المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهب وترغيب النساء في تركهما] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٩

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في تأديب الأولاد]

- ‌[الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه]

- ‌[الترهيب من إفساد المرأة على زوجها والعبد علي سيده]

- ‌[ترهيب المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس]

- ‌[ترهيب المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة متزينة]

- ‌[الترهيب من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين]

- ‌كتاب اللباس والزينة

- ‌[الترغيب في لبس الأبيض من الثياب]

- ‌[الترغيب في القميص والترهيب من طوله وطول غيره مما يلبس وجره خيلاء وإسباله في الصلاة وغيرها]

- ‌[الترغيب في كلمات يقولهن من لبس ثوبا جديدا]

- ‌[الترهيب من لبس النساء الرقيق من الثياب التي تصف البشرة]

- ‌[ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهب وترغيب النساء في تركهما]

- ‌[الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك]

- ‌[الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعا واقتداء بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة]

- ‌[الترغيب في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه]

- ‌[الترغيب في إبقاء الشيب وكراهة تتفه]

- ‌[الترهيب من خضب اللحية بالسواد]

- ‌[ترهيب الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة]

- ‌[الترغيب في الكحل بالإثمد للرجال والنساء]

- ‌[كتاب الطعام وغيره]

- ‌[الترغيب في التسمية على الطعام والترهيب من تركها]

- ‌[الترهيب من استعمال أواني الذهب أو الفضة وتحريمه على الرجال والنساء]

- ‌[الترهيب من الأكل والشرب بالشمال وما جاء في النهي عن النفخ في الإناء والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح]

- ‌[الترغيب في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها]

- ‌[الترغيب في أكل الخل والزيت ونهس اللحم دون تقطيعه بالسكين إن صح الخبر]

- ‌[الترغيب في الاجتماع على الطعام]

- ‌[الترهيب من الإمعان في الشبع والتوسع في المآكل والمشارب شرها وبطرا]

- ‌[الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين]

- ‌[الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة]

- ‌[الترغيب في حمد الله تعالى بعد الأكل]

- ‌[الترغيب في غسل اليد قبل الطعام إن صح الخبر وبعده والترهيب أن ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها]

- ‌[كتاب القضاء وغيره]

- ‌[الترهيب من تولي السلطنة والقضاء والإمارة لا سيما لمن لا يثق بنفسه وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئا من ذلك]

- ‌[ترغيب من ولي شيئا من أمور المسلمين في العدل إماما كان أو غيره وترهيبه أن يشق على رعيته أو يجور أو يغشهم أو يحتجب عنهم أو يغلق بابه دون حوائجهم]

- ‌[ترهيب من ولي شيئا من أمور المسلمين أن يولي عليهم رجلا وفي رعيته خير فيه]

- ‌[ترهيب الراشي والمرتشي والساعي بينهما]

- ‌[الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله والترغيب في نصرته]

- ‌[الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالما]

- ‌[الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة والترهيب من الدخول عليهم وتصديقهم وإعانتهم]

- ‌[الترهيب من إعانة المبطل ومساعدته والشفاعة المانعة من حد من حدود الله وغير ذلك]

- ‌[ترهيب الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل]

- ‌[الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم ورحمتهم والرفق بهم والترهيب من ضد ذلك ومن تعذيب العبد والدابة وغيرهما بغير سبب شرعي وما جاء في النهي عن وسم الدواب في وجوهها]

- ‌فصل

الفصل: ‌[ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهب وترغيب النساء في تركهما]

[ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهب وترغيب النساء في تركهما]

3112 -

عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تلبسوا الْحَرِير فَإِنَّهُ من لبسه فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائيِّ وَزَاد وَقَالَ ابْن الزبير من لبسه فِي الدُّنْيَا لم يدْخل الْجنَّة قَالَ الله تَعَالَى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}

(1)

(2)

.

قوله: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هو أول من سمي أمير المؤمنين من الخلفاء لا مطلقا بل أول من سمي أمير المؤمنين من المسلمين عبد الله بن جحش

(3)

حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية في أول مقدمه المدينة فقال له أصحابه: ما ندعوك فقال أنتم المؤمنون وأنا أميركم قالوا فأنت إذن أمير المؤمنين وفي سريتهم أنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}

(4)

الآيتين فهو أبو محمد عبد الله بن جحش بن رباب بكسر الراء بن يعمر بن صرة بن مرة بن كثير بن غنم بن داود بن أسد بن خزيمة الأسدي واسم أمه

(1)

سورة الحج، الآية:23.

(2)

أخرجه البخاري (5830) و (5834) و (5835)، ومسلم (11 - 2069)، والترمذي (2817)، والنسائي في المجتبى 8/ 215 (5349) والكبرى (9512) و (9515 و 9516) و (11280).

(3)

ترجمته في: أسد الغابة 3/ الترجمة 2858، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ الترجمة 291.

(4)

سورة البقرة، الآية:217.

ص: 153

أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر الهجرتين إلى أرض الحبشة هو وأخوه أبو أحمد وعبيد الله وأختهم زينب بنت جحش أم المؤمنين وأم حبيبة وحمنة بنات جحش، هاجر عبد الله وأخوه أبو أحمد وأهله إلى المدينة وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية وهو أول أمير أمره وأول غنيمة في الإسلام ثم شهد بدرا واستشهد يوم أحد وكان دعا يوم أحد أن يقاتل ويستشهد ويقطع أنفه وأذنه ويمثل به في الله تعالى ورسوله فاستجاب الله دعاءه فاستشهد وعمل به الكفار ذلك وكان يقال لهن المجدع في الله تعالى وكان عمره حين استشهد نيفا وأربعين سنة ودفن هو وخاله حمزة بن عبد المطلب في قبر واحد، أ. هـ

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" الحديث، اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث فقالت طائفة من السلف والخلف: إنه لا يلبس الحرير في الجنة ويلبس غيره من الملابس، قالوا: وأما قوله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}

(2)

فمن العام المخصوص، وقال الجمهور: هذا من الوعيد الذي له حكم أمثاله من نصوص الوعيد التي تدل على أن هذا الفعل مقتضي لهذا الحكم، وقد يتخلف عنه لمانع، وقد دل النص والإجماع على أن التوبة مانعة من لحوق الوعيد ويمنع من لحوقه أيضا الحسنات الماحية والمصائب المكفرة ودعاء المسلمين وشفاعة من

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 262 - 263).

(2)

سورة الحج، الآية:23.

ص: 154

يأذن الله له في الشفاعة فيه وشفاعة أرحم الراحمين إلى نفسه وهذا الحديث نظير الحديث الآخر: "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة"

(1)

وقال الله تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)}

(2)

{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ}

(3)

وتأمل ما دلت عليه لفظ: {عَالِيَهُمْ} من كون ذلك اللباس ظاهرا بارزا يجمل ظاهرهم ليس بمنزلة الشعار الباطن بل الذي يلبس فوق الثياب للزينة والجمال

(4)

والله أعلم، وفي البخاري قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نلبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه

(5)

، لبس الحرير بأنواعه كالاستبرق والديباج والقسى كله حرام على الرجال ثم انعقد الإجماع على تحريمه على الرجال وعلى إباحته للنساء

(6)

ثم هذا محمول عند الجمهور على الخالص منه في حق الرجال وأما الممتزج من الحرير والكتان فإن كان الكتان أكثر جاز وإن استويا فوجهان أصحهما الجواز

(7)

، ومنهم من لم يعتبر الوزن واعتبر الظهور فإن كان الظاهر الحرير

(1)

أخرجه مسلم (73 و 74 - 2003) عن ابن عمر.

(2)

سورة الإنسان، الآية:12.

(3)

سورة الإنسان، الآية:21.

(4)

حادى الأرواح (ص 197 - 198).

(5)

أخرجه البخاري (5837) عن حذيفة.

(6)

شرح النووي على مسلم (14/ 32 - 33) ورياض الأفهام (5/ 529).

(7)

نهاية المطلب (2/ 604)، وروضة الطالبين (2/ 66) وشرح النووي على مسلم (14/ 38)، وطرح التثريب (3/ 221).

ص: 155

حرم وإن كان الأكثر كتانا وإن كان بالعكس لم يحرم والصحيح الأول

(1)

فيحرم على الرجال استعمال ثياب الإبريسم

(2)

، والإبريسم هو بفتح الهمزة وكسرها والراء مفتوحة فيهما وذكر الجوهري وغيره بكسر الهمزة والراء

(3)

أي لبسه ظهارة وبطانة والجلوس عليه والاستناد إليه والتدثر به واتخاذه سترا ونحوه

(4)

لأن عمر رضي الله عنه رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه لتلبسها يوم الجمعة للوفود، فقال صلى الله عليه وسلم:"إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخر" أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما

(5)

، أما اللبس فإجماع وقيس على ذلك باقي الاستعمالات لأن المعنى في التحريم ما فيه من خنوثة لا يليق بشهامة الرجال

(6)

، قال الإمام

(7)

: وهذا هو العلة وإن كان

(1)

نهاية المطلب (2/ 604)، وروضة الطالبين (2/ 66)، وطرح التثريب (3/ 221).

(2)

التنبيه (ص 43)، كفاية النبيه (4/ 243).

(3)

الصحاح (5/ 1871)، وكفاية النبيه (4/ 251).

(4)

روضة الطالبين (2/ 67)، وكفاية النبيه (4/ 243).

(5)

أخرجه البخاري (886) و (948) و (2104) و (2612) و (2619) و (3054) و (5835) و (5841) و (5981) و (6081)، ومسلم (6 و 7 و 8 و 9 - 2068) و (10 - 2069)، وابن ماجه (3591)، وأبو داود (1076) و (4040)، والنسائي في المجتبى 3/ 169 (1398) و 3/ 328 (1576) و 8/ 205 (5339) و 8/ 209 (5343) و 8/ 215 (5350) والكبرى (1698 و 1699) و (1772) و (9496 و 9497 و 9498 و 9499 و 9500 و 9501 و 9502) و (9517) و (9543).

(6)

كفاية النبيه (4/ 244).

(7)

الوسيط (2/ 321).

ص: 156

كان الفخر والخيلاء مرعيا فيه ولكن ليس علة ولذلك حرمتا البطانة، قال الرافعي: وهذا أحسن لأن هذا القدر لا يقتضي التحريم عند الشافعي فإنه قال في الأم

(1)

: وإلا كره لباس اللؤلؤ إلا للأدب فإنه من زي النساء وفي وجه ضعيف أنه لا يحرم الجلوس عليه، وعن الشيخ نصر المقدسي أن تنجيد البيوت بالثياب المصورة وغيرها من الحرير وغير حرام، قال في الروضة: والصواب في غير الحرير والمصور الكراهة لا التحريم

(2)

.

فرع: وكذلك يحرم على الرجل ما أكثره إبريسم لأن الحكم للغالب خصوصا إذا اجتمع حلال وحرام والحرام غالب فإن كان أقل أو مساويا فلا والاعتبار في الكثرة بالوزن لا بالظهور ولا فرق بين أن يكون الحرير أظهر والمخالط هذا هو الصحيح

(3)

.

فرع: احترزنا بثياب الإبريسم عن غيرها حتى لو اتخذ جبة من صوف وحشاها بحرير حل لبسها نص عليه الشافعي لأنه لا يعد لابس حرير بخلاف البطانة

(4)

.

فرع: القز يحرم لبسه على الرجال على المذهب وبه جزم الجمهور وفيه وجه لأنه ليس من ثياب الزينة والقز هو ما قطعته الدودة وخرجت منه حية

(1)

الأم (1/ 254).

(2)

كفاية النبيه (4/ 244 - 245).

(3)

التنبيه (ص 43)، وكفاية النبيه (4/ 245 و 248 - 249).

(4)

كفاية النبيه (4/ 248).

ص: 157

فلا يمكن حله وغزله كالكتان وهو كبد اللون والحرير هو ما حل من على الدودة بعد موتها داخله وقد يطلق الإبريسم عليها

(1)

.

فرع: الخز لا يحرم لبسه إن لحمته صوف وسداه إبريسم والسدا غالبا أقل فلا يحرم لبسه اتفاق

(2)

لما روى أبو داود عن سعد قال: رأيت رجلا ببخارى عليه عمامة من خز سوداء فقال: كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

.

فرع: يجوز لبس الحرير للحكة وقيده ابن يونس بما إذا كان يتأذى بلبس غيره لأنه صلى الله عليه وسلم رخص للزبير بن العوام ولعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة كانت بهما أخرجه البخاري ومسلم وهذا هو المذهب وقيل لا يجوز لعموم الأخبار الواردة بذلك ويجوز أن تكون الرخصة خاصة بهما، وهذا بعيد في وجه يجوز ذلك في السفر دون الحضر لأن الرخصة وردت فيه والمقيم يمكنه المداواة

(4)

.

فرع: يجوز لبس الحرير أيضا لدفع القمل لورود الرخصة فيه ولا يختص ذلك بالسفر على الأصح

(5)

والله أعلم.

