المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌رجاء

- ‌بشرى لكل ناسخ وناشر

- ‌المقدمة

- ‌آثار ترك الذنوب والمعاصي

- ‌تنبيهات:

- ‌موضوعات الكتاب:

- ‌الباب الأول: التوبة

- ‌ذكر أحاديث فيها نفي القنوط:

- ‌أولاً: شروط التوبة:

- ‌فائدة:

- ‌ثمرة الاستغفار النافع تصحيح التوبة

- ‌من الأحاديث الدالة على التوبة:

- ‌ثانيًا: آثار المعاصي:

- ‌ثالثًا: جاء في مختصر منهاج القاصدين ما مختصره:

- ‌رابعًا: اتهام التوبة:

- ‌خامسًا: علامات قبول التوبة:

- ‌فائدة:

- ‌سادسًا: سؤال هام:

- ‌فائدة مشهد الرحمة في المعصية:

- ‌كتابة الحسنات والسيئات

- ‌سابعًا: توبة المرأة:

- ‌تنبيه وكلمة:

- ‌الباب الثاني: الدنيا

- ‌وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور:

- ‌فصل في بيان حقيقة الدنيا والمذموم منها والمحمود

- ‌الباب الثالث: الموت

- ‌ذكر شدة الموت

- ‌حسن الظن باللَّه تعالى:

- ‌الباب الرابع: الصلاة

- ‌المعاني التي تتم بها حياة الصلاة كثيرة:

- ‌ تساؤلات:

- ‌ قد يقول قائل: يا أخي العمل عبادة

- ‌ قد يقول قائل: إن فلانًا رجل يصلي ولكن معاملته غير طيبة

- ‌ احذر إبليس:

- ‌ قيام الليل:

- ‌فصل: في الأسباب الميسرة لقيام الليل

- ‌ما حكم قضاء الصلاة الفائتة

- ‌خاتمة:

- ‌الباب الخامس: الذكر

- ‌أولاً: فوائد الذكر:

- ‌منزلة الذكر وأقسامه

- ‌فصل في أذكار النوم واليقظة

- ‌فصل في أذكار الانتباه من النوم

- ‌بعض الأذكار الأخرى الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السادس: الدعاء

- ‌الفصل الأول: فضل الدعاء

- ‌الفصل الثاني: آداب الدعاء

- ‌الفصل الثالث: ما هي أوقات الإجابة

- ‌الفصل الرابع: الذين يستجيب اللَّه تعالى دعاءهم

- ‌الفصل الخامس: بم يستجاب الدعاء

- ‌الفصل السادس: علامة استجابة الدعاء

- ‌الفصل السابع: التوسل بالأنبياء والصالحين

- ‌الفصل الثامن: فوائد

- ‌الفصل التاسع: صلاة الاستخارة

- ‌الفصل العاشر: بحث خاص برفع اليدين في الدعاء

- ‌الفصل الحادي عشر: ختامه مسك

- ‌خاتمة:

- ‌الباب السابع: حكم الإسلام في الغناء

- ‌ ومن مكايد عدو اللَّه (إبليس) ومصايده

- ‌خاتمة:

- ‌الباب الثامن: داء العشق ودواؤه

- ‌أولاً: جاء في كتاب «الجواب الكافي»

- ‌الباب التاسع: آداب من سورة النور

- ‌أولاً: آداب دخول البيوت وغض البصر وحفظ الفرج:

- ‌ثانيًا: تساؤلات:

- ‌آداب الهاتف من آداب دخول البيوت

- ‌الباب العاشر: حكم تغطية وجه المرأة

- ‌مقدمة:

- ‌أولاً الخلاصة: كما يراها فضيلة الشيخ البوطي:

- ‌ثانيًا: حكم تغطية الوجه بقلم فضيلة الشيخ وهبي غاوجي:

- ‌ثالثًا: 1 - ما جاء في «روائع البيان» تحت عنوان: «طائفة من أقول المفسرين في وجوب ستر الوجه»

- ‌من أقوال الشعراء في الإسلام:

- ‌استئذان الأقارب بعضهم على بعض:

- ‌أحكام العورة بين المحارم:

- ‌3 - العورة بين المرأة والمرأة:

- ‌الباب الحادي عشر: حكم عمل المرأة خارج البيت

- ‌أمان المرأة:

- ‌القوامة:

- ‌لا تكلف المرأة بشيء من الإنفاق:

- ‌ثالثًا: كيفية تعليم المرأة:

- ‌شروط خروج المرأة من البيت:

- ‌بحث مسألة وضع ثياب المرأة خارج بيتها

- ‌الباب الثاني عشر: علاج الصرع وعلاج السحر وفك الربط وعلاج الحسد

- ‌أولاً: هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الصرع:

- ‌ثانيًا: علاج الصرع:

- ‌ثالثًا السحر:

- ‌رابعًا علاج السحر:

- ‌خامسًا: بعض ما ورد في حل السحر:

- ‌سادسًا: تنبيهات خاصة بفك الربط:

- ‌علاج الحسد:

- ‌علاج العين:

- ‌الباب الثالث عشر: الدين النصيحة

- ‌ عليك بهذه المكتبة الإسلامية

- ‌ فائدة حول التسبيح دبر الصلوات:

- ‌ معاملة الزوجة بلطف والصبر على أذاها

- ‌ إياكَ والإفسادَ بين المرء وزوجه:

- ‌ الختان من محاسن الإسلام:

- ‌ استجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية

- ‌القرآن واللحية:

- ‌ إن خفت ظالمًا فعليك بهذه الأدعية:

- ‌ مختصر أسباب شرح الصدر

- ‌قَبْل الخاتمة

- ‌مقدار صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌قُبَيْل‌‌ الخاتمة

- ‌ الخاتمة

- ‌ما تزول به عقوبة الذنوب:

- ‌كتب للمؤلف

الفصل: ‌سابعا: توبة المرأة:

‌سابعًا: توبة المرأة:

أولاً: مقدمة:

1 -

قبل الكلام عن دعوة المرأة المسلمة إلى اللَّه أود أن أقول: إن الإسلام هو الاستسلام والإذعان والانقياد لأمر اللَّه تعالى، وطالما أن الأمر كذلك، فإن المسألة ليست مسألة إقناع بقدر ما هي مسألة إيمان وامتثال، فلا يحتاج المسلم في كل تكليف إلى إقناع وبرهان، ولكن طالما أن المسلم قد رضي باللَّه ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً- طالما أنه قد رضي بذلك - فلا يكون أمامه إلا سؤال واحد عند تكليفه بأمر اللَّه تعالى، وهو: هل ورد هذا التكليف في كتاب اللَّه عز وجل؟ فإن كان واردًا فيه فسمعًا وطاعة، وإن كان هذا التكليف حديثًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فيكون السؤال هو التأكد من صحة هذا الحديث، فإن ثبت صحة ذلك - وهذا من اختصاص العلماء - فعليه أن يقول سمعًا وطاعة أيضًا، إذن يكون موضع البحث، هو التأكد من أن هذا التكليف قد ورد في كتاب اللَّه، أو في سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع مراعاة مصادر التشريع الأخرى - لا البحث عن الإقناع أو عن أي شيء آخر مما نراه في معظم المسائل بين المسلمين الآن إلا ما رحم ربي من أنك تسمع دائمًا هذا القول: اقنعني أولاً! سبحان اللَّه! إن دين اللَّه تعالى كلٌّ لا يتجزأ، لا يأتيك كله، إلا إذا أعطيته كلك.

لو أن الرفيق «أي الطبيب» (1) وصف العلاج للمريض، لوجدته أخذ الدواء دون مناقشة، أيًّا كان طعم هذا الدواء، أما عندما يأمر اللَّه بأمر، فنجد التقاعس والتراخي، وطلب الإقناع، أيهما تمتثل لأمره بقوة .. الخالق أم المخلوق؟! أو ما قرأت قول اللَّه تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِينًا} [الأحزاب: 36].

يقول الإمام ابن كثير رحمه الله (2) في تفسير هذه الآية: «فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم اللَّه ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد هنا، ولا رأي، ولا قول» . انتهى.

2 -

قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا

(1) أقول رفيق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ادعى أنه طبيب:«أنت رجل رفيق وطبيبها الذي خلقها» رواه أبو داود وأحمد في «المسند» وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح. راجع «زاد المعاد» لابن القيم (ج 2 ص: 353)«أشير دائمًا إلى زاد المعاد بتحقيق الأرنؤوط» . (قل).

(2)

«مختصر تفسير ابن كثير» للصابوني (ج 3 ص: 97). (قل).

ص: 54

يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65] انتهى.

يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: «يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة، أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكِّم الرسولَ صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حَكَمَ به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرًا وباطنًا، ولهذا قال:{ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليمًا كليًا، من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، ثم يقول اللَّه تعالى:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَاّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} [النساء: 66].

قال ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى عن أكثر الناس أنهم لو أمروا بما هم مرتكبوه من المناهي لما فعلوه؛ لأن طباعهم الرديئة مجبولة على مخالفة الأمر، وهذا من علمه تبارك وتعالى بما لم يكن أو كان فكيف كان يكون، ولهذا قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ..... } ». انتهى من ابن كثير.

3 -

قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51] فقد علق اللَّه سبحانه وتعالى الفلاح في الدنيا والآخرة على طاعته سبحانه.

تنبيه:

من آيات الحجاب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59].

ثانيًا: إلى كل فتاة تؤمن باللَّه:

جاء في كتاب «إلى كل فتاة تؤمن باللَّه» لفضيلة الشيخ محمد سعيد البوطي ما مختصره:

وإنما أعني (1) بالفتاة التي تؤمن باللَّه، تلك التي أيقنت بوجوده إلهًا واحدًا لا شريك له في ذاته وصفاته، وأيقنت أنه النافع الضار، إليه مرجع الناس كلهم في يوم عظيم لا ريب فيه، يكشف فيه الحجاب عن كل غيب مستور، وحقيقة خافية، يوم الحسرة والندامة لمن كان قد اغتر بدنياه وفرط في جنب اللَّه، ويوم الغبطة والسعادة لمن كان قد فهم الدنيا على

(1) راجع كتاب «إلى كل فتاة تؤمن باللَّه» لفضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي من ص (14: 21). (قل).

ص: 55

حقيقتها، فاتخذ منها عونًا لسلوك السبيل إلى مرضاة اللَّه.

فلا جرم أنني لا أعني بها تلك التي سمعت باللَّه ولم تفهم عنه شيئًا، وورثت كلمة الإيمان شعارًا على اللسان ولم تستيقن مضمونها عقيدة في الجنان، قد يتكرر اسم اللَّه على لسانها في اليوم أكثر من عشرين مرة، ولكنها لا تنتبه لسلطانه وبالغ سطوته في الشهر أو العام مرة واحدة. مثل هذا الإيمان، لا يورث القلب أي خشية، ولا يقود صاحبه إلى أي اتجاه، ولا شأن له بتقويم شيء من مظاهر الحياة والسلوك. فأنا إنما أتجه بحديثي في هذه الرسالة إلى كل فتاة آمنت باللَّه إيمانًا إراديًّا حرًّا منبثقًا عن رضاها القلبي وشعورها النفسي، ويقيني أن [أمتنا تفيض] بكثير ممن يتمتعن بهذا الإيمان.

