الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
67 -
أن كثرة ذكر اللَّه عز وجل أمان من النفاق، قال عز وجل في المنافقين:{وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَاّ قَلِيلاً} [النساء: 142].
68 -
أن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء، ولهذا سميت مجالس الذكر: رياض الجنة.
69 -
أنه يكسو الوجه نضرة في الدنيا ونورًا في الآخرة.
70 -
أن في دوام الذكر في الطريق والبيت والحضر والسفر والبقاع تكثيرًا لشهود العبد يوم القيامة، قال تعالى:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4].
71 -
الذكر ثناء على اللَّه، والدعاء سؤال حاجة، فالذكر أفضل من الدعاء.
72 -
الذكر والثناء يجعل الدعاء مستجابًا.
73 -
قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، هذا من حيث النظر لكل منهما مجردًا، وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل بل يعينه فلا يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل، وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما، بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهة.
انتهى من «الوابل الصيب» .
منزلة الذكر وأقسامه
جاء في «مدارج السالكين» لابن القيم أيضًا رحمه الله ما مختصره:
(ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} منزلة «الذكر» .
وهي منزلة القوم الكبرى، التي منها يتزودون. وفيها يتجرون. وإليها دائمًا يترددون.
و «الذكر» منشور الولاية، الذي من أعطيه اتصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم، الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورًا، وعمارة ديارهم، التي إذا تعطلت عنه صارت بورًا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب [الحريق]، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسبب الواصل، والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب.
إذا مرضنا تداوينا بذكركم
…
فنترك الذكر أحيانًا فننتكس
به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلهم البلاء، فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل، فإليه مفزعهم، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون، يدع القلب الحزين ضاحكًا مسرورًا، ويوصل الذاكر إلى المذكور بل يدع الذاكر مذكورًا. وفي كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة.
و «الذكر» عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة. بل هم [مأمورون] بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال: قيامًا، وقعودًا، وعلى جنوبهم، فكما أن الجنة قيعان، وهو غراسها، فكذلك القلوب بور خراب، وهو عمارتها، وأساسها.
وهو جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقًا: ازداد المذكور محبة إلى لقائه واشتياقه، وإذا واطأ في ذكره قلبه للسانه: نسي في جنب ذكره كل شيء، وحفظ اللَّه عليه كل شيء، وكان له عوضًا من كل شيء.
به يزول الوقر عن الأسماع، والبكم عن الألسن، وتنقشع الظلمة عن الأبصار، زين اللَّه به ألسنة الذاكرين، كما زين بالنور أبصار الناظرين، فاللسان الغافل: كالعين العمياء، والأذن الصماء، واليد الشلاء.
وهو باب اللَّه الأعظم المفتوح بينه وبين عبده، ما لم يغلقه العبد بغفلته.
قال الحسن البصري رحمه الله: تفقدوا الحلاوة في ثلاث أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم
…
وإلا فاعلموا أن الباب مغلق.
وبالذكر: يصرع العبد الشيطان، كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان.
قال بعض السلف: إذا تمكن الذكر من القلب، فإن دنا منه الشيطان صرعه كما يُصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان، فيجتمع عليه الشياطين، فيقولون: ما لهذا؟! فيقال: قد مسه الإنسي. وهو روح الأعمال الصالحة، فإذا خلا العمل عن الذكر كان كالجسد الذي لا روح فيه. واللَّه أعلم.
فصل
وهو في القرآن على عشرة أوجه:
الأول: الأمر به مطلقًا ومقيدًا.
الثاني: النهي عن ضده من الغفلة والنسيان.
الثالث: تعليق الفلاح باستدامته وكثرته.
الرابع: الثناء على أهله، والإخبار بما أعد اللَّه لهم من الجنة والمغفرة.
الخامس: الإخبار عن خسران من لهى عنه بغيره.
السادس: أنه سبحانه جعل ذكره لهم جزاء لذكرهم له.
السابع: الإخبار أنه أكبر من كل شيء.
الثامن: أنه جعله خاتمة الأعمال الصالحة، كما كان مفتاحها.
التاسع: الإخبار عن أهله بأنهم هم أهل الانتفاع بآياته، وأنهم أولو الألباب دون غيرهم.
