المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الختان من محاسن الإسلام: - ففروا إلى الله - القلموني

[أبو ذر القلموني]

فهرس الكتاب

- ‌رجاء

- ‌بشرى لكل ناسخ وناشر

- ‌المقدمة

- ‌آثار ترك الذنوب والمعاصي

- ‌تنبيهات:

- ‌موضوعات الكتاب:

- ‌الباب الأول: التوبة

- ‌ذكر أحاديث فيها نفي القنوط:

- ‌أولاً: شروط التوبة:

- ‌فائدة:

- ‌ثمرة الاستغفار النافع تصحيح التوبة

- ‌من الأحاديث الدالة على التوبة:

- ‌ثانيًا: آثار المعاصي:

- ‌ثالثًا: جاء في مختصر منهاج القاصدين ما مختصره:

- ‌رابعًا: اتهام التوبة:

- ‌خامسًا: علامات قبول التوبة:

- ‌فائدة:

- ‌سادسًا: سؤال هام:

- ‌فائدة مشهد الرحمة في المعصية:

- ‌كتابة الحسنات والسيئات

- ‌سابعًا: توبة المرأة:

- ‌تنبيه وكلمة:

- ‌الباب الثاني: الدنيا

- ‌وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور:

- ‌فصل في بيان حقيقة الدنيا والمذموم منها والمحمود

- ‌الباب الثالث: الموت

- ‌ذكر شدة الموت

- ‌حسن الظن باللَّه تعالى:

- ‌الباب الرابع: الصلاة

- ‌المعاني التي تتم بها حياة الصلاة كثيرة:

- ‌ تساؤلات:

- ‌ قد يقول قائل: يا أخي العمل عبادة

- ‌ قد يقول قائل: إن فلانًا رجل يصلي ولكن معاملته غير طيبة

- ‌ احذر إبليس:

- ‌ قيام الليل:

- ‌فصل: في الأسباب الميسرة لقيام الليل

- ‌ما حكم قضاء الصلاة الفائتة

- ‌خاتمة:

- ‌الباب الخامس: الذكر

- ‌أولاً: فوائد الذكر:

- ‌منزلة الذكر وأقسامه

- ‌فصل في أذكار النوم واليقظة

- ‌فصل في أذكار الانتباه من النوم

- ‌بعض الأذكار الأخرى الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السادس: الدعاء

- ‌الفصل الأول: فضل الدعاء

- ‌الفصل الثاني: آداب الدعاء

- ‌الفصل الثالث: ما هي أوقات الإجابة

- ‌الفصل الرابع: الذين يستجيب اللَّه تعالى دعاءهم

- ‌الفصل الخامس: بم يستجاب الدعاء

- ‌الفصل السادس: علامة استجابة الدعاء

- ‌الفصل السابع: التوسل بالأنبياء والصالحين

- ‌الفصل الثامن: فوائد

- ‌الفصل التاسع: صلاة الاستخارة

- ‌الفصل العاشر: بحث خاص برفع اليدين في الدعاء

- ‌الفصل الحادي عشر: ختامه مسك

- ‌خاتمة:

- ‌الباب السابع: حكم الإسلام في الغناء

- ‌ ومن مكايد عدو اللَّه (إبليس) ومصايده

- ‌خاتمة:

- ‌الباب الثامن: داء العشق ودواؤه

- ‌أولاً: جاء في كتاب «الجواب الكافي»

- ‌الباب التاسع: آداب من سورة النور

- ‌أولاً: آداب دخول البيوت وغض البصر وحفظ الفرج:

- ‌ثانيًا: تساؤلات:

- ‌آداب الهاتف من آداب دخول البيوت

- ‌الباب العاشر: حكم تغطية وجه المرأة

- ‌مقدمة:

- ‌أولاً الخلاصة: كما يراها فضيلة الشيخ البوطي:

- ‌ثانيًا: حكم تغطية الوجه بقلم فضيلة الشيخ وهبي غاوجي:

- ‌ثالثًا: 1 - ما جاء في «روائع البيان» تحت عنوان: «طائفة من أقول المفسرين في وجوب ستر الوجه»

- ‌من أقوال الشعراء في الإسلام:

- ‌استئذان الأقارب بعضهم على بعض:

- ‌أحكام العورة بين المحارم:

- ‌3 - العورة بين المرأة والمرأة:

- ‌الباب الحادي عشر: حكم عمل المرأة خارج البيت

- ‌أمان المرأة:

- ‌القوامة:

- ‌لا تكلف المرأة بشيء من الإنفاق:

- ‌ثالثًا: كيفية تعليم المرأة:

- ‌شروط خروج المرأة من البيت:

- ‌بحث مسألة وضع ثياب المرأة خارج بيتها

- ‌الباب الثاني عشر: علاج الصرع وعلاج السحر وفك الربط وعلاج الحسد

- ‌أولاً: هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الصرع:

- ‌ثانيًا: علاج الصرع:

- ‌ثالثًا السحر:

- ‌رابعًا علاج السحر:

- ‌خامسًا: بعض ما ورد في حل السحر:

- ‌سادسًا: تنبيهات خاصة بفك الربط:

- ‌علاج الحسد:

- ‌علاج العين:

- ‌الباب الثالث عشر: الدين النصيحة

- ‌ عليك بهذه المكتبة الإسلامية

- ‌ فائدة حول التسبيح دبر الصلوات:

- ‌ معاملة الزوجة بلطف والصبر على أذاها

- ‌ إياكَ والإفسادَ بين المرء وزوجه:

- ‌ الختان من محاسن الإسلام:

- ‌ استجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية

- ‌القرآن واللحية:

- ‌ إن خفت ظالمًا فعليك بهذه الأدعية:

- ‌ مختصر أسباب شرح الصدر

- ‌قَبْل الخاتمة

- ‌مقدار صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌قُبَيْل‌‌ الخاتمة

- ‌ الخاتمة

- ‌ما تزول به عقوبة الذنوب:

- ‌كتب للمؤلف

الفصل: ‌ الختان من محاسن الإسلام:

وأفسدها «أو مملوكه فليس منا» أي: ليس على طريقتنا ولا من العاملين بأحكام شريعتنا قال [أحد العلماء]: ومن ذلك ما لو جاءته امرأة غضبانة من زوجها ليصلح بينهما مثلاً فيبسط لها في الطعام، ويزيد في النفقة والإكرام، ولو إكرامًا لزوجها، فربما مالت لغيره وازدرت ما عنده فيدخل في هذا الحديث؛ ومقام العارف أن يؤاخذ نفسه باللازم وإن لم يقصده. قال: وقد فعلت هذا الخلق مرارًا، فأضيق على المرأة الغضبانة، وأوصي عيالي أن يجوعوها لترجع وتعرف حق نعمة زوجها؛ وكذا القول في العبد). اهـ.

