الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع: صلاة الاستخارة
لا تدبِرْ لك أمرا فأولوا التدبير هلكى
سلِّم الأمرَ إلينا تجدْنا أولى بك منك
من «مدارج السالكين»
في «صحيح البخاري» عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر [ويسمى حاجته مثل: سفري إلى كذا، أو ذهابي إلى فلان، أو زواجي من فلانة .... ] خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: «عاجل أمري وآجله» - فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر [ويسمي حاجته أيضًا] شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال:«عاجل أمري وآجله» - فاصرفه عني، واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به». قال: ويسمى حاجته.
أولاً: جاء في «تحفة الأحوذي» للمباركفوري رحمه اللَّه تعالى (جـ2 ص 506: 508) ما مختصره:
قوله: «يعلمنا الاستخارة» أي: صلاة الاستخارة ودعاءها في «في الأمور» زاد في رواية البخاري كلها: «كما يعلمنا السورة من القرآن» فيه دليل على الاهتمام بأمر الاستخارة وأنه متأكد مرغب فيه «إذا هم» أي قصد «بالأمر» أي: من نكاح أو سفر أو غيرهما مما يريد فعله أو تركه «فليركع ركعتين» أي: فليصل ركعتين «من غير الفريضة» فيه دليل على أنه لا تحصل سنة صلاة الاستخارة بوقوع الدعاء بعد صلاة الفريضة «ثم ليقل» أي: بعد الصلاة (1)«اللهم إن أستخيرك» أي: أطلب منك الخير أو الخيرة. قال صاحب «المحكم» استخار اللَّه طلب منه الخير، وقال صاحب «النهاية»: خار اللَّه لك، أي أعطاك اللَّه ما هو خير لك. قال: والخيرة بسكون الياء الاسم منه. قال: فأما
(1) وهل يجوز قبل التسليم؟ سيأتي بيان ذلك إن شاء اللَّه تعالى. (قل).
بالفتح فهي الاسم من قوله اختاره اللَّه كذا في النيل «بعلمك» الباء فيه وفي قوله بقدرتك للتعليل أي بأنك أعلم وأقدر، قاله زين الدين العراقي.
وقال الكرماني: يحتمل أن تكون للاستعانة وأن تكون للاستعطاف كما في قوله: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [القصص: 17] أي: بحق علمك وقدرتك الشاملين، كذا في «عمدة القاري» .
وقال القاري في «المرقاة» : أي: بسبب علمك، والمعنى أطلب منك أن تشرح صدري (1) لخير الأمرين بسبب علمك بكيفيات الأمور وجزئياتها وكلياتها، إذ لا يحيط بخير الأمرين على الحقيقة إلا من هو كذلك كما قال تعالى:{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
قال الطيبي: الباء فيهما إما للاستعانة أي أطلب خيرك مستعينًا بعلمك، فإني لا أعلم فيهم خيرك وأطلب منك القدرة، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك، وإما للاستعطاف. انتهى مختصرًا.
«وأستقدرك» أي: أطلب منك أن تجعل لي قدرة عليه «وأسألك من فضلك العظيم» أي: تعيين الخير وتبيينه وتقديره وتيسيره وإعطاء القدرة لي عليه «اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر» (2) أي: الذي يريده.
قال الطيبي: معناه اللهم إنك تعلم، فأوقع الكلام موقع الشك على معنى التفويض إليه والرضا بعلمه فيه، وهذا النوع يسميه أهل البلاغة تجاهل العارف ومزج الشك باليقين، يحتمل أن الشك في أن العلم متعلق بالخير أو الشر لا في أصل العلم انتهى.
قال القاري: والقول الآخر هو الظاهر وتوقف في جواز الأول بالنسبة إلى اللَّه تعالى «في ديني» أي: فيما يتعلق بديني «ومعيشتي» وقع في رواية البخاري ومعاشي.
قال العيني: المعاش والمعيشة واحد يستعملان مصدرًا واسمًا، وفي المحكم العيش الحياة عاش عيشًا وعيشة ومعيشًا ومعاشًا ثم قال: المعيش والمعاش والمعيشة ما يعاش به. انتهى.
قال الحافظ: زاد أبو داود ومعادي وهو يؤيد أن المراد بالمعاش الحياة، ويحتمل أن يريد بالمعاش ما يعاش فيه، ولذلك وقع في حديث ابن مسعود عن الطبراني في «الأوسط»
(1) سيأتي إن شاء اللَّه تعالى التعليق على انشراح الصدر. (قل).
