الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يمسكها عنا.
فهذا كان توسلهم في الاستسقاء ونحوه، ولما مات توسلوا بالعباس رضي الله عنه، كما كانوا يتوسلون به ويستسقون، وما كانوا يستسقون به في موته، ولا في مغيبه، ولا عند قبره، ولا عند قبر غيره (1). انتهى كلام ابن تيمية. فلو كان التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته جائزًا، فلِمَ ترك الصحابة رضوان اللَّه عليهم التوسل به صلى الله عليه وسلم ثم توسلوا بالعباس (2)، فقالوا: وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا؟!. سبحان اللَّه! لو كان خيرًا لسبقونا إليه.
تنبيه:
قال بعض العلماء: والصواب في هذه النقطة أن يقول المتوسل: اللهم إني أدعوك وأتوسل إليك بإيماني بنبيك صلى الله عليه وسلم ومحبتي واتباعي لسنته عليه الصلاة والسلام، لأن الإيمان بالنبي عليه الصلاة والسلام ومحبته واتباع سنته من أعظم الأعمال وأجلها وأنفعها عند اللَّه، ومن توسل إلى اللَّه ودعا بهذه الأعمال فقد توسل إليه بأحب الأعمال وأعظمها عند اللَّه تعالى. انتهى.
* * *
الفصل الثامن: فوائد
إليك هذه الفوائد، واللَّه تعالى أعلم:
الأولى: قال العلماء: إن من بين آداب الدعاء: أن يتخير الداعي الاسم الذي يوافق مسألته، فإذا كنت أدعو اللَّه تعالى بالمغفرة أقول: يا غفور اغفر لي، وإذا كنت أدعوه سبحانه بالرزق أقول: يا رزاق ارزقني: وإذا كنت أدعوه بالستر أقول: يا ستير استرني.
الثانية: لو تأملت في بيان اسم اللَّه الأعظم لوجدت أن هناك روايتين أو ثلاثًا في بيان اسم اللَّه الأعظم، فلو أنك جمعت هذه الروايات الثلاث أثناء الدعاء لضمنت أنك
(1) راجع هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب «الزيارة» لابن تيمية (ص 56: 59). (قل).
(2)
في حياته وحضوره. (قل).
دعوت اللَّه تعالى باسمه الأعظم، ومثال ذلك: هب إنسانًا قال لك: إن هناك ثلاثة بيوت في أحدها كنز، فلو أنك دخلت البيت الأول فلم تجده فيه، ففي هذه الحالة أَمَا يكون لك أن تدخل البيتين الآخرين، حتى تعثر على الكنز، وكذلك الدعاء باسم اللَّه الأعظم يضم الروايات الثلاث ولله المثل الأعلى.
الثالثة: بيان كيفية الدعاء بعد الفوائد السابقة:
1 -
الحمد لله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
2 -
اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت اللَّه لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
3 -
يا ذا الجلال والإكرام.
4 -
لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللَّه، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه.
5 -
تخير ما شئت من أدعية الكرب المتقدمة، حبذا كلها. 6 - يا رب يا رب يا رب.
7 -
موضوع الدعاء: فتتخير له من أسماء اللَّه الحسنى ما يوافقه، مثل: يا غفور اغفر لي ..
8 -
ثم بعد ذلك تقول: اللهم إني أسألك أن تجيب
…
9 -
آمين وصل اللَّهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الرابعة: يمكنك عند الاستعجال: حيث لا يكون عندك وقت تدعو فيه بكل ما تقدم، أن تدعو بما شئت مما تيسر لك، ويمكنك أن تقول بصيغة مختصرة. واللَّه أعلم:
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، يا رب: اللهم إني أسألك بأسمائك وصفاتك وباسمك اللَّه الأعظم أن تفعل لي كذا .. وصل اللَّه على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الخامسة: من أعظم القربات إلى اللَّه تعالى الدعاء بظهر الغيب، فإن كانت عندك مسألة تشغلك، فادع لكل المسلمين بهذه المسألة، فترد عليك الملائكة وتقول لك: ولك مثل ما قلت.
السادسة: يستحب أن تدعو بهذا الدعاء (1) الجامع المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك به عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليه من قول أوعمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرًا، لي ولكل المسلمين» . فتكون بهذا الدعاء العظيم قد دعوت لكل المسلمين، بكل خير دعا به النبي صلى الله عليه وسلم، وتكون أيضًا قد استعذت باللَّه من كل شر استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، وتكون أيضًا قد ضمنت لنفسك أن الملائكة تقول لك في الحالتين: ولك مثل ما قلت وأي عدد من الملائكة؟! بعدد المسلمين الذين دعوت لهم.