وجاء في «عون المعبود» (جـ 14 ص: 77): «من خبب زوجة امرئ» : أي خدعها وأفسدها، أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره، أو غير ذلك). اهـ.

الخامسة عشر:‌

‌ الختان من محاسن الإسلام:

تعريف الختان:

جاء في «فقه السنة» : (الختان: هو قطع الجلدة التي تغطي الحشفة (1) لئلا يجتمع فيها الوسخ وليتمكن من الاستبراء من البول ولئلا تنقص لذة الجماع هذا بالنسبة للرجل.

وأما المرأة: فيقطع الجزء الأعلى من الفرج بالنسبة لها). اهـ.

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد (2)، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط» . رواه البخاري ومسلم.

وجاء في «تمام المنة» (ص67: 69) ما مختصره: (فقد صح قوله صلى الله عليه وسلم لبعض الختانات في المدينة «اخفضي ولا تنهكي، فإنه أنضر للوجه، وأحظى للزوج» رواه أبو داود، والبزار، والطبراني، وغيرهم، وله طرق وشواهد عن جمع من الصحابة خرجتها في «الصحيحة» (2/ 353 - 358) ببسط قد لا تراه في مكان آخر، وبينت فيه أن ختن النساء كان معروفًا عند السلف خلافًا لبعض من لا علم بالآثار عنده.

وإن مما يؤكد ذلك كله الحديث المشهور (3): «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» ، وهو مخرج في «الإرواء» (رقم 80).

(1) الحشفة: رأس عضو التذكير، ويكشف عنها الختانُ - كذا في «المعجم الوسيط» . (قل).

(2)

حلق العانة - «فقه السنة» (قل).

(3)

صحيح - ابن ماجه عن عائشة وعن ابن عمرو «مسند الإمام أحمد» - عائشة وابن عمرو «سنن البيهقي» - أبي هريرة - انظر «صحيح الجامع» . (قل).

ص: 306

قال الإمام أحمد رحمه الله: (وفي هذا دليل على أن النساء كن يُختتن).

انظر «تحفة المودود في أحكام المولود» لابن القيم (ص 64 - هندية) ....

وأما حكم الختان فالراجح عندنا وجوبه، وهو مذهب الجمهور، كمالك والشافعي وأحمد، واختاره ابن القيم، وساق في التدليل على ذلك خمسة عشر وجهًا، وهي وإن كانت مفرداتها لا تنهض على ذلك، فلا شك أن مجموعها ينهض به، ولا يتسع المجال لسوقها جميعًا هاهنا، فاكتفى منها بوجهين:

الأول: قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]، والختان من ملته، كما في حديث أبي هريرة المذكور في الكتاب، وهذا الوجه أحسن الحجج، كما قال البيهقي، ونقله الحافظ (10/ 281).

الثاني: أن الختان من أظهر الشعائر التي يفرق بها بين المسلم والنصراني، حتى إن المسلمين لا يكادون يعدون الأقلف منهم.

ومن شاء الاطلاع على بقية الوجوه المشار إليها فليراجع كتاب «التحفة» (ص53 - 60). اهـ.

وجاء في «السلسلة الصحيحة» (جـ2 ص 348، 349): (واعلم أن ختن النساء كان معروفًا عند السلف خلافًا لما يظنه من لا علم عنده: فإليك بعض الآثار في ذلك:

1 -

عن الحسن قال: (دعي عثمان بن أبي العاص إلى طعام، فقيل: هل تدري ما هذا؟ هذا ختان جارية! فقال: هذا شيء ما كنا نراه على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يأكل).

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (3/ 7/2) من طريق أبي حمزة العطار عنه.

قلت: وأبو حمزة - واسمه إسحاق بن الربيع - حسن الحديث كما قال أبو حاتم، وسائر رواته موثقون، فإن كان الحسن سمعه من عثمان فهو سند حسن.

وقد رواه محمد بن إسحاق عن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز عن الحسن به دون ذكر: «جارية» .

أخرجه الطبراني أيضًا، وأحمد (4/ 217)، وإسناده جيد لولا عنعنة ابن إسحاق فإنه مدلس، وبه أعله الهيثمي (4/ 60).

2 -

عن أم المهاجر قالت: (سبيت (1) وجواري من الروم، فعرض علينا عثمان الإسلام، فلم يسلم منا غيري وغير أخرى، فقال: أخفضوهما وطهروهما. فكنت أخدم عثمان).

أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (1245، 1249).

3 -

عن أم علقمة: (أن بنات أخي عائشة خُتنَّ، فقيل لعائشة: ألا ندعو لهن من

(1) أي: وقعت في الأسر. (قل).

ص: 307

يلهيهن؟ قالت: بلى. فأرسلت إلى عدي فأتاهن، فمرت عائشة في البيت فرأته يتغنى ويحرك رأسه طربًا - وكان ذا شعر كبير - فقالت: أف؛ شيطان! أخرجوه أخرجوه).

أخرجه البخاري في «الأدب» (1247).

قلت: وإسناده محتمل للتحسين ورجاله ثقات؛ غير أم علقمة هذه - واسمها مرجانة - وثقها العجلي وابن حبان، وروى عنها ثقات). اهـ.

فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية: سئل ابن تيمية: هل تختن المرأة أم لا؟ فأجاب: الحمد لله نعم تختن وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك، وفي الحديث قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للخاتنة:«أشمى ولا تنهكي فإنه أبهى للوجه وأحظى لها عند الزوج» أي: لا تبالغي في القطع، وذلك بأن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة، والمقصود بختان المرأة تعديل شهوتها فإنها إذا كانت قلفاء (1) كانت مغتلمة (شديدة الشهوة) ولهذا يقال في المشاتمة (يا ابن القلفاء) فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر، ولهذا يوجد من الفواحش في نساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين، وإذا حصلت المبالغة في الختان ضعفت الشهوة فلا يكمل مقصود الرجل فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال واللَّه أعلم. اهـ «فتاوى شيخ الإسلام» (جـ 21 ص: 114).

السادسة عشرة: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب» . رواه أحمد والنسائي والترمذي، وصححه الألباني.

