المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آداب الهاتف من آداب دخول البيوت - ففروا إلى الله - القلموني

[أبو ذر القلموني]

فهرس الكتاب

- ‌رجاء

- ‌بشرى لكل ناسخ وناشر

- ‌المقدمة

- ‌آثار ترك الذنوب والمعاصي

- ‌تنبيهات:

- ‌موضوعات الكتاب:

- ‌الباب الأول: التوبة

- ‌ذكر أحاديث فيها نفي القنوط:

- ‌أولاً: شروط التوبة:

- ‌فائدة:

- ‌ثمرة الاستغفار النافع تصحيح التوبة

- ‌من الأحاديث الدالة على التوبة:

- ‌ثانيًا: آثار المعاصي:

- ‌ثالثًا: جاء في مختصر منهاج القاصدين ما مختصره:

- ‌رابعًا: اتهام التوبة:

- ‌خامسًا: علامات قبول التوبة:

- ‌فائدة:

- ‌سادسًا: سؤال هام:

- ‌فائدة مشهد الرحمة في المعصية:

- ‌كتابة الحسنات والسيئات

- ‌سابعًا: توبة المرأة:

- ‌تنبيه وكلمة:

- ‌الباب الثاني: الدنيا

- ‌وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور:

- ‌فصل في بيان حقيقة الدنيا والمذموم منها والمحمود

- ‌الباب الثالث: الموت

- ‌ذكر شدة الموت

- ‌حسن الظن باللَّه تعالى:

- ‌الباب الرابع: الصلاة

- ‌المعاني التي تتم بها حياة الصلاة كثيرة:

- ‌ تساؤلات:

- ‌ قد يقول قائل: يا أخي العمل عبادة

- ‌ قد يقول قائل: إن فلانًا رجل يصلي ولكن معاملته غير طيبة

- ‌ احذر إبليس:

- ‌ قيام الليل:

- ‌فصل: في الأسباب الميسرة لقيام الليل

- ‌ما حكم قضاء الصلاة الفائتة

- ‌خاتمة:

- ‌الباب الخامس: الذكر

- ‌أولاً: فوائد الذكر:

- ‌منزلة الذكر وأقسامه

- ‌فصل في أذكار النوم واليقظة

- ‌فصل في أذكار الانتباه من النوم

- ‌بعض الأذكار الأخرى الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السادس: الدعاء

- ‌الفصل الأول: فضل الدعاء

- ‌الفصل الثاني: آداب الدعاء

- ‌الفصل الثالث: ما هي أوقات الإجابة

- ‌الفصل الرابع: الذين يستجيب اللَّه تعالى دعاءهم

- ‌الفصل الخامس: بم يستجاب الدعاء

- ‌الفصل السادس: علامة استجابة الدعاء

- ‌الفصل السابع: التوسل بالأنبياء والصالحين

- ‌الفصل الثامن: فوائد

- ‌الفصل التاسع: صلاة الاستخارة

- ‌الفصل العاشر: بحث خاص برفع اليدين في الدعاء

- ‌الفصل الحادي عشر: ختامه مسك

- ‌خاتمة:

- ‌الباب السابع: حكم الإسلام في الغناء

- ‌ ومن مكايد عدو اللَّه (إبليس) ومصايده

- ‌خاتمة:

- ‌الباب الثامن: داء العشق ودواؤه

- ‌أولاً: جاء في كتاب «الجواب الكافي»

- ‌الباب التاسع: آداب من سورة النور

- ‌أولاً: آداب دخول البيوت وغض البصر وحفظ الفرج:

- ‌ثانيًا: تساؤلات:

- ‌آداب الهاتف من آداب دخول البيوت

- ‌الباب العاشر: حكم تغطية وجه المرأة

- ‌مقدمة:

- ‌أولاً الخلاصة: كما يراها فضيلة الشيخ البوطي:

- ‌ثانيًا: حكم تغطية الوجه بقلم فضيلة الشيخ وهبي غاوجي:

- ‌ثالثًا: 1 - ما جاء في «روائع البيان» تحت عنوان: «طائفة من أقول المفسرين في وجوب ستر الوجه»

- ‌من أقوال الشعراء في الإسلام:

- ‌استئذان الأقارب بعضهم على بعض:

- ‌أحكام العورة بين المحارم:

- ‌3 - العورة بين المرأة والمرأة:

- ‌الباب الحادي عشر: حكم عمل المرأة خارج البيت

- ‌أمان المرأة:

- ‌القوامة:

- ‌لا تكلف المرأة بشيء من الإنفاق:

- ‌ثالثًا: كيفية تعليم المرأة:

- ‌شروط خروج المرأة من البيت:

- ‌بحث مسألة وضع ثياب المرأة خارج بيتها

- ‌الباب الثاني عشر: علاج الصرع وعلاج السحر وفك الربط وعلاج الحسد

- ‌أولاً: هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الصرع:

- ‌ثانيًا: علاج الصرع:

- ‌ثالثًا السحر:

- ‌رابعًا علاج السحر:

- ‌خامسًا: بعض ما ورد في حل السحر:

- ‌سادسًا: تنبيهات خاصة بفك الربط:

- ‌علاج الحسد:

- ‌علاج العين:

- ‌الباب الثالث عشر: الدين النصيحة

- ‌ عليك بهذه المكتبة الإسلامية

- ‌ فائدة حول التسبيح دبر الصلوات:

- ‌ معاملة الزوجة بلطف والصبر على أذاها

- ‌ إياكَ والإفسادَ بين المرء وزوجه:

- ‌ الختان من محاسن الإسلام:

- ‌ استجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية

- ‌القرآن واللحية:

- ‌ إن خفت ظالمًا فعليك بهذه الأدعية:

- ‌ مختصر أسباب شرح الصدر

- ‌قَبْل الخاتمة

- ‌مقدار صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌قُبَيْل‌‌ الخاتمة

- ‌ الخاتمة

- ‌ما تزول به عقوبة الذنوب:

- ‌كتب للمؤلف

الفصل: ‌آداب الهاتف من آداب دخول البيوت

‌آداب الهاتف من آداب دخول البيوت

لا تقل آداب الهاتف عن آداب دخول البيت، بل تزداد أهمية آداب الهاتف، لأن الرؤية العينية لمن تحدثه تكون غالبًا مقرونة بالحياء، بينما يقل ذلك عن طريق الهاتف، من أجل ذلك رأيت بعد بضعة عشر عامًا من إصدار الكتاب أن ألحق به - بعد استخارة اللَّه تعالى - رسالة أدب الهاتف لأخينا في اللَّه الشيخ: بكر بن عبد اللَّه أبي زيد مع اختصار وتصرف يسيرين (1) قال أثابه اللَّه تعالى مشيرًا إلى تلك الآداب:

صحة الرقم أولاً:

تأكد أولاً من صحة الرقم قبل الاتصال حتى لا تقع في غلط، فتوقظ نائمًا، أو تزعج مريضًا، أو تُشغل غيرك عبثًا، فلا تتصل إلا بعد توفر أمرين: رقم مكتوب أمام بصرك، أو متأكدًا منه في ذاكرتك، ولا تضع إصبعك على رقم الهاتف إلا وتُتبعه البصر، فإن حصل خطأ، فتلطف بالاعتذار، وقل:«معذرة» .

ويا أيها المتصل عليك لا [تغضب] حينما يحصل شيء من ذلك فتحمله، ولا تعنف، وإن قلت له:«فضلاً: الرقم غلط» فإنه إن كان غالطًا حقيقة، فهو غير آثم، وقد أدخلت عليه السرور ولا سبيل لك عليه شرعًا.

وإن كان متعمدًا الإيذاء، فقد نفذه سهم اللطف، ولك الأجر، وعليه الوزر.

وقت الاتصال:

إذا كان لك حاجة في الاتصال فاذكر أن للناس أشغالاً وحاجات، ولهم أوقات طعام، وأوقات نوم وراحة، فهم والحال ما ذكر، أولى بالعذر منك لضرورة أو حاجة.

ولهذا منحت الشريعة الشخص المُزَار، ومثله المتَّصل عليه: حق الاعتذار، دون اللجوء إلى الكذب: فلان ليس في الدار، وهو فيها. قال اللَّه تعالى:{وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور: 28].

وانظر كيف أمرت الشريعة، الأرقاء، والصغار بالاستئذان في ثلاثة أوقات: قبل صلاة الفجر، ووقت الظهيرة، وبعد صلاة العشاء، أما الأحرار البالغون فيجب عليهم الاستئذان في كل الأوقات، كما في سورة النور (2)[58 - 59].