أتجه إلى كل فتاة تؤمن في قرارة قلبها باللَّه هذا الإيمان لأقول لها:

إن أمر وجودنا في هذه الحياة جد وأخطر من الجد! .. فلا يحجبنك عن تصور عاقبتها أي لون من ألوان مغرياتها، ولا ينسيك هوانهَا كثرةُ ما ترين من المتعلقين بها. ولا تنسي أن الناس إنما يجتازون إلى اللَّه في هذه الدنيا بساعة امتحان سواء علموا ذلك أم جهلوا، وربما طالت هذه الساعة أو قصرت، ولكنها على كل حال ليست أكثر من ساعة امتحان.

وإذا كان الاجتياز بهذه الساعة الامتحانية قدرًا مشتركًا بين الرجال والنساء على السواء، فإن المرأة تمتاز عن الرجل بحمل عبء آخر شديد الخطورة في الدنيا وعظيم الأثر في العقبى!

فالمرأة بالإضافة إلى كونها تشترك مع الرجل في اجتياز هذه الساعة الامتحانية، تعتبر مادة من أهم موادها الامتحانية ذاتها!

ذلك لأن الشهوات على اختلافها، هي المنزلق الامتحاني الذي بسط اللَّه به وجه هذه الدنيا، وإنما المرأة - بتقرير اللَّه تعالى وصريح بيانه - أول نوع من هذه الشهوات. أوَليس هو القائل:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 13]، فقد عدّ اللَّه النساء في أول مراتب الشهوات التي وضعها زينة وابتلاء في طريق الناس.

ولولا أنها تفوق سائرها في الخطورة والأهمية، ما جعل مرتبتها في الذكر قبلهن جميعًا.

ص: 56

وإذًا، فالمرأة في حياة الإنسان أخطر ابتلاء دنيوي على الإطلاق.

وسر ذلك، أن جميع الآثام التي حظرها اللَّه تعالى على عباده ليس بينها وبين الإنسان أي انسجام فطري. فالظلم بأنواعه المختلفة محرم ويعين الإنسان على تجنبه أن الفطرة الإنسانية تشمئز منه. وشرب الخمر محرم، ويهون من أمر تحريمه أن الفطرة الإنسانية الأصيلة تعفها، وكذلك السرقة، والغش، والغيبة، والنميمة، وبقية المحرمات الأخرى، كلها لا تتفق مع مقتضيات الفطرة الإنسانية السليمة، ولا يجنح إلى شيء منها إلا من ابتلي بشذوذ أو انحراف في طبيعته وفطرته لسبب من الأسباب التي قد تطرأ في حياة الإنسان. وإنما يستثنى من هذا العموم شيء واحد فقط، هو الغريزة الجنسية في كل من الرجل والمرأة، فهي على الرغم من كونها تدفع إلى ارتكاب محظور يعد في ذروة المحاظير الشرعية - ما لم ينضبط بحدود وقيود معينة - تعتبر من أخص مستلزمات الفطرة الإنسانية وأهم متطلباتها، ولا سبيل لأي إنسان ما دام إنسانًا طبيعيًّا لا شذوذ فيه إلى أن ينفك عنها أو يسمو فوقها.

ومن خلال هذه المقارنة تستطيعين أن تدركي بأن الشهوة الجنسية في الإنسان أخطر ابتلاء ديني في حياته.

إذ في الوقت الذي تقف الفطرة الإنسانية فيه عونًا على تطبيق حكم اللَّه بالنسبة للمعاصي والمنكرات، فإنها تقف بالنسبة للشهوة الجنسية مثيرة لها أو عاجزة - في أحسن الأحوال - عن أن تكبح (1) لجامها أو تقلل شيئًا من هياجها.

وبناء على ذلك فإن العلاج الإسلامي بالنسبة لسائر المعاصي يكمن في مزيد من الابتعاد عنها والاستعلاء فوقها. أما بالنسبة لأمر الجنس خاصة، فقد كان العلاج هو الارتواء منه، وإمتاع الغريزة به، ولكن ضمن حدود مرسومة معينة لا يتجاوزها.

فهذا معنى قولنا إن المرأة أخطر مادة امتحانية في حياة الرجل على الإطلاق.

وربما تقولين: ولِمَ لا يعتبر الرجل أيضًا أخطر مادة امتحانية في حياة المرأة، ما دام الشعور الجنسي شائعًا بينهما، وبذلك يتساوى عبء كل من الرجل والمرأة وتتكافأ مهامهما؟!

والجواب: إن الفاطر الحكيم جل جلاله أقام فطرة المرأة على أسس نفسية جعلت منها

(1) كبح الدابة كبْحًا: جذب رأسها إليه باللجام وهو راكب كي تقف ولا تجر.

واللجام: الحديدة في فم الفرس، ثم سموها مع ما يتصل من سُيور وآلة لجامًا. كذا في «المعجم الوسيط» . والمعنى واللَّه أعلم عدم قدرة الفطرة الإنسانية على السيطرة على الشهوة إلا ما رحم ربي. (قل).

ص: 57

مطلوبة أكثر من أن تكون طالبة، فهي مهما استشعرت إلحاحًا غريزيًّا في كيانها تظل ميالة - بدافع من عوامل نفسية أصيلة لديها - إلى أن تتحصن بمركز الانتظار والاستعلاء، وأن تفرض على الرجل ظروفًا وأسبابًا تجعله يلح في طلبها والسعي وراءها، وبذلك تكون المرأة فتنة للرجل أكثر من أن يكون الرجل فتنة للمرأة.

وقد قرر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تلك الحقيقة باختصار في قوله: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» . متفق عليه.

وإذ قد فرغنا من إيضاح هذه الحقيقة، فلتعلمي أن أمر هذه الفتنة التي ابتلي بها الرجل - تشديدًا وتهوينًا - عائد عليك. فالمرأة تستطيع إذا شاءت أن تجعل من شأن نفسها بلاء صاعقًا للرجل، لا يكاد يجد سبيلاً للنجاة منه.

وتستطيع أن تجعل من شأن نفسها عونًا على السير في طريق السلامة والنجاة.