السابعة عشرة: عن بشر الحافي جاء في الأثر: «من بدأ بالحمد قبل الشكوى لم تكتب عليه الشكوى» لذا كان بشر الحافي يقول لمن سأله عن مرضه: أحمد اللَّه إليكم، بي كذا وكذا.

الثامنة عشرة: ألق السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وعليك أن تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» رواه مسلم. وعليك أن تعلم أنك إذا قلت: السلام عليكم تأخذ عشر حسنات، وإذا أضفت: ورحمة اللَّه تأخذ عشرين حسنة، وإذا أضفت: وبركاته تأخذ ثلاثين حسنة، كما أفاد بذلك حديث أبي داود والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإسناده قوي كما قال الحافظ في «الفتح» .

(1) قَلِفَ، قَلَفًا: لم يختن - كذا في «المعجم الوسيط» ، والمعنى: المرأة غير المختونة. (قل).

ص: 308

التاسعة عشرة: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإذا حالت بينهم شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه» رواه أبو داود وسنده جيد (1). وعليه يمكنك أنت وزوجتك أن يلقي كل منكما على الآخر السلام عندما يأتي أحدكما بجزء من الطعام ثم يذهب لإحضار باقيه.

العشرون: إذا كنت في أي مكان فألق السلام على أخيك المسلم، وإذا كنت تقود مركبتك في الطريق وتوقفت قليلاً فسلم على صاحب المركبة الأخرى.

فائدة:

أخرج ابن السني: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه» وحسنه الأرنؤوط في «زاد المعاد» .

تنبيه:

جاء في «تحفة الأحوذي» (جـ7 ص 474: 477): (فائدة في بيان أن السنة في المصافحة أن تكون باليد الواحدة، أعني اليمين من الجانبين سواء كانت عند اللقاء أو عند البيعة - إلى أن قال رحمه اللَّه تعالى - وأما قول ابن مسعود رضي الله عنه: (علمني النبي صلى الله عليه وسلم وكفى بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن) أخرجه الشيخان، فليس من المصافحة في شيء، بل هو من باب الأخذ باليد عند التعليم لمزيد الاعتناء والاهتمام به). اهـ. وعلى ذلك فإن ما يفعله البعض من وضع اليد اليسرى بالإضافة إلى اليمنى عند المصافحة خلاف السنة.

الحادية والعشرون: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة (يعني: خلق)، وعفة طعمة (2)» . رواه أحمد في «مسنده» ، وصححه الألباني.

الثانية والعشرون: قال الفضيل: علامة الشقاوة خمسة: قلة الحياء، وقسوة القلب، وجمود العين، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل.

وقال بعض الحكماء: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال: «دعه فإن الحياء من الإيمان» متفق عليه.

الثالثة والعشرون: بر والديك وإن جفواك لقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة على وقتها» قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين» قلت: ثم أي؟

(1) وهو صحيح - انظر «صحيح الجامع» . (قل).

(2)

قال العلماء: أي الجهة التي يُرزق منها. (قل).

ص: 309

قال «الجهاد في سبيل اللَّه» متفق عليه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «الكبائر الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس» رواه البخاري. وقيل لعلي بن الحسين: إنك من أبر الناس ولا تأكل مع أمك في صحفة؟ قال: أخاف أن تسبق يدي يدها إلى ما تسبق إليه عيناها فأكون قد عققتها.

ورأى أبو هريرة رجلاً يمشي خلف رجل فقال: من هذا؟ قال: أبي، قال: لا تدعه باسمه، ولا تجلس قبله، ولا تمشِ أمامه.

الرابعة والعشرون: ابتعد عن القيل والقال لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن اللَّه حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعًا وهات، وكره لكم: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال» . أخرجه البخاري.

ص: 310

الخامسة والعشرون: صل رحمك وإن كان عدوك لقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ والأرْحَامَ} [النساء:1]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» يعني: أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة. رواه الطبراني، وصححه الألباني.

السادسة والعشرون: لا تنفق وقتك إلا في طاعة، وقد كان أحد السلف إذا طرق الباب طارق يقول: اللهم إني أعوذ بك ممن يشغلني عن ذكرك.

السابعة والعشرون: عليك بزيارة الأيتام والعطف عليهم، وتذكر أنه سيأتي اليوم الذي تغلق فيه زوجتك بابها على نفسها وتبكي على فراقك - إن قدر اللَّه لك الموت قبلها - وانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم:«أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما» . رواه البخاري. قال النووي: كافل اليتيم: القائم بأموره.

الثامنة والعشرون: الجار قبل الدار، وعليك أن تأتسي بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:«يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك» . رواه مسلم.

وإياك إياك أن تؤذي جارك خاصة برفع صوت المذياع. وقد يبيع الرجل داره وبأقل من ثمنه هربًا من جار السوء كما قال أحدهم عند بيع داره:

يلومنني أن بعت بالرخص منزلي

ولم يعلموا جارًا هناك ينغّصُ

فقلت لهم كفوا الملام فإنما

بجيرانها تغلو الديار وترخصُ

وروى المدائني: أنه باع جار لفيروز داره بأربعة آلاف درهم فجيء بها فقال البائع: هذا ثمن داري فأين ثمن جاري؟ قال: ولجارك ثمن؟! قال: لا أنقصه واللَّه عن أربعة آلاف درهم، فبلغ ذلك فيروز فأرسل إليه بثمانية آلاف درهم وقال: هذا ثمن دارك وجارك والزم دارك لا تبعها.

التاسعة والعشرون: قال أبو الدرداء: أنصف أذنيك من فيك، فإنما جعلت لك أذنان وفم واحد، لتسمع أكثر مما تتكلم به.

الثلاثون: أكرم ضيفك لقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه» رواه مسلم. وقال تعالى في وصف كرم إبراهيم عليه السلام: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ - فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [الذاريات: 26، 27].

قال ابن كثير رحمه الله: وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة فإنه جاء بطعام من حيث لا يشعرون بسرعة، وأتى بأفضل ما وجد من ماله وهو عجل فتيّ سمين مشوي، فقربه إليهم لم

ص: 311

يضعه وقال اقتربوا، بل وضعه بين أيديهم، ولم يأمرهم أمرًا يشق على سامعه بصيغة الجزم بل قال:{أَلَا تَأْكُلُونَ؟} على سبيل العرض والتطلف، كما يقول القائل: إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل. انتهى.

