المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٩

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترغيب في تأديب الأولاد]

- ‌[الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه]

- ‌[الترهيب من إفساد المرأة على زوجها والعبد علي سيده]

- ‌[ترهيب المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس]

- ‌[ترهيب المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة متزينة]

- ‌[الترهيب من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين]

- ‌كتاب اللباس والزينة

- ‌[الترغيب في لبس الأبيض من الثياب]

- ‌[الترغيب في القميص والترهيب من طوله وطول غيره مما يلبس وجره خيلاء وإسباله في الصلاة وغيرها]

- ‌[الترغيب في كلمات يقولهن من لبس ثوبا جديدا]

- ‌[الترهيب من لبس النساء الرقيق من الثياب التي تصف البشرة]

- ‌[ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهب وترغيب النساء في تركهما]

- ‌[الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك]

- ‌[الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعا واقتداء بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة]

- ‌[الترغيب في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه]

- ‌[الترغيب في إبقاء الشيب وكراهة تتفه]

- ‌[الترهيب من خضب اللحية بالسواد]

- ‌[ترهيب الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة]

- ‌[الترغيب في الكحل بالإثمد للرجال والنساء]

- ‌[كتاب الطعام وغيره]

- ‌[الترغيب في التسمية على الطعام والترهيب من تركها]

- ‌[الترهيب من استعمال أواني الذهب أو الفضة وتحريمه على الرجال والنساء]

- ‌[الترهيب من الأكل والشرب بالشمال وما جاء في النهي عن النفخ في الإناء والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح]

- ‌[الترغيب في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها]

- ‌[الترغيب في أكل الخل والزيت ونهس اللحم دون تقطيعه بالسكين إن صح الخبر]

- ‌[الترغيب في الاجتماع على الطعام]

- ‌[الترهيب من الإمعان في الشبع والتوسع في المآكل والمشارب شرها وبطرا]

- ‌[الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين]

- ‌[الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة]

- ‌[الترغيب في حمد الله تعالى بعد الأكل]

- ‌[الترغيب في غسل اليد قبل الطعام إن صح الخبر وبعده والترهيب أن ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها]

- ‌[كتاب القضاء وغيره]

- ‌[الترهيب من تولي السلطنة والقضاء والإمارة لا سيما لمن لا يثق بنفسه وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئا من ذلك]

- ‌[ترغيب من ولي شيئا من أمور المسلمين في العدل إماما كان أو غيره وترهيبه أن يشق على رعيته أو يجور أو يغشهم أو يحتجب عنهم أو يغلق بابه دون حوائجهم]

- ‌[ترهيب من ولي شيئا من أمور المسلمين أن يولي عليهم رجلا وفي رعيته خير فيه]

- ‌[ترهيب الراشي والمرتشي والساعي بينهما]

- ‌[الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله والترغيب في نصرته]

- ‌[الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالما]

- ‌[الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة والترهيب من الدخول عليهم وتصديقهم وإعانتهم]

- ‌[الترهيب من إعانة المبطل ومساعدته والشفاعة المانعة من حد من حدود الله وغير ذلك]

- ‌[ترهيب الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل]

- ‌[الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم ورحمتهم والرفق بهم والترهيب من ضد ذلك ومن تعذيب العبد والدابة وغيرهما بغير سبب شرعي وما جاء في النهي عن وسم الدواب في وجوهها]

- ‌فصل

الفصل: ‌[الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين]

[الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين]

3258 -

عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه كَانَ يَقُول شَرّ الطَّعَام طَعَام الْوَليمَة يدعى إِلَيْهَا الْأَغْنِيَاء وتترك الْمَسَاكين وَمن لم يَأْتِ الدعْوَة فقد عصى الله وَرَسُوله رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه مَوْقُوفا على أبي هُرَيْرَة وَرَوَا مُسلم أَيْضًا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم شَرّ الطَّعَام طَعَام الْوَليمَة يمْنَعهَا من يَأْتِيهَا ويدعى إِلَيْهَا من يأباها وَمن لم يجب الدعْوَة فقد عصى الله وَرَسُوله

(1)

.

