الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة]
3265 -
عَن جَابر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمر بلعق الْأَصَابعِ والصحفة وَقَالَ إِنَّكُم لَا تَدْرُونَ فِي أَي طَعَامكُمْ الْبركَة رَوَاهُ مُسلم
(1)
.
قوله: عن جابر رضي الله عنه تقدم.
قوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة، تقدم أن الصحفة دون القصعة وهي ما تسع ما يشبع الخمسة ونحوهم، وقيل: الصحفة كالقصعة، وجمعها صحاف.
قوله: وقال "إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة" الحديث معناه والله أعلم أن الطعام الذي يحضره الإنسان فيه بركة ولا يدري أن تلك البركة فيما أكل أو فيما بقي على أصابعه أو فيما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل له البركة، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا والله أعلم ما تحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى ويقوي على طاعة الله تعالى وغير ذلك
(2)
.
فائدة: وقد عابه قوم أفسد عقولهم الترفه وغير طباعهم الشبع والتخمة وزعموا أن لعق الأصابع مستقبح أو مستقذر كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي
(1)
أخرجه أحمد 3/ 301 (14441) و 3/ 393 (15457)، ومسلم (133 - 2023)، وابن ماجه (3270)، والنسائي في الكبرى (6736)، وأبو عوانة (8711)، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (964)، والبيهقي في الشعب (8/ 42 رقم 5471) و (8/ 40 رقم 5470).
(2)
شرح النووي على مسلم (13/ 206).
علق بالأصابع أو بالصحفة جزء من أجزاء الطعام الذي قد أكلوه وازدردوه، وإذا لم يكن سائر أجزائه المأكولة مستقذرة لم يكن هذا الجزء اليسير منه الباقي في الصحفة واللاصق بالأصابع مستقذرا لذلك، وإذا ثبت هذا فليس [بعده شئ] أكثر من مصه أصابعه بباطن شفتيه وهو مما لا يعلم عاقل فيه بأسًا إذا كان الماس والممسوس جميعا طاهرين نظيفين، وقد يتمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه فيدلك أسنانه وباطن فمه فلم ير أحد ممن يعقل أنه قذارة أو سوء أدب فكذلك هذا لا فرق بينهما في منظر [حس] أو مخبر عقل
(1)
انتهي، قاله في الديباجة.
3266 -
وَعنهُ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا وَقعت لقْمَة أحدكُم فليأخذها فليمط مَا كَانَ بهَا من أَذَى وليأكلها وَلَا يَدعهَا للشَّيْطَان وَلَا يمسح يَده بالمنديل حَتَّى يلعق أَصَابعه فَإِنَّهُ لَا يدْرِي فِي أَي طَعَامه الْبركة رَوَاهُ مُسلم
(2)
.
قوله: وعنه رضي الله عنه تقدم.
قوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقعت لقمة أحدكم" الحديث، أما "يميط" فبضم الياء وكسر الميم ومعناه: يزيل وينحي، فيستحب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها، والمراد بالأذى هنا المستقذر من غبار وتراب وقذى ونحو ذلك، هذا إذا لم تقع على موضع نجس فإن وقعت على
(1)
قاله الخطابي معالم السنن (4/ 260).
(2)
أخرجه أحمد 3/ 365 (15168)، وعبد بن حميد (1067)، ومسلم (134 - 2033)، والنسائي في الكبرى (6746)، وأبو يعلى (2246)، وأبو عوانة (8718).
موضع نجس تنجست ولا بد من غسلها إن أمكن، فإن تعذر تطهيرها أطعمها حيوانا أي هرة أو كلبا، ولا يدعها للشيطان والله أعلم
(1)
.
تنبيه: وإنما قال: "ولا يدعها للشيطان" لأن فيه إضاعة نعمة الله والاستحقار بها من غير ما بأس ثم إنه من خلاق المتكبرين وذلك من عمل الشيطان
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه" سيأتي الكلام على لعق الأصابع، وأما المنديل فمعروف وهو بكسر الميم.
قوله: "فإنه لا يدري في أي طعامه البركة" وتقدم الكلام على معنى البركة في الحديث قبله والله أعلم.
تنبيه: روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تجعلوا المنديل الذي تمسحون به أيديكم من الغمر في بيوتكم الذي تبيتون فيه ولا القمامة التي تقم من النهار فإنهما مقعد الشيطان"
(3)
ذكره صاحب الفردوس ولم يخرجه ولده، والمراد بالغمر ما يكون في اليد من ريح الطعام والزفر، والمراد بالقمامة الكناسة.
(1)
شرح النووي على مسلم (13/ 204).
(2)
الميسر في شرح المصابيح (2/ 952) للتوربشتي.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في الجامع (19825)، وعبد بن حميد (1108)، ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 228 - 229)، وابن عدى في الكامل (3/ 384 - 385) من طريق حرام بن عثمان عن ابني جابر عن أبيهما.
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح والمتهم به حرام قال مالك والنسائي ليس بثفة وقال الفلاس متروك الحديث وقال الشافعي ويحيى والسعدي الحديث عن حرام حرام. وقال الألباني في الضعيفة (1841): ضعيف جدا.
3267 -
وَعنهُ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان ليحضر أحدكُم عِنْد كل شَيْء من شَأْنه حَتَّى يحضرهُ عِنْد طَعَامه فَإِذا سَقَطت لقْمَة أحدكُم فليأخذها فليمط مَا كانَ بهَا من أَذَى ثمَّ ليأكلها وَلَا يَدعهَا للشَّيْطَان فَإِذا فرغ فليلعق أَصَابِعه فَإِنَّهُ لَا يدْرِي فِي أَي طَعَامه الْبركَة رَوَاهُ مسلم وَابْن حبَان في صَحِيحه وَقَالَ فَإِن الشَّيْطَان يرصد النَّاس أَو الْإِنْسَان على كل شَيْء حَتَّى عِنْد مطعمه أَو طَعَامه وَلَا يرفع الصحفة حَتَّى يلعقها أَو يلعقها فَإِن آخر الطَّعَام الْبركَة
(1)
.
قوله: وعنه رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ليحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه" الحديث، فيه: التحذر منه والتنبيه على ملازمته للإنسان في تصرفاته فينبغي أن يتأهب ويتحرز منه ولا يغتر بما يزينه له، ففي هذه الأحاديث أنواع من سنن الأكل منها: استحباب لعق اليد محافظة على البركة وتنظيفها لها، واستحباب الأكل بثلاث أصابع ولا يضم إليها الرابعة والخامسة إلا لعذر بأن يكون مرقا وغيره مما لا يمكن بثلاث وغير ذلك من الأعذار
(2)
.
ومما يدل على ذلك قال النووي: روينا من حديث كعب بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها، رواه مسلم
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم (135 - 2033)، وابن حبان (5253)، والبيهقي في الشعب (8/ 40 رقم 5468).
(2)
شرح النووي على مسلم (13/ 203 - 206).
(3)
أخرجه مسلم (131 - 2023).
واستحباب لعق القصعة وغيرها، واستحباب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها وتقدم الكلام على ذلك، ومنها: إثبات الشياطين وأنهم يأكلون حقيقة وتقدم الكلام على ذلك أيضًا، ومنها: جواز مسح اليد بالمنديل لكن السنة أن يكون بعد لعقها
(1)
.
قوله: في رواية ابن حبان "ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها" الحديث.
فائدة: وعن أم [عاصم] قالت: [دخل علينا] نبيشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نأكل في قصعة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة" رواه الترمذي
(2)
.
وفي مسند البزار في هذا الحديث زيادة حسنة وهي "استغفرت له القصعة فيقول: اللهم أجره من النار كما أجارني من لعق الشيطان"
(3)
.
(1)
شرح النووي على مسلم (13/ 203 - 206).
(2)
أخرجه ابن سعد في الطبقات 7/ 50 - 51 و 51، وابن أبي شيبة في المسند (761)، وأحمد 5/ 76 (21055)، والدارمي (2027)، والبخاري في التاريخ الكبير 4/ 127 - 128، وابن ماجه (3271) و (3272)، والترمذي (1804)، وابن أبي حيثمة في التاريخ الكبير - السفر الثانى 1/ 578 (2404)، وبحشل في تاريخ واسط (ص 47)، والدولابي في الكنى (2104)، والبيهقي في الآداب (406) والشعب (8/ 43 رقم 5473)، والبغوى (2877). وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث المعلى بن راشد، وقد روى يزيد بن هارون، وغير واحد من الأئمة، عن المعلى بن راشد هذا الحديث. وضعفه الألباني: المشكاة (4218/ التحقيق الثاني)، ضعيف الجامع (5478).
(3)
أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (546) من طريق محمد بن مقاتل الرازي، عن أبي العباس جعفر بن هارون الواسطي، عن سمعان بن المهدي، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا لعق الرجل القصعة استغفرت له القصعة فتقول: اللهم أعتقه =
ونبيشة هذا يقال له نبيشة الخير
(1)
وليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث وأن له أربعة أحاديث هذا أحدها والله أعلم.
3268 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا أكل أحدكُم فليلعق أَصَابِعه فَإِنَّهُ لَا يدْرِي فِي أيتهن الْبركَة رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
(2)
.
قوله: وعن [أبي هريرة] أنس رضي الله عنه تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أيتهن البركة" هكذا هو في معظم الأصول وفي بعضها: "فإنه لا يدري أيتهما البركة" وكلاهما صحيح، أما رواية:"في أيتهما" فظاهر وأما رواية "لا يدري أيتهن البركة" فمعناه أيتهن صاحبة البركة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه والله أعلم
(3)
.
= من النار كما أعتقني من يد الشيطان.
وسمعان بن مهدي قال الذهبي فيه: لا يكاد يعرف، ألصقت به نسخة مكذوبة رأيتها، قبّح الله من وضعها، وقال ابن حجر: وهي من رواية محمد بن مقاتل عن جعفر بن هارون الواسطي، عن سمعان فذكر النسخة وهي أكثر من ثلاثمائة حديث أكثر متونها موضوعة. ميزان الاعتدال: 2/ 234، لسان الميزان: 3/ 114.
(1)
ترجمته: الاستيعاب: 4/ 2652، وأسد الغابة 5/ 5198، وتهذيب الكمال 29/ 6380، والإصابة 3/ 8680.
(2)
أخرجه أحمد 2/ 341 (8615) و 2/ 415 (9493)، ومسلم (137 - 2035)، والترمذي (1801). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث سهيل. وسألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث عبد العزيز من المختلف لا يعرف إلا من حديثه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2162).
(3)
شرح النووي على مسلم (13/ 207).
3269 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أكل أحدكُم طَعَاما فَلَا يمسح أَصَابِعه حَتَّى يلعقها أَو يلعقها رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه
(1)
.
قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح أصابعه حتى يلعقها" يلعقها: بفتح حرف المضارعة أي يلحسها، ففيه استحباب لعق اليد محافظة على ترك الطعام وتنظيفا واستنبط من استحباب لحس الإناء ولقط اللباب الذي يتساقط حول المائدة، وقد ورد في استحباب ذلك أحاديث والله أعلم
(2)
.
وقوله: "أو يلعقها" بضم حرف المضارعة ومعنى الحديث والله أعلم: لا يمسح يده حتى يلعقها يعني الأكل فإن لم يفعل فحتى يلعقها غيره مما لا يتقذر ذلك كزوجة وجارية وولد وخادم يحبونه ويلتذون بذلك ولا يتقذرونه وكذا من في معناهم كتلميذ يعتقد بركة شيخه ويود التبرك بلعقها وكذا لو ألعقها شاة ونحوها والله أعلم، والحديث تعليم لأمته أدب الأكل وأخلاقه الشريفة، فإن من فعل ذلك برئ من الكبر والله أعلم.
تتمة: قال في الإحياء في القسم الثالث
(3)
: يستحب أن يلتقط فتات الطعام قال عليه السلام "من أكل ما يسقط من المائدة عاش في سعة وعوفي في ولده" رواه
(1)
أخرجه البخاري (5456)، ومسلم (129 و 130 - 2031)، وأبو داود (3847)، وابن ماجه (3269).
(2)
آداب الأكل (ص 38 - 39) للأقفهسى.
(3)
إحياء علوم الدين (2/ 372).
أبو الشيخ في كتاب الثواب من حديث جابر بلفظ: "أمن من الفقر والبرص والجذام وصرف عن ولده الحمق" وله من حديث الحجاج بن علاط: "اعطي سعة ورقي الحمق في ولده وولد ولده"، والتقاط الفتات مهر الحور العين، وليشكر الله تعالى بقلبه على ما أطعمه فيرى الطعام نعمة منه قال الله تعالى:{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}
(1)
ومهما أكل حلالا قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتنزل البركات اللهم أطعمنا طيبا واستعملنا صالحا، وإن أكل شبهة فليقل: الحمد لله على كل حال اللهم لا تجعله قوة لنا على معصيتك، ويقرأ بعد الطعام:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، و {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ، ولا يقوم عن المائدة حتى ترفع أولًا، فإن أكل طعام الغير فليدع له وليقل: اللهم أكثر خيره وبارك له فيما رزقته وشر له أن يفعل فيه خيرا وقنعه بما أعطيته واجعلنا وإياه من الشاكرين، وإن أفطر عند قوم فليقل: أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة، وليكثر الاستغفار والحزن على ما أكل من شبهة ليطفيء [بدموعه] ندمه وحزنه حر النار التي تعرض لها لقوله صلى الله عليه وسلم:"كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به" رواه البيهقي في الشعب من حديث كعب بن عجرة بلفظ: "سحت" وهو عند الترمذي وحسنه قاله في الديباجة.
خاتمة: قال أبو الليث السمرقندي في كتابه البستان
(2)
: أربع خصال في الطعام فريضة وأربع سنة وأربع أدب واثنان دواء واثنان مكروه، فأما الأربع
(1)
سورة البقرة، الآية:172.
(2)
بستان العارفين (1/ 418).
التي هي فريضة، فالأولى: أن لا يأكل إلا من الحلال، الثانية: أن يعلم أنه من الله، الثالثة: أن يكون راضيا به، الرابعة: أن لا يعصي الله تعالى ما دام قوة الطعام فيه، وأما الأربع التي هي سنة، الأولى: أن يسمي الله تعالى في الابتداء، الثانية: أن يحمده في الانتهاء، الثالثة: أن يغسل يده قبل الأكل وبعده، والرابع يثني رجله اليسرى وينصب اليمنى عند الجلوس للأكل، وأما الأربعة التي هي أدب أولها أن يأكل مما يليه، الثاني: أن يصغر اللقمة، الثالث: أن يمضغ مضغا ناعما، الرابع: أن لا ينظر إلى لقمة غيره، وأما اللذان فيهما دواء أحدهما أن يأكل ما يسقط من المائدة، الثاني أن يلعق القصعة، وأما اللذان هما مكروه ونهي عنهما أن لا يشم الطعام ولا ينفخ فيه فيتركه حتى يبرد، أهـ.