المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: حكم تغطية الوجه بقلم فضيلة الشيخ وهبي غاوجي: - ففروا إلى الله - القلموني

[أبو ذر القلموني]

فهرس الكتاب

- ‌رجاء

- ‌بشرى لكل ناسخ وناشر

- ‌المقدمة

- ‌آثار ترك الذنوب والمعاصي

- ‌تنبيهات:

- ‌موضوعات الكتاب:

- ‌الباب الأول: التوبة

- ‌ذكر أحاديث فيها نفي القنوط:

- ‌أولاً: شروط التوبة:

- ‌فائدة:

- ‌ثمرة الاستغفار النافع تصحيح التوبة

- ‌من الأحاديث الدالة على التوبة:

- ‌ثانيًا: آثار المعاصي:

- ‌ثالثًا: جاء في مختصر منهاج القاصدين ما مختصره:

- ‌رابعًا: اتهام التوبة:

- ‌خامسًا: علامات قبول التوبة:

- ‌فائدة:

- ‌سادسًا: سؤال هام:

- ‌فائدة مشهد الرحمة في المعصية:

- ‌كتابة الحسنات والسيئات

- ‌سابعًا: توبة المرأة:

- ‌تنبيه وكلمة:

- ‌الباب الثاني: الدنيا

- ‌وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور:

- ‌فصل في بيان حقيقة الدنيا والمذموم منها والمحمود

- ‌الباب الثالث: الموت

- ‌ذكر شدة الموت

- ‌حسن الظن باللَّه تعالى:

- ‌الباب الرابع: الصلاة

- ‌المعاني التي تتم بها حياة الصلاة كثيرة:

- ‌ تساؤلات:

- ‌ قد يقول قائل: يا أخي العمل عبادة

- ‌ قد يقول قائل: إن فلانًا رجل يصلي ولكن معاملته غير طيبة

- ‌ احذر إبليس:

- ‌ قيام الليل:

- ‌فصل: في الأسباب الميسرة لقيام الليل

- ‌ما حكم قضاء الصلاة الفائتة

- ‌خاتمة:

- ‌الباب الخامس: الذكر

- ‌أولاً: فوائد الذكر:

- ‌منزلة الذكر وأقسامه

- ‌فصل في أذكار النوم واليقظة

- ‌فصل في أذكار الانتباه من النوم

- ‌بعض الأذكار الأخرى الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب السادس: الدعاء

- ‌الفصل الأول: فضل الدعاء

- ‌الفصل الثاني: آداب الدعاء

- ‌الفصل الثالث: ما هي أوقات الإجابة

- ‌الفصل الرابع: الذين يستجيب اللَّه تعالى دعاءهم

- ‌الفصل الخامس: بم يستجاب الدعاء

- ‌الفصل السادس: علامة استجابة الدعاء

- ‌الفصل السابع: التوسل بالأنبياء والصالحين

- ‌الفصل الثامن: فوائد

- ‌الفصل التاسع: صلاة الاستخارة

- ‌الفصل العاشر: بحث خاص برفع اليدين في الدعاء

- ‌الفصل الحادي عشر: ختامه مسك

- ‌خاتمة:

- ‌الباب السابع: حكم الإسلام في الغناء

- ‌ ومن مكايد عدو اللَّه (إبليس) ومصايده

- ‌خاتمة:

- ‌الباب الثامن: داء العشق ودواؤه

- ‌أولاً: جاء في كتاب «الجواب الكافي»

- ‌الباب التاسع: آداب من سورة النور

- ‌أولاً: آداب دخول البيوت وغض البصر وحفظ الفرج:

- ‌ثانيًا: تساؤلات:

- ‌آداب الهاتف من آداب دخول البيوت

- ‌الباب العاشر: حكم تغطية وجه المرأة

- ‌مقدمة:

- ‌أولاً الخلاصة: كما يراها فضيلة الشيخ البوطي:

- ‌ثانيًا: حكم تغطية الوجه بقلم فضيلة الشيخ وهبي غاوجي:

- ‌ثالثًا: 1 - ما جاء في «روائع البيان» تحت عنوان: «طائفة من أقول المفسرين في وجوب ستر الوجه»

- ‌من أقوال الشعراء في الإسلام:

- ‌استئذان الأقارب بعضهم على بعض:

- ‌أحكام العورة بين المحارم:

- ‌3 - العورة بين المرأة والمرأة:

- ‌الباب الحادي عشر: حكم عمل المرأة خارج البيت

- ‌أمان المرأة:

- ‌القوامة:

- ‌لا تكلف المرأة بشيء من الإنفاق:

- ‌ثالثًا: كيفية تعليم المرأة:

- ‌شروط خروج المرأة من البيت:

- ‌بحث مسألة وضع ثياب المرأة خارج بيتها

- ‌الباب الثاني عشر: علاج الصرع وعلاج السحر وفك الربط وعلاج الحسد

- ‌أولاً: هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الصرع:

- ‌ثانيًا: علاج الصرع:

- ‌ثالثًا السحر:

- ‌رابعًا علاج السحر:

- ‌خامسًا: بعض ما ورد في حل السحر:

- ‌سادسًا: تنبيهات خاصة بفك الربط:

- ‌علاج الحسد:

- ‌علاج العين:

- ‌الباب الثالث عشر: الدين النصيحة

- ‌ عليك بهذه المكتبة الإسلامية

- ‌ فائدة حول التسبيح دبر الصلوات:

- ‌ معاملة الزوجة بلطف والصبر على أذاها

- ‌ إياكَ والإفسادَ بين المرء وزوجه:

- ‌ الختان من محاسن الإسلام:

- ‌ استجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية

- ‌القرآن واللحية:

- ‌ إن خفت ظالمًا فعليك بهذه الأدعية:

- ‌ مختصر أسباب شرح الصدر

- ‌قَبْل الخاتمة

- ‌مقدار صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

- ‌قُبَيْل‌‌ الخاتمة

- ‌ الخاتمة

- ‌ما تزول به عقوبة الذنوب:

- ‌كتب للمؤلف

الفصل: ‌ثانيا: حكم تغطية الوجه بقلم فضيلة الشيخ وهبي غاوجي:

الكتاب والسنة، فإنها وقائع محجوبة بالحكم المبرم الذي دل عليه إجماع الأئمة وصريح الكتاب والسنة، وحاشا أن يكون حكم اللَّه هو المحجوب بها. انتهى من كتاب «إلى كل فتاة تؤمن باللَّه» .

‌ثانيًا: حكم تغطية الوجه بقلم فضيلة الشيخ وهبي غاوجي:

آيات الحجاب:

الآية الأولى: قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَاّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53].

قال عمر رضي اللَّه تعالى عنه: وافقت ربي عز وجل في ثلاث: قلت: يا رسول اللَّه لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل اللَّه تعالى:{وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، وقلت: يا رسول اللَّه، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو حجبتهن، فأنزل اللَّه آية الحجاب - وهي المكتوبة قبل أسطر - وقلت لأزواج النبي لما تمالأن عليه في الغيرة:{عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ} [التحريم: 5] فأنزلت كذلك. رواه البخاري ومسلم.

وذكر أنس رضي اللَّه تعالى عنه ما كان من وليمة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بزينب، وفيه: وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وزوج الرسول صلى الله عليه وسلم التي دخل بها معهم مولية وجهها إلى الحائط فأطالوا الحديث، فشقوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس حياء (1).

وكان زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش في ذي القعدة في السنة الخامسة من الهجرة، وفي صبيحة عرسه بها نزلت آية الحجاب، فاحتجبت المرأة المسلمة، وما تزال.

وقبل ذلك كانت المسلمة تستر رأسها وصدرها، ويبدو ما قد يبدو من شعر رأسها وعنقها وبعض صدرها.

وفي الجاهلية كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال، وكانت لها مشية تكسر وتغنج، تلقي فيه الخمار على رأسها، ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو

(1) رواه ابن أبي حاتم.

ص: 235

ذلك كله منها (1)، فأين خروج المرأة اليوم من خروج أختها في الجاهلية الأولى؟!

قال ابن كثير: فقوله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} حظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بغير إذن كما كانوا قبل يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار اللَّه تعالى لهذه الأمة فأمرهم بذلك، وذلك إكرام من اللَّه لهذه الأمة، ولهذا قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«إياكم والدخول على النساء» (2) الحديث.