قوله: عن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك المساكين ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله" وفي الترمذي عن ابن مسعود مرفوعا

(2)

، قال أهل اللغة والفقهاء وغيرهم رضي الله عنهم: الوليمة عبارة عن كل

(1)

أما الموقوف: أخرجه البخاري (5177)، ومسلم (108 و 108 و 109 - 1432)، وابن ماجه (1913)، وأبو داود (3742)، والبزار (7194)، والنسائي في الكبرى (6578). وأما المرفوع: أخرجه الحميدى (1204)، ومسلم (110 - 1432)، والبزار (10076)، وأبو عوانة (4643) و (4644)، والطحاوى في مشكل الآثار (3016)، وأبو نعيم في المستخرج (3352). وقال البزار: ولا نعلم روى هذه الأحاديث، عن هشام بن حسان إلا مخلد بن حسين. قال الدارقطني في العلل (1669): والصحيح عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، والأعرج عن أبي هريرة موقوفا. وصححه الألباني في الإرواء (1947) والصحيحة (1085) وصحيح الترغيب (2152).

(2)

هذه العبارة متكررة وصوابها أسفل من ذلك كما سيأتى.

ص: 423

طعام اتخذ عند حادث سرور إلا أن استعمالها في طعام العرس أظهر وهي مشتقة من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان قاله الأزهري وغيره، وقيل: يقع على الإملاك والعرس خاصة، وقيل: على كل دعوة إملاك أو ختان أو حادث سرور يدعى إليه الناس، قال ابن الأعرابي: أصلها تمام الشيء واجتماعه والفعل منها أولم

(1)

.

قال أصحابنا: والضيافات ثمانية أنواع:

الوليمة للعرس، والخُرس بضم الخاء المعجمة، ويقال الخرص أيضا بالصاد المهملة للولادة، والإعذار بكسر الهمزة وبالعين المهملة والذال المعجمة للختان، والوتيرة للبناء، والنقيعة لقدوم المسافر مأخوذ من النقع وهو الغبار ثم قيل إن المسافر يصنع الطعام، وقيل: يصنعه غيره له، والعقيقة يوم سابع الولادة، والوضيمة لفتح الواو وكسر الضاد المعجمة الطعام المتخذ لمصيبة، والمأدبة بضم الدال وفتحها الطعام المتخذ ضيافة بلا سبب

(2)

. أ. هـ.

وفي الترمذي عن ابن مسعود مرفوعا: "طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث رياء وسمعة، ومن سمَّع سمَّع الله به" وإسناده حسن

(3)

، هذا إذا كانت الدعوى ثلاثة أيام [فالأول تجب الإجابة فيه والثاني

(1)

كفاية النبيه (13/ 318).

(2)

شرح النووي على مسلم (9/ 217).

(3)

أخرجه الترمذي (1097). وقال الترمذي: حديث ابن مسعود، لا نعرفه مرفوعا إلا من =

ص: 424

تستحب والثالث تكره].

وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الإجابة إلى وليمة العرس فذهب بعضهم إلى أنها واجبة يأثم النكاح.

إذا تخلف عنها لغير عذر وهو قول الظاهرية وهو أحد قولي الشافعية وخالف الجمهور فقالوا باستحبابها والأصح عندهم أنها مستحبة وبه قال مالك وغيره، والخبر محمول على تأكد الاستحباب وكراهة الترك.

واعلم أن الرافعي والنووي مالا إلى ترجيح وجوب الإجابة إلى وليمة العرس، واختلف العلماء في وقت فعلها فحكي القاضي أن الأصح عند مالك وغيره أنه يستحب فعلها بعد الدخول، وعن جماعة من المالكية استحبابها عند العقد، وعن ابن حبيب المالكي استحبابها عند العقد وعند الدخول وفي سنن البيهقي ما يقتضي أنها [بعد الدخول]، وفي دلائل النبوة له أن النجاشي لما زوج [أم حبيبة من] رسول الله صلى الله عليه وسلم[قال: اجلسوا، فإن من

= حديث زياد بن عبد الله، وزياد بن عبد الله كثير الغرائب والمناكير. وسمعت محمد بن إسماعيل يذكر، عن محمد بن عقبة قال: قال وكيع: زياد بن عبد الله مع شرفه يكذب في الحديث. قال مغلطاي في إكمال التهذيب 5/ 115: كذا ألفيته في نسخة جيدة -أي: لا يكذب- والذي في تاريخ البخاري عن محمد -أي: ابن عقبة- قال وكيع: هو أشرف من أن يكذب. وقال العراقى في طرح التثريب (7/ 72): رواه الترمذي، وقال لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث زياد بن عبد الله، وهو كثير الغرائب والمناكير، وسمعت محمد بن إسماعيل يذكر عن محمد بن عقبة قال قال وكيع. زياد بن عبد الله مع شرفه لا يكذب في الحديث. وضعفه الألباني.