العاشر: أنه جعله قرين جميع الأعمال الصالحة وروحها، فمتى عدمته كانت كالجسد بلا روح.
فصل في تفصيل ذلك
1 -
أما الأول: فكقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا - وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً - هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41 - 44]، وقوله تعالى:{وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} [الأعراف: 204].
وفيه قولان: أحدهما: في سرك وقلبك. والثاني: بلسانك بحيث تسمع نفسك.
2 -
وأما النهي عن ضده: فكقوله: {وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 204]، وقوله:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} [الحشر: 19].
3 -
وأما تعليق الفلاح بالإكثار منه: كقوله: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45، والجمعة: 10].
4 -
وأما الثناء على أهله، وحسن جزائهم: فكقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ- إلى قوله - وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
5 -
وأما خسران من لهى عنه، فكقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9].
6 -
وأما جعل ذكره لهم جزاء لذكرهم له، فكقوله:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152].
7 -
وأما الإخبار عنه بأنه أكبر من كل شيء، فكقوله تعالى:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]. وفيها أربعة أقوال.
(أحدها: أن ذكر اللَّه أكبر من كل شيء، فهو أفضل الطاعات؛ لأن المقصود بالطاعات كلها: إقامة ذكره، فهو سر الطاعات وروحها.
(الثاني: أن المعنى: أنكم إذا ذكرتموه ذكركم، فكان ذكره لكم أكبر من ذكركم له، فعلى هذا: المصدر مضاف إلى الفاعل، وعلى الأول: مضاف إلى المذكور.
(الثالث: أن المعنى: ولذكر اللَّه أكبر من أن يبقى معه فاحشة ومنكر، بل إذا تم الذكر: محق كل خطيئة ومعصية، هذا ما ذكره المفسرون.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: معنى الآية: أن في الصلاة فائدتين عظيمتين:
إحداهما: نهيها عن الفحشاء والمنكر.
والثانية: اشتمالها على ذكر اللَّه وتضمنها له، ولما تضمنته من ذكر اللَّه أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر.
8 -
وأما ختم الأعمال الصالحة به: فكما ختم به عمل الصيام بقوله: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
وختم به الحج في قوله: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200].
وختم به الصلاة كقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103].
وختم به الجمعة كقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]. ولهذا كان خاتمة الحياة الدنيا، وإذا كان آخر كلام العبد أدخله اللَّه الجنة.
9 -
وأما اختصاص الذاكرين بالانتفاع بآياته، وهم أولو الألباب والعقول. فكقوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ - الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 190، 191].
10 -
وأما مصاحبته لجميع الأعمال، واقترانه بها، وأنه روحها: فإنه سبحانه قرنه بالصلاة، كقوله:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وقرنه بالصيام وبالحج ومناسكه. بل هو روح الحج، ولُبُّه ومقصوده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار: لإقامة ذكر اللَّه» (1).
(1) رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الأرنؤوط - انظر «جامع الأصول» (جـ 3)(ص 217، 218). (قل).
وقرنه بالجهاد. وأمر بذكره عند ملاقاة الأقران، ومكافحة الأعداء، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
…
(1) وفي «المسند» - مرفوعًا - من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والفضة، وأن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: وما ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: ذكر اللَّه عز وجل» (2).
وروى شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت الأغر قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، أنهما شهدا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:«لا يقعد قوم يذكرون اللَّه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم اللَّه فيمن عنده» وهو في «صحيح مسلم» .
ويكفي في شرف الذكر: أن اللَّه يباهي ملائكته بأهله، كما في «صحيح مسلم» عن معاوية رضي الله عنه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال:«ما أجلسكم؟» قالوا: جلسنا نذكر اللَّه، ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنَّ به علينا، قال:«آاللَّه ما أجلسكم إلا ذلك؟» قالوا: آاللَّه ما أجلسنا إلا ذلك، قال:«أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل، فأخبرني: أن اللَّه يباهي بكم الملائكة» . وقال له رجل: إن شعائر الإسلام قد كثرت عليَّ، فمرني بأمر أتشبث به. فقال:«لا يزال لسانك رطبًا من ذكر اللَّه» (3).
وفي «الصحيحين» من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره: مثل الحي والميت» وقد تقدم، ولفظ مسلم:«مثل البيت الذي يذكر اللَّه فيه، والبيت الذي لا يذكر اللَّه فيه: مثل الحي والميت» .