يشير ابن كثير بكلامه هذا إلى ما صرح به علماء الأصول: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أي: لئن كانت الآيات نزلت في نسائه صلى الله عليه وسلم وحجابهن، فإنها تعم بأحكامها سائر نساء المسلمين.

ومما يؤكد هذا الحكم:

أ- قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} فدخول الضيف في البيت بدون إذن،، وكذا مع الإذن قبل نضج الطعام والجلوس بعد الطعام استرسالاً في الحديث، وإن الإيذاء كما لا يحل في جنب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يحل في حق أحد المسلمين.

ب- يؤكد قوله تعالى في الحجاب: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} فطهارة القلوب عن الخواطر الشيطانية مطلوبة في حق أزواجه صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين، بل الطهارة من هذه الخواطر المفضية إلى المعاصي المطلوبة في حق كل مؤمن ومؤمنة، بل أمره في غير أمهات المؤمنين آكد وأشد لمظنة الريبة في سائر نساء المسلمين لما أن نساء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن ظن السوء، ولأنهن لقبن بأمهات المؤمنين، ولأنهن نساء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

الآية الثانية: قوله تعالى لنساء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} (3) يقصد به تعميم الحكم على نساء المسلمين عامة، فإن قرار النساء في البيوت وعدم خروجهن لغير حاجة أمر مقرر في الإسلام، وكذا النهي عن التبرج بالتكسر في المشي وإظهار بعض الرأس والصدر أمر مقرر في النساء عامة.

قال الأستاذ المودودي - رحمه اللَّه تعالى - عند قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} : قد ذهب بعض الناس - يريد بعض المعاصرين - إلى أن هذا الأمر خاص لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم

(1)«تفسير ابن كثير» (ج3 ص: 482).

(2)

متفق عليه - انظر «صحيح الجامع» . (قل).

(3)

قال الزمخشري: كانت - أي نساء أهل الجاهلية الأولى - جيوبهن واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها، ولكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى - أي: أعناقهن وصدورهن - مكشوفة، فأمرن أن يُسدلنها من قدامهن حتى يغطينها (2 - 90).

ص: 236

لابتداء الآية بخطاب - (يا نساء النبي) - ولكنا نسأل: أي وصية من الوصايا الواردة في هذه الآية مخصوصة بأمهات المؤمنين دون سائر النساء؟ فقد قيل فيها: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 32، 33].

فتأمل هذه الوصايا والأوامر وقل لي: أي أمر منها لا يتصل بعامة النساء المسلمات؟ وهل النساء المسلمات لا يجب عليهن أن يتقين اللَّه تعالى، أو قد أبيح لهن أن يخضعن بالقول ويكلمن الرجال كلامًا يغريهم ويشوقهم؟ أو يجوز لهن أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى؟ ثم هل ينبغي لهن أن يتركن الصلاة والزكاة ويعرضن عن طاعة اللَّه ورسوله؟ وهل يريد اللَّه أن يتركهن في الرجس؟ فإذا كانت هذه الأوامر والإرشادات عامة لجميع المسلمات فما المبرر لتخصيص كلمة {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وحدها بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟

إن مصدر الفهم الخاطئ في الحقيقة هو مبتدأ الآية: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} ، ولكن هذا الأسلوب لا يختلف - مثلاً - عن قولك لولد نجيب: يا بني لست كأحد من عامة الأولاد حتى تطوف في الشوارع وتأتي بما لا يليق من الحركات، فعليك بالأدب واللياقة. فقولك هذا لا يعني أن سائر الأولاد يحمد فيهم طواف الشوارع وإتيان الحركات السيئة، ولا يطلب منهم الأدب واللياقة، بل المراد بمثل قولك هذا تحديد معيار لمحاسن الأخلاق وفضائلها، لكي يصبوا إليها كل ولد يريد أن يعيش كنجباء الأولاد فيسعى في بلوغه. وقد اختار القرآن الكريم هذه الطريقة لتوجيه النساء لأن نساء العرب في الجاهلية كن على مثل الحرية التي توجد في نساء العرب في هذا الزمان، وكان العمل جاريًا على تعويدهن الحضارة الإسلامية بشيء من التدريج، ويعلمهن حدود الأخلاق وقيود الضابط الاجتماعي على يد النبي صلى الله عليه وسلم.