(2)
في «عون المعبود» : «اللهم إن كنت تعلم: أي: إن كان في علمك» . (قل).
في ديني ودنياي، وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني في دنياي وآخرتي. انتهى.
«وعاقبة أمري أو قال: في عاجل أمري وآجله» هو شك من الراوي، واقتصر في حديث أبي سعيد على عاقبة أمري، وكذا في حديث ابن مسعود وهو يؤيد أحد الاحتمالين: وأن العاجل والآجل مذكوران بدل الألفاظ الثلاثة أو بدل الأخيرين فقط. انتهى.
«فيسره لي» وفي رواية البزار عن ابن مسعود فوفقه وسهله «واقدر لي الخير» بضم الدال وكسرها أي يسره عليّ واجعله مقدورًا لفعلي «حيث كان» أي: الخير «ثم أرضني به» بهمزة قطع. وفي رواية: رضني به، كما تقدم. أي اجعلني راضيًا به «يسمى حاجته» «أي: أثناء الدعاء عند ذكرها بالكناية عنها في قوله إن كان هذا الأمر
…
». انتهى من «تحفة الأحوذي» .
وجاء في «عون المعبود شرح سنن أبي داود» لأبي الطيب شمس الحق العظيم أبادي رحمه اللَّه تعالى (جـ4 ص 398، 399) ما يلي: «قوله: فاقدره لي» أي: اجعله مقدورًا لي أو هيئه ونجزه لي.
قال في «النهاية» : القدر عبارة عما قضاه اللَّه وحكم به من الأمر وهو مصدر يقدُر قدرًا، وقد تسكن داله ومنه ليلة القدر التي تقدر فيها الأرزاق وتقضى، ومنه حديث الاستخارة: فاقدره لي.
قال ميرك: روي بضم الدال وكسرها ومعناه أدخله تحت قدرتي ويكون قوله: «ويسره لي» طلب التيسير بعد التقدير. وقيل: المراد من التقدير التيسير فيكون ويسره عطفًا تفسيريًا «وبارك لي فيه» أي: أكثر الخير والبركة فيما أقدرتني عليه ويسرته لي «مثل الأول» أي: يقول ما قال في الأول من قوله في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري «فاصرفني عنه» أي: اصرف خاطري عنه حتى لا يكون سبب اشتغال البال. «واصرفه عني» أي: لا تقدر بي عليه «واقدر لي الخير» أي: يسره عليَّ واجعله مقدورًا لفعلي «حيث كان» أي: الخير من زمان أو مكان. وفي رواية النسائي «حيث كنت» وفي رواية البزار: «وإن كان غير ذلك خيرًا فوفقني للخير حيث كان» وفي رواية ابن حبان: «وإن كان غير ذلك خيرًا لي فاقدر لي الخير حيثما كان» وفي رواية له: «أينما كان لا حول ولا قوة إلا باللَّه» «ثم رضني» من الترضية وهو جعل الشخص راضيًا وأرضيت ورضيت بالتشديد بمعنى «به» أي: بالخير، وفي رواية النسائي:«بقضائك» ؛ قال ابن الملك: أي اجعلني راضيًا بخيرك المقدور لأنه ربما قدر له ما هو خير له فرآه شرًّا «أو قال في عاجل أمري وآجله» .
قال في «المرقاة» : الظاهر أنه بدل من قوله في ديني إلخ. وقال الجزري في «مفتاح الحصن» أو في الموضعين للتخيير أي أنت مخير إن شئت قلت: «عاجل أمري وآجله» أو قلت: «معاشي وعاقبة أمري» .
قال الطيبي: الظاهر أنه شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله، وإليه ذهب القوم حيث قالوا: هي على أربعة أقسام خير في دينه دون دنياه، وخير في دنياه فقط، وخير في العاجل دون الآجل وبالعكس وهو أولى والجمع أفضل ويحتمل أن يكون الشك في أنه صلى الله عليه وسلم قال في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال بدل الألفاظ الثلاثة في عاجل أمري وآجله، ولفظ «في» المعادة في قوله:«في عاجل أمري» ربما يؤكد هذا وعاجل الأمر يشمل الديني والدنيوي والآجل يشملهما والعاقبة. انتهى.
قال المنذري: وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه. اهـ من «عون المعبود» .