فجعل بيت الذاكر بمنزلة بيت الحي، وبيت الغافل بمنزلة بيت الميت، وهو القبر.
وفي اللفظ الأول: جعل الذاكر بمنزلة الحي، والغافل بمنزلة الميت.
فتضمن اللفظان: أن القلب الذاكر كالحي في بيوت الأحياء، والغافل كالميت في بيوت الأموات، ولا ريب أن أبدان الغافلين قبور لقلوبهم، وقلوبهم فيها كالأموات في
(1) بدأت الاختصار من هنا. (قل).
(2)
صحيح -رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم - انظر «صحيح الجامع» . (قل).
(3)
صحيح - رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم - انظر «صحيح الجامع» . (قل).
القبور، كما قيل:
فنسيان ذكر اللَّه موت قلوبهم
…
وأجسامهم قبل القبور قبور
وأرواحهم في وحشة من جسومهم
…
وليس لهم حتى النشور نشور
وفي «الصحيح» : في الأثر الذي يرويه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» .
وذكرنا في الذكر نحو مائة فائدة (1) في كتابنا «الوابل الصيب من الكلم الطيب» ، وذكرنا هناك أسرار الذكر، وعظم نفعه، وطيب ثمرته، وذكرنا فيه: أن الذكر ثلاثة أنواع:
1 -
ذكر الأسماء والصفات ومعانيها، والثناء على اللَّه بها، وتوحيد اللَّه بها.
2 -
وذكر الأمر والنهي، والحلال والحرام.
3 -
وذكر الآلاء والنعماء والإحسان والأيادي وأنه ثلاثة أنواع أيضًا: ذكر يتوطأ عليه القلب واللسان وهو أعلاها، وذكر بالقلب وحده وهو في الدرجة الثانية، وذكر باللسان المجرد، وهو في الدرجة الثالثة.
وذكر العبد لربه محفوف بذكرين من ربه له: ذكر قبله، به صار العبد ذاكرًا له، وذكر بعده، به صار العبد مذكورًا، كما قال تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وقال - فيما يروي عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» .
والذكر الذي ذكره اللَّه به، بعد ذكره له: نوع غير الذكر الذي ذكره به قبل ذكره له. «والذكر: هو التخلّص من الغفلة والنسيان» .
والفرق بين الغفلة والنسيان: أن «الغفلة» ترك باختيار الغافل، و «النسيان» ترك بغير اختياره، ولهذا قال تعالى:{وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] ولم يقل: ولا تكن مع الناسيين، فإن النسيان لا يدخل تحت التكليف فلا ينهى عنه.
وهو على ثلاث درجات: ثناء أو دعاء أو رعاية:
1 -
فأما ذكر الثناء: فنحو «سبحان اللَّه، والحمد لله، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر» .
2 -
وأما ذكر الدعاء: فنحو {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ
(1) وهي التي تقدم ذكرها باختصار. (قل).
الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] و «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» (1) ونحو ذلك.
3 -
وأما ذكر الرعاية: فمثل قول الذاكر: اللَّه معي، اللَّه ناظر إلي، اللَّه شاهدي ونحو ذلك مما يستعمل لتقوية الحضور مع اللَّه، وفيه رعاية لمصلحة القلب، ولحفظ الأدب مع اللَّه، والتحرز من الغفلة، والاعتصام من الشيطان والنفس.
والأذكار النبوية تجمع الأنواع الثلاثة. فإنها متضمنة للثناء على اللَّه، والتعرض للدعاء والسؤال، والتصريح به، [وهي] متضمنة أيضًا لكمال الرعاية، ومصلحة القلب، والتحرز من الغفلات، والاعتصام من الوساوس والشيطان. واللَّه أعلم) (2). انتهى من «مدارج السالكين» .
ثانيًا: آداب الذكر كما وردت في «تحفة الذاكرين» :
ينبغي للذاكر ما يلي: أن يكون المكان الذي يذكر اللَّه فيه نظيفًا خاليًا، والذاكر على أكمل الصفات الآتية:
أن يكون فمه نظيفًا، وأن يزيل تغيره بالسواك، وأن يستقبل القبلة، وأن يتدبر ما يقول، ويتعقل معناه. وإن جهل شيئًا تبينه
…
وأفضل الذكر القرآن إلا فيما شرع بغيره، [وقد تقدم معنى ذلك]، والمواظب على الأذكار المأثورة صباحًا ومساءً، وفي الأحوال المختلفة، هو من الذاكرين اللَّه كثيرًا والذاكرات، ومن كان له ورد معروف ففاته فليتداركه إذا أمكنه ليعتاد الملازمة عليه (3). انتهى من «تحفة الذاكرين» .