ففي تلك الأحوال عنى الإسلام بضبط أمهات المؤمنين بضابطة على وجه خاص حتى يكنَّ أسوة لسائر النساء، وتتبع طريقتهن وعاداتهن في بيوت عامة المسلمين. هذا الرأي نفسه - وهو تعميم نساء المسلمين بالخطاب - أبداه العلامة أبو بكر الجصاص في كتابه «أحكام القرآن» فقال: وهذا الحكم وإن نزل خاصًا في النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه فالمعنى فيه عام، فيه وفي غيره، إذ كنا مأمورين باتباعه والاقتداء به، إلا مما خصه اللَّه به دون أمته. اهـ. «الجزء الثالث ص: 455».

ص: 237

الآية الثالثة: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59].

الجلباب: قال ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه فيه: هو الذي يستر من فوق إلى أسفل. وقال سعيد بن جبير: هو المقنعة (الملاءة). وقيل: كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، والثوب الذي تشتمل به المرأة فوق الدرع والخمار.

الإدناء: هو التقريب. يقال: أدنى الشيء إذا قربه وضُمِّن معنى الإرخاء والسدل، ولذا عُدي بعلى. قال سعيد بن جبير: يدنين: يسدلن عليهن. والظاهر أن المراد بـ {عَلَيْهِنَّ} على جميع أجسادهن، وقيل: على رءوسهن أو على وجوههن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه، قالت أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلت هذه الآية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها. اهـ (1).

الحجاب الشرعي: الحجاب الشرعي المأمور به ثلاث درجات بعضها فوق بعض في الاحتجاب والاستتار، دل عليها الكتاب والسنة (2).

الدرجة الأولى: حجاب الأشخاص في البيوت بالجدر والخدر وأمثالها، بحيث لا يرى الرجال شيئًا من أشخاصهن ولا لباسهن ولا زينتهن الظاهرة ولا الباطنة، ولا شيئًا من جسدهن من الوجه والكفين وسائر البدن.

1 -

وقد أمر اللَّه تعالى بهذه الدرجة من الحجاب فقال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} إذ إن هذا يدل على أن سؤال أي شيء منهن يكون من خلف ستر يستر الرجال عن النساء والنساء عن الرجال، وما ذكر من سبب نزول الآية يقرر هذا الأمر ويؤكده.

2 -

وأمر بها في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} قال محمد بن سيرين: ثبت أنه قيل لسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: مالك لا تحجين ولا تعتمرين كما تفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني اللَّه تعالى أن أقر في بيتي، فواللَّه لا أخرج من بيتي حتى أموت. قال: فواللَّه ما خرجت من باب حجرتها حتى خرجت جنازتها (3).

(1) أخرجه عبد الرزاق وغيره، «روح المعاني» (22 - 68 وما بعد).

(2)

انظر «جوهر القرآن» لمفتي عموم باكستان العلاّمة محمد شفيع، أثابه اللَّه.

(3)

كذا في «السراج المنير» للخطيب الشربيني (3 - 343).

ص: 238

وهذا الحكم العام قد استثني بالخروج للحاجة، قال صلى الله عليه وسلم:«أذن لكن في الخروج لحاجتكن» . رواه البخاري.

3 -

ويرشح هذه الدرجة أحاديث تحبب إلى المرأة القرار في البيت وعدم الخروج حتى إلى صلاة الجماعة مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإن قرارها في بيتها أرجى لها في الأجر عند اللَّه تعالى.

جاءت أم حميد الساعدي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه، إني أحب الصلاة معك، قال:«قد علمتُ أنك تحبين الصلاة معي؟ وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي» . قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت اللَّه عز وجل. رواه أحمد (1).

نعم للنساء الكبار الخروج إلى المساجد بالليل كصلاة المغرب والعشاء والفجر، فإن الليل أستر وأخفى وأبعد عن الفتنة. قال صلى الله عليه وسلم:«لا تمنعوا إماء اللَّه مساجد اللَّه، ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد» . رواه الترمذي.