قال العباس: لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال: تعجيله وتصغيره وستره، فإذا عجلته هنأته، وإذا صغرته عظمته، وإذا سترته تممته. وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يتكلف الرجل في إكرام الضيف فقال صلى الله عليه وسلم:«لا يتكلفن أحدٌ لضيفه ما لا يقدر عليه» . وسيأتي هذا الحديث إن شاء اللَّه تعالى في باب المناهي.

فائدة:

دخل ضيف على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقدم له نصف رغيف ونصف خيارة وقال له: كل فإن الحلال في هذا الزمان لا يحتمل السرف.

الحادية والثلاثون: إذا كنت تعمل عند إنسان بأجر أو سائقًا على سيارة بالأجرة ثم أتاك ما يسمونه بالوهبة، فإنها من حق صاحب المال إلا أن يأذن لك في أخذها، لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على الصدقة، فجاء فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقال صلى الله عليه وسلم:«أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟» . رواه أحمد (1).

فإذا كانت الأجرة المستحقة لك نصف جنيه إلا خمسة قروش، فترك لك الراكب هذه القروش الخمسة، فإنها كما قلنا من حق صاحب المركبة (أي: السيارة) إلا أن يأذن لك. وتذكر قول ميمون بن مهران: ثلاث يؤدين إلى البر والفاجر: الأمانة والعهد وصلة الرحم.

الثانية والثلاثون: حاول ألا تنام بعد الفجر، وإليك بعض هديه صلى الله عليه وسلم في النوم كما جاء في كتاب «الطب النبوي» المأخوذ من «زاد المعاد» لابن القيم: وقيل (2): نوم النهار خلق وخرق وحمق، فالخلق نومة الهاجرة (يعني: الظهر) وهو خلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. والخرق: نومة الفجر يشغل عن أمر الدنيا والآخرة، والحمق: نومة العصر قال بعض السلف: من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه.

وقال الشاعر:

ألا إن نومات الضحى تورث الفتى خبالاً ونومات العُصَير جنون

ونومة الصبح تمنع الرزق؛ لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها، وهو وقت قسمة الأرزاق. فنومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة، وهو مضر جدًّا. ورأى عبد اللَّه بن عباس ابنًا له

(1) وهو في «الصحيحين» . (قل).

(2)

«زاد المعاد» لابن القيم (ج4 ص: 242). (قل).

ص: 312

نائمًا نوم الصبحة فقال له: قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق. انتهى من «زاد المعاد» .

وروي أيضًا: تنسموا الصباح قبل أن تدنسه أنفاس العاصين.

الثالثة والثلاثون: حتى تكون دعوتك إلى اللَّه ذات ثمرة، فابدأ بنفسك أولاً، لأن اللَّه تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59]. فأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بنسائه وبناته قبل نساء المؤمنين.

الرابعة والثلاثون: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتهيئوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18].

وكان يقال: النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه خانك، وروي أن حسان بن سنان مر بغرفة فقال: متى بنيت هذه؟ ثم أقبل على نفسه فقال: تسألين عما لا يعنيك! لأعاقبنك بصوم سنة، فصامها. وقد روي أن من حاسب نفسه في الدنيا، خف في القيامة حسابه، وحسن منقلبه. ومن أهمل المحاسبة دامت حسراته.

جاء في «مختصر منهاج القاصدين» : فلينظر الإنسان في أربعة أنواع: الطاعات، والمعاصي، والصفات المهلكات، والصفات المنجيات، فلا تغفل عن نفسك ولا عن صفاتك المباعدة عن اللَّه تعالى والمقربة إليه، وينبغي على كل [مسلم] أن تكون له جريدة [ورقة] يثبت فيها جملة الصفات المهلكات والصفات المنجيات وجملة المعاصي والطاعات، ويعرض ذلك على نفسه كل يوم، ويكفيه من المهلكات النظر في عشرة، فإنه إن سلم منها سلم من غيرها وهي: البخل، والكبر، والعجب، والرياء، والحسد، وشدة الغضب، وشره الطعام، وشره الوقاع، وحب المال، وحب الجاه.

ومن المنجيات عشرة: الندم على الذنوب، والصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، والشكر على النعماء، واعتدال الخوف والرجاء، والزهد في الدنيا، والإخلاص في الأعمال، وحسن الخلق مع الخلق، وحب اللَّه تعالى، والخشوع. فهذه عشرون خصلة: عشرة مذمومة، وعشرة محمودة، فمتى كفي من المذمومات واحدة خط عليها في جريدته وترك الفكر فيها، وشكر اللَّه تعالى على كفايته إياها، وليعلم أن ذلك لا يتم إلا بتوفيق

ص: 313

اللَّه تعالى وعونه، ثم يقبل على التسع الباقية، وهكذا يفعل حتى يخط على الجميع. وكذلك يطالب نفسه بالاتصاف بالصفات المنجيات، فإذا اتصف بواحدة منها كالتوبة والندم وضع خطًّا عليها واشتغل بالباقي، فأما أكثر الناس من المعدودين في الصالحين، فينبغي أن يثبتوا في جرائدهم المعاصي الظاهرة، كأكل الشبهات وإطلاق اللسان بالغيبة، والنميمة، والمراء، والثناء على النفس، والإفراط في موالاة الأولياء، ومعاداة الأعداء، والمداهنة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أكثر من يعد نفسه من الصالحين لا ينفك عن جملة من هذه المعاصي في جوارحه، وما لم تطهر الجوارح من الآثام لا يمكن الاشتغال بعمارة القلب وتطهيره (1). انتهى.

* * *

جدول محاسبة النفس

من المهلكات ــ من المنجيات ــ من الذنوب الخفية

1 -

البخل

الندم على الذنوب

المعاصي الظاهرة كأكل الشبهات

2 -

الكبر

الصبر على البلاء

إطلاق اللسان بالغيبة والنميمة

3 -

العجب

الرضا بالقضاء

المراء

4 -

الرياء

الشكر على النعماء

الإفراط في موالاة الأولياء ومعاداة الأعداء

5 -

الحسد

اعتدال الخوف والرجاء

المداهنة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

6 -

شدة الغضب

الزهد في الدنيا

7 -

شره الطعام

الإخلاص في الأعمال

8 -

شره الوقاع

حسن الخلق مع الخلق

9 -

حب المال

حب اللَّه تعالى

10 -

حب الجاه

الخشوع

(1)«مختصر منهاج القاصدين» (ص: 370: 378) واعلم أنه لا غنى للمسلم عن قراءة باب المحاسبة والمراقبة من نفس الكتاب (ص: 370: 378). (قل).

ص: 314

الخامسة والثلاثون: أد زكاة مالك إذ كنت ممن وجبت عليهم الزكاة بشروطها، وذلك لقول اللَّه تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103]، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«من آتاه اللَّه مالاً فلم يؤد زكاته مُثّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع (1) له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني: شدقيه - ثم يقول: أنا كنزك أنا مالك» . ثم تلا هذه الآية: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ والأرْضِِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180]. رواه الشيخان، «الشجاع الأقرع»: الثعبان الكبير.

ويقول صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه» (2). ويقول اللَّه تعالى: {والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ - يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35].

جاء في «مختصر تفسير ابن كثير» ما مختصره: وأما الكنز فقال ابن عمر: هو المال الذي لا تؤدى زكاته. وعنه قال: ما أُدي زكاته فليس بكنز، وإن كان تحت سبع أرضين، وما كان ظاهرًا لا تؤدي زكاته فهو كنز. وقال الإمام أحمد عن ثوبان: لما نزل في الذهب والفضة ما نزل قالوا: فأي المال نتخذ؟ قال عمر: فأنا أعلم لكم ذلك، فأوضع على بعير فأدركه وأنا في أثره فقالوا: يا رسول اللَّه أي المال نتخذ؟ قال: «قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا وزوجة تعين أحدكم على أمر الآخرة» (3). وقوله تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} الآية: أي: يقال لهم هذا الكلام تبكيتًا وتقريعًا وتهكمًا، كما

(1)«مختصر تفسير ابن كثير» (ج2 ص: 139، 140).

وجاء في «جامع الأصول» (جـ4 ص 563): (شجاعًا أقرع) الشُجاع: الحية، والأقرع: صفته بطول العمر، وذلك أنه لطول عمره قد امرقَّ شعر رأسه، فهو أخبث له، وأشد شرًّا. (زبيبتان): الزبيبتان: هما: الزَّبَدَتَان في الشِّدقين. يقال: تكلم فلان حتى زبَّب شدقاه، أي: خرج الزَّبد عليهما، ومنها الحية ذات الزبيبتين، وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه (بِلِهْزِمتيه) اللِّهزِمَتان: عظمتان ناتئتان في اللَّحيين تحت الأذنين ويقال، هما مُضْيغتان عَليَّتَان تحتهما). اهـ. (قل).

(2)

متفق عليه. (قل).

(3)

صحيح - انظر «صحيح الجامع» رقم (4409). (قل).

ص: 315

في قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] أي هذا بذاك وهذا الذي كنتم تكنزون لأنفسكم، ولذلك يقال: من أحب شيء وقدمه على طاعة اللَّه عذب به، وهؤلاء لما كان جمع الأموال آثر عندهم من رضا اللَّه عنهم عذبوا بها، وكان أضر الأشياء عليهم في الدار الآخرة فيحمى عليها في نار جهنم، وناهيك بحرها، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، قال عبد اللَّه بن مسعود: والذي لا إله غيره لا يكوى عبد بكنز فيمس دينار دينارًا ولا درهم درهمًا ولكن يوسع جلده، فيوضع كل دينار ودرهم على حدة. انتهى.

تنبيه:

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الصدقة والهدية أيهما أفضل؟

فأجاب: الحمد لله، (الصدقة) ما يعطى لوجه اللَّه تعالى عبادة محضة من غير قصد شخص معين ولا طلب غرض من جهته، لكن يوضع في مواضع الصدقة كأهل الحاجات. وأما (الهدية) فيقصد بها إكرام شخص معين، إما لمحبة، وإما لصداقة، وإما لطلب حاجة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها، فلا يكون لأحد عليه منة، ولا يأكل أوساخ الناس التي يتطهرون بها من ذنوبهم، وهي الصدقات، ولم يكن يأكل الصدقة لذلك وغيره. وإذا تبين ذلك فالصدقة أفضل، إلا أن يكون في الهدية معنى تكون به أفضل من الصدقة، مثل الإهداء لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حياته محبة له، ومثل الإهداء لقريب يصل به رحمه، وأخ له في اللَّه، فهذا يكون أفضل من الصدقة (1). انتهى.

السادسة والثلاثون: بادر بالحج عند الميسرة، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهن، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (2). وقال رسول صلى الله عليه وسلم: « .... فإن عمرة في رمضان تعدل حجة» وفي رواية: «تعدل حجة معي» رواه مسلم، ولمسلم أيضًا قال صلى الله عليه وسلم:« .... الحج يهدم ما كان قبله» .

السابعة والثلاثون: علينا أن نتكلم باللغة العربية لأنها لغة القرآن.

الثامنة والثلاثون: لا تنبذ التمر والزبيب جميعًا، ولكن انبذ التمر على حدة، والزبيب على حدة، ثم اخلطهما بعد تمام النبيذ، وذلك لما رواه جابر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«أنه نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعًا، ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعًا» . رواه الجماعة إلا الترمذي، ويقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من يشرب النبيذ منكم فليشربه زبيبًا

(1)«مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (ج31 ص: 269). (قل).

(2)

متفق عليه. (قل).

ص: 316

فردًا أو بسرًا فردًا» أخرجه مسلم.

والبسر - كما في «القاموس» - ثمر النخل قبل أن يرطب، وسبب الكراهة فيه - كما في «شرح مسلم» (جـ 13 ص 223، 224) - أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه، فيظن الشارب أنه ليس مسكرًا ويكون مسكرًا، ومذهبنا ومذهب الجمهور أن هذا النهي لكراهة التنزيه ولا يحرم ذلك ما لم يصر مسكرًا وبهذا قال جماهير العلماء).

التاسعة والثلاثون: اجتنب المسكرات، واعلم أن التداوي بها داء وليس شفاء، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن اللَّه أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام» (1). رواه أبو داود. وقال ابن مسعود في المسكر: إن اللَّه لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. ذكره البخاري.

الأربعون: ابتعد عن شرب الدخان وما شابهه فإنه حرام، لقول اللَّه تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف: 157] والدخان من الخبائث.

