المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أولاً: شروط التوبة: جاء في «مختصر منهاج القاصدين»: «واعلم أن التوبة - ففروا إلى الله - القلموني

[أبو ذر القلموني]

فهرس الكتاب

- ‌رجاء

- ‌بشرى لكل ناسخ وناشر

- ‌المقدمة

- ‌آثار ترك الذنوب والمعاصي

- ‌تنبيهات:

- ‌موضوعات الكتاب:

- ‌الباب الأول: التوبة

- ‌ذكر أحاديث فيها نفي القنوط:

- ‌أولاً: شروط التوبة:

- ‌فائدة:

- ‌ثمرة الاستغفار النافع تصحيح التوبة

- ‌من الأحاديث الدالة على التوبة:

- ‌ثانيًا: آثار المعاصي:

- ‌ثالثًا: جاء في مختصر منهاج القاصدين ما مختصره:

- ‌رابعًا: اتهام التوبة:

- ‌خامسًا: علامات قبول التوبة:

- ‌فائدة:

- ‌سادسًا: سؤال هام:

- ‌فائدة مشهد الرحمة في المعصية:

- ‌كتابة الحسنات والسيئات

- ‌سابعًا: توبة المرأة:

- ‌تنبيه وكلمة:

- ‌الباب الثاني: الدنيا

- ‌وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور:

- ‌فصل في بيان حقيقة الدنيا والمذموم منها والمحمود

- ‌الباب الثالث: الموت

- ‌ذكر شدة الموت

- ‌حسن الظن باللَّه تعالى:

- ‌الباب الرابع: الصلاة

- ‌المعاني التي تتم بها حياة الصلاة كثيرة:

- ‌ تساؤلات:

- ‌ قد يقول قائل: يا أخي العمل عبادة

- ‌ قد يقول قائل: إن فلانًا رجل يصلي ولكن معاملته غير طيبة

- ‌ احذر إبليس:

- ‌ قيام الليل:

- ‌فصل: في الأسباب الميسرة لقيام الليل

- ‌ما حكم قضاء الصلاة الفائتة

- ‌خاتمة:

- ‌الباب الخامس: الذكر

- ‌أولاً: فوائد الذكر:

- ‌منزلة الذكر وأقسامه

- ‌فصل في أذكار النوم واليقظة

- ‌فصل في أذكار الانتباه من النوم

- ‌بعض الأذكار الأخرى الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السادس: الدعاء

- ‌الفصل الأول: فضل الدعاء

- ‌الفصل الثاني: آداب الدعاء

- ‌الفصل الثالث: ما هي أوقات الإجابة

- ‌الفصل الرابع: الذين يستجيب اللَّه تعالى دعاءهم

- ‌الفصل الخامس: بم يستجاب الدعاء

- ‌الفصل السادس: علامة استجابة الدعاء

- ‌الفصل السابع: التوسل بالأنبياء والصالحين

- ‌الفصل الثامن: فوائد

- ‌الفصل التاسع: صلاة الاستخارة

- ‌الفصل العاشر: بحث خاص برفع اليدين في الدعاء

- ‌الفصل الحادي عشر: ختامه مسك

- ‌خاتمة:

- ‌الباب السابع: حكم الإسلام في الغناء

- ‌ ومن مكايد عدو اللَّه (إبليس) ومصايده

- ‌خاتمة:

- ‌الباب الثامن: داء العشق ودواؤه

- ‌أولاً: جاء في كتاب «الجواب الكافي»

- ‌الباب التاسع: آداب من سورة النور

- ‌أولاً: آداب دخول البيوت وغض البصر وحفظ الفرج:

- ‌ثانيًا: تساؤلات:

- ‌آداب الهاتف من آداب دخول البيوت

- ‌الباب العاشر: حكم تغطية وجه المرأة

- ‌مقدمة:

- ‌أولاً الخلاصة: كما يراها فضيلة الشيخ البوطي:

- ‌ثانيًا: حكم تغطية الوجه بقلم فضيلة الشيخ وهبي غاوجي:

- ‌ثالثًا: 1 - ما جاء في «روائع البيان» تحت عنوان: «طائفة من أقول المفسرين في وجوب ستر الوجه»

- ‌من أقوال الشعراء في الإسلام:

- ‌استئذان الأقارب بعضهم على بعض:

- ‌أحكام العورة بين المحارم:

- ‌3 - العورة بين المرأة والمرأة:

- ‌الباب الحادي عشر: حكم عمل المرأة خارج البيت

- ‌أمان المرأة:

- ‌القوامة:

- ‌لا تكلف المرأة بشيء من الإنفاق:

- ‌ثالثًا: كيفية تعليم المرأة:

- ‌شروط خروج المرأة من البيت:

- ‌بحث مسألة وضع ثياب المرأة خارج بيتها

- ‌الباب الثاني عشر: علاج الصرع وعلاج السحر وفك الربط وعلاج الحسد

- ‌أولاً: هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الصرع:

- ‌ثانيًا: علاج الصرع:

- ‌ثالثًا السحر:

- ‌رابعًا علاج السحر:

- ‌خامسًا: بعض ما ورد في حل السحر:

- ‌سادسًا: تنبيهات خاصة بفك الربط:

- ‌علاج الحسد:

- ‌علاج العين:

- ‌الباب الثالث عشر: الدين النصيحة

- ‌ عليك بهذه المكتبة الإسلامية

- ‌ فائدة حول التسبيح دبر الصلوات:

- ‌ معاملة الزوجة بلطف والصبر على أذاها

- ‌ إياكَ والإفسادَ بين المرء وزوجه:

- ‌ الختان من محاسن الإسلام:

- ‌ استجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية

- ‌القرآن واللحية:

- ‌ إن خفت ظالمًا فعليك بهذه الأدعية:

- ‌ مختصر أسباب شرح الصدر

- ‌قَبْل الخاتمة

- ‌مقدار صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌قُبَيْل‌‌ الخاتمة

- ‌ الخاتمة

- ‌ما تزول به عقوبة الذنوب:

- ‌كتب للمؤلف

الفصل: ‌ ‌أولاً: شروط التوبة: جاء في «مختصر منهاج القاصدين»: «واعلم أن التوبة

‌أولاً: شروط التوبة:

جاء في «مختصر منهاج القاصدين» : «واعلم أن التوبة عبارة عن ندم يورث عزمًا وقصدًا، وذلك الندم يورث العلم بأن تكون المعاصي حائلاً بين الإنسان وبين محبوبه.

والندم: هو توجع القلب عند شعوره بفراق المحبوب، وعلامته طول الحزن والبكاء، فإن من استشعر عقوبة نازلة بولده أو من يعزُّ عليه، طال بكاؤه، واشتدت مصيبته، وأي عزيز أعز عليه من نفسه؟ وأي عقوبة أشد من النار؟ وأي سبب أدل على نزول العقوبة من المعاصي؟ وأي مخبر أصدق من رسول اللَّه؟ ولو أخبره طبيب أن ولده لا يبرأ من مرضه لاشتد في الحال حزنه، وليس ولده بأعز من نفسه، ولا الطبيب أعلم من اللَّه ورسوله، ولا الموت بأشد من النار، ولا المرض أدل على الموت من المعاصي على سخط اللَّه، والتعرض بها للنار» (1). انتهى.

قال النووي رحمه الله: «قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين اللَّه تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:

أحدها: أن يقلع عن المعصية.

والثاني: أن يندم على فعلها.

والثالث: أن يعزم ألا يعود إليها أبدًا. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته. وإذا كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه

» (2). انتهى.

‌فائدة:

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «الندم توبة» . صحيح. رواه أحمد وغيره. انظر «صحيح الجامع» . جاء في «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» لابن حجر العسقلاني رحمه اللَّه تعالى (ج 11 ص107): (المعنى: الحض عليه [أي الندم]، وأنه الركن الأعظم في التوبة لا أنه التوبة نفسها). اهـ. قال المناوي رحمه اللَّه تعالى: (وهذا من قبيل: الحج عرفة، وإنما كان أعظم أركانها؛ لأن الندم شيء متعلق بالقلب، والجوارح تبع له، فإذا ندم القلب انقطع عن المعاصي، فرجعت برجوعه الجوارح).

(1)«مختصر منهاج القاصدين» لابن قدامة (ص: 259، 260). (قل).

(2)

«رياض الصالحين» بتحقيق الأرناؤوط (ص: 10، 11). (قل).

ص: 17

من آيات القرآن الكريم الدالة على التوبة:

(قال اللَّه تعالى: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286].

قال ابن كثير رحمه اللَّه تعالى: (وقوله تعالى: {وَاعْفُ عَنَّا} أي: فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا، {وَاغْفِرْ لَنَا} أي: فيما بيننا وبين عبادك، فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة، {وَارْحَمْنَا} أي: فيما يستقبل، فلا توقعنا - بتوفيقك - في ذنب آخر، ولهذا قالوا: إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو اللَّه عنه بينه وبينه، وأن يستره عن عباده، فلا يفضحه به بينهم، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره).

(قال اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ - أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136].

قال ابن كثير رحمه اللَّه تعالى: (وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ} أي: إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار. قال الإمام أحمد (1). عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن رجلاً أذنب ذنبًا فقال: رب إني أذنبت ذنبًا فاغفر لي، فقال اللَّه عز وجل: عبدي عمل ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به (2) قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنبًا آخر، فقال: رب عملت ذنبًا فاغفره، فقال تبارك وتعالى: عَلِم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنبًا آخر، فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفره لي، فقال عز وجل: عَلِم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنبًا آخر، فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفره، فقال اللَّه عز وجل: عَلِم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به، أشهدكم أني قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء» (3).

(1) والحديث في «الصحيحين» . انظر «اللؤلؤ والمرجان» . (قل).

(2)

يأخذ به: أي يعاقب به. انظر ترتيب أحاديث «صحيح الجامع الصغير» وزيادته على الأبواب الفقهية. (ب - ف) للشيخين: عوني نعيم الشريف، وعلي حسن علي عبد الحميد. (قل).

(3)

قال النووي رحمه اللَّه تعالى في «شرح مسلم» : (ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك). (قل).

ص: 18

وعن علي رضي الله عنه قال: كنت إذا سمعت من رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني اللَّه بما شاء منه. وإذا حدثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدقته؛ وإن أبا بكر رضي الله عنه حدثني، وصدق أبو بكر، أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:«ما من رجل يذنب ذنبًا فيتوضأ ويحسن الوضوء، ثم يصلي ركعتين فيستغفر اللَّه عز وجل، إلا غفر له» (1). ومما يشهد لصحة هذا الحديث ما رواه مسلم في «صحيحه» عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلَاّ فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» . عن أنس رضي الله عنه قال: بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ} بكى.

وروى الإمام أحمد في «مسنده» عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال إبليس: يا رب، وعزتك لا أزال أغوي بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، قال اللَّه تعالى: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» (2). وقوله تعالى: {وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَاّ اللَّهُ} أي: لا يغفرها أحد سواه، وقوله:{وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي: تابوا عن ذنوبهم ورجعوا إلى اللَّه عز وجل عن قريب، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها، ولو تكرر منهم الذنب تابوا منه.

{وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أن من تاب تَاب اللَّه عليه، وهذا كقوله تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} ، وكقوله:{وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} ، ونظائر هذا كثيرة جدًّا. ثم قال تعالى بعد وصفهم بما وصفهم به:{أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} أي: جزاؤهم على هذه الصفات، {وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي: من أنواع المشروبات، {خَالِدِينَ فِيهَا} أي: ماكثين فيها، {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} يمدح تعالى الجنة.

(قال اللَّه تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 110].

قال ابن كثير رحمه اللَّه تعالى: (يخبر تعالى عن كرمه وجوده، أن كل من تاب إليه تَاب عليه من أي ذنب كان،

(1) رواه أحمد وأهل السنن وابن حبان. اهـ. والحديث حسن. انظر «صحيح سنن الترمذي» . (قل).

(2)

حسن. انظر «صحيح الجامع» . (قل).

ص: 19

{وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} .

قال ابن عباس: أخبر اللَّه عباده بعفوه وحلمه وكرمه، وسعة رحمته، ومغفرته، فمن أذنب ذنبًا صغيرًا كان أو كبيرًا {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} ، ولو كانت ذنوبه أعظم من السماوات والأرض والجبال (1).

وقال ابن جرير: قال عبد اللَّه: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنبًا أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه، وإذا أصاب البول منه شيئًا قرضه بالمقراض، فقال رجل: لقد آتى اللَّه بني إسرائيل خيرًا، فقال عبد اللَّه رضي الله عنه: ما آتاكم اللَّه خيرًا مما آتاهم، جعل الماء لكم طهورًا).

قال اللَّه تعالى: {إِلَاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا - وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 70، 71].

قال ابن كثير رحمه اللَّه تعالى: (وقوله تعالى: {إِلَاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا} أي: جزاؤه على ما فعل من هذه الصفات القبيحة ما ذكر {إلَاّ مَن تَابَ} أي: في الدنيا إلى اللَّه عز وجل من جميع ذلك، فإن اللَّه يتوب عليه، وفي ذلك دلالة على صحة توبة القاتل، ولا تعارض بين هذه وبين آية النساء:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} الآية، فإن هذه وإن كانت مدنية، إلا أنها مطلقة، فتحمل على من لم يتب.

وقوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} .

في معنى قوله: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} قولان:

أحدهما: أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات. قال ابن عباس: هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات فرغب اللَّه بهم عن السيئات فحولهم إلى الحسنات فأبدلهم مكان السيئات الحسنات. وقال سعيد بن جبير: أبدلهم اللَّه بعبادة الأوثان عبادة الرحمن، وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات. وقال الحسن البصري: أبدلهم اللَّه بالعمل السيئ العمل الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصًا، وأبدلهم بالفجور إحصانًا، وبالكفر إسلامًا.

والقول الثاني: أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، كما ثبتت

(1) أخرجه ابن جرير عن ابن عباس.

ص: 20

السنة بذلك وصحت به الآثار المروية عن السلف رضي الله عنهم. فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف آخر أهل النار خروجًا من النار، وآخر أهل الجنة دخولاً إلى الجنة، يؤتى برجل فيقول: نحُّوا عنه كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها، قال: فيقال له: عملت يوم كذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا، كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئًا، فيقال: فإن لك بكل سيئة حسنة، فيقول: يا رب، عملت أشياء لا أراها هاهنا» . قال: فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه (1).

وقال علي بن الحسين زين العابدين: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} . قال: في الآخرة. وقال مكحول: يغفرها لهم فيجعلها حسنات.

ثم قال تعالى مخبرًا عن عموم رحمته بعباده، وأنه من تاب إليه منهم تاب عليه من أي ذنب كان جليلاً أو حقيرًا، كبيرًا أو صغيرًا، فقال تعالى:{وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} أي: فإن اللَّه يقبل توبته، كما قال تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} الآية، وقال تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} الآية، أي: لمن تاب إليه).

قال اللَّه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25].

قال ابن كثير رحمه اللَّه تعالى: (يقول تعالى ممتنًا على عباده بقبول توبتهم إذا تابوا ورجعوا إليه، أنه من كرمه وحلمه يعفو ويصفح، ويستر ويغفر، كقوله عز وجل: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}، وقد ثبت في «صحيح مسلم» عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم: «للَّه تعالى أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة (2)، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس (3) منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها (4)، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح».

وقوله عز وجل: {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} أي: يقبل التوبة في المستقبل ويعفو عن

(1) أخرجه مسلم في «صحيحه» .

(2)

بأرض فلاة: هي الواسعة الخالية من الناس والماء والنبات (ب - ف). (قل).

(3)

فأيس: انقطع أمله (ب - ف). (قل).

(4)

بخطامها: هو الرباط يوضع على أنف الجمل ليقاد به (ب - ف). (قل).

ص: 21

السيئات في الماضي، {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} أي: هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم، ومع هذا يتوب على من تاب إليه).

قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [التحريم: 8].

قال ابن كثير رحمه اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا} أي: توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات، وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات. قال عمر (التوبة النصوح): أن يتوب من الذنب، ثم لا يعود فيه أو لا يريد أن يعود فيه. وقال أبو الأحوص: سُئل عمر عن التوبة النصوح، فقال: أن يتوب الرجل من العمل السيئ، ثم لا يعود إليه أبدًا. وقال ابن مسعود:{تَوْبَةً نَّصُوحًا} قال: يتوب ثم لا يعود، ولهذا قال العلماء: التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه، وفي الحديث الصحيح:«الندم توبة» (1).

وقال الحسن: «التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته، وتستغفر منه إذا ذكرته» . فأما إذا جزم بالتوبة وصمم عليها فإنها تجب ما قبلها من الخطيئات، كما ثبت في الصحيح:«الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها» .

وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرار على ذلك إلى الممات - كما تقدم في الحديث وفي الأثر - ثم لا يعود فيه أبدًا، أو يكفي العزم على أن لا يعود في تكفير الماضي بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضارًا في تكفير ما تقدم لعموم قوله عليه السلام:«التوبة تجب ما قبلها» ؟

وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضًا: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر» . فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة، فالتوبة بطريق الأولى. واللَّه أعلم.

وقوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} ، وعسى من اللَّه موجبة.

* * *

(1) أخرجه أحمد وابن ماجه عن عبد اللَّه بن مسعود مرفوعًا. اهـ. صحيح. انظر «صحيح الجامع» (قل).

ص: 22