ثالثًا: جاء في الأذكار النووية ما مختصره:
1 -
أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمُحدث، والجنب، والحائض، والنفساء، وذلك في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والدعاء، وغير ذلك (4). انتهى.
تنبيه:
قراءة القرآن لمثل هؤلاء لا تدخل تحت هذا الإجماع.
2 -
فصل في أحوال تعرض للذاكر يستحب له قطع الذكر بسببها ثم يعود إليه بعد زوالها.
(1) سيأتي تخريجه إن شاء اللَّه تعالى في باب الدعاء. (قل).
(2)
«مدارج السالكين» لابن القيم رحمه اللَّه تعالى (جـ2 ص 423: 435). (قل).
(3)
«تحفة الذاكرين» : (32). (قل).
(4)
«الأذكار النووية» (ص: 8). (قل).
منها: إذا سُلم عليه ردَّ السلام ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطس عنده عاطس شمَّته ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا سمع الخطيب، وكذا إذا سمع المؤذن أجابه في كلمات الأذان والإقامة ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكرًا أزاله، أو معروفًا أرشد إليه، أو مسترشدا أجابه ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا غلبه النعاس أو نحوه وما أشبه هذا كله.
رابعًا: أذكار الصباح والمساء:
قال ابن القيم رحمه الله: وهما ما بين الصبح وطلوع الشمس، وما بين العصر والغروب إلى أن قال رحمه الله: وقال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ} [غافر: 55] فالإبكار: أول النهار والعشي: آخره (1). انتهى.
أذكار الصباح والمساء مجموعة من «تحفة الذاكرين» للشوكاني (2)، و «الأذكار النووية» (3)، و «الوابل الصيب من الكلم الطيب»:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان اللَّه وبحمده مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا رجل قال مثل ما قال أو زاد عليه» . رواه مسلم.
2 -
وفي «صحيح مسلم» عن ابن مسعود قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكِبَر، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر» وإذا أصبح قال أيضًا: «أصبحنا وأصبح الملك للَّه» .
3 -
عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه يقول: «إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور، وإذا أمسى فليقل: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا، وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير» قال الترمذي: حديث حسن صحيح (4).
4 -
وفي «السنن» عن عبد اللَّه بن حبيب قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «قل» قلت: يا
(1)«الوابل الصيب» لابن القيم رحمه الله (ص: 88: 91). (قل).
(2)
راجع «تحفة الذاكرين» للشوكاني (ص: 59: 80) خاصة شرح هذه الأذكار. (قل).
(3)
«الأذكار النووية» (بتحقيق الأرنؤوط)(ص: 66: 70). (قل).
(4)
وهو كما قال، انظر «صحيح الجامع» . (قل).
رسول اللَّه ما أقول؟ قال: «قل هو اللَّه أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء» . قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [وصححه الألباني].
5 -
عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة» رواه البخاري.
6 -
وفي الترمذي عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت قال: قل: «اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السماوات والأرض رب كل شيء ومليكه أشهد ألا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، وأن نقترف سوءًا على أنفسنا أو نجره إلى مسلم، قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك» قال الترمذي: حديث حسن صحيح (1).
وشركه: قال الخطابي: روي على وجهين: أحدهما بكسر الشين وسكون الراء، ومعناه ما يدعو إليه الشيطان ويوسوس به، من الإشراك باللَّه تعالى، والثاني بفتح الشين والراء، يريد حبائل الشيطان ومصائده - كذا في «تحفة الذاكرين» .
7 -
وفي السنن و «صحيح الحاكم» (2) عن عبد اللَّه بن عمر قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» قال وكيع: يعني الخسف.
8 -
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم اللَّه الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فلا يضره» (3) وكان أبان بن عثمان قد أصابه طرف فالج (4)، فجعل الرجل الذي سمع منه
(1) وصححه الألباني في «الكلم الطيب» . (قل).
(2)
وهو كما قال - انظر «صحيح الترغيب والترهيب» للألباني أثابه اللَّه تعالى. (قل).
(3)
وفي لفظ: فيضره شيء. (قل).
(4)
جاء في «تحفة الأحوذي» (جـ 9 ص 269): (طرف فالج: أي نوع منه، وهو بفتح اللام: استرخاء لأحد شقى البدن لانصباب خلط بلغمي تنسد منه مسالك الروح). (قل).
الحديث ينظر إليه، فقال له أبان: ما تنظر، أما إن الحديث كما حدثتك، ولكني لم أقله يومئذ ليمضي اللَّه على قدره. الحديث أخرجه أهل السنن الأربعة وقال الترمذي بعد إخراجه: حديث حسن صحيح. [وصححه الألباني].
9 -
الحديث لفظ رواية الإمام أحمد وصححه النووي وقال الأرنؤوط في «زاد المعاد» : إسناد صحيح، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح وإذا أمسى قال: «أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملة إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين»
…
10 -
وفي الترمذي وأبي داود بسند جوده (1) النووي قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت اللَّه لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدًا عبدك ورسولك؛ أعتق اللَّه ربعه من النار، ومن قالها مرتين أعتق اللَّه نصفه من النار، ومن قالها ثلاثًا أعتق اللَّه ثلاثة أرباعه من النار، ومن قالها أربعًا أعتقه اللَّه من النار» .
11 -
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لفاطمة: «ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ تقولين إذا أصبحتِ وإذا أمسيتِ: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» أخرجه النسائي والحاكم بسند صحيح. [صحيح - انظر «صحيح الترغيب والترهيب»].
12 -
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه لقيت عقربًا لدغتني البارحة، وفي رواية: ما لقيت، فقال:«أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات اللَّه (2) التامات (3) من شر ما خلق لم تضرك» رواه مسلم. ولفظ الترمذي: «من قال حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات، لم تضره حمة تلك الليلة» وقال: حديث حسن.
13 -
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا وحين يمسي عشرًا أدركته شفاعتي يوم القيامة» أخرجه الطبراني في الكبير. [وحسنه الألباني في «صحيح الجامع»].
(1) وضعفه الألباني - انظر «ضعيف الجامع والكلم الطيب» ، لكن قال أثابه اللَّه في الكلم الطيب:(ثم رأيت هذا الدعاء في «المستدرك» عن أبي هريرة غير مقيد بالصباح والمساء وسنده جيد)، وقال الأرنؤوط في «الأذكار النووية» بعد أن حسنه: قال الحافظ في تخريج الأذكار: في وصف هذا الإسناد بأنه جيد نظر، ولعل أبا داود إنما سكت عنه لمجيئه من وجه آخر عن أنس، ومن أجله قلت إنه حسن. (قل).
(2)
يعني: القرآن.
(3)
الكاملات.
14 -
عن جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: «ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟» قالت: نعم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان اللَّه عدد خلقه، سبحان اللَّه رضا نفسه، سبحان اللَّه زنة عرشه، سبحان اللَّه مداد كلماته» أخرجه مسلم.
15 -
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من قال: غدوة لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كتب اللَّه له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، وكان له قدر عشر رقاب، وأجاره اللَّه من الشيطان، ومن قالها عشية مثل ذلك» أخرجه النسائي وابن ماجه، وأخرجه أحمد والحاكم غير مقيد بوقت. [وصححه الألباني].
16 -
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك» رواه البخاري.
17 -
وروينا في سنن أبي داود بإسناد لم يضعفه (1) عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين، اللهم إني أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهُداه، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده، ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك» .
18 -
عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح قال:«اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملاً متقبلاً» . رواه ابن ماجه، وحسنه الأرنؤوط في «الأذكار النووية» . انتهى (2).
فائدة:
قال ذو النون: ما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنة إلا برؤيته.
(1) يعني في «سننه» وقد ضعفه خارجها كما قال الحافظ، والحديث حسن بشواهده. اهـ. وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» . (قل).
(2)
تنبيه: انشغل بالذكر وأنت في الطريق، وأيضًا في المواصلات، ولا تنظر إلى الإعلانات عن
…
،
…
إلخ. (قل).