واعلم أن لهذا الداء رائحة كريهة تؤذي الملائكة والمؤمنين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في «صحيح مسلم» ، بعد أن تكلم عن رائحة البصل:« .... وإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» بالإضافة إلى أن هذا المال ليس مالك أنت، وإنما هو مال اللَّه تعالى، لأن اللَّه تعالى يقول:{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] فلو أن هذا المال مالك أنت ما حاسبك اللَّه عليه، فاستعن باللَّه، وصل ركعتين، واسأل اللَّه أن يرفع عنك هذا البلاء، إن كنت ممن وقعوا فيه خاصة أنك عندما تستأثر بجانب من المال لنفسك، تكون بذلك قد جُرْتَ على أولادك، وأخذت منهم رزقهم، واللَّه سائلك عن ذلك.

الحادية والأربعون: ابتعد عن القمار واللعب بالنرد وما في معنى ذلك، وذلك لما يلي:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ والأنصَابُ والأزْلَامُ (2) رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ - إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ

(1) ضعفه الألباني في «ضعيف الجامع» ، وقال الأرنؤوط في «جامع الأصول»: حسن بشواهده. (قل).

(2)

الأنصاب: قال القرطبي: قيل هي الأصنام، وقيل هي النرد والشطرنج. وفي «أيسر التفاسير»: الأنصاب: جمع نصب ما ينصب للتقرب به إلى اللَّه أو التبرك به أو لتعظيمه. والأزلام: جمع زلم: وهي عيدان يستقسمون بها في الجاهلية لمعرفة الخير من الشر، والربح من الخسارة. اهـ. وقد عوض اللَّه المسلمين عنها بصلاة الاستخارة. (قل).

ص: 317

وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90، 91].

قال ابن كثير رحمه الله: يقول اللَّه تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر وهو القمار. وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: الشطرنج من الميسر. رواه ابن أبي حاتم. قال مجاهد وعطاء: كل شيء من القمار فهو الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز. وروي عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب مثله، وقالا: حتى الكعاب والجوز والبيض التي يلعب بها الصبيان. وقال ابن عمر وابن عباس: الميسر هو القمار، كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام، فنهاهم اللَّه عن هذه الأخلاق القبيحة. وقال مالك: كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين. وقال الزهري: الميسر: الضرب بالقداح على الأموال والثمار.

وقال القاسم بن محمد: كل ما ألهى عن ذكر اللَّه وعن الصلاة فهو من الميسر، وكأن المراد بهذا هو النرد الذي ورد به الحديث في «صحيح مسلم» [الطاولة وما شابهها]. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه» . وفي «موطأ مالك» عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من لعب بالنرد فقد عصى اللَّه ورسوله» (1). وأما الشطرنج فقد قال عبد اللَّه بن عمر: إنه شر من النرد، وتقدم عن علي أنه قال: هو من الميسر، ونص على تحريمه مالك وأبو حنيفة وأحمد، وكرهه الشافعي، رحمهم اللَّه تعالى، وأما الأنصاب ....

فائدة: ذكر ابن كثير رحمه الله: قال ابن أبي حاتم: مر علي رضي الله عنه على قوم يلعبون بالشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لأن يمس أحدكم جمرًا حتى يطفأ خير له من أن يمسها.

الثانية والأربعون: إذا وجدت أن حسنات الإنسان أكثر من سيئاته، فلا تذكر سيئاته، وإذا وجدت أن سيئاته أكثر من حسناته، فلا تذكر حسناته، (معنى قول لابن المبارك).

الثالثة والأربعون: لا تدع يومًا يمر عليك إلا وتأمر فيه بمعروف، وتنهى فيه عن منكر، ولو أن تقول: يا فلان حي على الصلاة ....

الرابعة والأربعون: سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الرجل إذا كان يتلو الكتاب العزيز بين جماعة، فقرأ سجدة، فقام على قدميه وسجد، فهل قيامه أفضل من سجوده

(1) حسن - رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم - انظر «صحيح الجامع» . (قل).

ص: 318

وهو قاعد أم لا؟ وهل فعل ذلك رياء ونفاق؟

فأجاب رحمه الله: بل سجود التلاوة قائمًا أفضل منه قاعدًا، كما ذكر ذلك من ذكره من العلماء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، وكما نقل عن عائشة، بل وكذلك سجود الشكر كما روى أبو داود في «سننه» عن النبي صلى الله عليه وسلم من سجوده للشكر قائمًا.

وهذا ظاهر في الاعتبار: فإن صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أحيانًا يصلي قاعدًا فإذا قرب من الركوع فإنه يركع ويسجد وهو قائم، وأحيانًا يركع ويسجد وهو قاعد، فهذا قد يكون للعذر أو للجواز.

الخامسة والأربعون: قال اللَّه تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ - إِلَاّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89]. قال ابن القيم رحمه الله: ولا يتم له سلامته مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء: من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجريد، والإخلاص يعم اهـ. من كتاب «الجواب الكافي» .

السادسة والأربعون: قال ابن القيم رحمه الله في كتيب «زاد المهاجر إلى ربه» مراتب الدعوة أربعة:

1 -

العلم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. 2 - العمل بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

3 -

الدعوة إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. 4 - الصبر على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

السابعة والأربعون: اثنان، أنصح نفسي وإياهما بالإعراض عن اللغو: الحلاق، والسائق (خاصة سائق السيارة الأجرة)، فللأول أن يضع في دكانه:«تفسير القرآن» ، و «منهاج المسلم» ، و «مختصر منهاج القاصدين» . وللثاني أن يستمع إلى تسجيلات العلماء وشرائط القرآن.

الثامنة والأربعون: ابتعد عن الجدال وإن كنت محقًا، لقوله صلى الله عليه وسلم:«أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق» رواه الطبراني، وأبو داود والضياء وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» وقال الأرنؤوط في «جامع الأصول»: إسناده صحيح. وجاء في «عون المعبود» (جـ14 ص: 152): «أنا زعيم» أي: ضامن وكفيل «ببيت» . قال الخطابي: البيت هاهنا القصر، يقال: هذا بيت فلان أي: قصره «في ربض الجنة» الرَبَض بفتحتين أي: ما حولها خارجًا عنها تشبيهًا بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القِلاع، كذا في «النهاية» ). فإن الجدال مدخل من مداخل الشيطان. وامتثل للحق ولو أمام الناس، ولا تظن أن ذلك يقلل من شأنك، بل يرفعه، وذلك حتى لا

ص: 319

تكون متكبرًا عن الامتثال للحق، ولقد ذم اللَّه المعرضين عن سبيل الرشد فقال:{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لَاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 146].