ص: 425

سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام، فأكلوا، ثم تفرقوا] ونقل [الغافقي] الإجماع على أنه لا حد لقدرها بل بأي شيء أولم من الطعام حصلت الوليمة لكن يستحب أن تكون على قدر حال الزوج، أ. هـ قاله في الديباجة.

وقال القاضي عياض

(1)

: لم يختلف العلماء في وجوب الإجابة إلى وليمة العرس واختلفوا فيما عداها، ثم إنها تجب أو تسن بشروط، أولها: أن يعينه بالدعوة، ثانيها: أن لا يخص الأغنياء، ثالثها: أن تكون لمسلم، رابعها: أن لا يكون هناك عذر مرخص في ترك الجماعة، خامسها: أن لا يكون دعا معه السفلة والأراذل، سادسها: أن يكون جميع ماله حلالا فإجابة من أكثر ماله حرام مكروهة كمعاملته، سابعها: أن لا يكون مدعو إلى بيت أجنبية، ثامنها: أن لا يكون هناك منكر، تاسعها: أن لا يكون ذلك الطعام لمباهاة أو رياء، عاشرها: أن لا يدعوه لخوف شره أو لطمع في جاهه أو لتعاونه على باطل، فهذه المسائل أعذار في ترك الإجابة والحضور، وأما الأكل فغير واجب بل مستحب إن لم يكن صائما، وأما الصائم فسيأتي الكلام عليه، قال الإمام محيى السنة: قوله: "شر الطعام طعام الوليمة" فسماه شر الطعام على الغالب من أحوال الناس فيها فإنهم يدعون الأغنياء ويدعون الفقراء ولا جائز أن يقال إنه شر الطعام على الإطلاق فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوليمة وأمر بإجابة

(1)

إكمال المعلم (4/ 589).

ص: 426

من يدعى إليها ومعاذ الله أن يأمر بما فيه شر أو دعو إلى ما يقرب من شر فكيف بما هو الشر المحض كذا في الميسر

(1)

انتهى.

قال النووي

(2)

: فمعنى الحديث الإخبار بما يقع من الناس بعده صلى الله عليه وسلم من مراعاة الأغنياء في الولائم ونحوها وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم بطيب الطعام ورفع مجالسهم وتقديمهم وغير ذلك مما هو الغالب في الولائم، وكان بعض العلماء رضي الله عنهم لا يجيب في الوليمة أيضًا فقيل له: كان السلف يدعون فيجيبون فقال: كانوا يدعون للمواخاة والمواساة وأنتم اليوم تدعون للمباهاة والمكافأة.

تنبيه: المقصود من الدعوة ابتغاء الألفة والمودة والنفوس جبلت على حب من أكرمها وقد حثهم النبي صلى الله عليه وسلم على الإجابة لتتأكد الألفة وتصفو المودة فالإطعام بر للنفس يطفئ حرارة الحقد وينفى مكامن الغل، فالألفة إذا صلحت من ثلاثة وجوه تأكدت فالقلب يألف بالإيمان والروح تألف بطاعته والنفس من شأنها الشهوة واللذة فإذا برها صفت وصارت طوعا فندبه صلى الله عليه وسلم إلى أن يقبل ذلك من أخيه كيلا يضيع كرامته ولا يجد الشيطان سبيلا إلى وسوسته بالشر وترك الإجابة مما يدل على الجفاء والاستهانة فهناك يجد العدو سبيلا

(3)

، أ. هـ.

(1)

الميسر (3/ 764).

(2)

شرح النووي على مسلم (9/ 237).

(3)

نوادر الأصول (2/ 472).