ومن هنا كان أخطر الوظائف الإسلامية التي كلف اللَّه بها المرأة، أن تغمد سلاح فتنتها أمام الرجال ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، حتى لا يقعوا في رهق من أمر هذا البلاء أو الامتحان.

وقد تم الإجماع على أن المرأة لا تحرز رضا اللَّه تعالى عنها بعمل من الأعمال الصالحة، كما تحرزه بالسعي في سبيل يعين الرجل على الاستقامة الخلقية وضبط نوازعه الشهوانية، ولا تتسبب لغضب اللَّه تعالى عليها بعمل من الأعمال المحرمة كما تتسبب إلى ذلك بالسعي في سبيل أن تثير في الرجل نوازعه الشهوانية وتقصيه عن أسباب الاستقامة والعفة الخلقية.

وما كان أكثر أهل النار النساء - بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، إلا جملة عوامل، من أهمها: أنهن لا يتقين اللَّه تعالى في هذه الوظيفة الخطيرة التي ناطها اللَّه تعالى بهن

انتهى.

ثالثًا: أقوال لا رصيد لها:

ثم ذكر فضيلة الشيخ محمد سعيد البوطي في كتابه - السالف ذكره - «إلى كل فتاة تؤمن باللَّه» شبهًا يحتج بها الشيطان بنوعيه، وزخرف القول غرورًا أمام المرأة المؤمنة، حتى يصدها عن سبيل اللَّه، ويمنعها من ارتداء ما أمرها اللَّه به،

فقال أثابه اللَّه تحت عنوان: أقوال لا رصيد لها (1) ما مختصره (2):

(1) اكتفيت فقط باختصار جانب الرد على تلك الشبه. (قل).

(2)

لم أختصر كثيرًا في هذه النقطة. (قل).

ص: 58

ومهما يكن من أمر هذه الشبه الباطلة، فإن لأعداء هذا الدين حججًا وأقوالاًً أخرى، يأملون أن يدعموا بها باطلهم! ولكنها أقوال لا رصيد لها من المعنى الذي يمكن أن يتقبله العقل السليم.

وما أكثر ما ضلت فتيات مؤمنات، عن رشد العقل، بهذه الأقوال المرصوفة الخادعة، وما أكثر ما تبين لهن أنها أباطيل خادعة، ولكن ذلك لم يتبين لهن إلا بعد أن تجاوز الأمر بهن إلى نهاية لا طاقة لهن إلى الرجوع عنها، بل إلى أودية سحيقة لا سبيل لهن إلى التسامي فوقها! وإنني - أيتها الأخت المؤمنة - سأعرض لك جميع هذه الأقوال بزخرفها الخادع، ثم أجردها أمامك من زيفها اللصيق لترى عظيم ما فيها من الخداع والتضليل، حتى إذا تبين لك ذلك كنت أقدر على الصمود في وجه الباطل الذي تتعرضين له، وأكثر ثباتًا وصلابة على الحق الذي تعتزين به.

1 -

يقولون لك: إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها، وليست غطاء يلقى ويسدل على جسمها، وكم من فتاة محتجبة عن الرجال في ظاهرها، وهي تمارس معهم البغي والفجور في سلوكها، وكم من فتاة حاسرة الرأس سافرة الوجه لا يعرف السوء سبيلاً إلى نفسها أو سلوكها.

وأقول لك: إن هذا صحيح. فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفة مفقودة، ولا أن تخلق له استقامة معدومة، ورب فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها. ولكن من هذا الذي زعم أن اللَّه إنما شرع الحجاب لجسم المرأة ليخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلاقها؟

ومن هذا الذي زعم أن الحجاب إنما شرعه اللَّه ليكون إعلانًا بأن كل من لم تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال؟

إن اللَّه جل جلاله إنما فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة الرجال الذين تقع أبصارهم عليها، لا حفاظًا على عفتها من الأعين التي تراها! .. ولئن كانت تشترك معهم هي الأخرى في هذه الفائدة في كثير من الأحيان، فإن فائدتهم من ذلك أعظم وأخطر. وإلا فهل يقول عاقل - تحت سلطان هذه الحجة المقلوبة - إن للفتاة أن تبرز عارية أمام الرجال كلهم ما دامت ليست في شك من قوة أخلاقها وصدق استقامتها؟!

إن بلاء الرجال بما يقع عليه أبصارهم من مغريات النساء وفتنتهن، هو المشكلة التي أحوجت [الأمة] إلى حل، فكان في فضل اللَّه ما تكفل به على أفضل وجه. وبلاء الرجال، إذا لم يجد في سبيله هذا الحل الإلهي، ما من ريب أنه سيتجاوز بالسوء إلى النساء أيضًا. ولا يغني عن الأمر شيئًا أن تعتصم المرأة المتبرجة عندئذ باستقامة في سلوكها أو عفة في

ص: 59

نفسها. فإن في ضرام ذلك البلاء الهائج في نفوس الرجال، ما قد يتغلب على كل استقامة أو عفة تتمتع بها المرأة إذ تعرض من فنون إثارتها وفتنتها أمامهم.

2 -

ويقولون لك: إنه إذا شاع الاختلاط بين الرجل والمرأة، تهذبت طباع كل منهما، وقامت بينهما بسبب ذلك صداقات بريئة لا تتجه إلى جنس ولا تنحرف نحو سوء! أما إذا ضرب بينهما بسور من الاحتجاب، فإن نوازع الجنس تلتهب بينهما وتغري كلا منهما بصاحبه فيشيع من ذلك الكبت في النفوس والسوء في الطباع.

وأقول لك: صحيح، إن مظاهر الإغراء قد تفقد بعض تأثيراتها بسبب طول الاعتياد وكثرة الشيوع. ولكنها إنما تفقد ذلك عند أولئك الذين خاضوا غمارها وجنوا من ثمارها، خلال مرحلة طويلة من الزمن، فعادوا بعد ذلك وهم لا يحفلون بها. وبدهي أن ذلك ليس لأنهم قد تساموا فوقها، ولكن لأنهم قد بشموا بها ولأنهم يشبعون (1) كل يوم منها.

