الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع: آداب من سورة النور
أولاً: آداب دخول البيوت وغض البصر وحفظ الفرج:
يُستفاد من تفسير هذه الآيات، ومن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في هذا الباب ما يلي:
1 -
على المؤمن أن يستأذن عند دخول بيت غيره (1).
2 -
ينبغي للمؤمن أن يستأذن ثلاث مرات، فإن أذن له وإلا رجع، والرجوع هنا للوجوب.
3 -
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاستئذان أنه كان يقول: «السلام عليكم» ثلاث مرات.
4 -
ينبغي للمؤمن عند الاستئذان ألا يقف تلقاء الباب بوجهه، ولكن ليكن الباب عن يمينه أو عن يساره.
5 -
على المستأذن أن يفصح عن اسمه أو كنيته التي هو مشهور بها ولا يقل: «أنا» .
6 -
على المؤمن أن يستأذن على أمه أو أخته لأنه - كما جاء في التفسير - لا يحب أن يراها عريانة.
7 -
لا يجب على الرجل أن يستأذن على امرأته، ولكن يستحب له ذلك، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها.
8 -
حرمة الدخول إذا لم يكن في البيت أحد. (كذا في روائع البيان).
9 -
عدم الإذن بالدخول قد يكون صريحًا، وقد يكون ضمنيًا كالسكوت، وينبغي للمؤمن أن لا يغضب من ذلك.
10 -
البيوت غير المسكونة التي لا حرج من دخولها مثل الفنادق والخانات ومنازل الأسفار.
(1) أباح العلماء دخول البيوت بدون إذن في حالات الضرورة كوجود حريق. (قل).
11 -
آيات سورة النور - واللَّه أعلم - خاصة قوله تعالى: {وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا} بيان عظيم لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
ب- قال اللَّه تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].
قال ابن كثير رحمه اللَّه تعالى: هذا أمر من اللَّه تعالى لعباده المؤمنين، أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا لما أباح لهم النظر إليه، وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع النظر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعًا، كما روي عن جرير بن عبد اللَّه البجلي رضي الله عنه قال:«سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري» (1). وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعلي: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك وليس لك الآخرة» (2). وفي «الصحيح» عن أبى سعيد قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إياكم والجلوس في الطرقات» ، قالوا: يا رسول اللَّه، لا بد لنا من مجالسنا نتحدث فيها، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه» . قالوا: وما حق الطريق يا رسول اللَّه؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» ، ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب، لذلك أمر اللَّه بحفظ الفروج، كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك، فقال تعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} وحفظ الفرج يكون تارة بمنعه من الزنا كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} الآية [المؤمنون: 5]، وتارة يكون بحفظه من النظر إليه كما جاء في الحديث:«احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» (3){ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} أي: أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم. كما قيل: من حفظ بصره أورثه اللَّه نورًا في بصيرته. وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} ، كما قال تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19].
وفي «الصحيح» عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «كتب
(1) أخرجه مسلم ورواه أبو داود والترمذي والنسائي أيضًا.
(2)
أخرجه أبو داود والترمذي. اهـ. [وحسنه الألباني في «صحيح سنن الترمذي»]. (قل).
(3)
أخرجه أحمد وأصحاب السنن. اهـ. وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» و «صحيح سنن الترمذي» . (قل).
على ابن آدم حظه من الزنا أدركه لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، وزنا الأذنين الاستماع، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين الخطى، والنفس تمنّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه».
وقد قال كثير من السلف: إنهم كانوا ينهون أن يحدّ الرجل نظره إلى الأمرد، وقد شدّد كثير من أئمة الصوفية في ذلك، وحرمه طائفة من أهل العلم، لما فيه من الافتتان، وشدد آخرون في ذلك كثيرًا جدًّا (1).
فائدة:
سُئل الجنيد: بما يستعان على غض البصر؟
قال: بعلمك أن نظر اللَّه إليك أسبق إلى ما تنظره.