فرع: لا يحرم على الرجال لبس اللآلي، قال الإمام الشافعي لا كراهة لهم إلا من طريق الأدب وأنه زي النساء وقد نهى الرجال عن التشبه بهن، وعبارة

(1)

كفاية النبيه (4/ 250 - 251).

(2)

كفاية النبيه (4/ 248).

(3)

أخرجه أبو داود (4038) والترمذي (3321)، والنسائي في الكبرى (9638). وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.

(4)

كفاية النبيه (4/ 258).

(5)

كفاية النبيه (4/ 259).

ص: 158

نص آخر: ولا أكره لباس الياقوت والزبرجد إلا من جهة السرف والخيلاء

(1)

، قال في التتمة: وهو ظاهر إن جوزنا استعمال الأواني منها وإلا فحيث قلنا يجوز حلي الفضة جاز أيضا وإلا فلا

(2)

والله أعلم.

تتمة: سُئل قاضي القضاة ابن رزين عمن يفصل الكلوتات والأقناع الحرير ويشتري الحرير مفصلا ويبيعه للرجال فقال: يأثم بتفصيله لهم وبخياطته وبيعه وشرائه كما يأثم بصوغ الذهب للبسهم، قال: ولذلك خلع الحرير يحرم بيعها والتجارة فيها وأما الكتابة في الحرير فإن كان مما ينتفع به الرجال كالمكاتبات والمراسلات وإن كان للنساء كصدقاتهن فهو كافتراشهن الحرير بل هو أبلغ في الإسراف، وأفتى النووي: بتحريم ذلك، وقال الشيخ شرف الدين البارزي كتابه الكاتب والشاهد والقاضي على الصداق الحرير جائزة وبه أفتى شيخه ابن عساكر مفتى الشام وعليه عمل القضاة في الأمصار وفي سائر الأمصار

(3)

، أ. هـ.

3113 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِنَّمَا يلبس الْحَرِير من لَا خلاق لَهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ فِي رِوَايَة من لَا خلاق لَهُ فِي الْآخِرَة

(4)

.

(1)

الأم (1/ 221)، وبحر المذهب (2/ 451)، شرح الإلمام (2/ 331)، والنجم الوهاج (3/ 202).

(2)

كفاية النبيه (4/ 266).

(3)

النجم الوهاج (2/ 524 - 531).

(4)

أخرجه البخاري (886) و (948) و (2104) و (2612) و (2619) و (3054) و (5835) و (5841) و (5981) و (6081)، ومسلم (6 و 7 و 8 و 9 - 2068) و (10 - =

ص: 159

قوله: وعنه رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما يلبس الحرير من لا خلاق له" وزاد البخاري وغيره: "من لا خلاق له في الآخرة" الحديث من لا خلاق له، بفتح الخاء المعجمة قيل معناه من لا نصيب له في الآخرة، وقيل: من لا حرمة له، وقيل: من لا دين له، قال النووي

(1)

: فعلى الأول يكون محمولا على الكفار وعلى القولين الأخيرين يتناول المسلم والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين والله أعلم.

3114 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن نَبِي الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة وَإِن دخل الْجنَّة لبسه أهل الْجنَّة وَلم يلْبسهُ

رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد

(2)

.

قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه" الحديث، وهذا نص صريح وإسناده صحيح.

= 2069)، وابن ماجه (3591)، وأبو داود (1076) و (4040)، والنسائي في المجتبى 3/ 169 (1398) و 3/ 328 (1576) و 8/ 205 (5339) و 8/ 209 (5343) و 8/ 215 (5350) والكبرى (1698 و 1699) و (1772) و (9496 و 9497 و 9498 و 9499 و 9500 و 9501 و 9502) و (9517) و (9543).

(1)

شرح النووي على مسلم (14/ 28 - 29).

(2)

أخرجه النسائي في الكبرى (9538)، وابن حبان (5437). وقال الألباني: ضعيف - "غاية المرام"(38) وقال في ضعيف الترغيب (1251): منكر.

ص: 160

3115 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَاجَه

(1)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" تقدم الكلام عليه.

3116 -

وَعَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَخذ حَرِيرًا فَجعله فِي يَمِينه وذهبا فَجعله فِي شِمَاله ثمَّ قَالَ إِن هذَيْن حرَام على ذُكور أمتِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ

(2)

.

قوله: وعن علي رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه وذهبا فجعله في شماله ثم قال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي، حل لإناثهم" نعم في حل افتراشه لها وجهان صحح الرافعي التحريم وصحح النووي الإباحة

(3)

لهن

(1)

أخرجه البخاري (5832)، ومسلم (21 - 2073)، وابن ماجه (3588)، وابن حبان (5429) و (5435).

(2)

أخرجه ابن أبى شيبة 5/ 152 (24659)، وأحمد 1/ 96 (761) و 1/ 115 (950)، وعبد بن حميد (80)، وابن ماجه (3595)، وأبو داود (4057)، والبزار (886 و 887)، والنسائي في المجتبى 8/ 103 (5188) و 8/ 104 (5189) و 8/ 105 (5190) و 8/ 106 (5191) والكبرى (9382 و 9383 و 9384 و 9385)، وابن حبان (5434). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2049)، الإرواء (277)، آداب الزفاف (150)، غاية المرام (77).

(3)

كذا هو بالأصل وصوابه العكس فقد قال النووي في المجموع (4/ 435): أما حكم المسألة فيحرم علي الرجل استعمال الدبياج والحرير في اللبس والجلوس عليه والاستناد =

ص: 161

لأنه لهن كالقطن للرجال، ويشبه أن يكون أصل الخلاف أن إباحة لبسه لها لأن خنوثتها لا تأباه أو الزينة فعلى الأول استعماله لها كيف كان وعلى الثاني لم يبح لها منه إلا ما كان زينة والخنثى المشكل في تحريمه كالرجل وفيه احتمال للرافعي وكذلك يحرم على الرجل المنسوج بالذهب وما في معناه وكذلك المموه به أي المطلي بها لما فيه من الخيلاء وهذا إذا كان يحصل منه بالعرض على النار شيء وإلا فلا، قال النووي في شرح مسلم

(1)

: انعقد الإجماع على إباحة لبس الحرير للنساء وتحريمه على الرجال وأما الصبيان فقال أصحابنا: يجوز لباسهم الحرير والحلي في يوم العيد لأنه لا تكليف عليهم في جواز إلباسهم ذلك في باقي السنة ثلاثة أوجه أصحها في المحرر والمنهاج الإباحة، والثاني: تحريمه، والثالث: يحرم بعد سن التمييز لا قبله وهو منافي الشرحين.

3117 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة وَمن شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة وَمن

= إليه والتغطي به واتخاذه سترا وسائر وجوه استعماله ولا خلاف في شئ من هذا إلا وجها منكرا حكاه الرافعي أنه يجوز للرجال الجلوس عليه وهذا الوجه باطل وغلط صريح منابذ لهذا الحديث الصحيح هذا مذهبنا فأما اللبس فمجمع عليه وأما ما سواه فجوزه أبو حنيفة ووافقنا على تحريمه مالك وأحمد ومحمد وداود وغيرهم دليلنا حديث حذيفة ولأن سبب تحريم اللبس موجود في الباقي ولأنه إذا حرم اللبس مع الحاجة فغيره أولى هذا حكم الذكور البالغين.

(1)

شرح النووي على مسلم (14/ 339).

ص: 162

شرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة لم يشرب بهَا فِي الْآخِرَة ثمَّ قَالَ لِبَاس أهل الْجنَّة وشراب أهل الْجنَّة وآنية أهل الْجنَّة رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب بها في الآخرة" الحديث، قلت: إن قال قائل: قد سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين الأشياء الثلاثة وأنه يحرمها في الآخرة فهل يحرمها إذا دخل الجنة قلنا نعم إذا لم يتب منها لقوله صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة" وكذلك لبس الحرير ومن أكل في آنية الذهب والفضة أو شرب فيها لاستعجاله ما أخر الله له في الآخرة وارتكاب ما حرم الله عليه في الدنيا، وقد روى عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو" من قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو الغاية في البيان وإن كان من قول الراوي على ما ذكر أنه موقوف فهو أعلم (بالمقال)

(2)

وأقعد بالحال ومثله لا يقال من جهة الراوي والاجتهاد، وقد قيل: إن حرمانه للخمر ولباسه الحرير وشربه في إناء الذهب

(1)

أخرجه الطيالسى (2331)، والطحاوي في معانى الآثار (6678)، والبغوي في الجعديات (975)، والحاكم 4/ 141. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2050) والصحيحة (384).

(2)

التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص 943).

ص: 163

والفضة إنما هو في الوقت الذي يعذب في النار ويسقي من طينة الخبال فإذا خرج من النار بالشفاعة أو بالرحمة العامة المعبر عنها في الحديث بالقبضة أدخل الجنة ولم يحرم شيئا منها لا خمرا ولا حريرا ولا غيره لأن حرمانه شيء من لذات الجنة لمن كان في الجنة نوع عقوبة ومؤاخذة والجنة ليست بدار عقوبة ولا مؤاخذة فيها بوجه من الوجوه وحديث أبي سعيد الخدري وأبي موسى، يرد هذا القول وكما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه وليس ذلك بعقوبة كما لا يشتهي خمر الجنة ولا حريرها ولا يكون ذلك عقوبة والله أعلم.

فمن استوفى طيباته ولذاته وأذهبها في هذه الدار وحرمها هناك كما نعي الله سبحانه وتعالى على من أذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها ولهذا كانت الصحابة ومن تبعهم يخافون من ذلك أشد الخوف والله أعلم ذكره في التذكرة في باب نبذ من أقوال العلماء، وردت في ذكر الجنة وأهلها والله أعلم

(1)

.

3118 -

وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه قَالَ أهدي لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فروج حَرِير فلبسه ثمَّ صلى فِيهِ ثمَّ انْصَرف فَنَزَعَهُ نزعا شَدِيدا كالكاره لَهُ ثمَّ قَالَ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتقين رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم والفروج بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد الرَّاء وَضمّهَا وبالجيم هُوَ القباء الَّذِي شقّ من خَلفه

(2)

.

(1)

التذكرة (ص 1024).

(2)

أخرجه البخاري (375) و (5801)، ومسلم (23 - 2075)، والنسائي في المجتبى 2/ 231 (782) والكبرى (848)، وابن خزيمة (773 و 774)، وابن حبان (5433).

ص: 164

قوله: وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير، الفروج بفتح الفاء وضم الراء وتشديدها وآخره جيم هذا هو الصحيح المشهور في ضبطه ولم يذكر الجمهور غيره وحكى القاضي

(1)

في الشرح وفي المشارق تخفيف الراء وتشديدها والتخفيف غريب ضعيف

(2)

قالوا: وهو قباء مشقوق من خلفه وهو من لباس الأعاجم قاله ابن بطال

(3)

، وكذا ضبطه الحافظ وفسره كما نقل عن الجمهور، واعتبر فيه أبو العباس القرطبي كونه ضيق الكمين ضيق الوسط

(4)

.

وأما الصغير من ذكور أولاد الدجاج، فقال القاضي عياض

(5)

: هو بضم الفاء لا غير واعلم أن الرواية فروج حرير بالإضافة ونقل البخاري عن غير الليث أنه قال فروج حرير أي برفعهما على ترك الإضافة وأن الثاني تابع الأول على أنه بدل أو عطف بيان وفي هذا الحديث قبوله عليه السلام للهدية وذلك معروف

(6)

من عادته صلى الله عليه وسلم أما العمال بعده فيحرم عليهم قبول

(1)

إكمال المعلم (6/ 584) ومشارق الأنوار (2/ 150).

(2)

قوله والتخفيف غريب ضعيف هو من تعليق النووي على قول القاضى كما في شرح النووي على مسلم (14/ 52).

(3)

شرح الصحيح (2/ 38) وعزا التفسير لأبى عبيد.

(4)

المفهم (17/ 90).

(5)

إكمال المعلم (6/ 584) ومشارق الأنوار (2/ 150).

(6)

اللوحة 122 تكرار للوحة 121.

ص: 165

الهدايا إلا ما يستثنى من ذلك كما هو معروف في موضعه.

قوله: "فلبسه ثم صلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له" وهذا اللبس المذكور في هذا الحديث كان قبل تحريم الحرير على الرجال كما صرح به القاضي عياض والنووي وغيرهما

(1)

وهو واضح لا بد من القول به ونزعه كالكاره له الظاهر أنه لورود تحريمه، قال النووي

(2)

: ولعل أول النهي والتحريم كان حين نزعه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث جابر الذي ذكره: نهاني عنه جبريل عليه السلام فيكون هذا أول التحريم.

وقوله: ثم نزعه نزعا شديدا، أي بشدة وقوة ومبادرة لذلك لا برفق وتأن على عادته في الأمور وذلك يدل على أنه طرأ تحريمه وأكد ذلك بقوله كالكاره له

(3)

، أ. هـ.

وقال ابن بطال

(4)

: اختلف العلماء فيمن صلى بثوب حرير، فقال الشافعي وأبو ثور: يجزئه ونكرهه، وقال مالك: يعيد في الوقت إن وجد ثوبا غيره واستحب ابن الماجشون

(5)

لبسه في الصلاة للمباهاة به واحتج بأنه لم يرد عن

(1)

إكمال المعلم (6/ 583)، وشرح النووي (14/ 52) والمفاتيح (2/ 92) للشيرازي المظهرى.

(2)

شرح النووي (14/ 52).

(3)

طرح التثريب (3/ 220).

(4)

شرح الصحيح (2/ 38 - 39).

(5)

عبارته في الشرح: واستحب ابن الماجشون لباس الحرير في الحرب والصلاة به للترهيب على العدو والمباهاة.

ص: 166

النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعاد الصلاة التي صلى فيه ومن لم يجوز الصلاة فيه أخذ بعموم تحريمه عليه السلام لبسه على الرجال والله أعلم قاله الكرماني

(1)

، وفيه اختلاف كثير بين العلماء، فالحاصل أن صلاته عليه السلام في الثوب الحرير دال على جوازه ونزعه محتمل للتحريم وغير التحريم، وقيل: إنما لبسه استمالة لقلب المهدي وهو المقوقس صاحب الإسكندرية أو أكيدر دومة وهذا القائل يزعم أنه كان بعد التحريم وغير أولى بأهل العلم وأنى يلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لباسا حرمه الله تعالى على ذكور أمته من غير استثناء أو ذكر خصوصية له ثم إنه لم يرد فيما ادعاه نقل والوجه فيه أن يحمل على أنه كان قبل التحريم وإنما نزعه نزع الكاره لما رأى فيه من الرعونة قاله شهاب الدين التوربشتي

(2)

.

وقال البيضاوي في شرح المصابيح: الظاهر أنه كان قبل بعثه

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم قال لا ينبغي هذا للمتقين" أي للمؤمنين فإنهم هم الذين خافوا الله تعالى واتقوه بإيمانهم وطاعتهم له، أ. هـ قاله العراقي

(4)

وقال غيره

(5)

: المتقي اسم فاعل من الوقاية وهو في الشريعة الذي يقي نفسه تعالى ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك.

(1)

الكواكب الدرارى (4/ 38 - 39).

(2)

الميسر في شرح المصابيح (1/ 222).

(3)

كذا هو بالأصل والذي في تحفة الأبرار (1/ 267) للبيضاوي: والظاهر: أنه كان قبل التحريم، وقيل: بعده. وإنما قال هذا ابن ملك في شرح المصابيح (1/ 453).

(4)

طرح التثريب (3/ 220) وعزاه للقرطبى وهو في المفهم (17/ 90).

(5)

الكشاف للزمخشري (1/ 36).

ص: 167

واختلف في الصغائر، وقيل: الصحيح أن المتقى لا يتناول الصغائر لأنها تقع مكفرة عن مجتنب الكبائر كذا في الكشاف

(1)

، وقد يخرج بقوله للمتقين الصبيان فإنهم ليسوا أهل تكليف وغير مأمورين بالتقوى انتهى، قاله العراقي

(2)

.

وقوله: "لا ينبغي هذا للمتقين" في معنى النهي في الدلالة على التحريم فأقيم مقام النهي في إطلاق اسمه عليه والله أعلم

(3)

.

قال أبو العباس القرطبي

(4)

: وهذا دال على تحريم لبس الحرير على الرجال وأما النساء فلا يدخلن في هذا لأن اللفظ غير متناول لهن على الراجح في الأصول، قال النووي: وقد انعقد الإجماع على إباحته للنساء وتحريمه على الرجال وتقدم ذلك عن النووي.

والمهدي للفروج، والحرير هو صاحب الإسكندرية، وقيل: صاحب دومة وهو أكيدر أو غيره على اختلاف فيه قاله في شرح مشارق الأنوار

(5)

وأكيدر بضم الهمزة وفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وبعدها دال مهملة مكسورة ودومة هي بضم الدال وفتحها لغتان مشهورتان وزعم ابن دريد أنه لا يجوز إلا الضم وأن المحدثين يفتحونها وأنهم غالطون في ذلك وليس كما قال بل هما لغتان مشهورتان، وقال

(1)

المصدر السابق.

(2)

طرح التثريب (3/ 220).

(3)

المصدر السابق.

(4)

لم أجده للقرطبى وإنما هو من شرح العراقي في طرح التثريب في الموضع السابق.

(5)

لم أجده في شرحه للمشارق وإنما هو في شرح المصابيح (1/ 453).

ص: 168

الجوهري

(1)

: أهل الحديث يقولونها بالفتح وأهل اللغة يفتحونها ويقال فيها أيضا دوماء وهي مدينة بها حصن عادي وهي في بربه في أرض نخل وزرع يسقون بالنواضخ وحولها عيون قليلة وغالب زرعهم الشعير وهي عن المدينة على نحو ثلاث عشرة مرحلة وعن دمشق على نحو عشر مراحل وعن الكوفة على نحو عشر مراحل أيضا والله أعلم.

وقال بعضهم: هي من بلاد الشام بقرب تبرك بينها وبين دمشق خمسة ليال وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة وبالعراق أيضا بقرب عين التمر موضع يقال له دومة، وأما أكيدر فقد تقدم ضبطه وهو أكيدر بن عبد الملك والكندي وذكر في شرح السنة

(2)

: أكيدر دومة رجل من العرب يقال له غسان، وقال الشافعي في المختصر

(3)

: يقال إنه من غسان أو كندة، قال الخطيب البغدادي في كتابه الأسماء المبهمة

(4)

كان نصرانيا ثم أسلم قال: وقيل مات نصرانيا، وقال أبو عبد الله بن مندة وأبو نعيم الأصبهاني في كتابيهما في معرفة الصحابة

(5)

أن أن أكيدر هذا أسلم وأهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فوهبها لعمر بن الخطاب

(6)

رضي الله عنه، السيراء بكسر السين وفتح الياء والمد فهو فعلاء من السير

(1)

الصحاح (5/ 1923).

(2)

شرح السنة (11/ 170).

(3)

مختصر المزنى (8/ 384).

(4)

الأسماء المبهمة (1/ 23 - 24).

(5)

معرفة الصحابة لابن منده (ص 293) ومعرفة الصحابة لأبى نعيم (1/ 363).

(6)

معرفة الصحابة (1110) لأبي نعيم.

ص: 169

السير القد، هكذا يروي على الصفة وقال بعض المتأخرين إنما هو حلة سيراء على الإضافة واحتج بأن سيبويه قال

(1)

: لم يأت فعلاء صفة ولكن اسما والحلة السيراء الحرير الصلب

(2)

، وقيل: المضلع بالقز

(3)

وشرح السيراء بالحرير الصافي ومعناه حلة حرير

(4)

، وقيل: غير ذلك وقد رواه بعضهم حلة سيراء بالتنوين على الصفة وبعضهم بالإضافة

(5)

ذكره في مختصر الكفاية في باب ذكر الإبريسم

(6)

، قال ابن الأثير في كتابه في معرفة الصحابة: وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: أهدى أكيدر دومة إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة من سندس فتعجب الناس من حسنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمناديل سعد في الجنة ألين من هذا"

(7)

وفي الصحيحين أيضا من حديث

(1)

الكتاب 1/ 396.

(2)

قال الإسنوى في الهداية إلى أوهام الكفاية (20/ 172): وتعبيره بـ "الصلب" تحريف، إنما هو: الصافي، أي: الخالص. كذا نقله ابن الأثير، وتعبير المصنف عقبه بقوله: فمعناه: حلة حرير، يدل عليه: فإن معناه: جميعها لا بعضها. وفسر بعضهم "السيراء" بالمصمت، وهو الخالص -أيضًا- فيجوز أن يكون أيضًا قد تحرف على المصنف منه.

(3)

قاله ابن شهاب الزهري كما عند أبي داود (4058) والنسائي في المجتبى 8/ 207 (5341).

(4)

النهاية (2/ 423).

(5)

كذلك قال ابن قرقول في مطالع الأنوار (2/ 286).

(6)

هو مخطوط تسهيل الهداية في تحصيل الكفاية لابن النقيب الشافعي.

(7)

أخرجه البخاري (2615 و 2616) و (3248)، ومسلم (126 - 2468) م، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 461).

ص: 170

البراء قال: اهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فجعلوا يعجبون من لينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعجبون من هذه المناديل، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا" ولا يخفى ما في ذكر سعد بن معاذ [بخصوصه] ها هنا فإنه كان في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين واهتز لموته العرش وكان لا تأخذه في الله لومة لائم وختم الله له بالشهادة، وآثر رضى الله ورسوله على رضى قومه وعشيرته وحلفائه ووافق حكمه الذي حكم به حكم الله فوق سبع سماوات ونعاه جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم موته فحق له أن تكون مناديله التي يمسح بها يديه في الجنة أحسن من حلل الملوك

(1)

، أ. هـ.

قال ابن الأثير في كتابه معرفة الصحابة

(2)

: أما الهدية والمصالحة فصحيحان أما الإسلام فغلط قاله إنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير ومن قال أسلم فقد أخطأ خطئا فاحشا، قال: و وكان أكيدر نصرانيا فلما صالحه النبي صلى الله عليه وسلم عاد إلى حضنه وبقي فيه ثم حاصره خالد بن الوليد في زمن أبي بكر الصديق فقتله مشركا نصرانيا يعني لنقضه العهد وقد ذكر البلادي أن أكيدر لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وعاد إلى دومة فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ارتد أكيدر ومنع ما قبله فلما سار خالد من العراق إلى الشام قتله وعلى هذا القول لا ينبغي أيضا أن يثبت في الصحابة هذا كلام ابن الأثير.

(1)

حادى الأرواح (ص 204) لابن القيم.

(2)

أسد الغابة (1/ 273) وكلامه عن أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل.

ص: 171

لطيفة: لما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة وهو أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة كان ملكا عليها وكان نصرانيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: إنك تجده يصيد بقر الوحش فلما وصل إليها كان في ليلة مقمرة فأذن الله للبقرة الوحشية أن تأتيه من كل جانب تحك قصره بقرونها فأشرف عليها فقال: ما رأيت أكثر منها الليلة ولقد كنت أكم لها اليومين والثلاثة ولا أجدها ولكن قدر الله وما شاء فعل فأمر بفرسه فأسرج وركب هو وأخوه حسان وعليه قباء من الديباج المخوص بالذهب فلما نزل وافته خيل رسول الله فأخذته أسيرا وأرسلوا قباءه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعجب بعض أصحابه منه فقال عليه السلام: "لمناديل سعد في الجنة خير من هذا" ثم إن النبي عرض عليه الإسلام فأبى فأقره بالجزية في أرضه في شهر رجب سنة تسع من الهجرة والله أعلم ذكره الدميري في كتابه حياة الحيوان

(1)

.

3119 -

وَعَن أبي رقية رضي الله عنه قَالَ سَمِعت مسلمة بن مخلد وَهُوَ على الْمِنْبَر يخْطب النَّاس يَقُول يَا أَيهَا النَّاس أما لكم فِي العصب والكتان مَا يغنيكم عَن الْحَرِير وَهَذَا رجل يخبر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قُم يَا عقبَة فَقَامَ عقبَة بن عَامر وَأَنا أسمع فَقَالَ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَأشْهد أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا حرمه أَن يلْبسهُ فِي الْآخِرَة رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه العصب بِفَتْح الْعين وَسُكُون الصَّاد مهملتين هُوَ ضرب من البرود

(2)

.

(1)

حياة الحيوان (1/ 220 - 221).

(2)

أخرجه أحمد 4/ 156 (17703)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 2/ 506، وأبو =

ص: 172

قوله: وعن أبي رقية رضي الله عنه[هو هشام بن أبي رقية اللخمى المصري روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعقبة بن عامر ومسلم بن مخلد وعنه الحسن بن ثوبان وعمرو بن الحارث وغيرهما ذكره بن حبان في الثقات قال العجلي: "مصري، تابعي، ثقة"، وذكره يعقوب بن سفيان في "ثقات تابعي مصر"، وقال ابن يونس: عمر دهرا طويلا توفي سنة [115 هـ]

(1)

].

قوله: قال سمعت مسلمة بن مخلد وهو على المنبر يخطب الناس يقول: يا أيها الناس، أما لكم في العصب والكتان ما يغنيكم عن الحرير، الحديث، العصب ضرب من البرود، قاله المنذري، وقال بعضهم: العصب ضرب من ثياب اليمن مخططة بحمرة وقيل العصب برود اليمن يعصب غزلها ثم يصبغ ثم ينسج وقال في النهاية

(2)

: العصب: برود يمنية يعصب غزلها: أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ.