إن رؤية المناظر والمواقف الجنسية في بلدة كالسويد مثلاً، تعتبر أمرًا عاديًّا لا يثير استغرابًا ولا استهجانًا بالنسبة لأولئك الذين نشئوا أو عاشوا في تلك الأجواء، فهل يعني ذلك أنهم قد تجاوزوا طبيعة التأثير بدواعي الانحراف وأسبابه، فهم لا ينحطون إليها ولا يتأثرون بها؟! .. أي مجنون من الناس يقول هذا؟!.

كلنا يعلم أن هذا الذي يمر بالمشاهد الجنسية المكشوفة هناك، غير عابئ بها، ولا ملتفت إليها، قد نجده بعد ساعة يمارس العملية نفسها في مكان آخر. وهكذا فإن عدم الاكتراث والتأثير بمظاهر الإغراء، إنما هو نتيجة انتشار اللذة رخيصة في كل مكان، وليس نتيجة فهم معين أو جديد لما قد تبصره عيناه. والذي يتصور تحقق الزهد في الجنس، دون أن يكون نتيجة لانتشاره وإباحته، إنما هو كمن يتصور إمكان زهد الجائع في الطعام بمجرد أن تتناثر أطباقه الشهية أمام عينيه في واجهات المحلات عن يمين الشارع ويساره.

وإنما (الصداقة) كلمة يطلقها هؤلاء الناس على تلك الفترات التي يلتقط فيها الأصدقاء أنفاسهم بعد انجراف طويل في أدغال الحيوانية والإباحية المطلقة.

وإنها لحقيقة ثابتة يعرفها (الأصدقاء) قبل أن يعرفها الآخرون! ..

والكبت .. أيهما يورث الكبت؟

أن يخرج الشاب إلى شأنه من وظيفة أو عمل أو دراسة، فلا تقع عينه على ما يثير شيئًا

(1) أقول: لأنهم - عافانا اللَّه وإياكم - يملون منها، اللهم لا تشبع فروج المسلمين إلا من حلال. (قل).

ص: 60

من كوامن غريزته، فيعود إلى بيته، هادئ النفس، مستريح البال، نشط الفكر، أم أن يخرج من بيته فتستقبله مغريات الجنس من كل جانب وصوب، وبكل أسلوب وفن، فتهتاج نفسه وتثور غرائزه، حتى إذا دنا ليمتع نفسه وتثور غريزته اصطدم بحواجز القانون، ورقابة [الشرطة]، وشهامة الزوج أو القريب (1)؟

3 -

ويقولون لك: إن حجاب المرأة عائق عن مشاركتها الرجل في نهضته الفكرية والثقافية والاجتماعية، وإنما أولى الخطوات إلى أي نشاط فكري أو اجتماعي، أن تسفر الفتاة عن وجهها، وتحطم ما بينها وبين الرجل من حواجز واعتبارات.

كما أن أول السبيل للقضاء على ملكتها واستعداداتها الفكرية والاجتماعية المختلفة، أن تحبس نفسها في قفص الحجاب، وتضع بينها وبين الرجل حاجزًا مما تسميه الستر والآداب!

وما يتحدث أحدهم عن جهل المرأة، وتخلفها، إلا ويجعل من صورة المرأة المحتجبة مظهرًا لذلك!

وما يتحدث عن ثقافة المرأة، وتقدمها، ونشاطها الفكري والاجتماعي ـ إلا ويجعل من صورة المرأة العارية أو السافرة مظهرًا لذلك.

وأقول لك: إنني أجزم بأن هذا التلازم المختلق، إن هو إلا بهتان كبير لا أساس له ولا دليل عليه! .. وإن كل مطلع على التاريخ، يعلم أن تاريخنا الإسلامي مليء بالنساء المسلمات اللاتي جمعن بين الإسلام أدبًا واحتشامًا وسترًا، وعلمًا وثقافة وفكرًا. وذلك بدءًا من عصر الصحابة فما دون ذلك، إلى عصرنا الذي نعيش فيه.

4 -

ويقولون لك: إن الفتاة التي تحبس نفسها عن الناس من وراء الحجاب، إنما تحرم بذلك شبابها بل حياتها من سعادة الزواج، فالشاب إنما يقبل على الفتاة التي يعجب بها، وإنما يعجبه منها - قبل كل شيء - جمالها وما يتصل به من مظاهر شخصيتها. وأنَّى له أن يطمئن إلى ذلك منها إذا لم يتهيأ له أن يراها وأن يخلط نفسه بطرف من شأنها وطباعها؟ ..

وكيف يتهيأ له ذلك إذا كانت تأبى إلا أن تحبس نفسها، وراء سور البرقع والحجاب؟.

(1) إن أكبر هذه الحواجز: حاجز الخوف من اللَّه تعالى. وفي «تفسير ابن كثير» : عن مجاهد قال: كتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين: رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل، أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر رضي الله عنه إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 3] «مختصر ابن كثير» (ج 3 ص: 359). (قل).

ص: 61

تلك هي حجة الأمهات لبناتهن، تحسب الواحدة منهن أنها تجلب الخير بذلك لابنتها، وتقرب السبيل لها إلى اختيار فتى أحلامها. ويزيد في ذلك اندفاعًا إغراءات جنود الشيطان من حولها، يستغلون لديها هذه الرغبة، فيزيدون من مخاوفها إن تزيت ابنتها بلباس الإسلام، ويدعمون آمالها إن هي تحررت منه وانساحت بين صفوف الشباب، تعرض من زينتها عليهم، وتخلط نفسها بهم! ..

وأقول لك: إنها لخدعة باطلة توحي بعكس الواقع والحقيقة! .. خدعة يصوغها دعاة الباطل على علم، وتنطلي على أفكار الفتيات وأمهاتهن جهلاً وخداعًا!!