ص: 427

3259 -

وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من دعِي فَلم يجب فقد عصى الله وَرَسُوله وَمن دخل على غير دَعْوَة دخل سَارِقا وَخرج مغيرا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلم يُضعفهُ عَن درست بن زِيَاد وَالْجُمْهُور على تَضْعِيفه ووهاه أَبُو زرْعَة عَن أبان بن طَارق وَهُوَ مَجْهُول قَالَه أَبُو زرْعَة وَغَيره

(1)

.

قوله: وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا" الحديث، المغير اسم فاعل من غار يغير إذا نهب، شبه دخولهم عليهم بدخول السارق وخروجه بمن أغار على قوم ونهبهم

(2)

، قاله في النهاية.

[ذكر] الحافظ المزي عن الحافظ أبي [بكر بن ثابت] بإسناده إلى نصر بن علي الجهضمي قال: كان جار طفيلي وكان من أحسن الناس منظرًا وأهذبهم منطقًا وأطيبهم رائحةً وأجملهم لباسًا فكان من شأنه أني إذا دعيت إلى مدعاة تبعني فيكرمه الناس من أجلي ويظنون أنه صاحب، فاتفق يوما أن

(1)

أخرجه أبو داود (3741)، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (353)، ابن حبان في المجروحين (1/ 293 - 294)، وابن عدي في الكامل 2/ 70، القضاعي في مسند الشهاب (527 و 528 و 529)، والبيهقي في الآداب (467) والكبرى (7/ 108 رقم 13412) والشعب (12/ 152 - 153 رقم 9200 و 9201).

قال ابن عدى: وأبان بن طارق هذا لا يعرف إلا بهذا الحديث وهذا الحديث معروف به وله غير هذا الحديث لعله حديثين أو ثلاث وليس له أنكر من هذا الحديث. وقال الألباني: ضعيف، في الإرواء (1954)، ضعيف الجامع (5579)، المشكاة (3222)، ضعيف الترغيب (1302).

(2)

النهاية (3/ 394).

ص: 428

جعفر بن القاسم الهاشمي أمير البصرة أراد أن يختن بعض أولاده فقلت في نفسي كأبي برسول الأمير قد جاء وكأني بهذا الرجل قد تبعني، ووالله لئن تبعني لأفضحنه فأنا على ذلك إذا جاء رسوله يدعوني فما زدت على أن لبست ثيابي وخرجت فإذا أنا بالطفيلي واقف على باب داره قد سبقني بالتأهب فتقدمت وتبعني فلما دخلنا دار الأمير جلسنا ساعة ودعي بالطعام وحضرت الموائد وكان كل جماعة على مائدة لكثرة الناس فقدمت إلى مائدة والطفيلي معي فلما مد يده ليتناول الطعام قلت: حدثني درست بن زياد عن إبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار قوم بغير إذنهم دخل سارقًا وخرج مغيرًا" فلما سمع ذلك الطفيلي قال: أنفت لك والله يا أبا عمرو من هذا الكلام فإنه ما من أحد من الجماعة إلا وهو يظن أنك تعرض به دون صاحبه أو تستحي أن تتكلم بهذا الكلام على مائدة سيد من أطعم الطعام وتبخل بطعام غيرك على سواك ثم لا تستحي أن تحدث عن درست وهو ضعيف عن إبان بن طارق وهو متروك الحديث تحكم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون على خلافه لأن حكم السارق القطع وحكم المغير أن يعذب على ما يراه الإمام وأين أنت من حديث حدثناه أبو عاصم النبيل عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية" وهو إسناد صحيح، قال نصر بن علي: فأفحمني فلم يحضرني جواب فما خرجنا من الموضع للانصراف فارقني من جانب الطريق إلى الجانب الآخر بعد أن كان يمشي وراءي وسمعته يقول:

ص: 429

ومن ظن ممن يلاقي الحروب بأن

لا يصاب فقد ظن عجزا

(1)

فائدة فقهية: التطفل حرام وهو الحضور من غير دعوة إلا إذا كان المتطفل بينه وبين صاحب الدار انبساط، والتطفل نسبة إلى طفيل رجل من أهل الكوفة من بني عبد الله بن غطفان كان يأتي الولائم من غير أن يدعا إليها فكان يقال له طفيل الأعراس، ويسمي عند العرب الوارش بالشين المعجمة، ذكره في هادي التنبيه.

3260 -

وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا دعِي أحدكُم إِلَى الْوَلِيمَة فليأتها رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد

(2)

.