= يعلى (1751)، والروياني (242) و (266)، والطحاوي في مشكل الآثار (4821) و (4822)، وفي معاني الآثار (6676)، وابن حبان (5436)، والطبراني في الكبير 17/ 327 (904 و 905). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 144: رواه أحمد والطبراني في الكبير وأبو يعلى، ورجالهم ثقات. وقال في 5/ 142: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني في الكبير والأوسط، ورجالهم ثقات. وقال الألباني في صحيح الترغيب (2052).

(1)

تاريخ ابن يونس (1/ 449)، الثقات لابن حبان (5/ 501 رقم 5936)، المؤتلف والمختلف (2/ 1059)، المعرفة والتاريخ (2/ 506 - 507)، ثقات العجلي (رقم 1733)، تاريخ الإسلام (3/ 332).

(2)

النهاية (3/ 245).

ص: 173

يقال: برد عصب، وبرود عصب بالتنوين والإضافة. وقيل: هي برود مخططة. والعصب: الفتل، والعصاب: الغزال، أ. هـ.

قوله: وهذا رجل يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عقبة فقام عقبة بن عامر وأنا أسمع فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" وأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من لبس الحرير في الدنيا حرمه أن يلبسه في الآخرة" الحديث، وقد اختلف في معنى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم السلف والخلف فذهب بعضهم إلى أنه عام في كل شيء كان في الدين أو غيره وذهب آخرون إلى أن ذلك خاص في الكذب عليه في الدين وتعمده الخبر عنه بتحليل حرام أو تحريم حلال أو إثبات شريعته أو نفيها بالكذب وإذا كان الكذب ممنوعا في الشرع جملة فهو على النبي صلى الله عليه وسلم أشد لأنه حقه أعظم وحق الشريعة آكد وإباحة الكذب عليه ذريعة إلى إبطال شرعه وتحريف دينه والله أعلم ذكره القاضي عياض في شرح مسلم

(1)

وتقدم الكلام على معنى الحديث مبسوطا في أوائل هذا التعليق.

3120 -

وَعَن حُذَيْفَة رضي الله عنه قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَأَن نَأْكُل فِيهَا وَعَن لبس الْحَرِير والديباج وَأَن نجلس عَلَيْهِ رَوَاهُ البُخَارِيّ

(2)

.

قوله: وعن حذيفة رضي الله عنه تقدم الكلام على حذيفة.

قوله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها"

(1)

إكمال المعلم (1/ 111 - 113).

(2)

أخرجه البخاري (5837).

ص: 174

الحديث، قال النووي

(1)

: وأجمع المسلمون على تحريم الأكل والشرب في إناء الذهب والفضة على الرجل وعلى المرأة ولم يخالف في ذلك أحد من العلماء إلا ما حكاه أصحابنا العراقيون أن للشافعي قولا قديما أنه يكره ولا يحرم والإجماع منعقد على تحريم استعمال إناء الذهب والفضة في الأكل والشرب والطهارة والأكل بملعقة من أحدهما والتجمر بمجمرة منهما والبول في الإناء منهما وجميع وجوه الاستعمالات ومنها المكحلة والميل وطرف العالية وغير ذلك سواء الإناء الكبير والصغير ويستوي في التحريم الرجل و [المرأة] بلا خلاف وإنما فرق بين الرجل والمرأة في التحلي لما يقصد منها من التزين للزوج والسيد، قال الشافعي والأصحاب: لو توضأ أو اغتسل من إناء ذهب أو فضة عصى بالفعل وصح وضوءه وغسله هذا مذهبنا وبه قال مالك وأبو حنيفة والعلماء كافة إلا داود الظاهري فقال: لا يصح والصواب الصحة وكذلك لو أكل منه أو شرب عصى بالفعل ولا يكون المأكول ولا المشروب حراما، هذا كله في حال الاختيار أما إذا اضطر إلى استعمال إناء فلم يجد إلا ذهبا أو فضة فله استعماله في حال الضرورة بلا خلاف وصرح به أصحابنا قالوا: كما تباح الميتة في حال الضرورة وأما اتخاذ هذه الأواني من غير استعمال فللشافعي والأصحاب فيه خلاف، الأصح تحريمه، والثاني: كراهيته، فإن كرهناه استحق صانعه الأجرة ووجب على كاسره إرش النقص وإلا فلا، وأما إناء

(1)

شرح النووي على مسلم (14/ 29 - 30).

ص: 175

الزجاج النفيس فلا يحرم بالإجماع، وأما إناء الياقوت والزمرد والفيروزج ونحوها فالأصح عند أصحابنا جواز استعمالها ومنهم من حرمها والله أعلم.

فرع: يجوز الاستنجاء بالحرير وكذا بالذهب في الأصح وحرمه الماوردي بالمطبوع

(1)

ويحرم البول في إناء الذهب كما جزم به النووي في باب الأواني في شرح المهذب

(2)

ويحرم أيضا على الرجل لبس الديباج والجلوس عليه والديباج بفتح الدال وكسرها وجمعه دبابيج وديابيج وهو عجمي معرب وهذا النهي يتوجه إلى الرجال وأما الصبيان فقال أصحابنا يجوز إلباسهم الحلي والحرير في يوم العيد لأنه لا تكليف عليهم وفي جواز إلباسهم ذلك في باقي السنة ثلاثة أوجه أصحها جوازه، والثاني: تحريمه، والثالث: يحرم بعد التمييز وكذلك الاستبرق وحرام أيضا لأنه من الحرير والاستبرق غليظ الديباج والله أعلم.

تنبيه: فإن قلت ما الفرق بينهما؟ قلت: الديباج الرقيق من الحرير والاستبرق الغليظ منه، فإن قلت: هما نوعان من جنس الحرير فما الفائدة في ذكرهما بعد ذكره؟ قلت: كأنهما صارا من جنسين آخرين مستقلين فخصصهما بالذكر والله تعالى أعلم، وأما كسوة الكعبة بالحرير فجائز وفي معنى ذلك اتخاذ خريطة من الحرير للمصحف وفي المساجد وجهان أصحهما يحرم ولا يجوز ذلك في البيوت ويجوز اتخاذ العلم من الحرير في الحرب كما قال الفوراني في العمدة وكذلك يجوز اتخاذ خيط للسبحة كما قال

(1)

الحاوى الكبير (1/ 167)، المجموع (2/ 120).

(2)

المجموع (1/ 250).

ص: 176

الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكذلك يجوز اتخاذ التطريف والتطريز على ما جرت به العادة ولو اتخذ ثوبا بعضه حرير وبعضه كتان فإن كان الحرير أكثر حرم وإن استويا جاز في الأصح والله أعلم

(1)

قاله في ابن العماد في شرح العمدة.

3121 -

وَرُوِيَ عَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يسْتَمْتع بالحرير من يَرْجُو أَيَّام الله رَوَاهُ أَحْمد وَفِيه قصَّة

(2)

.

قوله: عن أبي أمامة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يستمتع بالحرير من يرجو أيام الله تعالى" أي: يخاف وقائع الله، قاله الثعلبي في تفسيره

(3)

.

3122 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِنَّمَا يلبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا من لَا يَرْجُو أَن يلْبسهُ فِي الْآخِرَة قَالَ الْحسن فَمَا بَال أَقوام يبلغهم هَذَا عَن نَبِيّهم فيجعلون حَرِيرًا فِي ثِيَابهمْ وَبُيُوتهمْ رَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق مبارك بن فضَالة عَن الْحسن عَنهُ

(4)

.

(1)

انظر فتاوى ابن الصلاح (2/ 626)، وروضة الطالبين (2/ 264 - 265)، والنجم الوهاج (2/ 530 - 531)، وأسنى المطالب (1/ 277) وتحفة المحتاج (1/ 121).

(2)

أخرجه أحمد 5/ 267 (22733)، والطبراني في الكبير (8/ 106 رقم 7510 و 7511)، وفي الشاميين (1460) و (2036)، وأبو نعيم في الحلية 6/ 90.

قال الهيثمي في المجمع 5/ 140 - 142: رواه أحمد، وفيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1252).

(3)

تفسير الثعلبي (8/ 359).

(4)

أخرجه الطيالسي (2464)، وأحمد 2/ 329 (8470)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان 2/ 318. قال الهيثمي في المجمع 5/ 140: رواه أحمد، والبزار باختصار، وفيه مبارك بن =

ص: 177

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما يلبس. اللوحة الحرير في الدنيا من لا يرجو أن يلبسه في الآخرة" تقدم الكلام على معنى ذلك.

قوله: رواه أحمد من طريق مبارك بن فضالة [ضعفه النسائي وغيره، وقال أبو داود: شديد التدليس فإذا قال حدثنا فهو ثبت وكذا قال أبو زرعة، وقال أبو زرعة ما روي عن الحسن فيحتج به وروى عنه عفان وكان يرفعه ويوثقه قاله أبو حاتم، وكان يحيى القطان يحسن الثناء عليه، وقال ابن معين: صالح وقال ابن عدي: عامة أحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة، ووثقه ابن خزيمة وابن حبان وأخرجا له في صحيحيهما غير ما حديث].

3123 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا استحلت أمتِي خمْسا فَعَلَيْهِم الدمار إِذا ظهر التلاعن وَشَرِبُوا الْخُمُور ولبسوا الْحَرِير وَاتَّخذُوا الْقَيْنَات وَاكْتفى الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عقيب حَدِيث ثمَّ قَالَ إِسْنَاده وَإسْنَاد مَا قبله غير قوي غير أَنه إِذا ضم بعضه إِلَى بعض أَخذ قُوَّة

(1)

.

= فضالة، وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1253).

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 17 - 18 رقم 1086) والشاميين (519)، وابن عدى في الكامل (6/ 360)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 123)، والبيهقي في الشعب (7/ 328 - 329 رقم 5084 و 5085 و 5086). وقال ابن عدى في إسناده: وهذا بهذا الإسناد منكر موضوع على حماد بن زيد، وعبد الوهاب الثقفي. =

ص: 178

قوله: وعن أنس رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استحلت أمتي خمسا فعليهم الدمار" والدمار هو [الهلاك].

قوله: "إذا ظهر التلاعن" الأولى: إذا ظهر التلاعن، اللعن: إذا لعن بعضهم بعضا، الثانية:"إذا شربوا الخمر" معروف، الثالثة:"لبس الحرير" أي على الرجال، الرابعة:"اتخاذ القينات" والقينات جمع قينة وهي الأمة المغنية.

الخامسة: "اكتفاء الرجال بالرجال" المراد بذلك اللواط، "واكتفى والنساء بالنساء" المراد بذلك ساحقة المرأة بالمرأة والله أعلم.

3124 -

وَعَن صَفْوَان بن عبد الله بن صَفْوَان قَالَ اسْتَأْذن سعد رضي الله عنه على ابْن عَامر وَتَحْته مرافق من حَرِير فَأمر بهَا فَرفعت فَدخل عَلَيْهِ وَهُوَ على مطرف من خَز فَقَالَ لَهُ اسْتَأْذَنت وتحتي مرافق من حَرِير فَأمرت بهَا فَرفعت فَقَالَ لَهُ نعم الرجل أَنْت يَا ابْن عَامر إِن لم تكن مِمَّن قَالَ الله أَذهَبْتُم طَيَّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا الْأَحْقَاف. وَالله لِأَن أضطجع على جمر الغضا أحب إِلَيّ أَن أضطجع عَلَيْهَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا الْمرَافِق بِفَتْح الْمِيم جمع مرفقة بِكَسْرِهَا وَفتح الْفَاء وَهِي شَيْء يتكأ عَلَيْهِ شَبيه بالمخدة

(1)

.

= وقال الهيثمي في المجمع 7/ 331 - 332: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عباد بن كثير الرملي، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه جماعة. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2054) و (2386).

(1)

أخرجه ابن أبى شيبة في المصنف 5/ 150 (24639)، ومسدد كما في المطالب العالية (2242)، والطحاوي في معانى الآثار (6686)، والحاكم في المستدرك (2/ 454)، والبيهقي في الكبرى (3/ 379 رقم 6070 و 6071). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. =

ص: 179

قوله: وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان [هو صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي المكي القرشي كان زوج الدرداء بنت أبي الدرداء روى عنها وعن جده وعن أبي الدرداء وعلي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وحفصة بنت عمر روى عنه الزهري وأبو الزبير ويوسف بن مالك وعمرو بن دينار قال ابن سعد كان قليل الحديث وقال العجلي مدني تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي ثقة].

قوله: استأذن سعد رضي الله عنه على ابن عامر وتحته مرافق من حرير فأمر بها فرفعت، المرافق جمع مرفقة وهي شيء يتكأ عليه شبيه بالمخدة قاله النووي. قوله: فدخل عليه وهو على مطرف من خز" الحديث، والمطرف بكسر الميم وفتحها وضمها وإسكان الطاء وفتح الراء واحد المطارف وهي أردية من خز مربعة لها أعلام قال الفراء وأصله: الضم لأنه في المعنى مأخوذ من أطرف إذا جعل في طرفيه العلماء ولكنهم استثقلوا الضمة فكسروه ذكره في الصحاح وقيل المطرف الثوب الذي في طرفه علمان والميم مزيدة والخز هو الحرير الذي نسج قبل الصبغ وقيل الخز ثياب تنسج من صوف وإبريسم وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون فيكون ما ورد من النهي لأجل

= ذكره البوصيري في مختصر الإتحاف (2/ 72/ 1) وقال: رواه مسدد بإسناد حسن. وصححه الألباني في الصحيحة تحت حديث (384) وصححه في صحيح الترغيب (2055).