ثانيًا: جاء في كتاب «فقه السنة» للشيخ سيد سابق ما يلي:
1 -
يُسَنُّ لمن أراد أمرًا من الأمور المباحة، والتبس عليه وجه الخير فيه، أن يصلي ركعتين من غير الفريضة، ولو كانتا من السنن الراتبة أو تحية المسجد، في أي وقت من الليل أو النهار، يقرأ فيهما بما شاء بعد الفاتحة، ثم يحمد اللَّه ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بالدعاء [السابق ذكره: اللهم إني أستخيرك بعلمك].
2 -
ولم يصح في القراءة فيها شيء مخصوص، كما لم يصح شيء في استحباب تكرارها.
3 -
قال النووي: ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح (1) له صدره، فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كان فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسًا، وإلا فلا يكون مستخيرًا لله، بل يكون غير صادق في طلب الخيرة، وفي التبري من العلم والقدرة وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تَبرَّأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه.
4 -
الواجب والمندوب مطلوب الفعل، والمحرم والمكروه مطلوب الترك، ولهذا لا تجري الاستخارة إلا في أمر مباح (2). انتهى من «فقه السنة» .
وجاء في «عون المعبود» : («يعلمنا الاستخارة» أي: طلب تيسر الخير في الأمرين، من الفعل أو الترك، من
(1) سيأتي إن شاء اللَّه تعالى في البند ثالثًا التعليق على انشراح الصدر بعد الاستخارة وهل هذا صحيح؟ (قل).
(2)
«فقه السنة» (ج2 ص 67: 69). (قل).
الخير وهو ضد الشر، في الأمور التي نريد الإقدام عليها مباحة كانت أو عبادة، لكن بالنسبة إلى إيقاع العبادة في وقتها وكيفيتها لا بالنسبة إلى أصل فعلها). اهـ. كالحج مثلاً، فإن العبد لا يصلي صلاة الاستخارة في كونه يحج أو لا، لكنه يصلي صلاة الاستخارة في كونه يحج هذا العام أو غيره - عند من يرى وجوب الحج على التراخي لا على الفور - أو أنه يحج عن طريق البر أو البحر أو الجو.
ثالثًا: حديث: «إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر إلى الذي سبق إلى قلبك فإن الخير فيه» . رواه ابن السني، وهو حديث ضعيف، قال النووي: إسناده غريب فيه من لا أعرفهم، وضعفه كل من الألباني في «الكلم الطيب» والأرنؤوط في «الأذكار النووية» وقال الأرنؤوط في «هامش الأذكار النووية» (ص: 102) نقلاً عن ابن حجر عن شيخه: وما ذكره قبل، أنه يمضي لما ينشرح له صدره، كأنه اعتمد فيه على هذا الحديث [أي: حديث السبع مرات السابق] (1).
وليس بعمدة قد أفتى ابن عبد السلام بخلافه، فلا تتقيد ببعد الاستخارة، بل مهما فعله فالخير فيه. اهـ.
رابعًا: لو تعقل المسلمون ما في صلاة الاستخارة لوسعتهم، إذ إ ن الاستخارة هي رأس التوكل على اللَّه سبحانه وتعالى، لذا - واللَّه أعلم - كلما استخار العبد ربه في دقائق الأمور (المباحة) كان العبد أكثر إيمانًا، إذ إن الاستخارة لا ترتبط بالأمور المباحة الكبرى فقط، كالزواج والسفر ونحوه - كما يفعل البعض - بل هي أيضًا تكون في أقل الأمور.
جاء في «نيل الأوطار» للشوكاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «في الأمور كلها» . دليل على العموم وأن المرء لا يحتقر أمرًا لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم أو في تركه
…
(2). انتهى.
خامسًا: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في كون المستخير يصلي صلاة الاستخارة ثم ينام حتى يرى رؤيا تكون نتيجة لصلاة الاستخارة، وهناك أمر آخر وهو أن بعض الناس قد يقعون في البدع وهم لا يدرون، فنجد أحدهم إذا أراد أن يعرف الخير، في أمر ما يمسك بالمصحف ويقول: افتح سورة كذا آية كذا أو افتح الصفحة رقم كذا ويختار لنفسه آية، ثم يقول: إن كانت تتكلم عن الجنة أو الخير، فهذا الأمر خير، وإن كانت تتكلم عن النار أو الشر،
(1) والذي تبين أنه ضعيف. (قل).
(2)
«نيل الأوطار» (ج / 3)(ص: 352: 356). (قل).