السابعة: صلاة الحاجة. روى أحمد بسند صحيح عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين يتمهما أعطاه اللَّه ما سأل معجلاً أو مؤخرًا» ومن أقوى الأدلة - واللَّه أعلم - على صلاة الحاجة ما رواه أبو داود وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة) أي: حزبته حاجة ومن المعلوم أنه لم يصح فيها دعاء معين، وانظر الهامش الأول المتقدم تحت التوسل بالأنبياء والصالحين.
ويستحب أن تطبق آداب الدعاء السالف ذكرها دبر هذه الصلاة، وأهمها تحري الحلال في المأكل والمشرب والملبس (2)، والإخلاص واجتناب المعاصي، قال أبو عبد اللَّه الباجي الزاهد رحمه الله: خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة اللَّه عز وجل، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل لله، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم
(1) والحديث بتمامه من أدعية المقدمة في هذا الكتاب، وهو حديث صحيح رواه أحمد وغيره - انظر «صحيح الجامع» . (قل).
(2)
من الأقوال المأثورة: (كسب الحلال أثقل من نقل جبل إلى جبل). (قل).
يرتفع العمل، وذلك إذا عرفت اللَّه عز وجل ولم تعرف الحق لم تنتفع، وإذا عرفت الحق ولم تعرف اللَّه لم تنتفع، وإن عرفت اللَّه وعرفت الحق ولم تخلص العمل لم تنتفع، وإن عرفت اللَّه وعرفت الحق وأخلصت العمل ولم يكن على السنة لم تنتفع، وإن تمت الأربع ولم يكن الأكل من حلال لم تنتفع.
وقال الشاعر:
نحن ندعو الإله في كل كرب ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابة لدعاء قد سددنا طريقها بالذنوب
صلاة الحاجة والتوكل: قال اللَّه تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من نزل به حاجة فأنزلها الناس كان قمنًا ألا تسهل حاجته، ومن أنزلها باللَّه تعالى آتاه اللَّه برزق عاجل أو بموت آجل» (1). وقال المروزي: قيل لأبي عبد اللَّه: أي شيء صدق التوكل على اللَّه؟ قال: أن يتوكل على اللَّه ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيبه بشيء، فإذا كان كذلك، كان اللَّه يرزقه، وكان متوكلاً على اللَّه. انتهى. ومعنى هذا القول هنا - واللَّه أعلم - خاصة أثناء الدعاء، ألا يكون في قلبك أنه بعد انتهاء الدعاء (كصلاة الحاجة) الذهاب إلى فلان كي يقضي لك حاجتك، وإنما تدعو دعاء عبد لا يعرف إلا مولاه سبحانه، وأن ما في خزائن مولاه تعالى أقرب إليه مما في جيبه، وكأنه يقول بقلبه قبل لسانه: يا رب انقطعت كل السبل إلا سبيلك.
الثامنة: جاء في كتاب «زاد المعاد» لابن القيم رحمه الله عند الكلام عن السجود ما يلي: وأمر صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في الدعاء في السجود وقال: «إنه قمنٌ أن يستجاب لكم» (2) وهل هذا أمر بأن يكثر الدعاء في السجود، أو أن الداعي إذا دعا في محل، فليكن في السجود؟ وفرق بين الأمرين، وأحسن ما يحمل عليه الحديث أن الدعاء نوعان: دعاء ثناء، ودعاء مسألة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر في سجوده من النوعين، والدعاء الذي أمر به في السجود يتناول النوعين، والاستجابة أيضًا نوعان: استجابة دعاء الطالب بإعطائه سؤاله، واستجابة دعاء المثني بالثواب، وبكل واحد من النوعين فسر قوله تعالى:{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 187] والصحيح أنه يَعُمُّ النوعين (3). انتهى من «زاد المعاد» .
(1) صحيح - انظر «صحيح الجامع» . (قل).
(2)
رواه مسلم. اهـ. جاء في «النهاية» لابن الأثير رحمه اللَّه تعالى (يقال: قَمَنٌ وقَمِنٌ وقَمينٌ: أي خليق وجدير). (قل).
(3)
«زاد المعاد» لابن القيم رحمه الله (ج1 ص 234: 235). (قل).
مثال ذلك: الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» فالقسم الأول من هذا الدعاء، دعاء ثناء، والقسم الثاني فيه دعاء مسألة.
التاسعة: جاء في كتاب «الجواب الكافي» لابن القيم وفي كتاب «الزهد» للإمام أحمد عن قتادة قال مورق: ما وجدت للمؤمن مثلاً إلا رجلاً في البحر على خشبة، فهو يدعو: يا رب، يا رب، لعل اللَّه عز وجل أن ينجيه.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .. آمين