ص: 180

التشبه بالعجم وزي المترفين

(1)

، أما ما يعمل كله من الحرير فحرام وليس مرادا هنا قاله في شرح الإلمام.

قوله: والله لأن أضطجع على جمر الغضا أحب إلي أن أضطجع عليها" والغضا شجر والغضاة كل شجرة لها شوك ومنه قولهم ذبب غضى قاله الجوهري في صحاحه

(2)

.

3125 -

وَعَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جُبَّة مجيبة بحرير فَقَالَ طوق من نَار يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَرُوَاته ثِقَات مجيبة بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم بعدهمَا يَاء مثناة تَحت مَفْتُوحَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة أَي لهَا جيب بِفَتْح الْجِيم من حَرِير وَهُوَ الطوق

(3)

.

قوله: وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة مجيبة بحرير فقال: "طوق من نار".

قوله: مجيبة، أي لها جيب من حرير وهو الطوق قاله المنذري، وروي مسلم أن جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مكفوفة الجيب والكمين والفرجين

(1)

النهاية (2/ 28).

(2)

الصحاح (6/ 2447).

(3)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 456)، والبزار (2659)، والطبراني في الأوسط (8/ 73 رقم 8000) والكبير 20/ 73 (236). قال الهيثمي في المجمع 5/ 142: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، والبزار، ورجال البزار ثقات. وقال ابن حجر في التمييز (2145): وإسناده ضعيف. وصححه الألباني في الصحيحة (2684) وصحيح الترغيب (2056).

ص: 181

بالديباج

(1)

وتقدم الكلام على الديباج وروي أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا ما كان هكذا وهكذا إصبعين وثلاثة وأربعة وفي الصحيحين نحوه

(2)

، وفي هذه الرواية إباحة العلم من الحرير في الثوب إذا لم يزد على أربع أصابع، قال النووي

(3)

: وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وعن مالك رواية يمنعه وعن بعض أصحابه رواية بإباحة العلم بلا تقدير بأربع أصابع، بل قال: يجوز وإن عظم وهذان القولان مردودان بهذا الحديث الصحيح والله أعلم والمراد الأصابع المعتادة ولا التفات إلى قياس بعض الحنفية على ذلك الذهب فجوزوا منه أربع أصابع وليس هذا موضع قياس بل التحريم أصل في الجميع فيقتصر على مورد النص والله أعلم قاله في شرح الإلمام وضبطه في الكافي بأربع أصابع مضمومة للخبر وضبطه بعضهم بالعادة فإن زاد حرم وعبارة الروضة يجوز المطرف والمطرز بشرط الاقتصار على عادة التطريف ويشترط أن لا يجاوز الطراز أربع أصابع فإن زاد فيهما حرم

(4)

، أ. هـ.

فرع: يجوز ما طرز أو طرف بحرير قدر العادة ذكره في هادي النبيه على التنبيه.

(1)

أخرجه مسلم (10 - 2069) بمعناه، وأبو داود (4054)، وابن ماجه (3594) بلفظه عن أسماء بنت أبى بكر. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه وأبى داود.

(2)

أخرجه البخاري (5828) و (5829)، ومسلم (12 و 13 و 14 و 15 - 2069)، وابن ماجه (3593)، وأبو داود (4042)، والترمذي (1721)، والنسائي في الكبرى (9548 - 9551) والمجتبى 8/ 221 (5356) و (5357) عن عمر بن الخطاب ولفظه لأبى داود.

(3)

شرح النووي على مسلم (14/ 48 - 49).

(4)

روضة الطالبين (2/ 66).

ص: 182

3126 -

وَعَن جوَيْرِية رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من لبس ثوب حَرِير فِي الدُّنْيَا ألبسهُ الله عز وجل يَوْمًا أَو ثوبا من النَّار يَوْم الْقِيَامَة وَفِي رِوَايَة من لبس ثوب حَرِير فِي الدُّنْيَا ألبسهُ الله يَوْم الْقِيَامَة ثوب مذلة من النَّار أَو ثوبا من النَّار رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَفِي إِسْنَاده جَابر الْجعْفِيّ وَرَوَاهُ الْبَزَّار عَن حُذَيْفَة مَوْقُوفا من لبس ثوب حَرِير ألبسهُ الله يَوْمًا من نَار لَيْسَ من أيامكم وَلَكِن من أَيَّام الله الطوَال

(1)

.

قوله: وعن جويريه

(2)

رضي الله عنها، جويريه مصغر الجارية بالجيم الخزاعية، كان اسمها برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وكانت امرأة حلوة مليحة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه، قال ابن هشام: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من

(1)

أخرجه إسحاق (2073)، وأحمد 6/ 324 (27399) و 6/ 430 (28066)، وعبد بن حميد في المنتخب (1558)، والبغوي في الجعديات (2360)، وابن الأعرابى في المعجم (2183)، والطبراني في الكبير 24/ 65 (170) و (171)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7442).

قال الهيثمي في المجمع 5/ 141: رواه أحمد، والطبراني، وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف وقد وثق. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1254). وأخرجه البزار (2846) عن حذيفة موقوفا. قال الهيثمي في المجمع 5/ 141 - 142: رواه البزار عن شيخه رجاء بن الجارود ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2057).

(2)

ترجمتها: الاستيعاب 4/ الترجمة 3282، وأسد الغابة 7/ الترجمة 6829، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ الترجمة 1153، وتهذيب الكمال 35/ الترجمة 7807، والإصابة 8/ الترجمة 11008.

ص: 183

غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث دفعها إلى رجل من الأنصار وديعة وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأقبل أبوها الحارث ابن أبي ضرار بفداء ابنته بالعقيق فلما نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء أخذ بعيرين منهما فغيبهما في شعب من شعاب العقيق، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أصبت ابنتي وهذا فداؤها وأنت أكرم الناس وأوصل الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا"، فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله عز وجل فأسلم الحارث وأسلم معه ابنان له فدفعها إلى أبيها ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها فزوجه إياها وقيل إنها وقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبته على نفسها على تسع أواق فذكر الحديث إلى أن قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبته على نفسى على تسع أواق فأعني على كتابتي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل لك خير من ذلك، قالت: وما هو يا رسول الله، قال: أأؤدي عنك كتابتك وأتزوجك؟ قالت: نعم يا رسول الله، فقال: قد فعلت، قال: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقوا ما في أيديهم من نساء بني المصطلق فبلغ عتقهم مائة أهل بيت بتزويجه إياها فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، قاله في مجمع الأحباب وكانت جويرية تحت مسافع بن صفوان فلما غزى رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة المريسيع في سنة خمس من الهجرة قصد النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق بن خزاعة على مائهم

ص: 184

فقتل زوجها وسبيت جويرية فوقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس فكاتبها على تسع أواق فذكر ذلك كما تقدم في مجمع الأحباب وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست من الهجرة وهي ابن عشرين سنة وقيل تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل صداقها أربعين أسيرا من قومها، وفي هذه الغزوة سقط عقد عائشة فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على التماسه وليسوا على ماء فنزلت آية التيمم في شعبان من سنة خمس، وقال الشعبي: كانت جويرية من ملك اليمن فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها وتوفيت سنة ست وخمسين ودفنت بالبقيع.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب حرير في الدنيا ألبسه الله تعالى ثوب مذلة من النار" ثوب المذلة هو [كناية عن شُمول الذُّلّ به شُمولَ الثوب البدَن؛ أي: يصغّرُه في العيون ويحقّره في القلوب].

3127 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول من كَانَ يُؤمن بِالله وَالْيَوْم الآخر فَلَا يلبس حَرِيرًا وَلَا ذَهَبا رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته ثِقَات

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد 5/ 261 (22678) و (22679) و (22680)، والحارث في المسند (584)، والروياني (1210)، والطبراني في الأوسط (3/ 286 رقم 3268) والكبير (8/ 186 رقم 7769) و (8/ 190 رقم 7782 و 7783 و 7784) والشاميين (530)، والحاكم 4/ 191. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قال الهيثمي في المجمع 5/ 143: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. وقال في 5/ 147: رواه أحمد ورجاله ثقات. وصححه الألباني في الصحيحة (337) وصحيح الجامع (6509) وصحيح الترغيب (2058).

ص: 185

قوله: وعن أبي أمامة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريرا ولا ذهبا" اليوم. الآخر هو يوم القيامة وتقدم الكلام على لبس الحرير والذهب.

3128 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من مَاتَ من أمتِي وَهُوَ يشرب الْخمر حرم الله عَلَيْهِ شربهَا فِي الْجنَّة وَمن مَاتَ من أمتِي وَهُوَ يتحلى بِالذَّهَب حرم الله عَلَيْهِ لِبَاسه فِي الْجنَّة رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته ثِقَات وَالطَّبَرَانِيّ

(1)

.

قوله: وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة ومن مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب حرم الله عليه لباسه في الجنة" المراد بذلك إذا لم يتب من ذلك قبل مماته.

(1)

أخرجه أحمد 2/ 166 (6667) و 2/ 208 (7066) و 2/ 209 (7067)، ومسدد وابن أبى شيبة كما في إتحاف الخيرة (4/ 497)، والبزار كشف الأستار (2935)، وأبو يعلى كما في إتحاف الخيرة (4/ 382) و (4/ 497)، وابن شاهين في الناسخ (587)، والطبراني في الكبير (13/ 599 رقم 14516) و (13/ 600 رقم 14517).

قال عبد الله بن أحمد: ضرب أبي على هذا الحديث، فظننت أنه ضرب عليه لأنه خطأ، وإنما هو ميمون بن أستاذ، عن عبد الله بن عمرو، وليس فيه: عن الصدفي، ويقال: إن ميمون هذا هو الصدفي لأن سماع يزيد بن هارون من الجريري آخر عمره والله أعلم.

وقال الهيثمي في المجمع (5/ 74): رواه أحمد، والبزار، والطبراني، ورجاله ثقات. قال الحافظ في الفتح (12/ 129): أخرجه أحمد بسند حسن. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (2059) و (2380).

ص: 186

3129 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رأى خَاتمًا من ذهب فِي يَد رجل فَنَزَعَهُ وَطَرحه وَقَالَ يعمد أحدكُم إِلَى جَمْرَة من نَار فيطرحها فِي يَده فَقيل للرجل بَعْدَمَا ذهب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خُذ خاتمك انْتفع بِهِ فَقَالَ لَا وَالله لَا آخذه وَقد طَرحه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ مُسلم

(1)

.

قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيطرحها في يده، الحديث يعمد بكسر الميم في المضارع وبفتحها في الماضي ومعناه يقصد، أجمع المسلمون على تحريم خاتم الذهب على الرجال وأجمعوا على إباحته للنساء وكذا لو كان بعضه ذهبا وبعضه فضة حتى لو كان سر الخاتم ذهبا أو كان مموها بذهب يسير فهو حرام على الرجال لعموم الحديث الآخر في الذهب والحرير "إن هذين حرام على ذكور أمتي حل إناثها" وخواتيم الذهب وسائر أنواع الحلي منه ومن الفضة حل لها سواء المتزوجة والشابة والعجوز والغنية والفقيرة هذا مذهب جمهور العلماء، وحكي القاضي

(2)

عن قوم إباحته للرجال والنساء

(3)

وعن ابن الزبير

(1)

أخرجه مسلم (52 - 2090)، والبزار (5228)، وأبو عوانة (9061)، وابن حبان (15)، والطبراني في الكبير (11/ 414 رقم 12175)، والبيهقي في الآداب (535) والكبرى (2/ 595 رقم 4214) والشعب (8/ 346 رقم 5921 و 5922). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2060) وغاية المرام (80) والمشكاة (4385).

(2)

إكمال المعلم للقاضي عياض (6/ 571).

(3)

منهم معاوية بن قرة فيما سأله شعبة عن الشرب في قدح من فضة، فقال له: لا بأس. رواه عنه أبو بكر ابن أبى شيبة في المصنف 5/ 104 (24150).

ص: 187

تحريمه عليهما، ثم انعقد الإجماع على إباحته للنساء وتحريمه على الرجال

(1)

، أ. هـ، وفي هذا الحديث إزالة المنكر باليد لمن قدر عليها وفيه تصريح بأن النهي عن خاتم الذهب للتحريم كما سبق وفيه المبالغة من الصحابة رضي الله عنهم إلى امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتناب نهيه وعدم الترخص فيه بالتأويلات الضعيفة ثم إن هذا الرجل إنما ترك الخاتم على سبيل الإباحة لمن أراد أخذه من الفقراء وغيرهم وحينئذ يجوز أخذه لمن شاء فإذا أخذه جاز تصرفه فيه ولو كان صاحبه أخذه لم يحرم عليه الآخذ والتصرف فيه بالبيع وغيره ولكن تورع عن أخذه وأراد الصدقة به على من يحتاج إليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهى عن التصرف فيه بكل وجه إنما نهاه عن لبسه وبقى ما سواه من تصرفه على الإباحة، والله أعلم.