ولو تأملت الواقع الذي تعيشين فيه، لرأيت نسبة الإقبال على الأسر والفتيات المحافظات للزواج منهن أكثر بما يقارب الضعف، من الإقبال على الأسر المتحررة اللاتي يطبقن الوصفة الخادعة التي اغتررن بها، بل إن الزواج - عمومًا - يشيع بين الأسر المحافظة المتدينة أكثر مما يشيع بين الأسر الأخرى، بنسبة تزيد على الضعف، يعلم تفصيل ذلك كل من يرجع إلى الإحصائيات المفصلة في هذا الشأن.

ولأوضح لك الأسباب القريبة والبعيدة لهذا الشأن، حتى تزدادي يقينًا بحكمة الخالق جل جلاله وبأن الإنسان لن يجد مصلحته مكلوءة بعناية وحفظ إلا في تطبيق شرع اللَّه عز وجل.

إن الشباب في مجتمعنا لا يعدو أن ينتمي إلى أحد صنفين:

الصنف الأول: متدين في الجملة، فهو متقيد بآداب الإسلام ومعظم أحكامه ولا سيما الاجتماعية منها والبارزة. فالشاب من هذا الصنف لا بد أن يتزوج فيما بين العشرين والثلاثين من عمره، لا يستثنى من ذلك إلا أصحاب الظروف الاستثنائية الخاصة. والزواج في اعتبار مثل هذا الشاب بمثابة ساعة الإفطار للصائم فيحشد له جميع آماله الدنيوية في الحياة، ويجعل منه ركيزة سعادته كلها!.

والشاب من هذا الصنف يبحث عن الفتاة كما يحبها، ولكن ضمن دائرة الستر والصيانة التي آمن بها ونشأ في داخلها. وحتى لو بعدت به الظروف عن هذه الدائرة في بعض الأحيان لأسباب مما قد يمتحن به الشاب، فإنه لا يطمئن لفتاة ستصبح أُمًا لأولاده إلا إذا رأى طابع الدين والستر جليًّا وأصيلاً في حياتها.

وهذا الشاب لن يصطدم بمشكلة الجهل أو عدم الاطمئنان إلى خلقها، فإن شريعة اللَّه عز وجل قد حلت له المشكلة عندما شرعت له، بل أمرته أمر إرشاد وندب أن ينظر إليها

ص: 62

ويكلمها (1)، حتى إذا شعر من نفسه أنه لم ينل حظًّا كافيًا في المرة الأولى لمعرفتها، وتبين ما ينبغي أن يطمئن إليه منها، كان له أن يعاود النظر ثانية وثالثة.

الصنف الثاني: متفلت عن سلطان الدين وأحكامه، فهو لا يبالي أن يمتع نفسه بحظوظها كلما تسنى له ذلك، لا فرق بين أن ينالها من حلال أو حرام!. فالشاب من هذا الصنف إن تزوج فهو إنما يدخر زواجه إلى أواسط عهد الكهولة أو آخرها. ولن تجد واحدًا من هؤلاء تزوج قبل سن الخامسة والثلاثين! .. إلا أن يكون ذلك لظروف استثنائية نادرة.

والزواج في اعتبار مثل هذا الإنسان، كرجوع السائح إلى داره بعد نزهة استنفدت المتعة فيها كل نشاطه وطاقاته، حتى إذا أدركه الملل والجهد عاد إلى داره يبغي فيها الراحة والهدوء؟ .. فهو - وقد نال من صنوف اللذات مغنمًا بدون مغرم - إنما يريد من الزوجة الآن أن تعينه على راحة ينشدها أو قرار يتطلبه، أكثر من أن يريد بالزواج متعة يشترك مع الزوجة فيها وسعادة يلتقي مع الزوجة على ارتشافها!.

وأكثر ما تظاهر بالرغبة في الزواج من قبل، فانجذبت الفتيات إليه من هنا وهناك، كل تعرض له ما عندها من زينة ورقة وجمال، على مذهب هؤلاء المخدوعات اللائي يحسبن أن الفتاة لا يمكن أن تعثر على الزوج الذي تبغيه إلا في الشارع الذي تتعرى فيه، فتذوق من هذه وتلك وتيك ..

ونال ما يبغيه منهن - كما قلنا - غنيمة بدون مغرم. إذ تنتهي بكل منهن خليلة اليوم، ثم نبذها وراء ظهره حليلة الغد!.

وبين الرجل والمرأة فارق في التسابق إلى حظوظ النفس - قلما يتبينه الناس - تكون المرأة هي الخاسرة فيه دائمًا! إذ المرأة مهما تحللت من قيود الدين والآداب، فإنها لا تصل إلى قمة سعادتها إلا في ظلال بيت تصبح أُمًّا سعيدة فيه. والرجل مهما كان شأنه، إنما تهفو نفسه إلى نعيم تصفو فيه لذته عن كدور الغرامة أو المسئولية أو الجهد، ولا يفطم نفسه عن التعلق بذلك إلا دين يتحكم بمجامع قلبه، فإذا فقد الدين فإن الرجل والمرأة يلتقيان على مائدة تكون المرأة دائمًا هي الطرف المغلوب فيها!.

وحصيلة هذا الكلام كله، واقع مشاهد ملموس لا يحتاج لرؤيته إلا إلى تأمل وانتباه. وهو أن نسبة الذين يقبلون على الزواج من الشبان المتدينين تزيد على ضعف نسبة من يقبلون عليه من المتحللين أو المتحررين. والمتدينون لا يتزوجون إلا في الحجر الصالح،

(1) هذا كله مع مراعاة أحكام الخطبة خاصة وجود المحرم. (قل).

ص: 63

ولا يتعلقون إلا بجمال زانه خلق وستر ودين. ونتيجة لذلك فإن العنوسة لا تشيع - في أعم الأحوال - إلا في الأسر التي شاءت أن تنفلت عن منهج الدين وحكمه وتربيته.