التاسعة والأربعون: إذا أردت أن تنصح إنسانًا فلا تنصحه أمام الناس، ولتكن النصيحة بينك وبينه، قال الإمام الشافعي: من وعظ أخاه سرًّا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.

الخمسون: جاء في باب سد الذرائع في «إغاثة اللهفان» لابن القيم: (منع المقرض من قبول هدية المقترض، ما لم يكن بينهما عادة جارية بذلك قبل القرض.

ففي «سنن» ابن ماجه (1) عن يحيى ابن إسحاق الهنائي قال: سألت أنس بن مالك: الرجل منا يقرض أخاه المال، فيهدي إليه؟ فقال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إذا أقرض أحدكم قرضًا فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبنها، ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك» ). انتهى.

ثم قال رحمه الله: وكل ذلك سدًّا لذريعة أخذ الزيادة في القرض الذي موجبه رد المثل.

الحادية والخمسون: الصمت حكم وقليل فاعله (قول للقمان الحكيم). واعلم أن من أعظم العبادة وأيسرها على البدن الصمت، وحسن الخلق، لذا كان من صفات عباد الرحمن كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]. ومن صفاتهم أيضًا قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} أي: لا يخالطون أهله ولا يعاشروهم. {وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ

} أي: إذا سفه عليهم سفيه وكلمهم بما لا يليق أعرضوا عنه، ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح، ولا يصدر عنهم إلا كلم طيب {وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} أي: لا نريد طريق الجاهلية ولا نحبها (2). انتهى.

وفي «مختصر منهاج القاصدين» : دخل عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين المسجد ليلة في الظلمة، فمر برجل نائم فعثر به، فرفع رأسه وقال: أمجنون أنت؟ فقال

(1) ضعيف - انظر «ضعيف الجامع» . (قل).

(2)

«مختصر تفسير ابن كثير» (ج3 ص: 18). (قل).

ص: 320

عمر: لا، فهم به الحرس، فقال عمر: مه، إنما سألني أمجنون؟ فقلت: لا.

الثانية والخمسون: ما هي آخر مرة زرت فيها المقابر للعظة.

الثالثة والخمسون: اكتب وصيتك الشرعية إذا كان عندك ما توصي به وإلا فإن التأخير دليل على طول أملك في الدنيا، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» . متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.

الرابعة والخمسون: لا تتحرج في كتابة الدّين، وإن كان المدين قريبًا لك خاصةً إذا كنت تعلم أنه قد يماطل في الحق، لأن اللَّه تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282].

قال ابن كثير رحمه الله: هذه الآية أطول آية في القرآن العظيم، وقد قال الإمام أبو جعفر بن جرير عن سعيد بن المسيب أنه بلغه: أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين، فقوله تعالى:{فَاكْتُبُوهُ} هذا إرشاد من اللَّه تعالى لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها، ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها .. إلى أن قال رحمه الله: فأمروا أمر إرشاد لا أمر إيجاب كما ذهب إليه بعضهم.

وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283]. وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال:: هذه نسخت ما قبلها وقال الشعبي: إذا ائتمن بعضكم بعضًا فلا بأس ألا تكتبوا أو لا تشهدوا (1). انتهى.

أي: أن الآية الثانية - واللَّه أعلم - نسخت ما في الآية الأولى من الكتابة والإشهاد على سبيل الإيجاب، لكنها لم تنسخ العمل بهما على سبيل الاستحباب.

الخامسة والخمسون: إذا اشتريت شيئًا مكيلاً أو موزونًا وأردت أن تبيعه فعليك أن تعيد الكيلَ مرة أخرى، وكذا الموزون أن تزنه مرة أخرى، فإن الإعراض عن ذلك خطأ يقع فيه غالب المسلمين، وعلى ذلك فإن ذمة البائع الثاني لا تبرأ بكيل ووزن البائع الأول، عن عثمان بن عفان، قال: كنت أبيع التمر في السوق، فأقول: كلت في وسقي هذا كذا، فأدفع أوساق التمر بِكَيْله وآخذ شفي، فدخلني من ذلك شيء، فسألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:«إذا سميت الكيل فكله» . رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

جاء في «سنن ابن ماجه» (جـ 3 ص 51): (قوله: «في وسق» بفتح واو وسكون سين، المقدار معين، ولعل المراد أنه كان يبيع بكيل البائع الأول ويقول للمشتري: إني

(1)«مختصر تفسير ابن كثير» (ج1 ص: 252: 256). (قل).

ص: 321

كلت فيه هذا من الكيل، ولا يكيل له، والمشتري يعتمد على قوله فيأخذه من غير كيل جديد، فأشار له صلى الله عليه وسلم في الجواب إلى أنك إذا عقدت البيع على الكيل فكله ولا تعتمد على الكيل الأول. وقوله:«وآخذ شفي» بكسر الشين وتشديد الفاء، أي: ربحي. واللَّه أعلم).

وجاء في (ب - ف)(إذا سميت: إذا حددت الكيل وأظهرته).

السادسة والخمسون: أكثر من الاستغفار، خاصة عند الشدائد، وأيضًا عند تسميع القرآن، فقد ورد في الأولى آيات وأحاديث كثيرة، ويكفي قوله تعالى:{وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90].

وروي عن ابن تيمية رحمه الله قوله: كان إذا حزبني أمر استغفرت اللَّه ألف مرة فيفرج اللَّه عني هذا الأمر.

وذكر العدد هنا كناية عن الكثرة، فلا ترتبط بعدد الشيخ رحمه الله.

وأما عند تسميع القرآن: فقد ذكر ابن كثير في تفسيره لقول اللَّه تعالى في سورة الشورى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30] عن الضحاك قال: ما نعلم أحدًا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب، ثم قرأ:{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} ثم قال الضحاك: وأي مصيبة أكبر من نسيان القرآن الكريم (1)! انتهى.

السابعة والخمسون: تمسك بالسنة خاصة فيما يتصل بظاهرك، فإنها تذكر الناس باللَّه. وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول: من عمَّر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، واعتاد أكل الحلال، لم تخطئ له فراسة أبدًا.

ولا تظن أن هذه الأشياء من القشور، فإنه بالقشر يحفظ اللب، ومن أمثلة ذلك: العمامة، والقميص، والشرب جالسًا على ثلاث مرات وعلى الأرض، فإنك قد تجد من يقول: هل حرم الشرب جلوسًا على الكرسي؟

وهنا أوضح عدة أمور:

أ- قال اللَّه تعالى: {وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116] فمسألة الحرام

(1)«مختصر تفسير ابن كثير» (ج3 ص: 279) آية (30). (قل).