3130 -

وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه أَن رجلا قدم من نَجْرَان إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَعَلِيهِ خَاتم من ذهب فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ إِنَّك جئتني وَفِي يدك جَمْرَة من نَار رَوَاهُ النَّسَائِيّ

(2)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (14/ 32 - 33).

(2)

أخرجه ابن وهب في الجامع (593)، وأحمد 3/ 14 (11278)، والنسائي في المجتبى 8/ 131 (5232) و 8/ 145 (5250) والكبرى (9435) و (9461)، وابن حبان (5489)، والطبراني في الأوسط (8/ 289 - 290 رقم 8664)، والدارقطني في المؤتلف والمختلف (1/ 243).

وقال الهيثمي في المجمع 5/ 154: قلت: روى النسائي طرفا من أوله يسيرا. رواه الطبراني في الأوسط. وأبو النجيب وثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2061).

ص: 188

قوله: وعن أبي سعيد رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: أن رجلا قدم من نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، ونجران بلدة معروفة بين الحجاز والشام واليمن كذا قاله ابن الأثير

(1)

وهو على سبع مراحل من مكة كانت منزلا للنصارى، وأما نجران فليست من الحجاز ولكن صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يأكلوا الربا فأكلوه ونقضوا العهد فأمر بإخراجهم فأجلاهم عمر رضي الله عنه قاله في المهذب

(2)

وهو الصواب ففيه النهي عن خاتم الذهب على الرجال وهو إجماع من المسلمين كما تقدم في الحديث قبله وقد أجمع المسلمون أيضا على جواز خاتم الفضة للرجال فإن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق والورق الفضة وكره بعض علماء الشام المتقدمين لبسه لغير ذلك سلطان ورووا فيه أثرا وهو شاذ مردود قال الخطابي رحمه الله تعالى

(3)

: ويكره للنساء خاتم الفضة لأنه من شعار الرجال فإن لم تجد خاتم ذهب فلتصفره بزعفران وشبهه وهذا الذي قاله ضعيف أو باطل لا أصل له والصواب أنه لا كراهة في لبسها خاتم الفضة والله أعلم.

تتمة: بلغ عمر بن عبد العزيز أن ابنا له اشترى خاتما بألف درهم فكتب إليه عمر بلغني إنك اشتريت فصا بألف درهم فإذا أتاك كتابي هذا فبع الخاتم

(1)

النهاية (5/ 21).

(2)

المجموع شرح المهذب (19/ 429).

(3)

المجموع شرح المهذب (4/ 464) وشرح النووي على مسلم (14/ 67).

ص: 189

وأشبع به ألف بطن واتخذ خاتما بدرهمين واجعل فصه حديدا طسا واكتب عليه رحم الله من عرف قدر نفسه وما يؤل إليه والله أعلم

(1)

.

3131 -

وَعَن خَليفَة بن كَعْب رضي الله عنه قَالَ سَمِعت ابْن الزبير يخْطب وَيَقُول لَا تلبسوا نساءكم الْحَرِير فَإِنِّي سَمِعت عمر بن الْخطاب رضي الله عنه يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تلبسوا الْحَرِير فَإِنَّهُ من لبسه فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة.

رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَزَاد فِي رِوَايَة وَمن لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة لم يدْخل الْجنَّة قَالَ الله تَعَالَى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}

(2)

(3)

.

قوله: وعن خليفة بن كعب

(4)

رضي الله عنه[هو خليفة بن كعب التميمي أبو ذبيان البصري روى عن أبي الزبير والأحنف بن قيس وعنه حفصة بنت سيرين وشعبة وجعفر بن ميمون الأنماطي. قال النسائي ثقة له عندهم حديث واحد في لباس الحرير، وذكره ابن حبان في الثقات].

قوله: سمعت ابن الزبير يخطب ويقول: لا تلبسوا نساءكم الحرير فإني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه.تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا الحرير

(1)

الرسالة (1/ 281) للقشيري، ومدارج السالكين (2/ 316) لابن القيم.

(2)

سورة الحج، الآية:23.

(3)

أخرجه أحمد 1/ 37 (257)، والبخاري (5834)، ومسلم (11 - 2069)، والنسائي في المجتبى 8/ 215 (5349) والكبرى (9512) و (11280).

(4)

ترجمته: طبقات ابن سعد: 7/ 259، وتاريخ البخاري الكبير: 3/ الترجمة 641، وتاريخه الصغير: 1/ 274 - 275، وتهذيب الكمال 8/ الترجمة 1722، وتهذيب ابن حجر:3/ 162.

ص: 190

فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" الحديث، هذا مذهب عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وأجمعوا بعده على إباحة الحرير للنساء وهذا الحديث الذي احتج به إنما ورد في لبس الرجال لوجهين، أحدهما: أنه خطاب للذكور ومذهبنا ومذهب محققي الأصوليين أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال عند الإطلاق، والوجه الثاني: أن الأحاديث الصحيحة التي ذكرها مسلم بعد هذا وقبله صريحة في إباحته للنساء وأمره صلى الله عليه وسلم عليا وأسامة أن يكسوه نساءه مع الحديث المشهور أنه صلى الله عليه وسلم قال في الحرير والذهب: "إن هذين حرام على ذكور أمتي حل إناثها" وتقدم، فيباح لهن الحرير وجميع أنواعه وخواتيم الذهب وسائر الحلي منه ومن الفضة وسواء المزوجة والشابة والعجوز والغنية والفقيرة وهذا الذي ذكرناه من تحريم الحرير على الرجال وإباحته للنساء هو مذهبنا ومذهب الجمهور، وحكي القاضي عياض عن قوم إباحته للرجال والنساء، وعن ابن الزبير تحريمه على الرجال والنساء كما تقدم ثم انعقد الإجماع على إباحته للنساء وتحريمه على الرجال ويدل عليه الأحاديث المصرحة بالتحريم.

3132 -

وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يمْنَع أهله الْحِلْية وَالْحَرِير وَيَقُول إِن كُنْتُم تحبون حلية الْجنَّة وحريرها فَلَا تلبسوها فِي الدُّنْيَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد 4/ 145 (17583)، والنسائي في المجتبى 8/ 94 (5180) والكبرى (9374)، والطحاوي في مشكل الآثار (4837) ومعاني الآثار (6711)، وابن حبان =

ص: 191

قوله: وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه تقدم.

قوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول: "إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا" الحديث، والمراد بأهله صلى الله عليه وسلم زوجاته وإنما كان صلى الله عليه وسلم يمنع أهله ذلك تورعا لا أنه حرام عليهن الحرير والحلية كما تقدم في الأحاديث الصحيحة بإباحة ذلك للنساء والله أعلم.

فائدة: في الصحيح أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة لهما فرخص لهما في قميص الحرير ورآه عليهما

(1)

وشرط الجواز أن لا يمكن دفع القمل بتنظيف الثياب والجسد ونحو ذلك، قال الجاحظ

(2)

: من الناس من يكون قمل الطباع فلا يزول القمل عن جسده إلا بلبس الحرير، كما اتفق للزبير وعبد الرحمن بن عوف، فإن الجسد [إذا] كان بطبعه يربي القمل، عم الحكم بعموم العلة سفرا وحضرا، وذكر الزمخشري في كتابه الفائق

(3)

أن لبس الحرير لمنع البراغيث أيضا فعلى هذا إذا كثرت البراغيث جاز لبسها ليلا للنوم فيها لأن ضرر

= (5486)، والطبراني في الكبير (17/ 302 رقم 835)، والحاكم (4/ 191). وصححه الحاكم على شرطهما وتعقبه الذهبي فقال لم يخرجا لأبى عشانة. وصححه الألباني في الصحيحة (338)، وصحيح الترغيب (2063)، المشكاة (4404/ التحقيق الثاني).

(1)

أخرجه البخاري (2919) و (2920) و (2922) و (5839)، ومسلم (24 و 25 و 26 - 2076) عن أنس.

(2)

الحيوان (5/ 199) للجاحظ.

(3)

لم أجده في الفائق.

ص: 192

البراغيث أشد من ضرر القمل فيجوز النوم ليلا في ثياب الحرير قياسا على لبسها لدفع القمل والأصحاب في مواضع كثيرة قاسوا عليها خص، وهذا قياس في معنى الأصل والأصل المراد به حديث عبد الرحمن والزبير، أ. هـ قاله الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد

(1)

.

3133 -

وَعَن أنس رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ الله عز وجل من ترك الْخمر وَهُوَ يقدر عَلَيْهِ لأسقينه مِنْهُ فِي حَظِيرَة الْقُدس وَمن ترك الْحَرِير وَهُوَ يقدر عَلَيْهِ لأكسونه إِيَّاه فِي حَظِيرَة الْقُدس رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد حسن وَيَأْتِي فِي بَاب شرب الْخمر أَحَادِيث نَحْو هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(2)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: "ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لاكسونه إياه في حظيرة القدس" وحظيرة القدس بالظاء المشالة الجنة لأنها محل الطهارة من أجناس الدنيا.

3134 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من سره أَن يسْقِيه الله الْخمر فِي الْآخِرَة فليتركها فِي الدُّنْيَا وَمن سره أَن يكسوه الله الْحَرِير فِي

(1)

شرح الإلمام (2/ 339).

(2)

أخرجه البزار (7381). قال الهيثمي في كشف الأستار 3/ 359 و 3/ 381: قلت: علته شعيب بن بيان. وقال في المجمع 5/ 76: رواه البزار، وفيه شعيب بن بيان قال الذهبي: صدوق، وضعفه الجوزجاني، والعقيلي، وبقية رجاله ثقات. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2064) و (2375).

ص: 193

الْآخِرَة فليتركه فِي الدُّنْيَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا شَيْخه الْمِقْدَام بن دَاوُد وَقد وثق وَله شَوَاهِد

(1)

.

3135 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ويل للنِّسَاء من الأحمرين الذَّهَب والمعصفر رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(2)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ويل للنساء من الأحمرين الذهب والمعصفر" ويل اسم واد في جهنم وقيل اسم حجر فيها، وقيل غير ذلك، وتقدم الكلام على الذهب، وأما المعصفر فعن عبد الله بن عمرو قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم-عليَّ ثوبين معصفرين، فقال:"إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما" رواه مسلم وفي رواية: رأني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ثوبان معصفران، فقال:" [أأمك] أمرتك بهذا" قلت: أغسلهما؟ قال: "بل احرقهما" وفي راوية علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 363 رقم 8879)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 413). وقال الطبراني: لم يرو هذين الحديثين عن ابن ثوبان إلا أسد بن موسى. قال العراقي في تخريج الإحياء (1927): أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. وقال الهيثمي في المجمع 5/ 76: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه المقدام بن داود وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2376). ولم يدرج المصنف تحته شرحا.

(2)

أخرجه ابن حبان (5968)، والبيهقي في الشعب (8/ 256 رقم 5780) و (12/ 517 رقم 9819). وقال الألباني: حسن صحيح "الصحيحة"(339)، "صحيح الترغيب"(2066).

ص: 194

نهى عن لبس القسي و [والمعصفر].

واختلف العلماء رضي الله عنهم في الثياب المعصفرة وهي المصبوغة بالعصفر فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك لكنه قال غيرها أفضل منها، وفي رواية عنه أنه أجاز لباسها في البيوت وأفنية الدور وكرهه في المحافل والأسواق ونحوها وقال أحمد وجماعة من العلماء: هو مكروه كراهية تنزويه وحملوا النهي الي ورد على هذا لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراه ففيه دليل على استحباب لبس الأحمر وقد اختار البيهقي تحريم المعصفر قال: وقد صحت الأحاديث فيه وقد قال الشافعي: إذا صح الحديث خلاف قولي فاعملوا بالحديث ودعوا قولي، وفي رواية فهو مذهبي وقد صح الحدي وقال الخطابي

(1)

: النهي منصرف إلى ما صبغ من الثياب بعد النسخ فأما ما صبغ غزله ثم نسج فليس بداخل في النهي والله أعلم، وحمل بعض العلماء النهي هنا على المحرم بالحج أو العمرة ليكون موافقا لحديث ابن عمر نهى المحرم أن يلبس ثوبا مسه ورس أو زعفران وقد أتقن البيهقي [المسألة في] كتابه معرفة السنن نهي الشافعي الرجل عن المزعفر وأباح له المعصفر قال الشافعي: وإنما رخصت في المعصفر لأني لم أجد أحدا يحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنه إلا ما قال علي رضي الله عنه: نهاني ولا أقول نهاكم، قال البيهقي: وقد جاءت أحاديث تدل على

(1)

معالم السنن (4/ 193).

