به على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا كانت الرسل وأتباعهم يصبرون على الأذى في الدعوى إلى الله تعالى ويتحملون في تنفيذ أوامر الله تعالى من الخلق غاية المشقة وهم صابرون بل راضون بذلك فإن المحب ربنا يتلذذ بما يصيبه من الأذى في رضى محبوبه، أ. هـ قاله ابن رجب الحنبلي أيضًا
(1)
.
فائدة في شروط القضاء: ومن شرط القاضي أن يكون مجتهدا فلا يولى الجاهل بالأحكام الشرعية، وقال أبو حنيفة يجوز تولية العامي ثم يسأل أهل العلم، وشرط القاضي أن يكون مسلما فلا يجوز تولية الكافر لا على
(1)
المصدر السابق (ص 75 - 77) باختصار.
المسلمين ولا على الكافرين وأن يكون مكلفا فلا يولى الصبي ولا المجنون لنقصهما وأن يكون حرا فلا يصح ولاية العبد ولا من فيه رق، وأن يكون ذكرا فلا تصح ولاية المرأة وجوزه أبو حنيفة فقال الاصطخري ينقض قضاؤها وخالفه غيره وأن يكون عدلا فلا يولى فاسق بما لا شبهة له فيه، وأن. اللوحة [166/ أ] يكون سميعًا بصيرًا فلا يولى ضدها وصحح مالك وابن أبي عصرون ولاية الأعمى لأن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة، والجواب: أنه كان في إمامة الصلاة دون الحكم لكن روى الطبراني في معجمه الكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على الصلاة وغيرها من أمور المدينة، وقال مالك: خصال القضاء لا تجتمع في أحد فإذا اجتمع في شخص خصلتان رأيت أن يولى العقل والورع فمن شأن ابن آدم أن لا يعلم كل شيء، ومن شأنه أن يعلم ثم يزيده الله علما
(1)
، أ. هـ قاله في الديباجة.
3283 -
وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه
(2)
.
(1)
النجم الوهاج (10/ 143 - 147) باختصار.
(2)
أخرجه ابن ماجه (2315)، وأبو داود (3573)، والترمذي (1322 م)، والبزار (4467 و 4468)، والنسائي في الكبرى (5891). وقال أبو داود: وهذا أصحُّ شيء فيه، يعني حديث ابن بُريدة: القضاة ثلاثة. وقال الألباني: صحيح، الإرواء (2614)، المشكاة (3735)، صحيح الترغيب (2172) و (2195).
قوله: وعن بريدة رضي الله عنه[هو بريدة بن الحصيب رضى الله عنه تقدم الكلام عليه].
قوله صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار" تحذير من القضاء، والقضاء من المناصب والولايات الدينية وهو فرض كفاية على الناس كالإمامة الكبرى حفظا لحقوقهم وحراسة لأمورهم من الانحلال، وكل ذم أو وعيد ورد فيهما فهو راجع إلى من فرط أو أساء في تصرفاتهما والله أعلم، قاله في شرح الإلمام
(1)
، فانظر كيف جعل في الجنة من الثلاثة واحد، وإذا صفا لك من زمانك واحد فهو المراد، فأين ذلك الواحد، أما اللذان هما من أهل النار أحدهما ينصب نفسه للقضاء وليس بأهل له لجهله بالعلم فيخلط ويشوب الحلال بالحرام ويبدل فهو في النار لأنه أحل ما حرم الله وحرم ما أحل الله من الفروج والدماء والأموال، أ. هـ.
قال العلماء
(2)
: كل من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم وإن حكم فهو آثم ولا ينفذ حكمه سواء وافق أم لا لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا وهي مردودة كلها ولا يعذر في شيء من ذلك والله أعلم ذكره الشيخ تقي الدين الحصني والقاضي.
(1)
الإلمام (2/ 158).
(2)
كفاية الأخيار (1/ 549) وقمع النفوس - خ (لوحة 56) للحصنى، وإكمال المعلم (5/ 572) للقاضى عياض، وشرح النووي على مسلم (12/ 14).
الثاني: هو أهل للقضاء متضلع به لفضله وعلمه ولكنه يحيف ويسقط ولا يبالي في ذات الله فالنار أولى به، والثالث: هو أهل للقضاء والفضل لمكان علمه وفضله وديانته ويعدل في قضاياه وينصف في أحكامه فهو من أهل الجنة انتهى.
لطيفة: روينا عن عبد الله بن المبارك أنه كان يتجر ويقول: لولا خمسة ما اتجرت السفيانان وفضيل وابن السماك وابن علية ليصلهم فقدم سنة فقيل له: ولي ابن علية القضاء فلم يأته ولم يصله بشيء فأتى إليه ابن علية فلم يرفع رأسه إليه ثم كتب إليه ابن المبارك:
يا جاعل العلم له بازيا
…
يصطاد أموال المساكين
اختلت للدنيا ولذاتها
…
بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعدما
…
كنت دواء للمجانين
أين رواياتك في سردها
…
لترك أبواب السلاطين
أين رواياتك فيما مضى
…
عن ابن فرعون وابن سيرين
إن قلت أكرهت فهذا باطل
…
ذل حمار العلم في الطين
(1)
فلما وقف إسماعيل بن علية على الأبيات ذهب إلى الرشيد ولم يزل به إلى أن استعفاه من القضاء فأعفاه، قاله في حياة الحيوان
(2)
.
3284 -
وعن عبد الله بن موهب أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال لابن عمر اذهب فكن قاضيا قال أو تعفيني يا أمير المؤمنين قال اذهب فاقض بين الناس
(1)
تاريخ بغداد (7/ 196 - 197)، طبقات الحنابلة (1/ 100).
(2)
حياة الحيوان (1/ 157).
قال تعفيني يا أمير المؤمنين قال عزمت عليك إلا ذهبت فقضيت قال لا تعجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ قال نعم قال فإني أعوذ بالله أن أكون قاضيا قال وما يمنعك وقد كان أبوك يقضي قال لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان قاضيا فقضى بالجهل كان من أهل النار ومن كان قاضيا فقضى بالجور كان من أهل النار ومن كان قاضيا فقضى بحق أو بعدل سأل التفلت كفافا فما أرجو منه بعد ذلك رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه والترمذي باختصار عنهما وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان قاضيا فقضى بالعدل فبالحري أن ينفلت منه كفافا فما أرجو بعد ذلك ولم يذكر الآخرين وقال حديث غريب وليس إسناده عندي بمتصل وهو كما قال فإن عبد الله بن موهب لم يسمع من عثمان رضي الله عنه
(1)
.
(1)
أخرجها الترمذي في السنن (1322)، وفي العلل الكبير (351)، وأبو يعلى (5727)، وابن حبان (5056)، والطبراني في الكبير (12/ 351 رقم 13319)، والأوسط (3/ 139 رقم 2729)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 17 - 18). قال الترمذي في العلل: سألت محمدا عن هذا الحديث وقلت له: من عبد الملك هذا؟ فقال: هو عبد الملك بن أبي جميلة، وعبد الله بن موهب، عن عثمان مرسل. قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به معتمر. قال أبو حاتم في العلل (1406): عبد الملك بن أبي جميلة مجهول، وعبد الله هو ابن موهب الرملي على ما أرى، وهو عن عثمان مرسل. وقال الهيثمي في المجمع (4/ 193): رواه الطبراني في الكبير والأوسط، والبزار، وأحمد كلاهما باختصار، ورجاله ثقات، وزاد أحمد: فأعفاه وقال: لا تجبرن أحدا. وضعفه الألباني في الضعيفة (6864)، والمشكاة (3743/ التحقيق الثاني)، وضعيف الترغيب (1309).
قوله: وعن عبد الله.
قوله: وعن عبد الله بن موهب
(1)
[هو الهمداني ويقال الحولانى الشامى ولى قضاء فلسطين لعمر بن عبد العزيز روى عن تميم ولم يدركه وعن معاوية وابن عباس وابن عمر وقبيصة بن ذؤيب وغيرهم وعنه ابنه يزيد والزهرى وأبو إسحاق السبيعى، وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وجماعة وثقه الفسوى وقال لم يلحق تميم وقال يحيى بن حمزة عن ابن أبي غيلان الفلسطيني، قال ابن موهب: ثلاث إذا لم يكن في قاض، فليس بقاض، يسأل وإن كان عالما، ولا يسمع من أحد شكية ليس معه خصمة، ولا يقضي إلا بعد أن يفهما].
قوله: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال لابن عمر اذهب فكن قاضيا، قال أو تعفيني يا أمير المؤمنين، قال: عزمت عليك إلا ذهبت فقضيت، ومعنى عزمت عليك: أي أمرتك أمرا جازما عزيمة محتمة وأمر ولاة الأمور تجب طاعته في غير معصية
(2)
، أ. هـ.
وقيل: معنى أعزم عليك أي أقسم عليك
(3)
.
قوله: لا تعجل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ" قال: نعم، قال: فإني أعوذ بالله أن أكون قاضيًا، يقال: عذت أعوذ عوذًا
(1)
تهذيب الكمال (16/ الترجمة 3600)، وتذهيب تهذيب الكمال (5/ الترجمة 3661)، وتهذيب التهذيب (6/ الترجمة 88).
(2)
شرح النووي على مسلم (7/ 222).
(3)
الصحاح (5/ 1985)، ومجمل اللغة (1/ 666)، والكواكب الدرارى (12/ 201).
وعياذًا ومعاذًا أي لجأت إليه والمعاذ المصدر والمكان والزمان أي لقد لجأت إلى ملجأ ولذت بملاذ وقد تكرر ذكر التعوذ والاستعاذة وما تصرف منهما والكل بمعنى وبه سميت قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس المعوذتين ومنه الحديث، "إنما قالها تعوذًا" أي إنما أقر بالشهادة لاجئا إليها ومعتصما بها ليدفع عنه القتل وليس بمخلص في إسلامه ومنه الحديث أيضًا عائذ بالله من النار أي أنا عائذ ومتعوذ كما يقال مستجير بالله فجعل الفاعل موضع المفعول كقوله: سر كاتم وماء دافق ومن رواه عائذا بالنصب جعل الفاعل موضع المصدر وهو العياذ قاله في النهاية
(1)
ومعنى الحديث لقد عذت بمكان العياذ وبمن للعائذين أن يعوذوا به وهو الله عز وجل، وحقيقة عذت بمعاذ أي لمعاذ وبمعاذ من عاذ به لم يكن لأحد أن يتعرض له كذا في الفائق
(2)
قاله في شرح مشارق الأنوار.
قوله: وما يمنعك وقد كان أبوك يقضي، ومن كان قاضيا فقضى بحق يقضي، قال: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان قاضيا فقضى بالجهل كان من أهل النار" يعني ليس له علم فهو آثم أي اتفق قضاؤه صوابا أو خطئا إذ لا يجوز له أن يقبل ومن كان قاضيا فقضى بالجور كان من أهل النار ومن كان قاضيا فقضى بحق أو بعدل سأل التفلت كفافا فما أرجو منه بعد إذ ومعنى كفافًا أي لا له ولا عليه.
(1)
النهاية (3/ 318).
(2)
الفائق (3/ 36).
وقوله في الرواية الأخرى: "ومن كان قاضيا فقضى بالعدل فبالحري أن ينفلت منه كفافا فما أرجو بعد ذلك" ومعنى فبالحري [أي جدير وخليق].
وروي الدينوري في المجالسة عن محمد بن واسع أنه قال: بلغني أن أول من يدعي للحساب يوم القيامة القضاة
(1)
، وقال عبد الله بن وهب بلغني أن القضاة يحشرون مع السلاطين وأن العلماء يحشرون مع الأنبياء
(2)
.
3285 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط رواه أحمد وابن حبان في صحيحه ولفظه قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يدعى القاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في عمره قط قال الحافظ كذا في أصل من المسند والصحيح تمرة وعمره وهما متقاربان ولعل أحدهما تصحيف والله أعلم
(3)
.
(1)
المجالسة (327) و (3401).
(2)
المدونة (1/ 52).
(3)
أخرجه الطيالسي (1650)، وأحمد 6/ 75 (25102)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 282)، والمروزى في أخبار الشيوخ (135)، وابن أبي الدنيا في الإشراف (91)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 20 - 21)، والعقيلى في الضعفاء (2/ 204)، وابن حبان (5055)، والدارقطني في المؤتلف والمختلف (2/ 722)، والطبراني في الأوسط (3/ 102 رقم 2619)، والبيهقي في الكبرى (10/ 165 رقم 20221 و 20222).
وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن عائشة إلا بهذا الإسناد، تفرد به عمرو بن العلاء. قال العقيلي: عمران بن حطّان الراوي عن عائشة لا يتابع عليه، ولا يتبين لي سماعه منها. قال الهيثمي في المجمع 4/ 192: رواه أحمد وإسناده حسن، ورواه الطبراني =
قوله: وعن عائشة رضي الله عنها، تقدم الكلام عليها.
قوله: "ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط"[المقصود من التحذير بيان خطره، وأن من استقضي، فقد حمل على أمر تام الوقع، فإن جار فيه هلك، وإن عدل فاز بخير كثير، وهكذا يكون تبيان الأمور الخطيرة، وأيضا، فإن من الناس من يكره له القضاء، أو يحرم، فليحمل التحذيرات عليها].
3286 -
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي فناديت بأعلى صوتي وما هي يا رسول الله قال أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل وكيف يعدل مع قريبه رواه البزار والطبراني في الكبير ورواته رواة الصحيح
(1)
.
قوله: وعن عوف بن مالك رضي الله عنه[هو أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حماد، ويقال: أبو عمرو عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفانى. أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، وشهد معه فتح مكة، وكانت معه
= في الأوسط. وضعفه الألباني في الضعيفة (1142) وضعيف الترغيب (1310).
(1)
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (25102)، والبزار (2756)، والطبراني في الأوسط (7/ 26 رقم 6747) والكبير 18/ 71 (132) والشاميين (1195) و (2006). وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن عوف بن مالك إلا بهذا الإسناد، تفرد به: زيد بن واقد. وقال الهيثمي 5/ 200: رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط باختصار: ورجال الكبير رجال الصحيح. وصححه ابن حجر في الفتح (13/ 125). وحسنه الألباني في الصحيحة (1562) وصحيح الترغيب (2173).
راية أشجع، نزل الشام، وسكن دمشق، وكانت داره عند سوق الغزل العتيق. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وستون حديثا، روى البخاري منها واحدا ومسلم خمسة.
روى عنه أبو أيوب الأنصاري، والمقدام بن معدى كرب، وأبو هريرة. وروى عنه من التابعين جماعات منهم أبو مسلم، وأبو إدريس الخولانيان، وجبير بن نفير، ومسلم ابن قرضة، وشداد أبو عمار، وراشد بن سعد، ويزيد بن الأصم، وسليم بن عامر، وسالم أبو النضر، وأبو بردة بن أبي موسى، وشرح بن عبيدة، وضمرة بن حبيب، وكثير ابن مرة، وخلق سواهم، واتفقوا على أنه توفى بدمشق سنة ثلاث وسبعين في خلافة عبد الملك بن مروان].
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة"، وما هي؟ الحديث، الإمارة معناها الولاية والسلطنة.
قوله: "وكيف يعدل مع قريبه".
3287 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال شريك لا أدري رفعه أم لا قال الإمارة أولها ندامة وأوسطها غرامة وآخرها عذاب يوم القيامة رواه الطبراني بإسناد حسن
(1)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 379 رقم 5616). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن عيسى إلا شريك، تفرد به: محمد بن أبان. وقال الهيثمي 5/ 201: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2174).
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله: "الإمارة أولها ندامة" تقدم معنى الإمارة في الحديث قبله.
3288 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولا يوم القيامة يده إلى عنقه فكه بره أو أوثقه إثمه أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة رواه أحمد ورواته ثقات إلا يزيد بن أبي مالك
(1)
.
قوله: وعن أبي أمامة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله: "أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة" سيأتي الكلام على هذه الألفاظ في حديث أبي ذر قريبا.
3289 -
وروي عن أبي وائل شقيق ابن سامة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل بشر بن عاصم رضي الله عنه على صدقات هوازن فتخلف بشر فلقيه عمر فقال ما خلفك أما لنا سمعا وطاعة قال بلى ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ولي شيئا من أمر المسلمين أتي به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم فإن كان محسنا نجا وإن كان مسيئا انخرق به الجسر فهوى فيه سبعين خريفا قال فخرج عمر رضي الله عنه كئيبا محزونا فلقيه أبو ذر فقال ما لي أراك كئيبا
(1)
أخرجه أحمد 5/ 267 (22731)، والحارث بن أبي أسامة (599)، والطبراني في الكبير (8/ 172 رقم 7720) و (8/ 173 رقم 7724) والشاميين (1580) و (1617). وقال الهيثمي في المجمع 5/ 205: رواه أحمد، والطبراني، وفيه يزيد بن أبي مالك، وثقه ابن حبان وغيره، وبقية رجاله ثقات. وحسنه الألباني في الصحيحة (349) وقال حسن صحيح في صحيح الترغيب (2175).
حزينا فقال ما لي لا أكون كئيبا حزينا وقد سمعت بشر بن عاصم يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ولي شيئا من أمر المسلمين أتي به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم فإن كان محسنا نجا وإن كان مسيئا انخرق به الجسر فهوى فيه سبعين خريفا فقال أبو ذر أو ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قال أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ولي أحدا من المسلمين أتي به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم فإن كان محسنا نجا وإن كان مسيئا انخرق به الجسر فهوى فيه سبعين خريفا وهي سوداء مظلمة فأي الحديثين أوجع لقلبك قال كلاهما قد أوجع قلبي فمن يأخذها بما فيها فقال أبو ذر من سلت الله أنفه وألصق خده بالأرض أما إنا لا نعلم إلا خيرا وعسى أن وليتها من لا يعدل فيها أن لا تنجو من إثمها رواه الطبراني ويأتي أحاديث نحو هذه في الباب بعده إن شاء الله تعالى سلت أنفه بفتح السين المهملة واللام بعدهما تاء مثناة فوق أي جدعه
(1)
.
قوله: وروي عن أبي وائل شقيق ابن سلمة [هو أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدى، أسد خزيمة الكوفى التابعى المخضرم، أدرك زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه المروزي في أخبار الشيوخ (123 و 124)، وابن أبي الدنيا في الأهوال (247)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (1591)، والبغوى في معجم الصحابة (202)، وابن قانع مختصرا (1/ 82)، وابن منده في معرفة الصحابة (1/ 225 - 227)، والطبراني في الكبير (3/ 39 رقم 1219)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 138) ومعرفة الصحابة (1175). وقال الهيثمي في المجمع 5/ 205 - 206: رواه الطبراني، وفيه سويد بن عبد العزيز، وهو متروك. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (6865) وضعيف الترغيب (1311).
ولم يره. وروى عن أبي بكر، وسمع عمر، وعثمان، وعليا، وابن مسعود، وعمارا، وحبابا، وحذيفة، وأبا موسى، وأسامة، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وأبا الدرداء، وأبا مسعود البدرى، والبراء، والمغيرة، وجريرا البجلى، وكعب بن عجرة، وأبا هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم أجمعين.
وسمع خلائق من كبار التابعين. روى عنه الشعبي، وعاصم الأحول، والحكم، والسبيعى، والأعمش، وخلائق غيرهم من التابعين، حكوا عنه أنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين أرعى إبلا لأهلى، وقال: أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عنه أنه قال: أدركت سبع سنين من سنى الجاهلية. قالوا: وتوفى سنة تسع وتسعين. واتفقوا على توثيقه وجلالته].
قوله: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل بشر بن عاصم رضي الله عنه على صدقات هوازن، هوازن اسم قبيلة أبو هوازن ابن منصور بن عكرمة بن قيس بن غيلان.
قوله: "فهوى فيه سبعين خريفا" الحديث، الهوى وتكرر في الحديث ذكر الخريف والخريف الزمان المعروف في فصول السنة ما بين الصيف والشتاء، ويريد به أربعين سنة لأن الخريف لا يكون في السنة إلا مرة واحدة، فإذا انقضى أربعون خريفًا فقد مضت أربعون سنة والله أعلم.
قوله: "فمن يأخذها بما فيها" يعني بذلك الخلافة.
قوله: فقال أبو ذر من سلت الله أنفه، بفتح السين واللام بعدهما تاء مثناة فوق أي جدعه، أ. هـ، الجدع بالدال المهملة مقطوع الأنف، وقال الزمخشري: من سلت الله أنفه أي مسح وأصل السلت القطع والقشر فسلت
القصعة لحسها، وسلتت المرأة خضابها أي أزالته، أ. هـ، ويروي أن عمر بن الخطاب بعث إلى عاصم ليستعمله على الصدقة فأبى، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان يوم القيامة يؤتى بالوالي فيقف على جسر جهنم فيأمر الله تعالى الجسر فينتفض به انتفاضة فيزول كل عظم منه عن مكانه ثم يأمر الله تعالى العظام فترجع إلى مكانها ثم يسله فإن كان مطيعا لله تعالى أخذ بيده وأعطاه كفلين من رحمته وغن كان عاصيا خرق به الجسر فهوى به في جهنم مقدار خمس وسبعين خريفا" فقال عمر رضي الله عنه: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم أسمع، فقال نعم وكان سلمان وأبو ذر حاضرين فقال سلمان: إني الله يا عمر ومع السبعين سبعون خريفا في واد يلتهب التهابا، فقال عمر رضي الله عنه بيده على جبهته إنا لله وإنا إليه راجعون من يأخذها بما فيها فقال سلمان: من سلت الله أنفه وألصق بالأرض، وروي الحافظ أبو القاسم البغوي في معجمه الصغير بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما من أمير إلا يؤتى به يوم القيامة فيوقف على الجسر يعني الصراط فيضطرب الصراط حتى تنخلع أوصاله ثم ترد إلى أماكنها فإن كان عادلا أطلق وإن كان جائرا هوى في جهنم".
3290 -
وعن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جاء يوم القيامة وملك آخذ بقفاه ثم يرفع رأسه إلى السماء فإن قال ألقه ألقاه فهو في مهواة أربعين خريفا رواه ابن ماجه واللفظ له والبزار ويأتي لفظه في الباب بعده إن شاء الله وفي إسنادهما مجالد بن سعيد
(1)
.
(1)
أخرجه أحمد 1/ 430 (4178)، ابن ماجه (2311)، والبزار (1939)، ووكيع في أخبار القضاة 1/ 19، وابن المنذر في الأوسط (6442)، والدينورى في المجالسة (325)، =
قوله عن عبد الله بن مسعود تقدم الكلام عليه.
قوله: "ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جاء يوم القيامة وملك آخذ بقفاه ثم يرفع رأسه إلى السماء فإن قال ألقه ألقاه فهو في مهواة أربعين خريفا" المهواة بفتح وسكون الهاء ما بين الجبلين قاله في الصحاح وقال بعضهم: المهواة الحفرة وتقدم معنى الهوى والخريف في الحديث قبله.
قوله "وفى إسناده مجالد بن سعيد"[وهو ضعيف].
3291 -
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال جاء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اجعلني على شيء أعيش به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حمزة نفس تحييها أحب إليك أم نفس تميتها قال نفس أحييها قال عليك نفسك رواه أحمد ورواته ثقات إلا ابن لهيعة
(1)
.
وعن عبد الله بن عمرو تقدم الكلام عليه.
قوله: "قال جاء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اجعلني على شيء أعيش به".
= والطبراني في الأوسط (4/ 128 - 129 رقم 3785) والكبير (10/ 159 رقم 10313)، والدارقطني (4465)، والبيهقي في الكبرى (10/ 152 رقم 20172) والشعب (10/ 36 - 37 رقم 7127). وقال الألباني: ضعيف، الترغيب (1312)، المشكاة (3739/ التحقيق الثاني)، ضعيف الجامع (5166).
(1)
أخرجه أحمد 2/ 175 (6749). قال الهيثمي في المجمع 5/ 199: رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1313).
حمزة بن عبد المطلب
(1)
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، ويقال له أسد الرحمن وأسد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنيته أبو عمارة، كنى بابن له يقال له: عمارة من امرأة من بنى النجار، وقيل: كنيته أبو يعلى، كنى بابنه يعلى، ولم يعقب حمزة، وأمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وهى بنت عم آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شقيق صفية بنت عبد المطلب أم الزبير بن العوام، رضى الله عنهم. وكان حمزة أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل: بأربع، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة، أسلم حمزة في السنة الثانية من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا وبارز، وأبلى فيها بلاء عظيما، وقاتل بسيفين.
قال أبو الحسن المدائنى: أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب حين بعثه في سرية إلى سيف البحر، بكسر السين، من أرض جهينة، وخالفه ابن إسحاق، فقال: أول لواء عقده لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب. استشهد يوم أحد في نصف شوال من السنة الثالثة من الهجرة بعد أن قتل أحدا وثلاثين من الكفار، ودفن عند أحد في موضعه، وقبره مشهور يزار ويتبرك به، وحزن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، رضى الله عنهم والله تعالى أعلم.
قول حمزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلنى على شيء أعيش به فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نفس تحييها أحب إليك أم نفس تميتها وآخر الحديث قال عليك نفسك، وطلب حمزة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوليه على عمل [أي إمارة فقال: نفس
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 168 - 169 ترجمة 121).
تحييها خير من إمارة لا تحصيها، إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرًا فافعل].
3292 -
وعن المقدام بن معديكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبيه ثم قال أفلحت يا قديم إن مت ولم تكن أميرا ولا كاتبا ولا عريفا. رواه أبو داود وفي صالح بن يحيى بن المقدام كلام قريب لا يقدح
(1)
.
عن المقدام بن معدى كرب بن عمرو بن زيد الكلبى أبو كريمة وقيل أبو يحيى نزل حمص له صحبة ورواية مات سنة سبع وثمانين قال وله أحد وأربعون سنة قاله في شرح الإلمام وتقدم ذكره.
قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبيه ثم قال أفلحت يا قديم إن مت ولم تكن أميرا ولا كاتبا ولا عريفا" الحديثي قديم تصغير المقدام وتقدم الكلام عليه في الزكاة.
3293 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها رواه مسلم المنكب مجتمع رأس الكتف والعضد
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد 4/ 133 (17478)، وأبو داود (2933)، والبغوى في معجم الصحابة (2129)، والطبراني في الشاميين (2/ 297) و (1382)، وابن السنى في اليوم والليلة (393)، والبيهقي في الكبرى (6/ 586 رقم 13047 و 13048). وضعفه الألباني في الضعيفة (1133)، وضعيف الجامع (1055)، والمشكاة (3702)، وضعيف الترغيب (485) و (1314).
(2)
أخرجه مسلم (16 - 1825).
قوله عن أبي ذر تقدم الكلام عليه.
قوله: "فضرب بيده على منكبي" المنكب مجتمع [رأس الكتف والعضد قاله المنذري].
قوله: "ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة" يعني الولاية وليس المراد ضعيف البدن إذ لا مدخل له في الإمارة ولا ضعيف العلم فإنه حفظ علما جما كما قال عمر رضي الله عنه ولا ضعيف الهمة والتصميم على الحق وإنما المراد الضعيف عن احتمال لجاج الخصومة ولددهم وكان خلقه لا يحتمل ذلك أو عن شديد أهوالها وحربها ونكالها فيما يظهر، وقوله:"إنها أمانة" أي من التي أمنت السموات والأرض عليها ما بين أن يحملنها وأشفقن منها، قوله:"وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة" فشهوده عيانى لكل موفق قوله: "إلا من أخذها بحقها" أشد مستوقف عنها لمن فهم.