ص: 322

والحلال مرجعها إلى اللَّه لا إلى الأهواء.

ب- وقد كان بعض السلف يتحرجون في الإفتاء فكانوا يقولون عند الإفتاء: (كانوا يقولون كذا). قال ابن كثير رحمه الله: ويدخل في هذا الأمر - أي الافتراء - كل من ابتدع بدعة ليس فيها مستند شرعي، أو حلل شيئًا مما حرم اللَّه أو حرم شيئًا مما أباح اللَّه بمجرد رأيه وتشهيه (1). انتهى.

بل يمكنك أن تقول له: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب واقفًا، إلا في حدود ما استنثنى، فعندما تشرب وأنت جالس (2) على الكرسي تكون قد امتثلت لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا شربت جالسًا، وعلى الأرض، فلك ثوابان: ثواب الجلوس، وثواب المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.

جـ- بعض الناس في هذه الأيام ليس عندهم إلا كلمتا حلال وحرام، ولم يعلموا أن الأحكام التي للعبودية خمسة: واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح.

د- تَفَهُّم فحوى النص: فمثلاً ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: «لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات» والخوان كما جاء في شرح هذا الحديث: المائدة ما لم يكن عليها طعام. فالحديث هنا يدل على الاستحباب لا على الوجوب.

هـ- قال ابن القيم رحمه الله: (

والمقصود أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر، واتساع القلب، وقرة العين، وحياة الروح، فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة، وقرة العين مع ما خُصَّ به من الشرح الحسي، وأكمل الخلق متابعة له، أكملهم انشراحا ولذة وقرة عين، وعلى حسب متابعته صلى الله عليه وسلم ينال العبد من انشراح صدره، وقرة عينه، ولذة روحه ما ينال

وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ اللَّه لهم، وعصمته إياهم، ودفاعه عنهم، وإعزازه لهم، ونصره لهم، بحسب نصيبهم من المتابعة، فمستقل، ومستكثر. فمن وجد خيرًا فليحمد اللَّه، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه) (3). انتهى. فالمتابعة له صلى الله عليه وسلم مكيال ومن أوفى استوفى.

الثامنة والخمسون: لا تحرم وارثًا من إرثه، قال تعالى:{وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمًّا} [الفجر: 9]، وروي أن من حرم وارثًا من إرثه حرمه اللَّه من ميراث الجنة.

(1)«مختصر تفسير ابن كثير» (ج3 ص: 350). (قل).

(2)

سيأتي إن شاء اللَّه تعالى حكم الشرب واقفًا. (قل).

(3)

«زاد المعاد» لابن القيم (ج2 ص: 27). (قل).

ص: 323

وهناك بعض الناس لا يعطون المرأة حقها في الميراث، وهي أيضًا تتحرج أن تطالب بذلك خشية أن تنقطع صلتها بأقاربها.

التاسعة والخمسون: اهتم بقصص الأنبياء عليهم السلام، فإن اللَّه تعالى يقول:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألبَابِ} [يوسف: 111]، وإذا أردت أن تقص على الناس فعليك بالسيرة، فإنها تشتمل على قصص الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح بالخيرية فقال:«خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» قال عمران راوي الحديث: فلا أدري أذكره بعد قرنه مرتين أو ثلاثًا، قال الحافظ - نقلاً عن «تحفة الأحوذي» (ج 6 ص 496): (

وجاء في أكثر الطرق بغير شك منهاعن النعمان بن بشير عند أحمد، وعن مالك عند مسلم عن عائشة قال رجل: يا رسول اللَّه أي الناس خير؟ قال: «القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث» مرتين أو ثلاثًا (1).

الستون: لا تُفْت بغير علم، قال الإمام ابن القيم رحمه الله في «إعلام الموقعين»: وقد حرم اللَّه القول عليه بغير علم في الفتوى والقضاء، وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها، قال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].

فرتب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، وثنَّى بما هو أشد تحريمًا منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلَّث بما هو أشد تحريمًا منها وهو الشرك باللَّه سبحانه، ثم ربَّع بما هو أشد تحريمًا من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه وتعالى بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله في دينه وشرعه.

الحادية والستون: جاء في «تفسير ابن كثير» ، قال ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد أن ينظر إلى وصية الرسول صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ هؤلاء الآيات: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَاّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُم مِّنْ إمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ - وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ

(1) صحيح - الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين، أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن ابن مسعود - انظر «صحيح الجامع» . (قل).

ص: 324

تَذَكَّرُونَ - وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 151، 153].

الثانية والستون: أحسن الظن بأخيك المسلم، خاصة عندما يدعوك إلى اللَّه، فقد تدعو مسلمًا إلى اللَّه فيقول لك: يا أخي هو أنا كافر؟ وقد يقول هذه الكلمة دون داع! .. يا أخي اتق اللَّه، من قال إنك كافر .. ليس حبيبك الذي يقدم لك المشروب، ولكن حبيبك الذي يقربك من المعبود. روي أن بعض الأئمة كان ماشيًا فألقي عليه رماد، فسجد لله شكرًا، فقالوا له: يا إمام أتسجد لله شكرًا وقد ألقي عليك الرماد؟! فرد عليه الإمام قائلاً: الحمد لله الذي جعله رمادًا ولم يجعله نارًا. وقال عمر بن الخطاب: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها من الخير محملاً.

الثالثة والستون: لا تظهر الشماتة بأخيك المسلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه اللَّه ويبتليك» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وقال المحققون: رجاله ثقات (1)، ومعنى الشماتة: الفرح ببلية الغير.

الرابعة والستون: جاء في «رياض الصالحين» (باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إلا لحاجة، وهو أن يتحدثا سرًّا بحيث لا يسمعهما، وفي معناه إذا تحدث اثنان بلسان لا يفهمه):

قال اللَّه تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} [المجادلة: 10] وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث» متفق عليه ورواه أبو داود؛ قال أبو صالح: قلت لابن عمر: فأربعة؟ قال: لا يضرك.

الخامسة والستون: إذا أهديت إنسانًا هدية فلا ترجع فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه» . متفق عليه. وفي رواية: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» .

ويستثنى من ذلك:

1 -

هبة الوالد لولده لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع

(1) وضعفه الألباني في «ضعيف سنن الترمذي» . (قل).

ص: 325