ص: 195

النهي على العموم ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي هذا الذي ذكره مسلم ثم أحاديث ثم قال: فلو بلغت هذه الأحاديث الشافعي لقال بها إن شاء الله

(1)

، قال البيهقي: قال الشافعي: وأنهى الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر قال: وأمره إذا تزعفر أن يغسله، قال البيهقي: فتبع السنة في المزعفر فمتابعتها في المعصفر أولى به، قال: وقد كره المعصفر بعض السلف، وبه قال أبو عبد الله الحليمي من أصحابنا ورخص فيه جماعة والسنة أولى بالاتباع والله أعلم

(2)

.

قال ابن عبد البر

(3)

: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب من الألوان الخضرة ويكره الحمرة ويقول هي زينة الشيطان وقال مالك الأشتر لعلي: أي الألوان أحسن؟ قال: الخضرة لأنها (لون)

(4)

ثياب أهل الجنة وروي البيهقي في الشعب وابن عدي في الكامل عن عبد الله بن محمد بن مسلم فذكره إلى أن قال عن رافع بن زيد الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الشيطان يحب الحمرة فإياكم والحمرة وكل ثوب ذو شهرة وبهذا السند إلى أنس قال: كنا نتحدث أن أحب الألوان إلى (رسول)

(5)

الله صلى الله عليه وسلم الخضرة (1)، أ. هـ.

(1)

معرفة السنن (2/ 451 - 454).

(2)

المصدر السابق (2/ 455).

(3)

ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 856) ونقله في الآداب الشرعية (3/ 528) لابن مفلح.

(4)

سقطت من الأصل ومثبتة في الآداب الشرعية لابن مفلح في الموضع السابق.

(5)

كذا هو وفي الكامل أحب الألوان إلى الله.

ص: 196

فروع: ذكرها في مختصر الكفاية: يباح لبس الكتان والصوف والوبر والشعر ونحوها وإن كثرت قيمتها لأن نفاستها بالصنعة وكان لا يبعد تخريج وجه في تحريم ما نفاسته بصنعته كما قيل بمثله في الأواني ولكن المذاهب نقل ولا يكره لبس الناعم منه بل في التتمة والبحر أن لبس الخشن مكروه لا لغرض شرعي مع الاستغناء عنه لأنه تعذيب النفس وسواء غير المطبوع والمصبوغ وسواء الأحمر والأخضر والأسود وسواء نسج قبل الصبغ أو بعده هذا ظاهر كلام الأصحاب، وفي تعليق القاضي حسين: إن صبغ بعده لمنع الوسخ جاز أو للزينة لم يجز للرجل لأنه لباس النساء وفي

= (1) أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 353 رقم 7708)، وابن عدى في الكامل (4/ 346) ومن طريقه البيهقي في الشعب (8/ 340 - 343 رقم 5915)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2670) عن رافع بن يزيد. وقال ابن عدى: ولأبي بكر غير ما ذكرت حديث صالح، وعامة ما يرويه عَمَّن يرويه لا يتابَع عليه، على أنه قد حدث عنه الثقات من الناس، وعامة ما يحدث به قد شورك فيه، ويحتمل ما يرويه، وفي حديثه ما لا يحتمل ولا يتابع عليه. وقال الهيثمي في المجمع 5/ 130: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أبو بكر الهذلي، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (1718).

وأما حديث أنس: أخرجه ابن عدى في الكامل (4/ 346) بلفظ أحب الألوان إلى الله.

وأخرجه البزار (7234)، والطبراني في الأوسط (6/ 39 - 40 رقم 5731) و (8/ 81 رقم 8027) والشاميين (2599)، وابن عدى (4/ 420)، والبيهقي في الشعب (8/ 342 رقم 5916). قال البزار: لا نعلم أحدا رواه عن قتادة عن أنس إلا سويد أبو حاتم. قال الهيثمي في المجمع 5/ 129: رواه البزار، والطبراني في الأوسط، ورجال الطبراني ثقات. وحسنه الألباني في الصحيحة (2054).

ص: 197

الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء

(1)

، وفي الصحيحين أيضا:"إن أعجب اللباس إليه صلى الله عليه وسلم الحبرة"

(2)

قيل: وهي شملة فيها بياض وحمرة وروي الترمذي وأبو داود أنه صلى الله عليه وسلم لبس بردين أخضرين

(3)

، وروي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعليه عمامة سوداء ولبسها على المنبر أيضا

(4)

، ومن ثم كان شعار بني العباس في الخطبة لبس الأسود، وأما الأصفر فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل

(5)

، هذا دليل لمذهب الشافعي وموافقيه في تحريم لبس الثوب المزعفر على الرجل، أ. هـ وأما ما ورد عن ابن عمر أنه كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلء ثيابه من الصفرة ويقول: رأيته صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، وقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته، ورواه أبو داود والنسائي

(6)

، وفي

(1)

أخرجه البخاري (376) و (3551) و (5848) و (5901)، ومسلم (91 و 92 - 2337) عن البراء.

(2)

أخرجه البخاري (5812) و (5813)، ومسلم (32 و 33 - 2079) عن أنس.

(3)

أخرجه أبو داود (4065) و (4206)، والترمذي (2812)، والنسائي في المجتبى 3/ 337 (1588) و 8/ 225 (5363) عن أبى رمثة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن إياد، وأبو رمثة التيمي اسمه: حبيب بن حيان، ويقال اسمه: رفاعة بن يثربي. وقال الألباني: صحيح مختصر الشمائل (36).

(4)

أخرجه مسلم (451 - 1358) عن جابر بلفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء". ومسلم (452 و 453 - 1359) عن عمرو بن حريث بلفظ: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء".

(5)

أخرجه البخاري (5846)، ومسلم (77 - 2101) عن أنس.

(6)

أخرجه أبو داود (4064)، والنسائي في الكبرى (9305) والمجتبى 8/ 48 (5129) عن ابن عمر. وقال الألباني صحيح الإسناد.

ص: 198

الصحيحين عن ابن عمر قال: وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها

(1)

فقيل: أراد خضاب لحيته بالصفرة وقيل أراد لبس ثياب صفرة. وبالجملة فالمزعفر حرام على الرجال صرح به في النساء ونقل البيهقي وغيره عن الشافعي أنه نهى الرجل عن الزعفران وأباح له المعصفر وتقدم ذلك في غير كلام مختصر الكفاية، قال البيهقي: والصواب منع المعفر وبه قال الحليمي للأحاديث الصحيحة ولو بلغت الشافعي لقال بها ومذهبه اتباع الحديث أ. هـ.

3136 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أريت أَنِّي دخلت الْجنَّة فَإِذا أعالي أهل الْجنَّة فُقَرَاء الْمُهَاجِرين وذراري الْمُؤمنِينَ وَإِذا لَيْسَ فِيهَا أحد أقل من الْأَغْنِيَاء وَالنِّسَاء فَقيل لي أما الْأَغْنِيَاء فَإِنَّهُم على الْبَاب يحاسبون ويمحصون وَأما النِّسَاء فألهاهن الأحمران الذَّهَب وَالْحَرِير الحَدِيت رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ ابْن حيّان وَغَيره من طَرِيق عبيد الله بن زحر عَن عَليّ بن زيد عَن الْقَاسِم عَنهُ

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري (166) و (5851)، ومسلم (25 - 1187) عن ابن عمر.

(2)

أخرجه أحمد 5/ 259 (22662)، وأحمد بن منيع كما في إتحاف الخيرة (6/ 355)، وهناد في الزهد (1/ 230)، والطبراني في الكبير (8/ 236 رقم 7923)، والبيهقي في الزهد الكبير (445)، والخطيب في تاريخ بغداد (16/ 120)، والديلمي من طريق أبى الشيخ كما في الغرائب الملتقطة (1668). قال الهيثمي في المجمع 9/ 59 و 10/ 362: رواه أحمد والطبراني بنحوه باختصار، وفيهما مطرح بن زياد وعلي بن يزيد الألهاني، وكلاهما مجمع على ضعفه، ومما يدلك على ضعف هذا: أن عبد الرحمن بن عوف أحد =

ص: 199

قوله: وعن أبي أمامة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أريت أني دخلت الجنة فإذا أعالي أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المؤمنين وإذا ليس فيها أحد أقل من الأغنياء والنساء فقيل لي أما الأغنياء فإنهم على الباب يحاسبون ويمحصون" أي: يخلص بعضهم من بعض ومنه تمحيص الذنوب وهو إزالتها قاله في النهاية

(1)

وسيأتي الكلام على هذا الحديث في الزهد إن شاء الله تعالى.

قوله: من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد [قال الدارقطني: عبيد الله بن زحر، عن علي بن زيد نسخة باطلة].

3137 -

وَتقدم حَدِيث أبي أُمَامَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يبيت قوم من هَذِه الْأمة على طعم وَشرب وَلَهو وَلعب فيصبحون وَقد مسخوا قردة وَخَنَازِير وليصيبنهم خسف وَقذف حَتَّى يصبح النَّاس فَيَقُولُونَ خسف اللَّيْلَة ببني فلَان وَخسف اللَّيْلَة بدار فلَان وليرسلن عَلَيْهِم حِجَارَة من السَّمَاء كَمَا أرْسلت على قوم لوط على قبائل فِيهَا وعَلى دور ولترسلن عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم الَّتِي أهلكت عادا على قبائل فِيهَا وعَلى دور بشربهم الْخمر ولبسهم الْحَرِير واتخاذهم الْقَيْنَات وأكلهم الرِّبَا وَقَطِيعَة الرَّحِم وخصلة نَسِيَهَا

= أصحاب بدر والحديبية، وأحد العشرة، وهم أفضل الصحابة. والحمد لله. وقال البوصيري: هذا إسناد ضعيف؟ لضعف مطرح بن يزيد، ضعفه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي والدارقطني وغيرهم. وضعفه جدا في الضعيفة (5346) وضعيف الترغيب (1255) و (1854).

(1)

النهاية (4/ 302).

ص: 200

جَعْفَر رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة رضي الله عنه: "يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولهو ولعب فيصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير" الحديث، وعن مجاهد أنه قال: المسخ بمعنى الختم والطبع على القلب لا مسخ الصور والله أعلم.

واختلف في القردة والخنازير، قال أبو الليث السمرقندي

(2)

: اختلف الناس في الخلق الذين مسخهم الله تعالى (قال بعضهم: إن القردة والخنازير من نسل قوم قد مسخهم الله، وكذلك الفأرة والدعموص وغيرهما من الأشياء التي جاءت فيها الآثار أنهم مسخوا، وقال عامة)

(3)

أهل العلم هذا لا يصح بل كانت القردة وغيرها قد خلقوا قبل ذلك والذي مسخهم الله تعالى ليس لهم فرار في الدنيا بعد ثلاثة أيام، روى المسور بن الأحنف قال: قيل

(1)

أخرجه الطيالسي (1223)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية 6/ 295 - 296، وأحمد في المسند 5/ 259 (22661) وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند 5/ 329 (23237 و 23238 و 23239 و 23240)، وابن أبى الدنيا في ذم الملاهى (3)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (271)، والحاكم 4/ 515، وأبو نعيم في الحلية 6/ 295 - 296، والطبراني في الكبير (8/ 256 رقم 7997)، والبيهقي في الشعب (7/ 420 - 421 رقم 5226)، والشجري في الأمالى (2/ 371). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

قال البوصيري في إتحاف الخيرة 8/ 91: رواه أبو داود الطيالسي واللفظ له وأبو يعلى الموصلي وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائده على المسند ومدار أسانيدهم على عاصم بن عمرو البجلي، وهو ضعيف. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 10: رواه عبد الله، وروى الطبراني منه حديث أبي أمامة فقط، وفرقد ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1406).

(2)

ما بين المعكوفين سقط من الأصل.

(3)

بستان العارفين (ص 396).

ص: 201

لعبد الله بن مسعود: أرأيت (القردة والخنازير من نسل القردة والخنازير التي كانت قبلها؟ قال عبد الله:)

(1)

لم يمسخ الله أمة فيجعل الله لها نسلا ولكنها من نسل قردة وخنازير قد كانت قبل ذلك. انتهى.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وليصيبنهم خسف" قال في التنقيح على المصابيح

(2)

: والخسف يكون في الأرض انتهى.

تتمة: قد كان سيدي أبو محمد المرجاني رحمه الله تعالى يقول: كان الخسف لمن قبلنا بالإعدام ولكرامة هذه الأمة على الله تعالى ولشفاعة نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم فينا رفع الله عنا خسف الظاهر لأنه عليه الصلاة والسلام طلب من الله تعالى أن لا يخسف بأمته كما فعل بمن مضى فأسعفه الله تعالى فيما طلب في الظاهر أتبع ذلك الستر، وأما خسف الباطن فلم يرفعه على ما ورد وذلك موجود ظاهر لا يرتاب أحد فيه ولا يشك ألا ترى إلى الخنزير وحالته وما هو فيه من التنجيس والتقذير فتنظر إلى شراب الخمر هل تجد بينهما فرقا إلا في الصورة الظاهرة والمعاني قد جمعت بينهما وكذلك أيضا إذا نظرت إلى الثعبان تجده ناعما أملس مليح المنظر فإذ قربته قتلك بسمه وأنت ترى كثيرا من أهل الوقت كذلك فتنظر في أحدهم ترى العبارة العذبة والكلام الطيب وكأنه أعظم الناس في المحبة فإذا اطمأننت إليه أو ركنت إلى جانبه أو رغبت عنه أهلكك بحسب حاله وحالك إما في مالك أو في عرضك أو دينك، وذلك سمه فأنى فرق بينهما إلا في الصورة الظاهرة والمعاني جامعة بينهما، ألا ترى

(1)

ما بين المعكوفين سقط من الأصل.