قال ابن كثير رحمه اللَّه تعالى: هذا أمر من اللَّه تعالى للنساء المؤمنات وغيرة منه لأزواجهن المؤمنين، وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات، وكان سبب نزول هذه الآية ما ذكره (مقاتل بن حيان) قال: بلغنا أن أسماء بنت مرثد كانت في محل لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات (2)، فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل، وتبدو صدورهن وذوائبهن (3)، فقالت أسماء: ما أقبح هذا، فأنزل اللَّه تعالى:{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآية، فقوله تعالى {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} أي: عما حرم اللَّه عليهن من النظر إلى غير أزواجهن (4)، ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلاً، واحتج كثير منهم بما روي عن
(1) تنطبق أحكام غض البصر على الخيالة خاصة التي - للأسف - في بيوت كثير من المسلمين «التليفزيون» . (قل).
(2)
الإزار: ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن - «المعجم الوسيط» (قل).
(3)
الذوائب: جمع ذؤَابة: وهي الشعر المضفور من شعر الرأس - «النهاية» لابن الأثير رحمه اللَّه تعالى. (قل).
(4)
أخرجه ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة مرفوعًا.
أم سلمة أنها كانت عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وميمونة، قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم «احتجبا منه» فقلت: يا رسول اللَّه، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«أوعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه» (1). وذهب آخرون من العلماء إلى جواز نظرهن إلى الأجانب بغير شهوة، كما ثبت في «الصحيح» أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جعل ينظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم يوم العيد في المسجد، وعائشة أم المؤمنين تنظر إليهم من ورائه وهو يسترها منهم حتى ملت ورجعت، وقوله:{وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} قال سعيد بن جبير: عن الفواحش، وقال قتادة: عما لا يحل لهن. وقال مقاتل: عن الزنا، وقال أبو العالية: كل آية نزلت في القرآن يذكر فيها حفظ الفروج فهو من الزنا، إلا هذه الآية {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} ألا يراها أحد، وقوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي: لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه، وقال ابن عباس: وجهها وكفيها والخاتم، وهذا يحتمل أن يكون تفسيرًا للزينة التي نهين عن إبادائها، كما قال عبد اللَّه بن مسعود: الزينة زينتان، فزينة لا يراها إلا الزوج: الخاتم والسوار، وزينة يراها الأجانب، وهي الظاهر من الثياب.
وقال مالك: {إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (2): الخاتم والخلخال، ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور، ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن (أسماء بنت أبي بكر) دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال:«يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه» (3).
(1) أخرجه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. اهـ. [وضعفه الألباني في «ضعيف سنن الترمذي»]، وجاء في «جامع الأصول» (جـ6 ص 664) بتصرف: (
…
قال الحافظ في «الفتح» : إسناده قوي، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة ...... ). (قل).
(2)
إن شاء اللَّه تعالى سيأتي تفصيل هذه المسألة عند الكلام عن تغطية وجه المرأة، وقد جاء في تفسير صفوة التفاسير للصابوني، ردًّا على من قال: إن الوجه والكفين ليسا بعورة ما يلي: (قال البيضاوي: والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر، فإن كل بدن الحرة عورة لا يجب لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة)(ج2 ص: 335، 336). (قل).
(3)
رواه أبو داود وهو حديث مرسل لأن خالد بن دريك لم يسمع من عائشة. اهـ. وانظر تضعيف الحديث بالتفصيل لابن عثيمين في «رسالة الحجاب» ومما قاله أثابه اللَّه تعالى فوق ذلك: وأيضًا فإن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها كان لها حين هجرة النبي صلى الله عليه وسلم سبع وعشرون سنة، فهي كبيرة السن، فيبعد أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم بثياب رقاق تصف منها ما سوى الوجه والكفين، واللَّه أعلم، ثم على تقدير الصحة يحمل على ما قبل الحجاب، لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم عليه. (قل).
وقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} يعني: المقانع يعمل لها صفات ضاربات على صدورهن لتواري ما تحتها من صدرها وترائبها، ليخالفن شعار نساء أهل الجاهلية، فإنهن لم يكن يفعلن ذلك، بل كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطة آذانها، فأمر اللَّه المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن، كما قال تعالى:{يا أيها النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59]، وقال في هذه الآية الكريمة:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} والخمر جمع خمار: وهو ما يخمر به أي: يغطى به الرأس، وهي التي تسميها الناس المقانع، قال سعيد بن جبير:{وَلْيَضْرِبْنَ} وليشددن {بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} يعني: على النحر والصدر فلا يرى منه شيء، وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم اللَّه نساء المهاجرات الأول لما أنزل اللَّه {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها. وقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ} أي: أزواجهن {أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} كل هؤلاء محارم للمرأة يجوز لها أن تظهر عليهم بزينتها، ولكن من غير تبرج، فأما الزوج فإنما ذلك كله من أجله، فتتصنع له بما لا يكون بحضرة غيره، وقوله:{أَوْ نِسَائِهِنَّ} يعني: تظهر بزينتها أيضًا للنساء المسلمات، دون نساء أهل الذمة، لئلا تصفهن لرجالهن، فإنهن لا يمنعهن من ذلك مانع، فأما المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه، وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«لا تباشر المرأة المرأة تنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها» (1).
وروي أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك، فإنه من قبلك فلا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها، وقال مجاهد في قوله:{أَوْ نِسَائِهِنَّ} قال: نساؤهن المسلمات، ليس المشركات من نسائهن، وليس للمرأة المسلمة أن تنكشف بين يدي مشركة، وروي عن ابن عباس {أَوْ نِسَائِهِنَّ} قال: هن المسلمات لا تبديه
(1) أخرجاه في «الصحيحين» عن ابن مسعود مرفوعًا.
ليهودية ولا نصرانية، وهو النحر والقرط (1) والوشاح وما لا يحل أن يراه إلا محرم، وروى سعيد عن مجاهد قال: لا تضع المسلمة خمارها عند مشركة لأن اللَّه تعالى يقول: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} فليست من نسائهن، وعن مكحول وعبادة بن نسي: أنهما كرها أن تقبل النصرانية واليهودية والمجوسية المسلمة. وقوله تعالى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} قال ابن جرير: يعني: من نساء المشركين، فيجوز لها أن تظهر زينتها لها وإن كانت مشركة لأنها أمتها، وإليها ذهب سعيد بن المسيب، وقال الأكثرون: بل يجوز أن تظهر على رقيقها من الرجال والنساء، واستدلوا بالحديث الذي رواه أبو داود عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها، قال: وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال:«إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك» (2).
وقوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} يعني: كالأجراء والأتباع الذين ليسوا بأكفاء، وهم مع ذلك في عقولهم وله ولا همة لهم إلى النساء ولا يشتهونهن. قال ابن عباس: هو المغفل الذي لا شهوة له. وقال مجاهد: هو الأبله. وقال عكرمة: هو المخنث الذي لا يقوم ذكره، وكذلك قال غير واحد من السلف، وفي «الصحيح» عن عائشة أن مخنثًا كان يدخل على أهل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة يقول: إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«ألا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم» فأخرجه. وقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء} يعني: لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهن الرخيم، وتعطفهن في المشية وحركاتهن وسكناتهن، فإذا كان الطفل صغيرًا لا يفهم ذلك فلا بأس بدخوله على النساء، فأما إن كان مراهقًا أو قريبًا منه بحيث يعرف ذلك ويدريه ويفرق بين الشوهاء والحسناء، فلا يمكّن من الدخول على النساء (3)، وقد ثبت في «الصحيحين» عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إياكم والدخول على النساء» قيل: يا رسول اللَّه، أفرأيت الحمو. قال:«الحمو الموت» وقوله
(1) القُرْط: ما يعلق في شحمة الأذن من دُرّ أو ذهب أو فضة أو نحوها. والوشاح: خيطان من لؤلؤ وجوهر منظومان يخالف بينهما، معطوف أحدهما على الآخر. ونسيج عريض يرصع بالجوهر وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها. (والكشح ما بين الخاصرة والضلوع). كذا في «المعجم الوسيط» . (قل).
(2)
صحيح - انظر «صحيح أبي داود» . (قل).
(3)
سيأتي الكلام عن أحكام الصغير الأجنبي إن شاء اللَّه تعالى عند الكلام عن أحكام العورة بين المحارم. (قل).
تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} الآية، كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت لا يعلم صوتها ضربت برجلها الأرض، فيسمع الرجال طنينه، فنهى اللَّه المؤمنات عن مثل ذلك، وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورًا فتحركت لتظهر ما هو خفي دخل في هذا النهي لقوله تعالى:{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} إلى آخره، ومن ذلك أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها، فيشم الرجال طيبها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي