المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٩

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في تأديب الأولاد]

- ‌[الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه]

- ‌[الترهيب من إفساد المرأة على زوجها والعبد علي سيده]

- ‌[ترهيب المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس]

- ‌[ترهيب المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة متزينة]

- ‌[الترهيب من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين]

- ‌كتاب اللباس والزينة

- ‌[الترغيب في لبس الأبيض من الثياب]

- ‌[الترغيب في القميص والترهيب من طوله وطول غيره مما يلبس وجره خيلاء وإسباله في الصلاة وغيرها]

- ‌[الترغيب في كلمات يقولهن من لبس ثوبا جديدا]

- ‌[الترهيب من لبس النساء الرقيق من الثياب التي تصف البشرة]

- ‌[ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهب وترغيب النساء في تركهما]

- ‌[الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك]

- ‌[الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعا واقتداء بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة]

- ‌[الترغيب في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه]

- ‌[الترغيب في إبقاء الشيب وكراهة تتفه]

- ‌[الترهيب من خضب اللحية بالسواد]

- ‌[ترهيب الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة]

- ‌[الترغيب في الكحل بالإثمد للرجال والنساء]

- ‌[كتاب الطعام وغيره]

- ‌[الترغيب في التسمية على الطعام والترهيب من تركها]

- ‌[الترهيب من استعمال أواني الذهب أو الفضة وتحريمه على الرجال والنساء]

- ‌[الترهيب من الأكل والشرب بالشمال وما جاء في النهي عن النفخ في الإناء والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح]

- ‌[الترغيب في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها]

- ‌[الترغيب في أكل الخل والزيت ونهس اللحم دون تقطيعه بالسكين إن صح الخبر]

- ‌[الترغيب في الاجتماع على الطعام]

- ‌[الترهيب من الإمعان في الشبع والتوسع في المآكل والمشارب شرها وبطرا]

- ‌[الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين]

- ‌[الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة]

- ‌[الترغيب في حمد الله تعالى بعد الأكل]

- ‌[الترغيب في غسل اليد قبل الطعام إن صح الخبر وبعده والترهيب أن ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها]

- ‌[كتاب القضاء وغيره]

- ‌[الترهيب من تولي السلطنة والقضاء والإمارة لا سيما لمن لا يثق بنفسه وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئا من ذلك]

- ‌[ترغيب من ولي شيئا من أمور المسلمين في العدل إماما كان أو غيره وترهيبه أن يشق على رعيته أو يجور أو يغشهم أو يحتجب عنهم أو يغلق بابه دون حوائجهم]

- ‌[ترهيب من ولي شيئا من أمور المسلمين أن يولي عليهم رجلا وفي رعيته خير فيه]

- ‌[ترهيب الراشي والمرتشي والساعي بينهما]

- ‌[الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله والترغيب في نصرته]

- ‌[الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالما]

- ‌[الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة والترهيب من الدخول عليهم وتصديقهم وإعانتهم]

- ‌[الترهيب من إعانة المبطل ومساعدته والشفاعة المانعة من حد من حدود الله وغير ذلك]

- ‌[ترهيب الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل]

- ‌[الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم ورحمتهم والرفق بهم والترهيب من ضد ذلك ومن تعذيب العبد والدابة وغيرهما بغير سبب شرعي وما جاء في النهي عن وسم الدواب في وجوهها]

- ‌فصل

الفصل: ‌[الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك]

[الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك]

3139 -

عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرِّجَال بِالنسَاء والمتشبهات من النِّسَاء بِالرِّجَالِ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

وَالطَّبَرَانِيّ

(2)

وَعِنْده أَن امْرَأَة مرت على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم متقلدة قوسا فَقَالَ لعن الله المتشبهات من النِّسَاء بِالرِّجَالِ والمتشبهين من الرِّجَال بِالنسَاء وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ

(3)

لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرِّجَال والمترجلات من النِّسَاء المخنث بِفَتْح النُّون وَكسرهَا من فِيهِ انخناث وَهُوَ التكسر والتثني كَمَا يَفْعَله النِّسَاء لَا الَّذِي يَأْتِي الْفَاحِشَة الْكُبْرَى.

(1)

أخرجه البخاري (5885)، وابن ماجه (1904)، وأبو داود (4097)، والترمذي (2784)، والطبراني في الأوسط (2/ 117 رقم 1435) والكبير (11/ 252 رقم 11647) و (11/ 307 رقم 11823).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 212 رقم 4003)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 155). وقال: لم يرو هذا الحديث، عن عمرو بن دينار إلا محمد بن مسلم، ولا عن محمد بن مسلم إلا عبد الرحمن بن زياد. قال الهيثمي في المجمع 8/ 103: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه علي بن سعيد الرازي وهو لين، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1256) وقال: منكر.