قوله: وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أيضًا اللوحة تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها".

تنبيه: سئل الفقيه أبو جعفر عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم" قال: قد فسره سفيان بن عيينة قال: كان بين القوم عداوة في الجاهلية في أول الإسلام يعني بين الأوس والخزرج فإذا لم يجب أحدهما الدعوة كان ذلك زيادة عداوة وفي الإجابة دفع العداوة وأما اليوم فإذا لم يكن هذا المعنى فإن أجاب فحسن وإن لم يجب فلا شيء عليه

(3)

، أ. هـ.

(1)

تهذيب الكمال (8/ 483 - 484).

(2)

أخرجه البخاري (5173)، ومسلم (96 و 97 - 1429)، وأبو داود (3736)، والنسائي في الكبرى (6573)، وابن حبان (5294)، والبيهقي في الصغير (3/ 86 رقم 2580) والكبرى (7/ 426 رقم 14517)، والبغوي (2313).

(3)

ذكره أبو الليث السمرقندي في بستان العارفين (ص 345).

ص: 430

3261 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا دَعَا أحدكُم أَخَاهُ فليجب عرسا كَانَ أَو نَحوه رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَفِي رِوَايَة لمُسلم إِذا دعيتم إِلَى كرَاع فأجيبوه

(1)

.

قوله: وعنه رضي الله عنه تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو نحوه" فإن دعي إلى وليمة عرس وجبت الإجابة وإن دعي إلى غيرها استحبت الإجابة.

قوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم: "إذا دعيتم إلى كراع فأجيبوه" وفي رواية: "لو دعيت إلى كراع لأجبت" أي: لأجبت الدعوة، والمراد بالكراع عند جماهير العلماء كراع الشاة والكراع ما دون الركبة من الشاة، وغلطوا من حمله على كراع الغميم بفتح الغين المعجمة وهو موضع بين مكة والمدينة على مراحل من المدينة من جهة مكة

(2)

. وتقدم الكلام في الصيام فدل الحديث على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وعلى تواضعه.

(1)

أخرجه مسلم (98 - 1429) و (100 و 101 - 1429)، وأبو داود (3738)، وأبو عوانة (4628) و (4633) و (4634).

وأما حديث: "إذا دعيتم إلى كراع" أخرجه مسلم (104 - 1429)، وأبو عوانة (4646 و 4647)، وابن حبان (5290)، وأبو نعيم في المستخرج (3345)، والبيهقي في الكبرى (7/ 428 رقم 14528) عن ابن عمر.

(2)

شرح النووي على مسلم (9/ 235).

ص: 431

3262 -

وَعَن جَابر هُوَ ابْن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا دعِي أحدكُم إِلَى طَعَام فليجب فَإِن شَاءَ طعم وَإِن شَاءَ ترك رَوَا مسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

.

قوله: وعن جابر رضي الله عنه، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك" وفي الرواية الأخرى "فليجب، فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم"

(2)

الحديث، فليطعم بفتح الياء آخر الحروف وسكون الطاء المهملة وفتح الغين المهملة، يقال طعم يطعم طعاما فهو طاعم إذا أكل أو ذاق، ومثال غنم يغنم فهو غانم، تقدم الكلام على الإجابة وعلى الأكل في أول الباب.

واختلفوا في معنى "فليصل"، فقال الجمهور معنا: فليدع لأهل الطعام أو لأهل المنزل بالمغفرة والبركة والخير ونحو ذلك، ومنه الحديث:"الصائم إذا أكل عنده المفاطير صلت عليه الملائكة"

(3)

الحديث، وأصل الصلاة في اللغة الدعاء ومنه قوله تعالى:{وَصَلِّ عَلَيهِمْ}

(4)

أي: ادع لهم، وقيل:

(1)

أخرجه مسلم (105 - 1430)، وأبو داود (3740)، وابن ماجه (1751)، والنسائي في الكبرى (6575)، وابن حبان (5303).

(2)

أخرجه مسلم (106 - 1431)، وأبو داود (2460)، والترمذي (780)، وابن حبان (5306) عن أبي هريرة.

(3)

أخرجه أحمد 6/ 365 (27701)، والترمذي (784)، وابن خزيمة (2140)، عن أم عمارة. وضعفه الألباني في الضعيفة (1332).