(1) مع مراعاة ما أشرتُ إليه في المقدمة، أنني إذا أردت عمل شيء داخل الأصل، وضعته بين هاتين العلامتين هكذا []. (قل).

(2)

سيأتي إن شاء اللَّه تعالى بيان ذلك بالتفصيل عند الكلام عن (استئذان الأقارب بعضهم على بعض). (قل).

ص: 221

والخلاصة: وظِّف حسن التعامل، مراعيًا الوقت المناسب، وإذا اعتذر منك إلى وقت آخر فاقبل بانشراح صدر.

وإذا قيل: انتظر، فانتظر، وأنت مُنعم البال، غير متبرم.

وحكم مراعاة وقت الاتصال هذا، هو في غير الأماكن العامة المفتوحة على مدار ساعات الليل والنهار، كالفنادق ودور التأجير للمسافرين، ومن في حكمهم.

دقات الاتصال:

التزم الاعتدال والوسط، بما يغلب على الظن سماع منبه الهاتف، ولا تُحَدُّ دقات الاتصال هنا بثلاث للحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فلينصرف» ؛ للحديث الآخر المبين لحكمة الاستئذان، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:«إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» (1) رواه البخاري ومسلم، وهذه غير واردة في المهاتفة [أي المكالمة عن طريق الهاتف].

لكن احذر الإفراط والمبالغة دفعًا لإيذاء المُهَاتَف ومن حوله، وانظر إلى أدب الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ كانوا يقرعون أبواب النبي صلى الله عليه وسلم بالأظافر. رواه البخاري في «الأدب المفرد» ، والخطيب في «جامعه» ، وعنه القرطبي في «تفسيره» (12/ 217).

ومثله في عصرنا: المنبه الكهربائي على أبواب البيوت، فلتستعمل بلطف لا بعنف وإطالة.

مدة الاتصال:

ومقياسها: لكل مقام مقال، ولكل مقام مقدار، فاحذر الثرثرة والإملال، والإطالة، والإثقال.

السلام من المتصل بداية ونهاية:

المتصل هو القادم، فإذا رفعت سماعة الهاتف فبادر بالتحية الإسلامية «السلام عليكم» فهي شعار الإسلام، ومفتاح الأمان والسلام، وهي شرف لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

ويجب الجواب على سامعه.

(1) قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم» (جـ 14 ص: 194): (إنما جعل الإذن من أجل البصر: معناه أن الاستئذان مشروع ومأمور به، وإنما جعل لئلا يقع البصر على الحرام، فلا يحل لأحد أن ينظر في جحر باب ولا غيره، مما هو متعرض فيه لوقوع بصره على امرأة أجنبية) وانظر «تحفة الأحوذي» (جـ7 ص: 453، 454). (قل).

ص: 222

وبهذا وردت السنة الشريفة، فعن ربعي رضي الله عنه قال: أخبرنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: «اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟» فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل (1). رواه أبو داود.

فدل على تقديم السلام، فليقدم المهاتف السلام على الكلام، ولا يسقط حتى يكلمه المتصل عليه، ومما ينهى عنه هنا: هجر هذه التحية الإسلامية المباركة والعدول عنها إلى نحو: «صباح الخير، صباح النور» .

ومما ينهى عنه هنا: المبادرة من المتهاتفين (2) بلفظ: «ألو» ولو أفتاك الناس وأفتوك، فهي لفظه مولدة، فرنسية المولد، يأباها اللسان العربي؛ إذ تقلص ظلها.

ومما ينهى عنه هنا: سكوت المتصل إذا رفعت «السماعة» حتى يتكلم المتصل عليه، وهذا فيه إخلال بالأدب من عدة جهات لا تخفى.

منها: مخالفة السنة في بدء المستأذن، والقادم بالسلام.

ومنها: أن المتصل هو الطالب فعليه المبادرة بالسلام، فالكلام طلبًا أو استقبالاً.

ومنها: أن بعض من ضعف أدبهم، وضمر إحساسهم ولطفهم، يقصد الفحص والتعرف، هل أنت موجود، أم لا؟ فإذا رفعت السماعة، وقلت: نعم، عرف المراد فوضعها. وهذا التفحص من التخون المرذول. قبح اللَّه هذه الفعلة، وقبح فاعلها وحسابهم على اللَّه عز وجل.