ويشترط لخروجهن إلى الصلاة أمور:

1 -

أن يكون ذلك في صلوات الليل لما ذكرنا من حديث الترمذي.

2 -

أن يبادرن بالانصراف من المسجد فور سلام الإمام من صلاته. قالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلففات بمروطهن ما يعرفن من الغلس» . رواه الترمذي (2).

3 -

ألا تختلط النساء بالرجال في الجماعة، ولا يسبقنهم إلى الصفوف الأمامية، بل عليهن أن يقمن خلف صفوف الرجال. قال صلى الله عليه وسلم:«خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» . رواه مسلم.

4 -

ألا يكون خروجهن إلى المسجد متزينات. قالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: «يا أيها الناس انهوا نساءكم عن الزينة والتبختر في المسجد، فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى

(1) حسن. ورواه الطبراني في «الكبير» والبيهقي في «السنن» انظر «صحيح الجامع» . (قل).

(2)

صحيح - انظر «صحيح سنن الترمذي» . (قل).

ص: 239

لبس نساؤهم الزينة وتبخترن في المساجد». رواه ابن ماجه. [والحديث ضعيف - انظر ضعيف الجامع].

ولما رأت السيدة عائشة رضي اللَّه تعالى عنها خروج النساء في زمانها على شيء من الزينة إلى المساجد قالت: لو أدرك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما أحدثت النساء لمنعهن - المساجد - كما منعت نساء بني إسرائيل. رواه مسلم.

5 -

أن يسكنَّ في الصلاة ولو للاستدراك على الإمام في خطئه. إلا أن يكون التصفيق بباطن اليد اليمنى على ظاهر اليد اليسرى دون كلام. قال صلى الله عليه وسلم: «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء» (1).

الدرجة الثانية من الحجاب: خروجهن من البيوت مستورات:

1 -

قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} .

سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} فقال: أن تغطي وجهها من فوق رأسها بالجلباب وتبدي عينًا واحدة، ومثله روي عن السُّدي وعبيدة السلماني.

2 -

وقال اللَّه تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ .... وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} تدل هاتان الآيتان على خروج المرأة من بيتها، وإلا لم يكن الأمر موجهًا إلى الرجال والنساء بغض البصر على حد سواء.

3 -

وقال اللَّه تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60]. المراد بالثياب هو الجلباب والرداء وغيرها من الثياب الظاهرة التي لا يفضي وصفها إلى كشف العورة. كذا نقل عن ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه.

4 -

وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس للنساء وسط الطريق» (2)، فقد أذن اللَّه تعالى للنساء بالخروج من بيوتهن خروجًا مقيدًا بالحاجة.

5 -

وقد عقد الإمام البخاري في كتاب «النكاح» من صحيحه بابًا قال فيه: «باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره» عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(1) رواه البخاري وانظر كتاب «الحجاب» للمودودي رحمه اللَّه تعالى.

(2)

رواه البيهقي. [وحسنه الألباني]. (قل).

ص: 240

«إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها» قال الحافظ ابن حجر: قاس - البخاري - غير المسجد على المسجد والجامع بينهما ظاهر، ويشترط في الجميع: الأمن من الفتنة (1).

الدرجة الثالثة: أي: خروجهن مستورات الأبدان من الرأس إلى القدم، مع كشف الوجه واليدين عند أمن الفتنة على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي اللَّه تعالى عنه.

والعلماء في هذا الأمر على قولين: أباح بعضهم كشف الوجه واليدين عند أمن الفتنة، ولم يبح ذلك آخرون إلا عند الاضطرار. وعلى القول الأول أبو حنيفة، وعلى القول الثاني: مالك والشافعي وأحمد.

1 -

مذهب المالكية: أنه لا يجوز النظر إلى شيء من بدن المرأة لا إلى الوجه ولا إلى الكفين ولا إلى غيرهما، ولا يجوز للمرأة إبداء الوجه والكفين للأجانب، وقد صرح ابن المنير المالكي بذلك فقال: إن كل بدن الحرة لا يحل لغير الزوج، والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة (2).