(2)

كشف المناهج والتناقيح (2/ 311).

ص: 202

إلى السبع وحالته وإيذائه ورعبه للناس وخوفهم منه إذا سمعوا بحسه فضلا عن رؤيته بل من الناس من لا يستطيع رؤيته إلا ويهلك وهو مطبوع على الضرر الكلي ألا ترى إلى حاله إذ قد يكون شبعانا ريانا ومع ذلك إذا رأى آدميا أو ماشيته لم يملك نفسه إلا أن ينقض عليه يعبث به ويقتله ثم يمضي ويتركه على ذلك الحال لا حاجة له به لشبعه فتنظر إلى هؤلاء الظلمة وما وسع عليهم في دنياهم لم تبق له أمنية إلا وهي حاصلة فضلا عن الضرورات ثم فضلت الأموال عندهم ليس لهم حاجة يربرون على بعضها بالربا وعلى بعضها في المحرمات وفي البنيان والإسراف ثم مع ما بأيديهم من كثرة الأموال لا يقدر أحد منهم في الغالب أن يترك للضعيف المسكين درهما يكتسب فيه لنفسه وعياله بل يضربون على الشيء اليسير الضرب المؤلم ويؤذون على ذلك بالحبس والغرامة وغير ذلك مما عندهم من أنواع العذاب والرعب للمساكين وكثير من الضعفاء المساكين لا يستطيعون رؤيتهم لشدة سطوتهم فأي فرق بينهم وبين السبع إلا في الصورة الظاهرة والمعاني جامعة بينهما، ألا ترى إلى الكلاب وحالتها وإيذائها وتسليطها على رعب المساكين مرة برؤيتها ومرة بصوتها ومرة بتقطيعها الثياب وإيذائها في البدن وقد يؤول من قامت عليه من الآدميين صبيا صغيرا أو كبيرا أو ضعيفا إلى الإعدام البتة، وقد يكون فيها من هو كلب فيهلك من قرب منه مرة واحدة وقد وقع [

]

(1)

مشهور متعارف فانظر إلى هؤلاء الحرس الجبابرة في إرعابهم المسلمين وتسلطهم عليه بالأذية العظيمة في الدين والبدن والمال

(1)

بياض في الأصل.

ص: 203

والروح والرعب الحاصل عند رويتهم للصبيان الصغار والكبار الضعفاء المساكين فأي فرق بينهم وبين الكلاب إلا في الصورة الظاهرة والمعاني الجامعة بينهما ألا ترى إلى العقرب وحالتها وإيذائها وكثرة تعقدها وسمها وأنها ليس لها صدر فانظر إلى بعضهم تجده كذلك ضيق الصدر منعقد الوجه لا يستطيع [

(1)

وجهه وضيق صدره فإن قربته وأنت لا تتحفظ على نفسك منه حصل لك منه الأذية العظمى أو في مالك أو بدنك أو عرضك وذلك سمه فأي فرق بينهما إلا في الصورة الظاهرة والمعاني جامعة بينهما أ. هـ كلامه وهذا كثير لا يمكن حصره ولا عده وإنما ذكر رحمه الله هذا تمثيلا لمن له لب فينظر إلى كيفية الخسف الواقع لكل إنسان بحسب حاله وحال ذنبه فإنا لله وإنا إليه راجعون على خسف القلوب وترك الاستحياء من عمل الذنوب قاله صاحب تهذيب النفوس في كتابه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وخسف وقذف" تقدم الكلام على الخسف، والكلام الآن على القذف، قال في التنقيح: والقذف يريد به الريح الشديدة الباردة أو قذف الأرض الموتى بعد الدفن أو رمي أهلها بالحجارة

(2)

.

قوله: "ولترسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عادا على قبائل فيها وعلى دور" الريح العقيم ما ليس فيه نفع وخير [وهي: التي لا تلقح شجرا ولا تنشر سحابا ولا رحمة فيها ولا بركة أ. هـ قاله الثعلبي في تفسيره

(3)

] يعني: كل ما جاء

(1)

بياض في الأصل.

(2)

كشف المناهج والتناقيح (4/ 486).

(3)

تفسير الثعلبي (9/ 118).

ص: 204

في القرآن من الريح بلفظ المفرد فهو عذاب وكل ما كان بلفظ الجمع كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ}

(1)

فهو رحمة، وروي [ابن عباس عن] رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما أرسل الله ريحا إلا بمكيال ولا قطرة من المطر إلا بمكيال إلا يوم عاد ويوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ: بريح صرصر عاتية" وقال الله تعالى: {فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}

(2)

أي: بطغيانهم يعني الفاعلة

(3)

، وعاد: قبيلة وهم قوم هود عليه السلام وقصة عاد مشهورة مذكورة في التفاسير وفيه الإخبار عن الأمم الماضية وإهلاكها والله أعلم.

قوله: "بشربهم الخمر ولبسهم الحرير واتخاذهم القينات وأكلهم الربا وقطيعة الرحم" سيأتي الكلام على شرب الخمر في بابه وكذلك قطيعة الرحم والربا.

3138 -

وَعَن عبد الرَّحْمَن بن غنم الْأَشْعَرِيّ قَالَ حَدثنِي أَبُو عَامر وَأَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ وَالله يَمِين أُخْرَى مَا كَذبَنِي أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَيَكُونن من أمتِي أَقوام يسْتَحلُّونَ الْخمر وَالْحَرِير وَذكر كلَاما قَالَ يمسخ مِنْهُم قردة وَخَنَازِير إِلَى يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ البُخَارِيّ تَعْلِيقا وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ

(4)

.

(1)

سورة الأعراف، الآية:57.

(2)

سورة الحاقة، الآية:5.

(3)

قال الثعلبى: هى نعت مجازه بفعلتهم الطاغية (المصدر السابق).

(4)

أخرجه البخاري (5590)، وأبو داود (3688) و (4039)، وابن ماجه (4020)، وابن حبان (6754) و (6758)، والطبراني في الكبير (3/ 282 رقم 3417) والشاميين (588)، والبيهقي في الصغير (4/ 176 رقم 3353) والكبرى (3/ 386 رقم 6100) =

ص: 205

قوله: وعن عبد الرحمن بن غنم

(1)

، وهو: عبد الرحمن بن غنم بن كريب بن هانئ بن ربيعة بن عامر بن عدي بن وائل بن ناجية، فذكره إلى أن قال: ابن الأشعري، الشامي، ذكره ابن يونس وابن مندة وآخرون في الصحابة وأنكر ابن أبي حاتم وآخرون صحبته وقالوا: تابعي مخضرم وكان مسلما في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره وقالوا: الأولون قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفينة مع أبي موسى الأشعري وأصحابه، كان يسقط فلسطين وقدم دمشق ودقم مصر مع مروان بن الحكم سنة خمس وستين روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وسمع عمر بن الخطاب وعليا ومعاذا وأبا الدرداء وأبا ذر وأبا مالك الأشعري وغيرهم ويعرف بصاحب معاذ لكثرة لزومه له وكان عبد الرحمن أفقه أهل الشام، [بعثه عمر بن الخطاب إلى الشام يفقه الناس وأبوه [غنم بن سعد ممن قدم مع أبي موسى الأشعري من الأشعريين على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)] وصحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقتل في بعض المغازي بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)] وعليه تفقه عامة التابعين بالشام وكان له جلالة وقدر، قال ابن سعد: طعن هو ومعاذ بن جبل وأبو عبيدة وشرحبيل بن حسنة في يوم واحد، توفي رضي الله عنه سمة ثمان وسبعين ومناقبه كثيرة مشهورة.

= و (10/ 373 رقم 20988). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2067) والصحيحة (90 و 91).

(1)

ترجمته: الطبقات الكبرى 7/ 441، تاريخ ابن يونس 1/ 311، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 302، تهذيب الكمال 17/ ترجمة 3928. وما نقله الشارح هو من تهذيب الأسماء واللغات للنووى.

ص: 206

قوله: حدثني أبو عامر وأبو مالك الأشعري، وفي رواية: حدثني أبو مالك الأشعري ولم يشك أبو مالك ويكنى أبا مالك الأشعري وروي عنه جابر بن عبد الله وعبد الرحمن بن غنم، واختلف في اسم أبي عامر فقيل الحارث وقيل عبيد وقيل عمرو وقيل كعب بن عاصم، روى عن رسول الله قال الحافظ عبد الحق: ولم يخرج البخاري عن أبي مالك الأشعري شيئا في صحيحه فإن أراد بذلك أن البخاري ما خرج له بالجزم فنعم وإلا فقد خرج له على الشك وفي هذا من الفوائد أن البخاري رواه عن شيخه هشام بن عمار فقال فيه قال هشام ولم يقل حدثنا فزعم أبو محمد بن حزم أنه منقطع لم يسمعه منه.

قوله: فإنه سمعه منه إلا أنه أخذه عنه حال المذاكرة لا حال التحديث وهذه عادة البخاري مبالغة في الاحتياط وقد وصله الإسماعيلي في صحيحه وأبو نعيم في المستخرج وأبو داود في [سننه بأسانيد] صحيحة لا مطعن فيها.

قوله: والله يمين أخرى ما كذبني أنه سمع رسول الله يقول: "ليكونن من أمتي أقوام" فقوله: والله يمين أخرى أيضا تأكيد لحلف على صحة الخبر وفي هذا الحديث من أعلام النبوة الإخبار بهذه الأمور التي وقعت كما قال صلى الله عليه وسلم، وفيه: أنهم داخلون مع ذلك في مسمى الأمة لكن قوله: "يستحلون "يخرجهم فإن من استحل ما حرمه الله مما أجمعوا عليه وعلم من الدين بالضرورة كفر اللهم إلا أن يكون معناه يستحلونه بالتأويل الباطل كما قال في الخمر يسمونها بغير اسمها فإن من يجعل النبيذ خمر أيطلق عليه الخمرية فيحمل

ص: 207

على الشبهة وفيه التصريح بتحريم الحرير ردا على من خالف وحمله على الكراهة وهو قول نقله ابن العربي في أحكامه وغيرها من جملة تسعة أقوال ثم انعقد الإجماع على خلافه.

وأما قوله: "الحر والحرير" بالكسر وبالمهملتين وبتخفيف الراء فرج المرأة أي الزنا وأصل حرح بكسر الحاء وسكون الراء وجمع أحراح ومنهم من شدد الراء وليس بجيد فعلى التخفيف يكون في حرح لا في حرر وذكره أبو موسى في حرف الحاء والراء والصواب الحر بالحاء والراء والتخفيف قال الحربي: التخفيف [

]

(1)

.

والمشهور الخز بالخاء والزاي المعجمتين، وكذا قال ابن الجوزي وهو ضرب من ثياب الإبريسم معروف.

قوله: وكذا (جاء في كتابي البخاري وأبي داود ولعله حديث آخر كما ذكره أبو موسى وهو حافظ عارف بما روى وشرح فلا يتهم) في النهاية عن المديني

(2)

قال ابن بطال

(3)

: وأما الحر فهو الفرج وليس كما تأوله من صحفه فقال: الخز من أجل مقارنته للحرير فاستحل التصحيف بالمقارنة مع أنه ليس في الخز تحريم فإن لحمته صوف ففيه خلاف والأصح جوازه لحديث أبي داود في ذلك ما لم يزد الحرير عليه وزنا وقد جاء في الحر

(1)

بياض في الأصل.

(2)

النهاية (1/ 366).

(3)

شرح الصحيح (6/ 51).

ص: 208

التحريم ومعنى يستحلون الحر أي يستحلون المنهي عنه.

خاتمة: قال الحسن في الثياب ينسجها المجوس لم ير بها بأسا وقال ابن بطال

(1)

: اختلف العلماء في الصلاة في ثياب الكفار فذهب مالك وجمهور العلماء إلى أنه لا بأس بالصلاة فيما نسجوه وكره مالك الصلاة فيما لبسوه، وقال: إن صلى فيه يعيد في القوت وأجاز ذلك الكوفيون والثوري والشافعي وقالوا: لا بأس بلبساها وإن لم تغستل حتى يتبين فيها النجاسة إلا أن أبا حنيفة قال: أما السروايل والإزار فأكره أن يلبسها المسلم إلا بعد الغسيل، أ. هـ.

(1)

المصدر السابق (2/ 25 - 26).

ص: 209