(إذا أجابك صاحب الهاتف، وقال: من المتكلم؟ فقل: فلان الفلاني، أو بما يعرف شخصك عنده.

واحذر الجواب بما فيه تعمية، مثل: أنا. أنا صديقه. أنا جاره. وهكذا.

عن جابر رضي الله عنه قال: استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذا؟» فقلت: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أنا أنا» . رواه مسلم، وأبو داود، وزاد: كأنه كرهه. رواه البخاري ومسلم.

واحذر أن تقع في طبع من يحجم عن الإخبار باسمه، إذا لم يجد الشخص المراد، ففي هذا نقص في الأدب، واستصغار للآخرين، وإشغال لبال أهل الدار.

(1) صحيح - انظر «صحيح أبي داود» . (قل).

(2)

المتحدثين عن طريق الهاتف. (قل).

ص: 223

ختم المهاتفة بالسلام:

كما بدأت المهاتفة بتحية الإسلام، فاختمها كذلك بشعار الإسلام:«السلام» فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم، فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة» (1).

خفض الصوت:

الزم الأدب العام في المحادثة والكلام: «خفض الصوت» فليكن صوتك في الهاتف منخفضًا، مسموعًا، متوسط الأداء، لا مزعجًا ولا مخافتًا.

وفي هذا أدب جم مع والديك، ومن في درجتهما في القدر والمكانة، ومع ذي الشأن، ومع من هو دونك في السن أو القدر، تدخل عليه السرور، وأن له عندك منزلة، فتكسب الأصدقاء والمحبين.

ولذا فاحذر رفع الصوت عن مقدار الحاجة، واحذر المخافتة، فكل منهما إخلال بما أدّبك اللَّه سبحانه به، في قوله تعالى في وصية لقمان لابنه:{وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} [لقمان: 19]، وكم فيه من دلالة على ما ينبغي، ومنه قلة احترامك لمن تتحدث إليه، وكم كانت طريقة بعضهم في المكالمات سببًا للحرمان من المطلوب أو من خير كثير.

واحذر طريقة النفاخين الهزلاء، الذين يثبتون شخصياتهم من خلال الهاتف بنغمات بغيضة هم يعرفونها.

الهاتف والمرأة:

وإن كان أحد المهاتفين امرأة، فلتحذر الخضوع بالقول؛ فإن اللَّه سبحانه نهى نساء نبيه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن اللاتي لا يطمع فيهن طامع، وهن في عهد النبوة، وحياة الصحابة رضي الله عنهم نهاهن أن يخضعن بالقول، فقال تعالى:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [الأحزاب: 32]. فكيف بمن سواهن، إن نهيهن عن الخضوع في القول من باب أولى. فاتقين اللَّه يا نساء المؤمنين، لا تخضعن بالقول، وقلن قولاً معروفًا في الخير، أي: بلا ترخيم ولا تمطيط، فلا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها.

(1) حسن صحيح - الترمذي (2861) انظر «صحيح سنن أبي داود» . (قل).

ص: 224

ولتحذر المرأة الاسترسال في الكلام مع الرجال الأجانب (1) عنها، بل ومع محارمها، بما تنكره الشريعة، وتأباه النفوس، ويُحدث في نفس السامع علاقة.

ولتحذر رفع الصوت عن المعتاد، وتمطيط الكلام، وتحسينه وتليينه، وترخيمه، وترقيقه، وتنغيمه، بالنبرة اللينة، واللهجة الخاضعة.

وإذا كان يحرم عليها ذلك فليحرم على الرجل سماع صوتها بتلذذ، ولو كان صوتها بقراءة القرآن، وإذا شعرت المرأة بذلك حرم عليها الاستمرار في الكلام معه؛ لما يدعو إليه من الفتنة.

وهنا يتعين على «الرجل» الراعي لأهل بيته، أن [يربي أهله] على الستر والتصون، وحفظ المحارم، فلا تكون المرأة هي أول من يبادر إلى إجابة الهاتف مع وجود أحد من الرجال، ولا تجيب في حال غيابهم في كل حال من الأحوال، بل حسبما يوجهها به ولي أمرها بما يراه حسب الأحوال، والمقتضيات، وعليها السمع والطاعة في المعروف، ورعاية الأصلح، وترك المشاقة.