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه «أحكام القرآن» (3) عند قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} : وهذا يدل على أن اللَّه تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب: في حاجة تعرض أو مسألة يستفتى فيها. والمرأة كلها عورة: بدنها وصوتها فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة، أو لحاجة كالشهادة أو داء يكون ببدنها (4).

2 -

مذهب الشافعية: أنه لا يجوز النظر إلى شيء من بدن المرأة لا الوجه ولا الكفين ولا يجوز للمرأة إبداء شيء من بدنها للأجانب إلا لضرورة.

قال الإمام النووي: ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة أجنبية، وكذا إلى وجهها وكفيها عند خوف الفتنة، وكذا عند الأمن على الصحيح (5).

3 -

مذهب الحنابلة: أنه لا يجوز النظر إلى شيء من بدن المرأة لا الوجه، ولا الكفين، ولا يجوز للمرأة إبداء شيء من بدنها للأجانب إلا لضرورة.

قال الشيخ يوسف مرعي: وحرم في غير ما مر - والذي مر هو نظر الخاطب - ونظر

(1)«فتح الباري» (9 - 328).

(2)

«روح المعاني» .

(3)

«أحكام القرآن» (2/ 18).

(4)

اعتبر الشيخ الصابوني أثابه اللَّه - في «روائع البيان» (ج2 ص: 154) - رأي المالكية كرأي الحنفية. (قل).

(5)

«نيل الأوطار» (2 - 18).

ص: 241

الزوج إلى زوجته، وغير ذلك: قصد نظر أجنبية حتى شعر متصل لا بائن.

قال أحمد: ظفرها عورة، فإذا خرجت فلا تبين شيئًا، ولا خفيها فإنه يصف القدم، وأحب أن تجعل لكمها زرًّا عند يدها (1).

4 -

مذهب الحنفية: أنه يجوز للمرأة كشف وجهها وكفيها عند أمن الفتنة.

قال الكاساني: فلا يجوز النظر من الأجنبي إلى الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها إلا الوجه والكفين لقوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} إلا أن النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة وهي - الوجه والكفين - رخص بقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . والمراد من الزينة: مواضعها، ومواضع الزينة الظاهرة: الوجه والكفان، ولأنها تحتاج إلى البيع والشراء والأخذ والعطاء، ولا يمكنها ذلك عادة إلا بكشف الوجه والكفين، فيحل لها الكشف. وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه.

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يحل النظر إلى القدمين أيضًا، ثم قال: إنه يحل النظر إلى مواضع الزينة منها من غير شهوة، وأما عن شهوة فلا، لقوله صلى الله عليه وسلم:«العينان تزنيان» (2)، وليس زنى العينين إلا النظر عن شهوة. ثم قال: والأفضل للشاب غض البصر عن وجه الأجنبية وكذا الشابة، لما فيه من خوف حدوث الشهوة والوقوع في الفتنة، ويؤيده المروي عن ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال في قوله تعالى:{إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} : أنه الرداء والثياب. فكان غض البصر وترك النظر أزكى وأطهر (3).

وجاء في «الدر المختار» : يعزر المولى عبده والزوج زوجته على تركها الزينة، أو كلمة ليسمعها أجنبي، أو كشف وجهها لغير محرم (4).

وجاء فيه كذلك: وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال، لا لأنه عورة بل لخوف الفتنة كمسه، وإن أمن الفتنة لأنه أغلظ ولذا ثبتت به حرمة المصاهرة.

قال ابن عابدين في شرحه عليه: المعنى تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة، لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة. قوله: كمسه: أي: كما يمنع الرجل من مس وجهها وكفيها وإن أمن الشهوة.

وقال أبو بكر الجصاص: - وهو حنفي - عند قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن

(1)«غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى» (3 - 7).

(2)

صحيح - رواه أحمد والطبراني في «الكبير» - انظر «صحيح الجامع» . (قل).

(3)

«بدائع الصنائع» (5 - 123).

(4)

«هامش در المختار شرح الدر» لابن عابدين (3 - 16).

ص: 242

جَلَابِيبِهِنَّ}: في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها من الأجنبي وإظهار الستر والعفاف عند الخروج، لئلا يطمع أهل الريب فيهن (1).