(4)

سورة التوبة، الآية:103.

ص: 432

المراد الصلاة الشرعية بالركوع والسجود أي يشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها، وأما المفطر ففي الرواية الثانية الأمر بالأكل فهو مخير، واختلف العلماء في ذلك والأصح من مذهبنا أنه لا يجب الأكل لا في وليمة العرس ولا في غيرها، فمن أوجبه اعتمد على قوله في الرواية:"فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم" ومن لم يوجبه اعتمد التصريح بالتخيير في الراوية الأولى وحمل الأمر على الندب، وفي راوية:"إذا دعي أحدكم إلى وليمة وهو صائم فليقل إني صائم"

(1)

.

ففيه

(2)

: أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادات من الصلاة والصوم وغيرهما إذا دعت الحاجة إليه، ولا يستحب إخفاؤها، وفيه إشارة إلى حسن المعاشرة وتقديم حق الإخوة وحسن الاعتذار وقبول العذر، أ. هـ، قاله في شرح الإلمام.

وإذا قيل بوجوب الأكل في الوليمة فأقله لقمة ولا يلزمه الزيادة لأنه يسمي أكلا ولهذا لو حلق لا يأكل نحث بلقمة ولأنه قد يتخيل صاحب الطعام أن امتناعه لشبهة يعتقدها في الطعام فإذا أكل لقمة زال ذلك التخيل هكذا صرح باللقمة جماعة من أصحابنا، وأما الصائم فلا خلاف أنه لا يجب عليه الأكل لكن إن كان صومه فرضا لم يجز له الأكل لأن الفرض لا

(1)

أخرجه مسلم (159 - 1150)، وأبو داود (2461)، والترمذي (781)، وابن ماجه (1750)، عن أبي هريرة. وما سبق من كلام النووي في شرحه على مسلم (9/ 236).

(2)

هذا كلام النووي كما في شرح مسلم (8/ 28).

ص: 433

يجوز الخروج منه وإن كان نفلا جاز الفطر وتركه وغن كان يشق عليه على صاحب الطعام صومه فالأفضل الفطر وإلا فإتمام الصوم والله أعلم

(1)

.

وفي هذا الحديث أن الصوم ليس بعذر في حال الإجابة، وفي الحديث أيضًا عن سعيد مولي أبي هند أن مطرفا من بني عامر بن صعصعة حدثه أن عثمان بن أبي العاص الثقفي دعا له بلبن يسقيه فقال مطرف: إني صائم، الحديث رواه النسائي

(2)

، كذلك يسن للإنسان إذا كان صائما أن يقول ذلك ففي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم" فيقول ذلك اعتذارا للداعي وإعلاما بحاله، فإن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور وإن لم يسمح وطالبه بالحضور لزمه الحضور

(3)

.

وليس الصوم عذرا في إجابة الدعوة لكن إذا حضر لم يلزمه الأكل ويكون الصوم عذرا في ترك الأكل بخلاف المفطر فإن يلزمه الأكل على أصح الوجهين عندنا، قال الأصحاب: والأفضل إن كان يشق على صاحب الطعام

(1)

شرح النووي على مسلم (9/ 236).

(2)

أخرجه أحمد 4/ 22 (16536) و 4/ 217 (18186) و 4/ 218 (18192)، وابن ماجه (1639)، والنسائي في المجتبى 4/ 299 (2248) و 4/ 300 (2249) و 4/ 301 (2250) والكبرى (2551) و (2552) و (2553)، وابن أبي عاصم في الآحاد (1543)، والروياني (1522)، وابن خزيمة (2125)، وابن حبان (3649)، والبيهقي في الشعب (5/ 194 - 195 رقم 3295). وصححه الألباني.

(3)

شرح النووي على مسلم (8/ 28).

ص: 434

صومه يستحب الفطر وإلا فلا هذا إذا كان صوما تطوعا فإن كان صوما واجبا حرم الفطر

(1)

، أ. هـ.

فإن قيل: ما فائدة حضور الصائم؟ قلت: قد يريد صاحب الوليمة حضوره وإن لم يأكل فقد يتبرك به أهل الطعام والحاضرون، وقد يتجملون به وينتفعون بدعائه أو بإشارته أو ينصانون عما لا ينصانون عنه في غيبته والله أعلم ذكره النووي

(2)

.