قوله: "إلا من أخذها بحقها" فيها أبلغ مانع وأكف منفر. قاله في "حدائق الأولياء"
(1)
.
هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها أو كان أهلا ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط وأما من كان أهلا للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث سبعة يظلهم الله وحديث عبد الله بن عمرو
(1)
حدائق الأولياء (1/ 592).
بن العاصى أن المقسطين على منابر من نور وغير ذلك وإجماع المسلمين منعقد عليه ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذره صلى الله عليه وسلم منها وكذا حذر العلماء وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا
(1)
.
قال في المفهم
(2)
: ووجه ضعف أبي ذر عن ذلك: أن الغالب عليه كان واحتقار الدنيا، وترك الاحتفال بها. ومن كان هذا حاله لم يغتر بمصالح الدنيا، ولا بأموالها الذين بمراعاتهما تنتظم مصالح الدين، ويتم أمره. وقد كان أبو ذر أفرط في الزهد في الدنيا، حتى انتهى به الحال إلى أن يفتي بتحريم الجمع للمال وإن أخرجت زكاته، وكان يرى: أنه الكنز الذي توعد الله عليه بكي الوجوه والجنوب والظهور. فلذلك نصحه عليه السلام، ونهاه عن الإمارة، وعن ولاية مال الأيتام، وأكد النصيحة بقوله:"وإني أحب لك ما أحب لنفسي"، وغلظ الوعيد لمن لم يقم بحقها بأن قال:"وإنها خزي وندامة".
3294 -
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تؤمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم رواه مسلم وأبو داود والحاكم وقال صحيح على شرطهما
(3)
.
(1)
شرح النووي على مسلم (12/ 210 - 211).
(2)
المفهم (12/ 77).
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 231)، وأحمد 5/ 180 (21964)، ومسلم (17 - 1825)، وأبو داود (2868)، والنسائي في المجتبى 6/ 229 (3693) والكبرى (6461)، والبزار (4045)، وابن حبان (5564)، والحاكم (4/ 91).
قوله: وعنه تقدم الكلام عليه.
قوله: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تؤمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم" ولا أبلغ في النهى عن الولاية من ذلك وذمها. أ. هـ. ذكره في الحدائق.
وإنما نهاه عن ذلك لما رآه من ضعفه وهو صلى الله عليه وسلم يحب هذا لكل ضعيف، وإنما كان يتولى أمور الناس، لأن الله قواه على ذلك، وأمره بدعاء الخلق كلهم إلى طاعته، وأن يتولى سياسة دينهم ودنياهم. ذكره ابن رجب الحنبلى
(1)
.
3295 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة
رواه البخاري والنسائي
(2)
.
قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام عليه.
قوله: "إنكم ستحرصون على الإمارة" تقدم الكلام على الإمارة وأنها الولاية.
قوله: "وستكون ندامة يوم القيامة" أي في حق من لم يكن لها أهلا أو كان أهلا ولم يعدل فيها فيخزيه الله ويندم على ما فرط كما تقدم.
قوله: "فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة" الفطم قطع الصبى عن الرضاع
(1)
جامع العلوم والحكم (1/ 305).
(2)
أخرجه البخاري (7148)، والنسائي 6/ 639 (4249) و 8/ 280 (5429) والكبرى (5896) و (7788) و (8694)، وابن حبان (4482).
وأمه فاطمة له ومنه اشتقت فاطمة وبئست الفاطمة استعارة للعزل؛ لأنه قطع لاستدرار فوائد الإمارة ولذتها
(1)
.
وضرب النبي صلى الله عليه وسلم المرضعة مثلا لإمارة وما يصل إلى الرجل فيها من المنافع واللذات، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم الفاطمة مثلا للموت الذي يهدم عليه تلك اللذات ويقطع منافعها عنه وتبقي الحسرة والتبعة والله أعلم
(2)
.
فنعمت المرضعة يعني أول الإمارة.
3296 -
وعن أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم معلقة بالثريا يدلون بين السماء والأرض وإنهم لم يلوا عملا رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم واللفظ له وقال صحيح الإسناد
(3)
.
3297 -
وفي رواية له وصحح إسنادها أيضًا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليوشكن رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا ولم يل من أمر الناس شيئا
(4)
.
(1)
مطالع الأنوار (5/ 236).
(2)
النهاية (2/ 230)، وتحفة الأبرار (2/ 459).
(3)
أخرجه الطيالسي (2646)، وأحمد 2/ 352 (8747) و 2/ 521 (10910)، وأبو يعلى (6217)، والأصم في مجموعه (300)، وابن حبان (4483)، وأبو أحمد الحاكم في الأسامى والكنى (4/ 11)، والبغوى في شرح السنة (2468). وقال الهيثمي في المجمع 5/ 200: رواه أحمد، ورجاله ثقات في طريقين من أربعة، ورواه أبو يعلى والبزار. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (788) و (789) و (2179).
(4)
أخرجه إسحاق (363)، وأحمد 2/ 377 (9023) و 2/ 520 (10888)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير - السفر الثاني 1/ 467 (1793)، والبزار (9629)، وابن المنذر =
قال الحافظ وقد وقع في الإملاء المتقدم باب فيما يتعلق بالعمال والعرفاء والمكاسين والعشارين في كتاب الزكاة أغنى عن إعادته هنا.
قوله: عن أبي هريرة تقدم الكلام عليه.
قوله: "ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء" الحديث ويل اسم واد في جهنم وقيل اسم حجر فيها، والعرفاء جمع عريف والعريف هو القيم بأمر القبيلة والمحلة يعرف أمرهم وتقدم الكلام على ذلك في كتاب الزكاة.
قوله: "ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم معلقة بالثريا يدلون بين السماء والأرض وإنهم لم يلوا عملا" الحديث يدلون أي يحركون.
3298 -
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها الحديث رواه البخاري ومسلم
(1)
.
قوله: وعن عبد الرحمن بن سمرة الصحابى
(2)
كنيته: أبو سعيد عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى، هكذا نسبه ابن الكلبى، وأبو عبيد، وابن معين، والبخاري، وهو قرشى عبشمى، المكي ثم البصري.
= في الأوسط (6438)، وأبو عبد الله الحاكم (4/ 91). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة (361) و (2620) وصحيح الترغيب (2180).
(1)
أخرجه البخاري (6622) و (6722) و (7146) و (7147)، ومسلم (13 و 19 - 1652)، وأبو داود (2929)، والترمذي (1529)، والنسائي في المجتبى 8/ 279 (5428) والكبرى (5902) و (8692).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 296 - 297 ترجمة 350).
أسلم يوم الفتح، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، كان اسمه عبد الكعبة، وقيل: عبد كلال، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، سكن البصرة، وغزا خراسان في زمن عثمان، وفتح سجستان، وكابل، وفتح سجستان سنة ثلاث وثلاثين. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر حديثا، اتفقا على حديث، وانفرد مسلم بحديثين. وليس لعبد الرحمن بن سمرة سوى حديث واحد في أبواب الكفارات في باب الحلف بغير الله. توفى سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين بالبصرة، وقيل: بمرو، وأنه أول من دفن بمرو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحيح الأول، وكان رضى الله عنه متواضعا، فإذا وقع المطر لبس برنسا، وأخذ المسحاة، وكنس الطريق، ومناقبه كثيرة مشهورة.
قوله: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة" الإمارة بكسر الهمزة وبفتحها العلامة وقيل إمرة بكسر الهمزة وسكون الميم وأما الأمرة بالفتح فهى المرة الواحدة من الأمر وأمر فلان بكسر الميم وضمها صار أميرا
(1)
. قال النووي: قال الزجاج في تفسيره
(2)
: كل ما اشتمل عليك أو اشتملت عليه فإنه يكون بالكسر مثل ما اشتمل عليك كالعمامة والعصابة واللفافة ومثال الثاني الولاية والإمارة والسعاية وكذلك الإمرة.
والمسئلة السؤال ونهى أن يسأل الإنسان الإمارة وما في معناها.
قوله: "فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها" هكذا هو في أكثر النسخ وكلت إليها وفي بعضها أكلت إليها
(1)
الصحاح للجوهري (2/ 580) ورياض الأفهام (5/ 272).
(2)
معاني القرآن (1/ 83 - 84)، وتهذيب الأسماء واللغات (4/ 93 - 94).
بالهمزة ومعنى وكلت إليها تركت إلى الإمارة غير معان عليها أي لا يكون قبله كفاية يقال وكله إلى نفسه وكلا ووكولا
(1)
، وقال بعضهم
(2)
: أي أسلمت إليها ولم يكن معك إعانة بخلاف ما إذا حصلت بغير مسألة.
والمسئلة السؤال ونهى أن يسأل الإنسان الإمارة وما في معناها.
وفى الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله أمرنا على بعض ما ولاك الله، عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال:"إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله، أو أحدا حرص عليه"
(3)
.
قال العلماء: والحكمة في أنه لا يولى من سأل الولاية أنه يوكل إليها ولا تكون معه من الله إعانة كما صرح به في حديث عبد الرحمن بن سمرة السابق وإذا لم تكن معه إعانة لم يكن كفئا ولا يولى غير الكفء ولأن فيه تهمة للطالب والحريص أ. هـ
(4)
.
وفي هذا الحديث فوائد منها: كراهة سؤال الولاية سواء ولاية الإمارة والقضاء والحسبة وغير ذلك من المناصب
(5)
.
(1)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (9/ 242).
(2)
قاله النووي في شرحه على مسلم (12/ 207).
(3)
أخرجه: البخاري (7149)، ومسلم (14 - 1733).
(4)
شرح النووي على مسلم (12/ 207 - 208).
(5)
شرح النووي على مسلم (11/ 116).
قال القرطبي
(1)
: بين الحديث التحذير من الدخول في الولايات، ومنها: بيان أن من سأل الولاية لا يكون معه إعانة من الله تعالى فلا يكون فيه كفاية لذلك العمل فينبغي أن لا يولى، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"لا نولى على عملنا من طلبه أو حرص عليه" كما تقدم.
وحكى النووي عن بعض العلماء أنه لا تصح توليته إذا سأل الولاية
(2)
، قال بعض السلف: ما حرص أحد على ولاية فعدل فيها، وكان يزيد بن عبد الله بن موهب من قضاة العدل والصالحين، وكان يقول: من أحب المال والشرف وخاف الدوائر لم يعدل، واعلم أن الحرص على الشرف بطلب الولايات يستلزم ضررًا عظيما قبل وقوعه في السعي في أسبابه وبعد وقوعه بالخطر العظيم الذي يقع فيه صاحب الولاية من الظلم والتكبر وغير ذلك من المفاسد، أ. هـ، قاله ابن رجب
(3)
.
واعلم أن ظاهر الحديث كراهة سؤال الولاية وينبغي أن يستثني من ذلك من استحب له الطلب إما لنشر العلم أو لاحتياجه إلى الرزق أو لتعين الطلب عليه بأن كان لا يصلح للقضاء غيره، وقد قسم الفقهاء السؤال إلى خمسة أقسام فقالوا: من اجتمعت فيه شروط الولاية تعين عليه قبولها إن عرضت عليه وطلبها إن لم تعرض عليه لأنه فرض كفاية لا يتأدى إلا به وكذا إن كان
(1)
هذا من العزو الخطأ فالكلام للنووى كما في شرحه (11/ 116).
(2)
حسن السلوك (ص 77).
(3)
مجموع رسائل ابن رجب (1/ 71 - 72).
أفضل من غيره ومنعنا ولاية المفضول مع وجود الأفضل فإن كان غيره أفضل منه ولم يمنع تولية المفضول مع وجود الأفضل فها هنا يكره له، وقال بعضهم: يحرم ويكره للإمام أن يوليه وقال: إن ولاه انعقدت ولايته، قال ابن الفاكهاني: وقد استخطئ فيما قال ومن الفقهاء من أطلق القول بكراهة القضاء لأحاديث وردت والله أعلم، قاله في شرح الإلمام
(1)
.
تتمة: قال في الإحياء
(2)
: الإمارة والخلافة من أعظم العبادات ولم يزل المتقون يحترزون منها ويتركونها ويهربون من تقلدها وذلك لما فيها من عظيم الخطر إذ بسببها يغلب على النفس حب الجاه ولذة الاستيلاء ونفاد الأمر وهو من أعظم ملاذ الدنيا وإذا صارت الولاية محبوبة صار الوالي ساعيا في حظ نفسه ويوشك أن يتبع هواه وعند ذلك يهلك، أ. هـ.
وقال أبو بكر بن أبي داود
(3)
: كان المستعين بالله بعث إلى نصر بن علي يشخصه للقضاء فدعاه عبد الملك أمير البصرة وأمره بذلك فقال ارجع فاستخير الله فرجع إلى بيته فصلى ركعتين وقال: اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليه ونام فنبهوه فإذا هو ميت رحمه الله، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة خمسين ومائتين، أ. هـ.
(1)
هذا كلام ابن الفاكهانى في رياض الأفهام (5/ 275)، وابن العطار في العدة شرح العمدة (3/ 1501 - 1502)، وكذلك قاله ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (2/ 253).
(2)
إحياء علوم الدين (3/ 324).
(3)
تاريخ بغداد (15/ 389).
3299 -
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال حديث حسن غريب وابن ماجه ولفظه وهو رواية الترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل القضاء وكل إلى نفسه ومن أجبر عليه ينزل عليه ملك فيسدده ترغيب من ولي شيئا من أمور المسلمين في العدل إماما كان أو غيره وترهيبه أن يشق على رعيته أو يجور أو يغشهم أو يحتجب عنهم أو يغلق بابه دون حوائجهم
(1)
.
قوله: وعن أنس رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه" تقدم معنى ذلك، [في حديث] عبد الرحمن: وكلت إليها الصواب بالواو أي أسلمت
(1)
أخرجه أحمد 3/ 118 (12367) و 3/ 220 (13506)، وأبو داود (3578)، والترمذي (1323) و (1324)، وابن ماجه (2309)، والبزار (7483)، ووكيع في أخبار القضاة 1/ 62 و 63 و 2/ 24 و 25، وابن المنذر في الأوسط (6454)، والطبراني في الأوسط (6/ 111 رقم 5958)، والحاكم 4/ 92، والبيهقي في الصغير (4/ 135 رقم 3232) والكبرى (10/ 172 رقم 20249 و 20250) والخطيب في الموضح (2/ 7 - 8).
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهو أصح من حديث إسرائيل، عن عبد الأعلى.
وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم يروى عن أنس إلا من هذا الوجه، ولا عن غير أنس يحفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ وقد روى هذا الحديث إسرائيل، عن عبد الأعلى عن بلال بن مرداس، عن أنس ولم يقل عن خيثمة. وقال الطبراني: لا يُروى هذا الحديث عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الأعلى الثعلبي. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (5320)، الضعيفة (1154)، ضعيف الترغيب (1315).
إليها ولم يكن معك إعانة بخلاف ما إذا حصلت بغير مسألة [فإنه لا يعان بسبب طلبه].
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكا يسدده" معناه: يوفقه لذلك وروى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا جلس القاضي للحكم بعث الله ملكان يسددانه فإن عدل أقاما وإن جار عرجا وتركاه
(1)
. والله أعلم.
(1)
أخرجه وكيع في أخبار القضاة 1/ 26، وابن سمعون (242)، وتمام (133)، والبيهقي في الكبرى (10/ 151 رقم 20166)، والخطيب في تاريخ بغداد (9/ 49) و (16/ 181) ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 757: 1263)، من طريق العلاء بن عمر الحنفي؛ قال: حدثنا أبو عمران الأشعري، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس.
قال ابن الجوزى: قال: هذا حديث لا يصح، ويحيى بن يزيد، قد ضعفه أحمد ويحيى، وقال ابن المديني: روى أحاديث منكرة. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 4/ 366: هذا منكر. وقال ابن الملقن في البدر المنير 9/ 528: وفي إسناده: يحيى بن (يزيد) بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، يكنى أبا بردة، وهو ضعيف. قال أحمد ويحيى: وهو ضعيف الحديث. وقال ابن المديني: روى أحاديث منكرة. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال أبو علي صالح بن محمد الحافظ: هو ضعيف الحديث. قال: وهذا الحديث ليس له أصل.
وقال ابن حجر في التلخيص 4/ 443: وإسناده ضعيف؛ قال صالح جزرة: هذا الحديث ليس له أصل. وقال الألباني في الضعيفة (2539): موضوع.