إنزال الناس منازلهم:

راع الأدب في المهاتفة حسب مقام المتكلم معك، ومنزلته، في السن، والقدر، والقرابة، وذي الشأن، لا سيما العالم العامل.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه» . رواه أحمد (2).

ورأس الأمر: «الإسلام» والناس فيه رتب ومنازل، حسب الطاعة، والمعصية، والبدعة المغلظة، والخفيفة.

أما الكفار فلهم معاملة تخصهم، بالتحية، ومقدار الكلام [وغير ذلك من الأحكام].

وبالجملة، فلتصاحبك عزة المسلم من غير كبرياء أو تنفير أو هضم حق شرعي معتبر.

إذا كلمك صاحبك، فوجدت حفاوته أقل من المعتاد، فلا يؤثر ذلك عليك فتجفوه، والتمس له في نفسك العذر، فلعل لديه اهتمامات أخرى هي أهم، أو ما غير مزاجه،

(1) يمكن للمتصل، إذا سمع صوت امرأة أجنبية في الهاتف أن يقول: أنا فلان، هل فلان - أي من يريده موجود؟ فلا يسمع إلا نعم أو لا. (قل).

(2)

حسن - انظر «صحيح الجامع» . (قل).

ص: 225

وكدَّرَ صفو حياته، فعليك بحسن الظن - رعاك اللَّه - وإن تكوَّن لديك بالقرائن لا بالوساوس، أنها جفوة لأجلك، فكن خفيف الظل - رعاك اللَّه - ثانية.

من الأدب أن لا تتصل بشخص وأنت في دارك في وسط من اختلاط الأصوات، وضجيج الأولاد، فعليك بالتصون، وحفظ العورات، وإظهار المكرمات، ولا تحملك الألفة على التبذل.

ولا تحملك الألفة - أيضًا - ومتانة الصحبة، على القهقهة، والإسفاف، والتبذل، فإنه يجرك إلى استمرائه مع الآخرين، فيصير طبعًا لك تعرف به.

شغل الانتظار:

صار الناس في هذا على طرفي نقيض:

فمنهم من يشغله باللهو، من غناء، أو موسيقى ونحوهما، فهذا حرام لا نزاع فيه معتبرًا.

ومنهم من يشغل لحظات الانتظار بقرآن، أو ذكر، ونحو ذلك. وإن نبل الهدف في هذا لا يُسَوِّغه؛ لأن التحكم في الوقوف على رءوس آيات القرآن الكريم، أو على المقطع المناسب من الحديث غير ممكن، فيقع وقوف غير مرضي شرعًا، ولذا فلا هذا ولا ذاك، وليبق المنتظر مع السماعة ساكتًا حتى يستأنف الحديث، وأي ضير من هذا؟! ولا داعي للترف، والإيغال، والتعمق في مراعاة الشعور الذي يعود بما لا يجوز.

من رعاية المصالح وحفظ الأمانة، أن تجعل لكل هاتف وظيفته، فلا تشغل هاتف المكتب - الذي تعمل فيه موظفًا - بشئونك الخاصة، وتدبير أمورك، هذا هو الأصل، وللناس في ذلك أحوال، ضابطها: رعاية الأصلح.

استعمال هاتف غيرك:

اجتهد ما استطعت في ترك الاستعمال لهاتف غيرك، فإن ألجأتك حاجة، فاحذر من استعمال هاتفه إلا بعد التلطف باستئذانه، ولا تطلب الإذن من قليل ذات اليد، ولا من ضيق نفس؛ يأذن وهو متبرم.

الهاتف وأهل الدار:

وإذا تأملت البقاع رأيتها تشقى كما تشقى الرجال وتسعدُ

سعيد، ذلك البيت الذي تحت قوامة راع، عاقل، بصير، غير فظ ولا غليظ، ولا صخاب، موفق بحسن التدبير، وضبط الأهل من زوجة، وولد، ومن تحت رعايته، في

ص: 226

ظل الشرع المطهر.

وكان من تدبيره في الهاتف:

أن المرأة لا ترفع يد الهاتف، وفي الدار رجل من أهلها.

وأن الأهل محجوبون عن فضول الاتصال.

وقد لقنهم آداب الهاتف، ونشَّأ أولاده على ذلك، فأصبح لديهم من الأدب الموروث.

ومسكين صاحب البيت «المسبوه» (1) هاتفه في الدار مبثوث، واقع في كف كل لاقط من بنين، وبنات، وكبار، وصغار، إذا دق جرس الهاتف لقطه أكثر من واحد.

وإذا كلمت المرأة المهاتف استرسلت معه كأنما تهاتف والدها بعد غيبة طويلة، فياللَّه كم يقع في الدار من شرار فاللهم لطفك وسترك يا كريم يا رحمن يا رحيم. والموفق من إذا ذكر تذكر، وإذا بصر تبصر

الهاتف والمستفتي:

جميلة طريقة ذلك المستفتي الذي يتصل على المفتي قائلاً: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، لدي - أحسن اللَّه إليك - سؤال، هو .... » وبعد نهاية المكالمة، يقول:«جزاكم اللَّه خيرًا، وأثابكم، السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته» .

طريقة، مؤدبة، مختصرة، خالية من تطويل التحايا بلا طائل، وتعطي الفرصة لسائل آخر.

لكن ماذا هنا من المحاذير، وماذا هنا مما يقع من الأذايا:

الأسئلة المفتعلة لاختبار فقه المفتي، فقد يكون المستفتي، بحث المسألة، وحضَّر الجواب، ثم يأخذ في التعنت، والمحاجة؛ ليظهر عجز المفتي، وهذا يفعله بعض الذين شبعت روحهم بالتنفير من العلماء، والوقوع فيهم (2).

ومن طريقتهم أيضًا: الأسئلة المفتعلة لمعرفة انتماء المفتي، فيُعَمِّدون بعض الشباب المتدين المُغَرَّرِ بهم لسؤال المفتي عن موضوع كذا؛ ليثبتوا له أنه صاحب بدعة، على مشربهم الموغِل في الغلو، وإيجاد الفجوة السحيقة بين العلماء وشباب الأمة.

(1) السبه: ذهاب العقل.

(2)

وليحذر العالم من ضياع وقته في الهاتف، فإن وقته للكتاب، ولا يكون اتصاله بالهاتف إلا لضرورة، وكذا استقباله للمكالمات، وأنصح نفسي وإياك بقراءة رسالة «قيمة الزمن عند العلماء» لأبي غدة رحمه اللَّه تعالى. (قل).

ص: 227

ومن طريقتهم: إثبات اضطراب المفتي.

ومن المهاتفة المؤذية من بعض المستفتين: سؤال أكثر من واحد، طلبًا للترخص.

والإزعاج في أوقات غير مناسبة للاتصال، وتطويل السؤال بلا طائل.

والاتصال على المفتي، على غير هاتف الفتوى المخصص لها.

وتسجيل المهاتفة، ونشرها بدون إذن المفتي فيهما، وهذا التصرف خيانة، يأتي بيانها.

تغريب لغة الهاتف:

اللغة العربية من شعائر الإسلام، والتكلم بها حفظ لشعار الإسلام، فيجب حفظ هذه الشعيرة، وكف الدخولات عليها، ولذلك فاحذر تلك الألفاظ المولدة، التي يأباها اللسان العربي أشد الإباء، والشريعة ناهية عما يفسد لسان العرب وعن التعلق بلغة الكافرين، والأعجميين، وخلطها بلغة الضاد، لسان المسلمين، وإليك بضعة ألفاظ في حضارة العرب، وفيها غناء عما يقابلها في حضارة الغرب، والعجم.

اللفظ العربي ــ اللفظ الأعجمي

الهاتف

التلفون

النداء

البيجر

فقس (1)

فاكس

جهاز التنصت

جهاز التصنت

ابدأ بلفظ: السلام عليكم

لا بلفظ: ألو، هلو

الهاتف [الرَّطب]:

هو الذي تصل فيه الرحم، لا سيما من قطعك، وتسقي به شجرة الإخاء بينك وبين من شاء اللَّه ممن تعرفه من المسلمين، في التهاني الشرعية، والبشارة بالخير، وقضاء حوائج إخوانك.

وفي السلام على المريض، والدعاء له، والسؤال عن حاله بلا إملال، واحذر سؤال المريض مفصلاً عن مرضه.

(1) تعريب مجمع اللغة، وهو من مادة: فقس، يقال، فقست البيضة، إذا خرج منها الفرخ.

ص: 228

وفي مواساة مصاب بقريب، أو مال، أو نحوه، فكم في المواساة من تسلية المصاب.

ولا تحجبك المهاتفة عن سُنَّةِ نقل الخُطَى إلى هذه الفضائل، ولكن حيث تقصر بك الحال عن الزيارة.

وإذا كانت زيارة المريض والمصاب خفيفة، مقدرة بجلسة الخطيب بين الخطبتين، فلتكن المكالمة الهاتفية كذلك. هذا هو الأصل، ومن يأنس بك فله حال لا تخفى.

المهاتفة المؤذية:

أذية المسلم حرام، وتخوّنه حرام، وهتك حرماته حرام.

ومن هذه الأذايا ما يقع في المهاتفة، ومنها:

أ- الخيانة المضاعفة:

لا يجوز لمسلم يرعى الأمانة ويبغض الخيانة، أن يسجل كلام المتكلم دون إذنه، وعلمه، مهما يكن نوع الكلام: دينيًا، أو دنيويًا، كفتوى، أو مباحثة علمية، أو مالية، وما جرى مجرى ذلك.

وقد ثبت من حديث جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حدث الرجل الرجل فالتفت فهي أمانة» (1) رواه أحمد وأبو داود، والترمذي.

(ومعنى: «التفت» أي؛ ظهر من حال المتكلم بالقرائن: حذره بالتفاته يمينًا وشمالاً، أن لا يسمع حديثه أحد (2) فتكون الكلمة التي حدثك صاحبك بها أمانة عند المحدَّث أودعه إياها، فإن حدث بها غيره، فقد خالف أمر اللَّه، حيث أدى الأمانة إلى غير أهلها، فيكون من الظالمين، فيجب عليه كتمها؛ إذ التفاته بمنزلة استكتامه بالنطق، قالوا: وهذا من جوامع الكلم). انتهى.

فإذا سجلت مكالمته دون إذنه وعلمه، فهذا مكر وخديعة، وخيانة للأمانة.

وإن نشرت هذه المكالمة للآخرين، فهي زيادة في التخون، وهتك الأمانة.

وإن فعلت فعلتك الثالثة: التصرف في نص المكالمة بتقطيع، وتقديم وتأخير، ونحو ذلك إدخالاً أو إخراجًا - فالآن ترتدي الخيانة مضاعفة، وتسقط على أم رأسك في:«أم الخبائث» غيرَ مأسوف على خائن.

ب - جهاز التنصت:

(1) حسن - انظر «صحيح الجامع» . (قل).

(2)

«فيض القدير» للمناوي (1/ 339).

ص: 229

بلغت التقنية الحديثة ومخترعاتها مبلغًا، وصل في بعضها حد اللعب بكرامة الإنسان أو استغلاله في إهدارها.

ومنه: ما يقوم به فرد من الناس باستعمال جهاز التنصت، ونقل المكالمات، لا سيما غير المغطاة، ويقضي ساعات ليله ونهاره في الفرجة على أحاديث الناس، وما يجري بينهم دون علم منهم، وهذا محرم لا يجوز، سواء عرف المتهاتفين، أم أحدهما، أم لم يعرفهما.

وقد ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة» . رواه البخاري في «صحيحه» ، ونحوه في:«الأدب المفرد» .

جـ- المعاكسة:

ومن [الناس] من يتصل على البيوت مستغلاً غيبة الراعي؛ ليتخذها فرصة عَلَّه يجد من يستدرجه إلى سفالته. وهذا نوع من الخلوة، أو سبيل إليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم:«إياكم والدخول على النساء» أي: الأجنبيات عنكم.

فهذا وأيم اللَّه، حرام، حرام، وإثم، وجناح، وفاعله حري بالعقوبة، فيخشى عليه أن تنزل به عقوبة تلوث وجه كرامته.

ومما ينسب للإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى:

إن الزنى دَيْنٌ فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

نعوذ باللَّه من العار، ومن خزي أهل النار.

وعلى رب الدار، أن يبذل الأسباب، ويوفر الضمانات لحماية محارمه من العابثين، والسفهاء، ومن هذه الأسباب:

أن يكون «الهاتف» في مكان لا تغاب عنه الرقابة البيتية، مع منع تعدد أجهزة الهاتف في الدار، خاصة في غرف البنات، وأن ينظم الراعي مع أهل بيته، من يتولى الرد على الهاتف، وآداب الرد، وعدم الاسترسال مع المتصل، وهكذا مما لا يخفى على محبي العفة والكرامة.