(3)

أخرجه البخاري (5886) و (6834)، وأبو داود (4930)، والترمذي (2785)، والنسائي في الكبرى (9207) و (9210).

ص: 210

قوله: عن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" وفي رواية البخاري: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء" الحديث، المخنث من الرجال بفتح النون وكسرها من فيه الخناث وهو التكسر والتثني كما يفعله النساء لا الذي يأتي الفاحشة الكبرى، قاله المنذري، وقال النووي رحمه الله تعالى

(1)

: قال أهل اللغة المخنث بكسر النون وفتحها والكسر أفصح والفتح أشهر وهو الذي خلقه خلق النساء في حركاته وهيئاته وكلامه ونحو ذلك وهو ضربان أحدهما: من يكون ذلك خلقة له لا يتكلفه لا صنع له فيه فهذا لا إثم عليه ولا ذم ولا عيب إذ لا فعل له فيه ولا كسب والثاني: من يتكلف ذلك فليس هو بخلقة فيه فهذا هو المذموم الآثم الذي جاءت الأحاديث الصحيحة بلعنه لعن الله المخنثين، سمي مخنثا لانكسار كلامه ولينه، فقد تخانث وتشبه بالنساء فقد أتى كبيرة من أفحش الكبائر لعنة الله عليه ورسوله فلا يقر عليها بل يؤدب بالضرب الوجيع والسجن الطويل والنفي حتى يرتدع عن ذلك ويكفي دليلا على ذلك ما خرجه البخاري عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من الرجال بالنساء، الحديث وقال:"أخرجوهم من بيوتكم" وأخرج فلانا وفلانا غير أنه لا يقتل

(2)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (14/ 162).

(2)

المفهم (18/ 18) وزاد: غير أنه لا يقتل لما رواه أبو هريرة: أن النبي أتي برجل قد خضب =

ص: 211

3140 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة الْمَرْأَة وَالْمَرْأَة تلبس لبسة الرجل رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل" الحديث، وهو بدعة محرمة فلم يفعلها من له خلاق فيجب إنكارها والتحير منها والمعصوم من عصمه الله تعالى قاله ابن النحاس في تنبيهه

(2)

.

3141 -

وَعَن رجل من هُذَيْل قَالَ رَأَيْت عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما ومنزله فِي الْحل ومسجده فِي الْحرم قَالَ فَبينا أَنا عِنْده رأى أم سعيد بنت أبي جهل متقلدة قوسا وَهِي تمشي مشْيَة الرجل فَقَالَ عبد الله من هَذِه فَقلت هَذِه أم سعيد بنت أبي جهل فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَيْسَ منا من تشبه بِالرِّجَالِ من النِّسَاء وَلَا من تشبه بِالنسَاء من الرِّجَال رَوَاهُ أَحْمد

= يديه ورجليه، فقال:"ما بال هذا؟! " فقيل: يتشبه بالنساء، فأمر به، فنفي إلى النقيع -بالنون-، فقيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نقتله؟ قال: "إني نهيت عن قتل المصلين".

(1)

أخرجه أحمد 2/ 325 (8425)، وأبو داود (4098) والنسائي في الكبرى (9209)، وابن حبان (5751) و (5752)، والبزار (9089)، والطبراني في الأوسط (1/ 296 رقم 984)، والحاكم في المستدرك (4/ 194) والبيهقي في الشعب (10/ 224 رقم 7416).

وصححه الحاكم على شرط مسلم. وصححه الألباني في جلباب المرأة (66) وصحيح الترغيب (2069).

(2)

تنبيه الغافلين (ص 291 - 292).

ص: 212

وَاللَّفْظ لَهُ وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا الرجل الْمُبْهم وَلم يسم وَالطَّبَرَانِيّ مُخْتَصرا وَأسْقط الْمُبْهم فَلم يذكرهُ

(1)

.

قوله: وعن رجل من هذيل قال رأيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ومنزله في الحل ومسجده في الحرم قال: فبينا أنا عنده رأى أم سعيد بنت أبي جهل متقلدة قوسا وهي تمشي مشية الرجال، الحديث، تقدم في الحديث قبله أن هذا فعل من البدع المحرمة والله أعلم.

3142 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مخنثي الرِّجَال الَّذين يتشبهون بِالنسَاء والمترجلات من النِّسَاء المتشبهات بِالرِّجَالِ وراكب الفلاة وَحده رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح إِلَّا طيب بن مُحَمَّد وَفِيه مقَال والْحَدِيث حسن

(2)

.