فهذا الأمر شر، وكل هذا من البدع التي لم ترد في الشرع الحنيف.
سادسًا: جاء في الأذكار النووية (1): وروينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف ضعفه الترمذي وغيره عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الأمر قال: «اللهم خر لي واختر لي» . انتهى من الأذكار النووية.
وهذا - واللَّه أعلم - يمكن الاعتداد به كقول في الأشياء التي يضيق وقتها عن صلاة الاستخارة، كأن تخير بين قبول هديتين في الحال، أو أن تكون أمام دارين لمسلمين، وكل منهما يدعوك للطعام، أو أن تمر من هذا الطريق أو ذاك.
سابعًا: ذكر النووي في الأذكار: أنه (يستحب الثناء على اللَّه تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم في أول دعاء الاستخارة وفي آخره) وقد ذكرت ذلك إتمامًا للفائدة.
ثامنًا: سئل الإمام ابن تيمية رحمه الله عن دعاء الاستخارة، هل يدعو به في الصلاة، أم بعد الصلاة؟
فأجاب: يجوز الدعاء في صلاة الاستخارة وغيرها: قبل السلام، وبعده، والدعاء قبل السلام أفضل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر دعائه قبل السلام قبل أن ينصرف، وهذا أحسن، واللَّه أعلم (2). انتهى. والمقصود بقبل السلام أي بعد التشهد.
تنبيه:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنما العطية بقدر النية. وعلى هذا فبقدر تجردك لله وتوكلك عليه في صلاة الاستخارة، بقدر ما يكفيك سبحانه وتعالى، ولا يظلم ربك أحدًا.
تاسعًا: جاء في «زاد المعاد» لابن القيم تعليقًا على صلاة (دعاء) الاستخارة ما يلي:
فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه وتعالى، والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقرار بربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه والخروج من عُهدة نفسه، والتَّبرِّي من الحول والقوة إلا به، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها وإرادته لها، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره وإلهه الحق.
وفي «مسند» أحمد يقول صلى الله عليه وسلم: «من سعادة ابن آدم استخارة اللَّه ورضاه بما قضى اللَّه، ومن
(1)«الأذكار النووية» بتحقيق الأرنؤوط (ص 101). (قل).
(2)
«مجموع فتاوى ابن تيمية» (ج23 ص: 177). ويمكنك - واللَّه أعلم - أن تدعو بدعاء الاستخارة قبل السلام إذا علمت أن هناك من يشغلك كأولادك، .... ، ..... (قل).
شقاوة ابن آدم ترك استخارة اللَّه وسخطه بما قضى اللَّه» (1).
فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفًا بأمرين: التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله، والرضا بما يقضي اللَّه له بعده، وهما عنوان السعادة وعنوان الشقاء، فإذا أبرم القضاء وتم انتقلت العبودية إلى الرضا بعده،
كما في «المسند» عنه صلى الله عليه وسلم: «وأسألك الرضا بعد القضاء» (2) هذا أبلغ من الرضا بالقضاء، فإنه قد يكون عزمًا فإذا وقع القضاء، تنحل العزيمة، فإذا حصل الرضا بعد القضاء، كان حالاً أو مقامًا.
والمقصود: أن الاستخارة توكل على اللَّه وتفويض إليه، واستقسام بقدرته وعلمه، وحسن اختياره لعبده، وهي من لوازم الرضا به ربًّا، الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك، وإن رضي بالمقدور بعدها، فذلك علامة سعادته (3). انتهى.
فائدة:
ذكر البيهقي عن محمد بن كعب القرظي رحمه اللَّه تعالى قال: قال موسى عليه السلام: يا رب أي خلقك أكرم عليك؟ قال: الذي لا يزال لسانه رطبًا بذكري، قال: يا رب، فأي خلقك أعلم؟ قال: الذي يلتمس إلى علمه علم غيره، قال: يا رب، أي: خلقك أعدل؟ قال: الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس، قال: يا رب: أي: خلقك أعظم ذنبًا؟ قال: الذي يتهمني. قال: يا رب، وهل يتهمك أحد؟ قال: الذي يستخيرني ولا يرضى بقضائي.
* * *
(1) قال الأرنؤوط:
…
ومع ذلك فقد حسنه الحافظ في «الفتح» . (قل).
(2)
صحيح - وأخرجه النسائي والحاكم وانظر «صحيح الجامع» . (قل).
(3)
«زاد المعاد» لابن القيم رحمه الله (ج2 ص: 444: 445).