الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
3464 -
عَن جابر
(1)
رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مر على حمَار قد وسم فِي وَجهه فَقَالَ لعن الله الَّذِي وسمه رَوَاهُ مُسلم وَفِي رِوَايَة لَهُ نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الضَّرْب فِي الْوَجْه وَعَن الوسم فِي الْوَجْه وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ [عن ابن عباس] بِإِسْنَاد جيد مُخْتَصرا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعن من يسم فِي الْوَجْه
(2)
.
فصل قوله: عن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ابن عباس.
قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على حمار قد وسم في وجهه فقال: لعن الله الذي وسمه" أما الوسم بالسين المهملة هذا هو الصحيح المعروف في الروايات وكتب الحديث
(3)
، قال القاضي عياض
(4)
: ضبطناه بالمهملة وقال بعضهم يقول بالمهملة وبالمعجمة وبعضهم فرق فقال بالمهملة في الوجه وبالمعجمة في سائر الجسد، وأما الوسم في الوجه فمنهي عنه بالإجماع للحديث ولما ذكرنا، فأما الآدمي فوسمه حرام لكرامته، ولأنه لا حاجة إليه فيه فلا يجوز تعذيبه، وأما غير الآدمي فقال جماعة من أصحابنا يكره، وقال البغوي من أصحابنا: لا يجوز فأشار إلى تحريمه وهو الأظهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
في الأصل عن ابن عباس.
(2)
أخرجه مسلم (106 و 107 - 2116)، وأبو داود (2564)، والترمذي (1710)، وابن خزيمة (2551)، وابن حبان (5627 و 5628) عن جابر. وأما حديث ابن عباس: أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 335 رقم 11926). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 110: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في الصحيحة (2149) وصحيح الترغيب (2294).
(3)
شرح النووي على مسلم (14/ 97).
(4)
إكمال المعلم (6/ 645).
لعن فعاله واللعن يقتضي التحريم وأما وسم غير الوجه من غير الآدمي فجائز بلا خلاف عندنا لكن يستحب في نعم الزكاة والجزية، ولا يستحب في غيرها ولا ينهى عنه وفائدته تمييز بعض الحيوان عن بعض، فقد نقل ابن [الصباغ وغيره] إجماع الصحابة على استحبابه في نعم الزكاة والجزية، وقال أبو حنيفة هو مكروه لأنه تعذيب ومثلة وقد نهى عن المثلة
(1)
.
قلنا: حديث الوسم خاص فوجب تقديمه على النهي عن المثلة
(2)
.
وقد ذكر في المفهم سر تخصيص الوجه بالنهي عن ضربه واحترامه وتشريفه على سائر الأعضاء الظاهرة قال
(3)
: لأنه الأصل في خلقة الإنسان وغيره من الأعضاء خادم له لأنه الجامع للحواس التي تحصل بها الإدراكات المشتركة بين الأنواع المختلفة ولأنه أول الأعضاء في الشخوص والمقابلة والتحدث والقصد ولأنه مدخل الروح ومخرجه ولأنه مقر الجمال والحس ولأن به قوام الحيوان كله ناطقة وغير ناطقة قال: وقد مر عليه السلام برجل يضرب عبده فقال: "اتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" أي صورة المضروب، قال: ومعنى ذلك والله أعلم أن المضروب من ولد آدم ووجهه كوجهه في أصل الخلقة ووجه آدم مكرم مشرف لأن الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأقبل عليه بكلامه وأسجد له ملائكته وإذا كان ذلك الوجه يشبه ذلك الوجه فينبغى أن يحترم كاحترامه والله أعلم.
(1)
شرح النووي على مسلم (14/ 99 - 100).
(2)
المصدر السابق (14/ 100).
(3)
المفهم (17/ 113).
قال أهل اللغة: يقال بعير موسوم إذا أثر فيه بكي يقال: وسمه يسمه وسما وسمة دل الحديث على حرمة وسم الدواب بالنار في الوجه، فإن قيل: كيف التوفيق بين هذا وبين ما ورد من الأحاديث في النهي عن لعن المسلم مع أن الواسم لم يرتكب في صنيعه ذلك كبيرة؟ قلنا: يحتمل أن الواسم لم يكن مسلما أو كان من أهل النفاق أعلمه بذلك ربه سبحانه وتعالى فلم يصرح به ليكون أدعى إلى الانزجار عما زجر عنه، ويحتمل أن ذلك لم يكن على وجه الدعاء عليه بل على سبيل الإخبار عن الغيب واستحق ذلك لأنه علم بالشيء فأقدم عليه مستهينا به كذا في الميسر
(1)
ذكره في شارح مشارق الأنوار.
قوله: وفي رواية له "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه" تقدم الكلام على الوسم في الوجه، وأما الضرب في الوجه، قال النووي
(2)
: الضرب في الوجه منهي عنه في كل الحيوان المحترم من الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها ولكن في الآدمي أشد لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف يظهر فيه أثر الضرب وربما شانه وربما أذى بعض الحواس.
تنبيه: يحرم ضرب الحمار وضرب غيره من الحيوان المحترم بالإجماع، وفي رسالة القشيري في باب كرامات الأولياء، سمعت أبا سليمان الخواص يقول: كنت راكب حمار يوما وكان الذباب يؤذيه فيطأطي رأسه فكنت أضرب رأسه بخشبة في يدي فرفع الحمار إليّ رأسه وقال: "اضرب فإنك
(1)
الميسر (3/ 937).
(2)
شرح النووي على مسلم (14/ 97).
هكذا على رأسك تضرب" قال الحسين: فقلت لأبي سليمان: لك وقع هذا؟ قال: نعم كما [تسمعنى]
(1)
أ. هـ.
3465 -
وَعَن جُنَادَة بن جَرَادَة أحد بني غيلَان بن جُنَادَة رضي الله عنه قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِإِبِل قد وسمتها فِي أنفها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا جُنَادَة فَمَا وجدت عضوا تسمه إِلَّا فِي الْوَجْه أما إِن أمامك الْقصاص فَقَالَ أمرهَا إِلَيْك يَا رَسُول الله الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ
(2)
.
قوله: وعن جنادة بن جرادة أحد بني غيلان بن جنادة رضي الله عنه[سكن البصرة، روى عنه زياد بن قريع أحد بني غيلان بن جآوة، كذا نسبه أبو عمر، فقال: العيلاني الأسدي، ولا أعرف هذا النسب، إنما عيلان بن جآوة بن معن، وولد معن من باهلة، فهو عيلاني باهلي، وأما أسدي، فلعله له فيهم حلف، وإلا فليس منهم، وقد ذكره أبو أحمد العسكري في باهلة، والله أعلم].
قوله: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بإبل قد وسمتها في أنفها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا جنادة فما وجدت عضوا تسمه إلا في الوجه، أما إن أمامك القصاص" أي: قدامك، تقدم الكلام على الوسم في الوجه في الحديث قبله.
(1)
الرسالة (2/ 532).
(2)
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (1256)، وابن قانع (1/ 155)، والطبراني في الكبير (2/ 283 رقم 2179)، والدارقطني في المؤتلف والمختلف (4/ 1874)، وأبو نعيم في المعرفة (1666 و 1667)، والبيهقي في الكبرى (7/ 56 - 57 رقم 13263).
قال الهيثمي في المجمع 8/ 110: رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1381).
3466 -
وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ مر حمَار برَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد كوي فِي وَجهه يفور منخراه من دم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله من فعل هَذَا ثمَّ نهى عَن الكي فِي الْوَجْه وَالضَّرْب فِي الْوَجْه رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مُخْتَصرا وَصَححهُ وَالْأَحَادِيث فِي النَّهْي عَن الكي فِي الْوَجْه كَثِيرَة
(1)
.
قوله: وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، تقدم.
قوله: مر حمار برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كوي في وجهه يفور منخراه من دم، الحديث، المنخر: بفتح الميم وكسرها والخاء مكسورة في الحالين.
قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من فعل هذا ثم نهى عن الكي في الوجه والضرب في الوجه" ونهي عن الكي، وصح عنه أنه كوى سعد بن معاذ وغيره، فقيل: النهي على الكراهة، وقيل: إنما نهى عن كي الصحيح خوف نزول الداء، وأما ما فعله بعد وجود الداء فتركه أفضل لمن قوي توكله وفعله جائز والله أعلم، وأما الضرب في الوجه، فتقدم الكلام عليه.
* * *
(1)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (175)، ومسلم (106 - 2116)، وأبو داود (2564)، والترمذي (1710)، وأبو يعلى (2099) و (2148)، وابن حبان (5620) و (5626) و (5627) و (5628). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح - "الإرواء"(2185)، "الصحيحة"(2149)"صحيح الترغيب"(2295).