3263 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ حق الْمُسلم على الْمُسلم خمس رد السَّلَام وعيادة الْمَرِيض وَاتِّبَاع الْجَنَائِز وَإجَابَة الدعْوَة وتشميت الْعَاطِس رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَيَأْتِي أَحَادِيث من هَذَا النَّوْع إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(3)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض وإتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس"، أما رد السلام فهو فرض بالإجماع، فإن كان السلام على واحد كان الرد فرض عين عليه، وإن كان على جماعة كان فرض كفاية في حقهم إذا رد أحدهم سقط الحرج عن الباقين، وأما إفشاء السلام فهو سنة، وإفشاؤه: هو إشاعته وإكثاره وأن يبذله

(1)

شرح النووي على مسلم (9/ 236 - 237).

(2)

المصدر السابق (9/ 237).

(3)

أخرجه البخاري (1240)، ومسلم (4 و 5 - 2162)، وأبو داود (5030)، والترمذي (2737)، وابن ماجه (1435)، والنسائي في المجتبى 4/ 86 (1954) والكبرى (2076).

ص: 435

لكل مسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"

(1)

، وأما عيادة المريض فسيأتي ذلك في بابه، وأما إتباع الجنائز فسيأتي ذلك في كتاب الجنائز، وأما إجابة الدعوة فهو المذكور في هذا الباب، والمراد به: الداعي إلى وليمة ونحوها من الطعام وتقدم التفصيل في ذلك في الأحاديث المتقدمة في الباب، وأما تشميت العاطس فعن أنس بن مالك قال: عطس رجلان عن النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقال:"إن هذا حمد الله تعالى وإن هذا لم يحمد الله تعالى" رواه الجماعة إلا النسائي

(2)

، وأجمعت الأمة على أن التشميت وهو قوله للعاطس يرحمك الله مشروع، ثم اختلفوا في إيجابه فأوجبه أهل الظاهر وابن مريم من المالكية على كل من سمعه لظاهر قوله في الحديث الآخر:"فحق على من سمعه أن يشمته"

(3)

قال القاضي عياض: والمشهور من مذهبه أنه فرض كفاية وبه قال جماعة من العلماء كرد السلام، ومذهب الشافعي وآخرين وأصحابه أنه سنة وأدب وليس بواجب، وحملوا الحديث على الندب والأدب كقوله عليه السلام:"حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام"

(4)

، واختلفوا في رد العاطس

(1)

أخرجه البخاري (12) و (28) و (6236)، ومسلم (63 - 39)، وأبو داود (5194)، وابن ماجه (3253)، والنسائي في المجتبى 7/ 531 (5044) عن عبد الله بن عمرو.

(2)

أخرجه البخاري (6221) و (6225)، ومسلم (53 - 2991)، وأبو داود (5039)، والترمذي (2742)، وابن ماجه (3713).

(3)

أخرجه البخاري (6223) و (6226)، والترمذي (2747) عن أبي هريرة.

(4)

أخرجه البخاري (897 و 898) و (3487)، ومسلم (9 - 849) عن أبي هريرة.

ص: 436

فقيل يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم، وقيلَ: يقول يغفر الله لنا ولكم، وقال مالك والشافعي: يخير بين هذين هذا هو الصواب فقد صحت الأحاديث بهما، قال: ولو تكرر العطاس فقال مالك يشمته ثلاثا ثم يسكت

(1)

وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في بابه، والله تعالى أعلم.

3264 -

وَعَن عِكْرِمَة رضي الله عنه قَالَ كانَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما يَقُول إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن طَعَام المتباريين أَن يُؤْكَل رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ أَكثر من رَوَاهُ عَن جرير لَا يذكر فِيهِ وَابْن عَبَّاس يُرِيد أَن أَكثر الروَاة أَرْسلُوهُ قَالَ الْحَافِظ الصَّحِيح أَنه عَن عِكْرِمَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُرْسل المتباريان هما المتماريان المتباهيان

(2)

.

قوله: وعن عكرمة رضي الله عنه عكرمة

(3)

: هو مولى ابن عباس، هو: أبو عبد الله فكرمة مولى ابن عباس الهاشمي المدني، أصله بربري من بلاد المغرب وهو من كبار التابعين، سمع الحسن بن علي وأبا قتادة وابن عباس وابن عمر وغيرهم، قال ابن معين: فكرمة ثقة، قال: وإذا رأيت من يتكلم في عكرمة

(1)

شرح النووي على مسلم (18/ 120 - 121).