د- سعار الاتصال:

احذر فضول المهاتفة، حتى لا يصيبك سعار الاتصال، فكم من مصاب به، فمن حين يرفع رأسه من نومته، يدني [مذكرة الهواتف] ولا كالطفل يلتقم ثدي أمه، فيشغل نفسه، وغيره، عبر الهاتف، من دار إلى دار، من مكتب إلى آخر، يروح عن نفسه [في ظنه] ويلقي بالأذى على غيره.

ص: 230

وليس لنا مع هؤلاء حديث إلا الدعاء بالعافية، وننصحهم بمعالجة وضعهم من هذا الفضول.

هـ- هاتف [الترويع]:

ثبت في السنة الترهيب من ترويع المسلم، وإخافته، وأن ترويعه، وإخافته، من كبائر الذنوب، والظلم العظيم، فعن رجال من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا» (1). رواه أحمد، وأبو داود. ونحوه عند الطبراني من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ونحوه - أيضًا - لدى البزار، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ومنه مسلك الإخافة [والترويع] الهاتفي، فيتصل الفاجر، من هاتف مجهول متقمصًا صوتًا مستنكرًا، فيذكر له من أنواع الترويع، والإخافة، ما عسى أن يقض مضجعه، ويؤثر عليه بأي سالب.

ونصيحتي لك أيها المبتلى بهذا الفاجر، أن تكون رابط الجأش، ثابت الجنان، فلا تلقي لهذا الاتصال [الترويعي] المفتعل أي بال، وأنه كالأحلام الرديئة والحلم من الشيطان، يخيف به العبد، وهذا من شياطين الإنس، فاستعذ باللَّه من شره [وادعُ اللَّه له بالهداية].

هذه جملة من آداب استعمال الهاتف، على المسلم التحلي بها.

ومجموعة من المناهي، والمحاذير التي يجب اجتنابها، وهي تدل على غيرها مما لم يذكر. والحمد لله رب العالمين. اهـ من رسالة «أدب الهاتف» .

فائدة:

بمناسبة الهاتف الرطب، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«بُلُّو أرحامكمْ ولوْ بالسَّلامِ» .

(حسن) البزار عن ابن عباس، (طب) عن أبي الطفيل، (هب) عن أنس وسويد بن عمرو [وقيل ابن عامر الأنصاري](2).

(1) صحيح - انظر «صحيح الجامع» . (قل).

(2)

زيادة من «الجامع الكبير» .

تنبيه: لأخينا في اللَّه الشيخ بكر بن عبد اللَّه أبو زيد، رسالة قيمة بعنوان:«مرويات دعاء ختم القرآن» أستحب لكل إمام في صلاة التراويح قراءتها، وأشير إلى أن إحدى دور التسجيلات الصوتية قامت بنشر شريط لي قديم، به دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح، لم يكن متداولاً في السوق قط، وبعد علمها أنني انتهيت عن ذلك منذ فترة طويلة، فاللهم إني من ذلك بريء. (قل).

ص: 231

«الصحيحة» (1777)، وكيع في «الزهد» ، حب في «الثقات» ، القضاعي، ابن عساكر - سويد القطيعي - ابن عباس - انظر «صحيح الجامع» .

قال المناوي رحمه اللَّه تعالى في «فيض القدير» :

«بلو أرحامكم» أي: اندوها بما يجب أن تندى به، وواصلوها بما ينبغي أن توصل به. «ولو بالسلام» يقال الوصل بلل يوجب الالتصاق والاتصال والهجر يفضي إلى التفتت والانفصال. قال الزمخشري: استعار البلل للوصل كما يستعار اليبس للقطيعة، لأن الأشياء تختلط بالنداوة وتتفرق باليبس، وقال الطيبي: شبه الرحم بالأرض الذي إذا وقع الماء عليها وسقاها حق سقيها أزهرت ورُؤيت فيها النضارة فأثمرت المحبة والصفاء، وإذا تركت بغير سقي يبست وبطل نفعها فلا تثمر إلا البغض والجفاء، ومنه قولهم: سنة جماد أي لا مطر فيها، وناقة جماد أي لا لبن فيها.

وقال الزين العراقي: بين به أن الصلة والقطيعة درجات، فأدنى الصلة ترك الهجر، وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مندوب). اهـ. وسيأتي الكلام عن صلة الرحم إن شاء اللَّه تعالى في باب الدين النصيحة.

* * *

ص: 232