(1)

أخرجه أحمد 2/ 199 - 200 (6994)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 362)، والعقيلى في الضعفاء (2/ 232)، والطبراني في الكبير (13/ 467 رقم 14332)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 321). قال البخاري: وهذا مرسل. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 102 - 103: رواه أحمد. والهذلي لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. ورواه الطبراني باختصار، وأسقط الهذلي المبهم، فعلى هذا رجال الطبراني كلهم ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1257).

(2)

أخرجه أحمد 2/ 287 (7970) و 2/ 289 (8006)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 362)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 232)، والبيهقي في الشعب (6/ 400 رقم 4400). قال البيهقي: تفرد به أيوب بن النجار، عن طبيب بن محمد. وقد روي عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، عن رجل، من هذيل، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم في تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال. وقال الهيثمي في المجمع 4/ 251 =

ص: 213

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء والمترجلات من النساء" يعني اللاتي يتشبهن بالرجال في زيهم وهيئتهم فأما في العلم والرأي فمحمود ويقال امرأة رجلة إذا تشبهت بالرجال في الرأي والمعرفة ومنه أن عائشة كانت رجلة الرأي.

لطيفة: من كتاب الأغاني

(1)

عن ابن مسكين الدارمي قال: كان بالمدينة مخنث يقال له النغاشي، فقيل لمروان بن الحكم وهو يوم ذاك أمير المدينة إنه لا يقرأ القرآن ولا يحفظ شيئا منه فبعث إليه فأحضره، وقال: اقرأ أم الكتاب فقال: فوالله ما معي بناتها فكيف بالأم أو قال: ما اقرأ البنات فكيف أقرأ الأم، فقال: أتهزأ لا أم لك وأمر به فقتل في موضع يقال له كبا في بطحان ثم قال: من جاءني بمخنث فله عشرة دراهم فأتي من الجملة بطويس وهي في بني الحارث بن الخزرج من الجملة فنفاه من المدينة فنزل السويداء وهي على ليلتين من المدينة في طريق الشام فلم يزل بها عمره وعمر حتى مات في ولاية الوليد بن عبد الملك [وقيل: إنه نزل أيضا] بالعقيق وكان طويس طويلا أحول لا يضرب بالعود وإنما ينفر بالدف وكان ظريفا عالما بأمر

= و 8/ 103: رواه أحمد، وفيه الطيب بن محمد؛ وثقه ابن حبان، وضعفه العقيلي، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني في الضعيفة (1114) و (5251) وضعيف الترغيب (1258) و (1813).

(1)

الأغانى (3/ 30 - 31).

ص: 214

المدينة وأنساب أهلها وكان يتقى لسانه وسئل عن مولده فذكر أنه ولد يوم، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وفطم يوم مات أبو بكر الصديق وختن يوم مات عمر بن الخطاب وزوج يوم قتل عثمان وولد له يوم قتل علي رضي الله عنه حتى ضرب بشؤمه المثل فقلي أشأم من طويس وهو الذي عناه الحريري في مقاماته وطويس لقب له غلب على اسمه، وإنما اسمه عيسى بن عبد الله، وكنيته أبو عبد المنعم وهو ملى بني مخزوم، أ. هـ، قاله في تاريخ كنز الدرر والله أعلم

(1)

.

قوله: "وراكب الفلاة وحده" لأنه شيطان ورد الحديث بذلك

(2)

ولأنه قد يموت فلا يجد من يكفنه ولا من يغسله ولا من يصلي عليه ولا من يواريه التراب ولا من يوصي إليه

(3)

وسيأتي الكلام على ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.

قوله: "إلا طيب بن محمد"(يمامي، لا يكاد يعرف، وله ما ينكر قال أبو حاتم لا يعرف).

3143 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَة لعنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأمنت الْمَلَائِكَة رجل جعله الله ذكرا فأنث نَفسه وتشبه بِالنسَاء

(1)

كنز الدرر (4/ 403).

(2)

أخرجه أبو داود (2607)، والترمذي (1674) والنسائي في الكبرى (8798) بلفظ:"الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب" عن عبد الله بن عمرو. وحسنه الألباني في الصحيحة (62) صحيح أبي داود (رقم 124).

(3)

معالم السنن (2/ 260).

ص: 215

وَامْرَأَة جعلهَا الله أُنْثَى فتذكرت وتشبهت بِالرِّجَالِ وَالَّذِي يضل الْأَعْمَى وَرجل حصور وَلم يَجْعَل الله حصورا إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عَليّ بن يزِيد الْأَلْهَانِي وَفِي الحَدِيث غرابة

(1)

.

قوله: وعن أبي أمامة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة رجل جعله الله ذكرا فأنث نفسه وتشبه بالنساء وامرأة جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال" تقدم الكلام على ذلك في أحاديث الباب.

قوله: "والذي يضل الأعمى" يعني عن الطريق.

قوله: "ورجل حصور" الحديث، الحصور أصله من الحصر وهو الحبس سمي بذلك لأنه حبس عن الجماع ومنع وهو فعول بمعنى مفعول والحصور في قول ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة والحسن هو الذي لا يأتي النساء ولا يقربهن وكذا كره الجوهري في صحاحه

(2)

، وقال سعيد بن المسيب الحصور هو العنين الذي لا مال له فيكون الحصور بمعنى المحصور كأنه ممنوع من النساء، وفيه قول آخر: أن الحصور هو الممتنع من الوطء مع القدرة واختار قوم هذا القول لوجهين أحدهما أن الكلام خرج

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 204 رقم 7827). وقال الهيثمي في المجمع 8/ 103: رواه الطبراني، وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو متروك. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1259) وغاية المرام (88).

(2)

الصحاح (2/ 631)، والنهاية (1/ 395)، ونقل هذه الأقوال عن البغوى في التفسير (1/ 437).

ص: 216

مخرج الثناء وهذا أقرب إلى استحقاق والثناء، والثاني: أنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام

(1)

، أ. هـ قال بعض العلماء: وينبغي أن يحمل الحديث على من يترك ذلك رغبة عن الزواج وعن فعل السنة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ولم يجعل الله حصورا إلا يحيى بن زكريا عليه السلام".

سؤال: فإن قيل فما معنى الحصور الذي سمى الله يحيى به؟ فالجواب عنه: أن يقال الحصور هو المنزه عن الشهوات وقيل الحصور الذي لا يأتي النساء وقيل الحصور المعصوم بالعصمة لا بالمعجزة.

سؤال: فإن قيل ما الحكمة في أن الله عز وجل سماه يحيى؟ فالجواب عنه من وجوه: أحدها: أنه لما أحيى له رحم أمه بعد ما أيست من الولد فسمي بذلك يحيى، والثاني: أنه لما أراد أن تنقطع النبوءة من بيته فأحيا الله عز وجل بيته بإبدائه النبوة منه فلذلك سمى يحيى، والثالث: سمي يحيى لأن له حياتين حياة في حال حياته وحياة في حال مماته فحياته الأولى حياة الطاعة وحياته الثانية حياة الشهادة لأنه قتل شهيدا والشهيد حي في الحقيقة قوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا}

(2)

الآية، وحياة الطاعة هي حياة الحقيقة قوله تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}

(3)

الآية، يعني وقفناه للطاعة وقيل سمي يحيى لأنه

(1)

تفسير البغوي (1/ 437).

(2)

سورة آل عمران، الآية:169.

(3)

سورة الأنعام، الآية:122.

ص: 217

يحيى إذا كتب مقلوبا فيكون يحيى يعني إن كان أول عمره إلى آخره وآخر عمره إلى أوله على نسق واحد في العبارة

(1)

.

سؤال آخر: فإن قيل: ما الحكمة في أن الله عز وجل ابتلاهما بالقتل فزكرياء قطع بالمنشار وابنه يحيى قطع رأسه؟ فالجواب عنه: أن الله عز وجل لما رضي عنها أراد أن يكرمهما بأرفع الدرجات بعد النبوة وهي الشهادة فأكرمهما بذلك ويقال ليرى الخلائق أنه ليس للدنيا عند الله خطر كما قال الحسن البصري: من هوان الدنيا أن يحيى بن زكريا الذي لم يعص ربه طرفة عين قتلته امرأة مفسدة ليعلم الخلائق أن لا خطر للدنيا وأحسن ما قيل في هذا: إن زكرياء عليه السلام لما فر من قومه التجأ إلى الشجرة واختفى في وسطها فلما قطع بالمنشار دعا ربه فنودي لو التجأت إلينا دون الشجرة لم يسلط عليك من يقتلك فغذا التجأت للشجرة فكف عن صوتك

(2)

، أ. هـ ذكره هذه الأسئلة النعيمي.

تنبيه: قال في مرآة الزمان

(3)

: ذكر صاحب المنتظم

(4)

عن ابن عباس قال: أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم أني قتلت بيحيى بن زكرياء سبعين ألفا وإني قاتل بابن فاطمة سبعين ألفا وسبعين ألفا

(5)

.

(1)

انظر: تفسير السمرقندي (1/ 210)، وتفسير الخازن (1/ 242)، واللباب (13/ 17).

(2)

مرآة الزمان (2/ 298 - 299) و (2/ 304)، وكشف الأسرار (لوحة 33).

(3)

مرآة الزمان (8/ 399).

(4)

المنتظم (5/ 346).

(5)

أخرجه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات (387)، ومن طريقه الخطيب في تاريخ بغداد =

ص: 218

تنبيه: زكرياء عليه السلام فيه خمس لغات أشهرها زكرياء عليه السلام، الثانية: بالقصر وقرئ بهما في السبع، الثالثة والرابعة: زكرى وزكري بتشديد الياء وتخفيفها حكاهما ابن دريد وآخرون وحكاهما من المتأخرين ابن الجواليقي، والخامسة زكر كقلم حكاها أبو البقاء، قاله الجواليقي فمن مد قال في التثنية زكرياءان وفي الجمع زكرياءون، ومن قصر قال: زكريان وزكريون، ومن قال زكريان كمدنيان وزكريون كمدنيون، ومن خفف قال: زكران وزكرون، وأنه اسم أعجمي

(1)

.

فائدة: ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان زكرياء نجارا

(2)

.

وهذه من الفضائل لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: "أفضل ما أكل الرجل من عمل يده"

(3)

قال أهل التاريخ: كان زكرياء من ذرية سليمان بن داود وقتل زكريا بعد قتل يحيى ابنه صلوات الله وسلامه عليهما.

= (1/ 472)، والحاكم (3/ 178). وذكره الحافظ ابن كثير في البداية (8/ 210)، وقال: هذا حديث غريب جدا. الحديث صححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: على شرط مسلم. وقال في السير (5/ 198): هَذَا حَدِيْثٌ نَظِيْفُ الإِسْنَادِ، مُنْكَرُ اللَّفْظِ. وَعَبْدُ الله: وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِيْنٍ، وَخَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ. وأعله ابن الشهيد بالتفرد علل مسلم (ص 144).

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 197).

(2)

أخرجه مسلم (169 - 2379)، وابن ماجه (2150) عن أبى هريرة.

(3)

أخرجه البخاري (2072)، وابن ماجه (2138) عن المقدام.

ص: 219

3144 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ أُتِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بمخنث قد خضب يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا بَال هَذَا قَالُوا يتشبه بِالنسَاء فَأمر بِهِ فنفي إِلَى النقيع فَقيل يَا رَسُول الله أَلا تقتله فَقَالَ إِنِّي نهيت عَن قتل الْمُصَلِّين رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ وَقَالَ أَبُو أُسَامَة والنقيع نَاحيَة من الْمَدِينَة وَلَيْسَ بِالبَقِيعِ يَعْنِي أَنه بالنُّون لَا بِالْبَاء قَالَ الْحَافِظ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أبي يسَار الْقرشِي عَن أبي هَاشم عَن أبي هُرَيْرَة

(1)

وَفِي مَتنه نَكَارَة وَأَبُو يسَار هَذَا لَا أعرف اسْمه وَقد قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ لما سُئِلَ عَنهُ مَجْهُول وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ قد روى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث فَكيف يكون مَجْهُولا وَالله أعلم.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، الحديث، الحناء بكسر الحاء المهملة وتشديد النون وبالمد معروف، قيل: هو جمع معناه قال بعضهم: خضاب اليدين بالحناء مندوب إليه للنساء ليكون فرقا بين ألفهن وألف الرجال وهو حرام على الرجال من غير عذر ومن فعل ذلك كان متشبها بالنساء فهو داخل في الوعيد الوارد في المتشبهين بالنساء.

(1)

أخرجه أبو داود (4928) ومن طريقه البيهقي في الصغير (1/ 217 - 218 رقم 559) والكبرى (8/ 391 رقم 16987)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (963)، وأبو يعلى الموصلي في (6126)، والدارقطني (1758)، والبيهقي في الكبرى (8/ 391 رقم 16987). قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 461): وأبو هاشم هذا، هو ابن عم أبي هريرة، ولا تعرف حاله. وأبو يسار القرشي، زعم ابن أبي حاتم أنه روى عنه الأوزاعي، والليث، وسأل أباه عنه فقال: مجهول. وقال الألباني: صحيح، المشكاة (4481/ التحقيق الثاني)، وقال في ضعيف الترغيب (1260): منكر.

ص: 220

قوله: فنفي إلى النقيع، الحديث، رواه أبو داود، قال: وقال أبو أسامة: والنقيع ناحية من المدينة وليس بالبقيع يعني أنه بالنون لا بالباء، فالنقيع في هذا الحديث بالنون وهو في صدر وادي العقيق على نحو عشرين ميلا من المدينة قاله الكمال الدميري

(1)

.

تنبيه: من الصغائر خضاب الرجل يديه ورجليه بالحناء من غير ضرورة وهو حرام صرح بتحريمه النووي في شرح المهذب ولم يحك فيه خلافا واستدل على تحريمه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء

(2)

.

فرع: في حد الكبيرة، قال النووي في الروضة

(3)

: في حد الكبيرة أوجه، أحدها: أنه المعصية الموجبة للحد، والثاني: أنه ما لحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة وهذا أكثر ما وجد لهم، وهم إلى الترجيح الأول أميل لكن الثاني أوثق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر، الثالث: كل فعل نص الكتاب على تحريمه أو وجب في جنسه حد من قتل أو غيره وترك فريضة تجب على الفور والكذب في الشهادة والرواية على ما ذكروا، أ. هـ.

وروي عن ابن عباس أنه قال: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب

(4)

، وقيل: هو كل ذنب أوعد الله عليه بالنار، قاله الحسن

(1)

النجم الوهاج (2/ 591).

(2)

المجموع شرح المهذب (1/ 294 - 295)، وتنبيه الغافلين (ص 349).

(3)

روضة الطالبين (11/ 222).

(4)

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (6/ 652)، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 460 - 461 رقم 286).

ص: 221

وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك في روايته

(1)

، قال النووي في الروضة

(2)

: وقد ضبط بعض العلماء الكبائر بأنها كل ذنب قرن به وعيد أو حد أو لعن.

وقال القرطبي في تفسيره

(3)

: كل ذنب عظم الشرع التوعد عليه بالعقاب وشدده، أو عظم ضرره في الوجود كما ذكرنا فهو كبيرة وما عداه صغيرة، وأما الكبائر فالخلاف في حصرها منتشر جدا وهي مشتملة على كبيرة وأكبر منها، ومن ارتكب كبيرة واحدة فسق وردت شهادته ولا تقبل إلا بعد التوبة ومضي سنة والله أعلم.

تنبيه: في ذكر الصغائر: واعلم أن الذنوب صغائر وكبائر وأنه كما يجب اجتناب الكبائر والموبقات كذلك يجب اجتناب الصغائر والمحقرات فالصغائر تكفر باجتناب الكبائر، قال الله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}

(4)

الآية، والصغائر تكون محرمة وتكون مكروهة وكل فعل نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو دائر بين الكراهة والتحريم وهو الأغلب وقد خص قوم الصغائر بالمحرمات وهو الأكثر والذي يسكن إلى القلب أن كل من أتى فعلا نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أتى معصية فإن اقترن بنهيه لعن أو وعيد شديد فهو كبير وتقدم وإلا فهو صغير.

(1)

أسندها الطبري في التفسير (6/ 653).

(2)

هذا كلام النووي في شرحه على مسلم (2/ 86).

(3)

تفسير القرطبي (5/ 160 - 161).

(4)

سورة النساء، الآية:31.

ص: 222

واعلم أن الصغائر لا مطمع في حصرها فمنها العبث في الصلاة، وقيل: أنه حرام وصوب النووي أنه من المكروهات.

ومنها الضحك في الصلاة ومذهب أبي حنيفة أن القهقهة في الصلاة تبطل الوضوء ومنها النظر إلى الأجنبية بشهوة وبغيرها وسواء في ذلك وجهها وكفاها وسائر بدنها وإن أمن الفتنة على الصحيح.

ومنها: الإشراف على بيوت الناس من غير إذن، ومنها: استماع الغيبة والسكون عن إنكارها مع الاستطاعة وذلك حرام، وقد عده بعضهم من الكبائر وليس ببعيد لأنه ترك النهي عن المنكر مع القدرة، وقد جاء في الحديث أن المغتاب والمستمع شريكان. ومنها البيع يوم الجمعة بعد الآذان الثاني إذا تأخر بسببه لقوله تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}

(1)

الآية، قال النووي

(2)

وغيره: البيع من الصنائع والعقود في معنى البيع.

ومنها عدم إتمام الركوع والسجود وإقامة الصلب منهما ويترجح أن يكون ذلك من الكبائر لأن الوعيد فيه شديد جدا.

ومنها: من رأى مسيئا في صلاته وسكت عنه فهو شريكه.

ومنها: التغوط والبول مستقبل القبلة ومستدبرها في الصحراء وذلك حرام عند الشافعي رحمه الله تعالى.

ومنها: بيع العبد المسلم لكافر.

(1)

سورة الجمعة، الآية:9.

(2)

المجموع شرح المهذب (4/ 500).

ص: 223

ومنها: بيع المصحف له وكذا سائر كتب العلم الشرعي.

ومنها: النظر بالعين إلى ما لا يجوز.

ومنها الضحك عند خروج الريح من الإنسان.

ومنها: كثرة الخصومة بغير حق.

ومنها: الجلوس مع الفساق.

ومنها: معاشرة الأجنبية من غير جماع.

ومنها: مسافرة المرأة بغير زوج أو محرم.

ومنها: الكذب لا حد فيه ولا ضرر.

ومنها: حلوان الكاهن وهو ما يعطاه على كهانته وقد نقل البغوي

(1)

والقاضي عياض إجماع المسلمين على تحريمه لنهيه صلى الله عليه وسلم.

قال النووي

(2)

: وكذلك أجمعوا على تحريم أجرة المغنية للغناء والنائحة للنوح.

ومنها: خضاب الرجل والمرأة شعرهما بالسواد وهو حرام على الأصح المختار، قلت: وممن صرح بتحريمه أقضى القضاة الماوردي في الحاوي في باب النجاسة، قال

(3)

: إلا أن يكون في الجهاد قال: وقد ورد فيه وعيد شديد

(1)

شرح السنة (8/ 23) وشرح النووي على مسلم (10/ 231) ونقله أيضا ابن عبد البر في التمهيد (8/ 399).

(2)

شرح النووي على مسلم (10/ 231).

(3)

الحاوى (2/ 257).

ص: 224

يقتضي أن يكون من الكبائر للأحاديث الواردة، وخرج الطبراني والحاكم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخضاب بالسواد، وفي رواية لهما: الخضاب بالسواد خضاب الكفار

(1)

.

ومنها: خضاب الرجل يديه بالحناء من غير ضرورة وهو حرام صرح بتحريمه النووي

(2)

في شرح المهذب، ولم يحك فيه خلافا وتقدم واستدل على تحريمه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء وهذا يقتضي أن يكون من الكبائر لتشبهه بالنساء.

وتصير الصغيرة كبيرة بأمور أربعة، منها: الإصرار على الذنب ويتحقق الإصرار بالإدمان وضابط الإدمان أن يأتي عليه وقت صلاة وهو مصر عليه، ومنها: استصغار العبد للمعصية لأن الذنب كلما استعظمه العبد صغره عفو الله تعالى وكلما استصغره العبد عظمه جلال الله تعالى لأن استعظام المعصية يشعر فشهود القلب شيئا من عظمة الله وجلاله وكبريائه ويدل على شؤم وكراهة في القلب واستصغار المعصية يدل على قلة المبالات بمن عصاه وعدم الاكتراث بشهوده ومخالفته، وقال بعضهم: الذنب الذي لا يغفر قول العبد ليت كل شيء عملته مثل هذا وقيل أوحى الله تعالى إلى بعض

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 322 رقم 14119)، والحاكم (3/ 526) بلفظ:"الصفرة خضاب المؤمن، والحمرة خضاب المسلم، والسواد خضاب الكافر". وقال الذهبي منكر. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (3799).

(2)

المجموع شرح المهذب (1/ 294 - 295).

ص: 225

أوليائه: لا تنظر إلى قلة الهدية (وانظر لعظم مهديها، ولا تنظر إلى صغر الخطيئة، وانظر إلى كبرياء من واجهته بها).

ومنها السرور بالمعصية والفرح بارتكابها مثل أن يقول ظفرت بفلانة البارحة بعد طول امتناعها وتعززها فعانقتها وقبلتها على رغم أنف الحسود وخاصمني فلان فأظهرت مساوئه وفضحته على رءوس الأشهاد وجلس فلان في صدر الحلقة فأقمته منها وجلست مكانه وأغضبتني فلانة فطلقتها ثلاثا ولم التفت إلى حيضها وكان فلان يخطب فلانة وأجابوه فلما خطبتها أعرضوا عنه ورغبوا إلي وخزنت في سنة كذا وكذا غلة وكان بالغلاء فكسبت فيها كذا ولاقيت الركب إلى المكان الفلاني فاشتريت منه بكذا وبعته بكذا ونحو هذا الكلام فبمثل هذا تصير الصغيرة كبيرة ومثل هذا جدير أن يكون من الأخسرين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

ومنه أن يستر الله عليه ذنبا فيصبح يذكره عند غيره وذلك جناية على ستر الله الذي أسدله عليه وتحريكا لرغبة الشر بمن أسمعه ذنبه أو أشهده فعله فهما جنايتان انضمتا إلى جناية تغلظت بهما فإن إنضاف إلى ذلك ترغيب السامع في تلك المعصية وتحسينها له ومدحها عنده صارت جناية رابعة وتفاحش الذنب أ. هـ.

ومنها: أن يكون المذنب عالما يقتدي به من نظره فإن عليه إثمه وإثم من اقتدي به إلى يمم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة سيئة" الحديث

(1)

.

(1)

تنبيه الغافلين (310 - 365) باختصار.

ص: 226

فائدة: المكفرات للذنوب خمسة الاستغفار والحسنات والمصائب وعفو الله ومغفرته والنار.

3145 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة لَا يدْخلُونَ الْجنَّة الْعَاق لوَالِديهِ والديوث ورجلة النِّسَاء رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْبَزَّار فِي حَدِيث يَأْتِي فِي العقوق إِن شَاءَ الله وَالْحَاكِم وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد الديوث بِفَتْح الدَّال وَتَشْديد الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت هُوَ الَّذِي يعلم الْفَاحِشَة فِي أَهله ويقرهم عَلَيْهَا

(1)

.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله: "ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والديوث ورجلة النساء" هذا الحديث فيه تأويلان كما سبق في نظائره والعقوق وسيأتي الكلام عليه في بابه، والديوث قد ضبطه الحافظ وفسره فقال: بفتح الدال وتشديد الياء المثناة تحت، أ. هـ.

(1)

أخرجه البزار زوائده (6050 و 6051)، والنسائي في الكبرى (2354)، وابن خزيمة في التوحيد (2/ 859) و (5/ 861 - 862)، والطوسى في مختصر الأحكام (1505)، والخرائطى في المساوئ (411)، والحاكم في المستدرك (1/ 72)، والبيهقي في الكبرى (10/ 381 - 382 رقم 21025)، والضياء في المختارة 1/ 207 - 208 (198). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 185): هذا حديث حسن. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 148: رواه البزار بإسنادين ورجالهما ثقات. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (2070)، والصحيحة (1397)، وحجاب المرأة المسلمة (67).

ص: 227

ولم يتعرض للتاء هل هي بالمثناة أو بالثاء المثلثة فسألت شيخي الشيخ الإمام المحرر شيخ شمس الدين النواجي

(1)

عن ذلك فكشف [عليها] من كتبه فقال: بالثاء المثلثة واكتب فوقها صح فهو كذلك في نسخته التي قرأتها عليه رحمه الله وسامحه فلم أر أحدا يحرر الألفاظ كتحريره والديوث هو الذي يعلم الفاحشة في أهله ويفرقهم عليها، أ. هـ.

وقال في النهاية

(2)

: الديوث هو الذي لا يغار على أهله. وقيل هو سرياني معرب، ويقال أيضا القنذع بضم القاف والذال المعجمة هو الذي لا غيرة له قاله في الصحاح

(3)

، ورجلة النساء هي المترجلة يقال امرأة رجلة إذا تشبهت بالرجال في زيهم وهيأتهم، فأما في العلم والرأي فمحمود ومنه أن عائشة رضي الله عنها كانت رجلة الرأي وتقدم.

(1)

محمد بن حسن بن علي بن عثمان النواجي، شمس الدين: عالم بالأدب، نقاد، له شعر. من أهل مصر. مولده ووفاته في القاهرة. نسبته إلى نواج (من غربية مصر) رحل إلى الحجاز حاجا، وطاف بعض البلدان. وهو صاحب (حلبة الكميت - ط) في الخمر والندماء وما يتعلق بهما. وله كتب كثيرة، منها (مراتع الغزلان في الحسان من الغلمان - خ) و (خلع العذار في وصف العذار- خ) و (التذكرة - خ) و (نزهة الألباب -خ) و (تحفة الأديب -خ) و (الشفاء في بديع الاكتفاء - ط) و (الصبوح والغبوق - خ) و (روضة المجالسة - خ) و (الحجة في سرقات ابن حجة - خ) و (ديوان شعر - خ) و (المطالع الشمسية في المدائح النبويّة - خ) في دمشق، و (تأهيل الغريب - ط) رأيت نسخة منه في مكتبة الليثي بمركز الصف بمصر، كتبت سنة 892 هـ. (788 - 859 هـ).

(2)

النهاية (2/ 147).

(3)

الصحاح (1/ 282).

ص: 228

3146 -

وَعَن عمار بن يَاسر رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاثَة لَا يدْخلُونَ الْجنَّة أبدا الديوث والرجلة من النِّسَاء ومدمن الْخمر قَالُوا يَا رَسُول الله أما مدمن الْخمر فقد عَرفْنَاهُ فَمَا الديوث قَالَ الَّذِي لَا يُبَالِي من دخل على أَهله قُلْنَا فَمَا الرجلة من النِّسَاء قَالَ الَّتِي تشبه بِالرِّجَالِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته لَيْسَ فيهم مَجْرُوح

(1)

.

قوله: وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا" الحديث، تقدم الكلام على الديوث وعلى رجلة النساء، وأما مدمن الخمر فيسأتي الكلام عليه في بابه إن شاء الله تعالى.

(1)

أخرجه السرقسطي في الدلائل (1/ 238)، والطبراني كما في جامع المسانيد (6/ 342 رقم 7851) وعنه أبو نعيم في معرفة الصحابة (5209)، والبيهقي في الشعب (13/ 261 - 262 رقم 10310) من طريق عمرو بن جارية، عن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه، عن جده. قال الهيثمي في المجمع 4/ 327: رواه الطبراني، وفيه مساتير وليس فيهم من قيل إنه ضعيف. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2071) و (2367).

ص: 229