يا أختي المؤمنة: إن فيما أوضحته لك ما يكفي لإقناعك - بالمنطق السليم الذي لا التواء فيه - بأن اتباع شريعة اللَّه تعالى لا يضمن لك بلوغ مرضاة اللَّه فحسب، بل هو يضمن لك إلى جانب ذلك تحقيق أسباب سعادتك الدنيوية كلها. والسعادة ليست في تحقيق الخيال الذي تتصورين وإنما هي في واقع الذي يورثك الطمأنينة ويشيع في حياتك الارتياح والرضا.

أما وقد تبين لك كل ذلك، فقد آن لك أن تنهضي لاستجابة حكم مولاك العظيم، وأن تصطلحي مع اللَّه عز وجل بعد طول نسيان وتنكر له، فتتخذي من صراطه سبيلاً، ومن حبه شفيعًا بين يديه. دعي انتقاد الناس وحسابهم، فإن حساب اللَّه غدًا أشد وأعظم! ..

ترفعي عن السعي إلى مرضاتهم وتحقيق أهوائهم، فإن التسامي إلى مرضاة اللَّه أسعد لك وأسلم. ولسوف - تجدين - وأنت تعزمين على الرجوع إلى صراط اللَّه - من يحاول أن يرهق مشاعرك تخديرًا تحت وطأة هذه «التقاليع» التي أحاطت بك كما تحيطك خيوط العنكبوت بضحيتها الحبيسة، وأن يذكرك بفلانة التي كانت تبرز مفاتنها أمام الرجال، وفلانة التي كان لها [مكانها] الأدبي البارز بين الناس! ..

وأما أنا (1) فأذكرك بالحكم الإلهي الواضح، الذي نقلته لك بأمانة، وبهذا الحديث الثابت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ يقول:«صنفان من أمتي لم أرهما قط: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة [أي كسنام الجمل] لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا» . رواه مسلم والإمام أحمد.

ولسوف تجدين أيضًا من يذكرك بجمال هذه الدنيا ومغريات الارتواء من لذائذها وزينتها! ولكني أذكرك بخطورة عقابها، وجسامة ما ينتظرك من آثارها ونتائجها ..

أذكرك بيوم الدين، إن كنت قد آمنت بوجوده

أذكرك باليوم الذي يصدق فيه قول اللَّه تعالى وهو يخاطب طائفة كبيرة من الناس:

(1) ما زال الكلام لفضيلة الشيخ البوطي أثابه اللَّه تعالى. (قل).

ص: 64

{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف: 20]، أذكرك بذلك كله، فإن ذلك أدعى إلى أن تتلمسي لنفسك سعادة الدنيا والآخرة معًا (1). انتهى كلام فضيلة الشيخ البوطي.

رابعًا: وارباه يا أختاه ..

1 -

من يعيب عليك أنك تتحجبين من أجل الزواج، كمن يعيب عليك أنك تجمعين المال من أجل الحج مع محرم.

2 -

لا تظني أن التبرج سبيل إلى الزواج، فإن ما عند اللَّه تعالى لا ينال إلا بطاعته.

3 -

بقدر ما تبتعدين عن مخالطة الرجال (2) ومزمار الشيطان (3) بقدر ما تقتربين من اللَّه وفرج الرحمن.

تنبيه:

من النادر أن توجد امرأة مؤمنة ترتدي زي الإسلام قد جاوزت سن الخامسة والعشرين دون زواج. وأكرر ما قلته في المقدمة: إن المسألة ليست مسألة إقناع بقدر ما هي مسألة إيمان وامتثال. فالأمر إذن أمر إيمان بالغيب قبل الصلاة والزكاة والحجاب، فإن اللَّه تعالى يقول في وصف المؤمنين:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: 3] فكلما زاد الإيمان زاد الامتثال، وكلما ضعف الإيمان ضعف الامتثال، وأيضًا كلما زاد الامتثال زاد الإيمان، وكلما ضعف الامتثال ضعف الإيمان. وما وصل أبو بكر إلى ما هو عليه، وحب اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم له إلا بقوة الإيمان والامتثال، انظر إلى كلامه المأثور عندما أخبر بإسراء الرسول صلى الله عليه وسلم:«إن كان قد قال فقد صدق» .

خامسًا كلمة أخيرة للشيخ البوطي:

كلمة أخيرة، يجب أن أتجه بها إلى اللواتي استيقنت أفئدتهن الحق الذي بينته، غير أن الواحدة منهن تشعر ببعد النقلة بين الواقع الذي تعيش فيه والحق الذي آمنت به، فتركن آسفة إلى الوضع الذي تعيش فيه، وتعتذر إلى اللَّه أو إلى الناس، بأنها عاجزة عن مثل هذا القفز البعيد.

وهكذا، فإن في الناس طائفة كبيرة من المنحرفين والمنحرفات، لا يمسكهم على انحرافهم ويمنعهم من السعي إلى إصلاح حالهم إلا ما يرونه من بعد الفجوة وعمقها بين

(1) كتاب «إلى كل فتاة تؤمن باللَّه» للشيخ البوطي (ص: 81: 95).

(2)

مع مراعاة أحكام المحارم. (قل).

(3)

مزمار الشيطان: اسم من أسماء الغناء كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى. (قل).

ص: 65

الكمال الذي يسمعون عنه والواقع الذي يعيشون فيه. ولكن هذا التصور خاطئ .. فإن الفاصل الذي بين الحق والباطل، إنما يتمثل في الفرق بين أدنى طرف من الباطل وأول درجة من درجات الحق، وفرق ما بينهما لفتة صغيرة وحركة بسيطة.

إن الحق الذي أوضحناه في الصفحات الماضية، ليس نهاية مستقلة تقبع في قمة السمو والكمال، ولكنه سلم ذو درجات متقاربة، تبدأ أولاها عند طرف الباطل الذي تعيشين فيه، وتقف الأخيرة عند نهاية الكمال الذي يشدك إليه تشريع اللَّه وحكمه. وإنما المطلوب منك - بعد أن تنبهت إلى الحق وآمنت به - أن تتحركي صاعدة في درجاته، لا أن تقفزي قفزة واحدة إلى نهايته! ..

إذا كنت لا تملكين من الطاقة والإرادة أو الظروف المساعدة ما تفرضين به على نفسك حجابًا سابغًا للجسم والوجه، فلتفرضي على نفسك ما دون ذلك مما تساعدك عليه الظروف والأحوال، وإذا كنت لا تجدين طاقة كافية لتغيير أي شيء من لباسك وهيئتك، مهما كانت منحرفة وبعيدة عن اللَّه عز وجل فلتفرضي على نفسك ما دون ذلك أيضًا، من أداء العبادات المفروضة، وتلاوة شيء من كتاب اللَّه بتدبر خلال كل صباح ومساء، وإذا كنت عاجزة عن الارتباط حتى بهذا القدر في سبيل الإصلاح فلتفرضي على نفسك ما دون ذلك، من استشعار خطورة الحال التي أنت فيها والالتجاء إلى اللَّه تعالى بقلب صادق واجف، تسألينه العون والقوة، فإن صدق الالتجاء إلى اللَّه ينبوع النصر والتوفيق. وما سار إنسان إلى الحق بادئًا بخطوة من هذه الخطا متجهًا إلى اللَّه بصدق وعزم، إلا وفقه اللَّه تعالى في السير إلى نهاية الطريق والوصول إلى مجامع ذلك الحق.

وإنما المصيبة كل المصيبة أن تعلمي الحق، وتؤمني به، ثم لا تتجهي إليه بخطوة ولا بعزم، كأن الأمر ليس مما يعنيك في شيء، أو كأن الذي شرع هذا الحق وأمر به لن تطولك يده، ولن يبلغ إليك بطشه وسلطانه. أو كأن الآخرة وما فيها أهون من أن يتخلى الإنسان في سبيلها عن شيء من أمانيه وأهوائه!.

مثل هذا الحال، يعتبر أعظم سبب لاستمطار غضب اللَّه تعالى والتعجيل بعقوبته. وعقوبة الدنيا هنا لا تتمثل في بلاء عاجل يحيق بالإنسان، وإنما تتمثل في انغلاق العقل، وقسوة القلب، فلا يؤثر في أحدهما تذكير ولا تخويف ولا تنبيه، مهما كانت الأدلة واضحة والنذر قريبة، حتى إذا جاءه الموت تخطفه وهو على هذا الحال، فينقلب إلى اللَّه تعالى، وقد تحول انغلاق عقله وقسوة قلبه إلى ندم يحرق الكبد في وقت لا ينفع فيه الندم ولا رجوع فيه إلى الوراء.

ص: 66

وقد عَبَّرَ اللَّه تعالى عن هذه العقوبة وسببها بقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 57] فإذا كنت تؤمنين باللَّه فلا ريب أنك تؤمنين بشريعته وباليوم الآخر الذي هو يوم الحساب والجزاء.

وإن من مستلزمات هذا الإيمان، أن تضعي الكلام الذي سردته عليك في هذه الرسالة موضع الجد والاهتمام من تفكيرك. حتى إذا أيقنت أنني لم أخدعك بباطل من القول، ولم أضع بين يديك إلا الحقيقة الصافية التي يتمثل فيها حكم اللَّه عز وجل كان عليك أن تنهضي إلى تطبيق هذا الحكم بالسير في مراحله المتدرجة. فإن رأيت أن حبال الدنيا وأهواءها، وتقاليد الصديقات والقريبات، تشدك إلى الخلف، وتصدك عن النهوض بأمر اللَّه، فلا أقل من أن تفيض الحسرة في قلبك من ذلك فيسوقك الألم إلى باب اللَّه تعالى وأعتاب رحمته، لتعرضي له ضعفك وتجأري إليه بالشكوى، أن يهبك من لدنه قوة وتوفيقًا، وأن يمنحك العون لتتحرري عن سلطان نفسك، وسلطان التقاليد والعادات، وسلطان الأقارب والصديقات.

أما إن لم ينهض بك الإيمان إلى هذا ولا إلى ذلك، ولم يتحرك القلب الذي وراء ضلوعك بأي تأثر واهتمام لكل هذا الذي حدثتك به - فلتكوني في شك من إيمانك بوجود اللَّه تعالى، ولتعلمي أنك تسيرين - إن استمر بك الحال - إلى نهاية رهيبة وليس منها مخلص ولا مفر! ولتعلمي أن سكر الدنيا مهما كان لذيذًا فيوشك أن تفجأك منها ساعة صحوة وانتباه، وإنها واللَّه لقريبة منك.

ولتعلمي أن مذاقها مهما كان طيبًا فإن في نهايتها غصة ستأخذ منك بالحق، وإنها واللَّه لمقبلة إليك، ثم اعلمي أنه ما من شاب يبتلى منك اليوم بفتنة تغريه، أو تشغل له باله، وكان بوسعك أن تجعليه في مأمن منها إلا أعقبك منها غدًا نكال من اللَّه عظيم.

فاذكري في آخر هذه الرسالة ما قد نبهت إليه في أولها، من أن المرأة في حياة الرجل أخطر ابتلاء دنيوي له على الإطلاق، فاجعلي من تقوى اللَّه تعالى في سلوكك عونًا للرجل على السعي في سبيل مرضاة اللَّه، ولا تجعلي من الإمعان في معصية اللَّه عونًا له على السير في طريق الشيطان.

واللَّه المستعان في الهداية والتوفيق (1)

انتهي كلام فضيلة الشيخ البوطي أكرمه اللَّه تعالى.

ص: 67