(2)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 7)، وأبو داود (3754)، والطبراني في الكبير (11/ 340 رقم 11942)، وابن عدى (2/ 270)، والحاكم (4/ 128 - 129)، والبيهقي في الشعب (8/ 181 رقم 5666)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان 1/ 222، الخطيب في تاريخ بغداد 4/ 392. قال أبو داود:"أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس"، وهارون النحوي، ذكر فيه ابن عباس، أيضا وحماد بن زيد، لم يذكر ابن عباس. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2158)، والصحيحة (627).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 341 ترجمة 421).

ص: 437

فاتهمه على الإسلام، وقال عكرمة: إني لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلم بكلمة فيفتح لي خمسون بابا من العلم، وقال أبو حاتم: أعلا موالى ابن عباس عكرمة، وأدخله أصحاب الصحاح صحاحهم، وقال البيهقي: روى له البخاري ومسلم، توفي سنة أربع ومائة، وقيل: خمس، وقيل: ست، وقيل: سبع، وتقدم الكلام عليه مبسوطا في صلاة التسبيح.

قوله: كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل، الحديث، المتباريان هما المتماريان المتباهيان قاله الحافظ، وقال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: المتباريان هما المتعارضان بفعليهما يقال تبارى الرجلان إذا فعل كل واحد منهما مثل فهل صاحبه ليرى أيهما يغلب صاحبه، قال ابن مسعود: نهينا أن نجي دعوة من يباهي بطعامه وكره جماعة من الصحابة أكل طعام المباهاة، قاله في الديباجة، وإنما كره ذلك لما فيه من الرياء والمباهاة ولأنه داخل في جملة ما نهى عنه من أكل المال بالباطل، أ. هـ، ذكره صاحب المغيث، وفي حديث ابن عباس:"لا تأكلوا من معاقر الأعراب فإني لا آمن أن يكون مما أهل به لغير الله" هو عقرهم الإبل كان يتباري الرجلان في الجود والسخاء فيعقر هذا إبلا ويعقر هذا إبلا حتى يعجز أحدهما الآخر، وكانوا يفعلونه رياء وسمعة وتفاخرا ولا يقصدون به وجه الله تعالى فشبهه بما ذبح لغير الله تعالى.

فائدة: الفرزدق الشاعر اسمه همام بن غالب، كان أبو غالب رئيس قومه فأصاب أهل الكوفة مجاعة فعقر غالب لأهل ناقة وصنع منها طعاما وأهدى

ص: 438

قومه من بني تميم جفانا من ثريد ووجه جفنة منها إلى سحيم بن وثيل الرياحي رئيس قومه فكفأها سحيم وضرب الذي أتى بها، فقال: أنا مفتقر إلى طعام غالب إذ نحر ناقة نحرت أنا أخرى فوقعت [المعاقرة] بينهما وعقر سحيم لأهله ناقتلة فلما كان من الغد عقر لهم غالب ناقتين فعقر سحيم أهله ناقتين فلما كان اليوم الثالث عقر غالب ثلاثا فعقر سحيم لأهله ثلاثا فلما كان اليوم الرابع عقر غالب مائة ناقة فلم يكن عند سحيم هذا القدر فلم يعقر شيئا وأسرها في نفسه فلما انقضت المجاعة ودخل الناس الكوفة قال بنو رياح لسحيم: جررت علينا عار الدهر هل نحرت مثل ما نحر وكنا نعطيك مكان كل ناقة ناقتين فاعتذر بأن إبله كانت غائبة وعقر ثلاثمائة ناقة، وقال للناس: شأنكم والأكل وكان ذلك في خلافة علي بن أبي طالب فاستفتى في حل الأكل منها فقضي بحرمتها وقال: هذه ذبحت لغير مأكلة ولم يكن المقصود منها إلا المفاخرة والمباهاة فألقيت لحومها على كناسة الكوفة فأكلتها الكلاب والعقبان والرخم، أ. هـ قاله في حياة الحيوان

(1)

.

(1)

حياة الحيوان (2/ 302 - 303).

ص: 439