فأصل مذهب الإمام أبي حنيفة جواز كشف المرأة وجهها في الحالات العامة، على وجود [الأمة المسلمة العفيفة في رجالها ونسائها]. أما إذ تغيرت الحالة العامة ولم يؤمن فيها من الفتنة فيجب على المرأة أن تستر جميع بدنها ووجهها وكفيها، سدًّا لذرائع الفساد وعوارض الفتن.

فحكم وجه المرأة وكفيها في المذهب الحنفي في مثل أيامنا هذه كحكمه في باقي المذاهب الأربعة وهو: حرمة كشف المرأة وجهها لغير ضرورة، واللَّه أعلم.

وبالجملة فقد اتفقت مذاهب الفقهاء وجمهور الأئمة على أنه: لا يجوز للنساء الشواب كشف الوجوه والأكف بين الأجانب، ويستثنى فيه العجائز (2) لقوله:{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء} ، والضرورات مستثناة من الجميع بالإجماع.

فلم يبق للحجاب المشروع إلا الدرجتان الأوليان: القرار في البيوت وحجاب الأشخاص وهو الأصل. والثانية خروجهن لحوائجهن مستترات بالبراقع والجلابيب وهو الرخصة للحاجة، ولا شك أن كلتا الدرجتين منه مشروعتان، غير أن الغرض من الحجاب لما كان سد الذرائع، وفي خروجهن من البيوت ولو للحوائج والضرورات مظنة فتنة، شرط اللَّه تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم شروطًا يجب عليهن التزامها عند الخروج (3).

ما يدل على وجوب ستر الوجه مطلقًا:

1 -

قال القرطبي عند قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} : الزينة على قسمين: خِلقية ومكتسبة، فالخلقية: وجهها، فإنه أصل الزينة وجمال الخلقة، ومعنى الحيوانية لما فيه من المنافع وطرق العلوم، وأما الزينة المكتسبة: فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خلقتها كالثياب والحلي والكحل والخضاب، ومنه قوله تعالى:{خُذُواْ زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31].

وقال الشاعر:

يأخذن زينتهن أحسن ما ترى وإذا عطلن فهن خير عواطل

وقال: ومن الزينة ظاهر وباطن.

(1)«أحكام القرآن» (3 - 458).

(2)

ومع ذلك قال اللَّه تعالى: {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، وبشرط عدم رغبتهن في النكاح، كما هو واضح من نص الآية. (قل).

(3)

إن شاء اللَّه تعالى سيأتي ذكر هذه الشروط عند الكلام عن حكم عمل المرأة خارج البيت. (قل).

ص: 243

فما ظهر فمباح أبدًا لكل الناس من المحارم والأجانب.

وقد ذكرنا ما للعلماء فيه، وأما ما بطن فلا يحل إبداؤه إلا لمن سماهم اللَّه تعالى في هذه الآية أو حل محلهم (1).

2 -

وقال القاضي البيضاوي: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} : كالحلي والثياب والأصباغ فضلاً عن مواضعها لمن لا يحل أن تبدي له {إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} عند مزاولة الأشياء كالثياب والخاتم، فإن في سترها حرجًا. وقيل: المراد بالزينة مواقعها على حذف المضاف أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزينية، لا في النظر فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة (2).

3 -

وقال عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه:

الزينة زينتان: زينة ظاهرة وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج، فأما الزينة الظاهرة فالثياب وأما الزينة الباطنة السوار والخاتم (3).

4 -

وقال عبد اللَّه بن عباس: أمر اللَّه نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينًا واحدة. «من رواية علي بن أبي طلحة وهي رواية البخاري لتفسير ابن عباس في الصحيح» .

5 -

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لا تتنقب المحرمة ولا تلبس القفازين» (4). رواه البخاري.

وهذا يعني أن غير المحرمة تنتقب، بأن تستر الوجه، وتستر اليدين بأن تلبس القفازين. ومع ذلك فإن المرأة المحرمة إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبًا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها. روي ذلك عن عثمان وعائشة وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وغيرهم.

قالت عائشة رضي الله عنها: كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزوا كشفنا. رواه أبو داود. قالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: يرحم اللَّه نساء المهاجرات الأول، لما أنزل اللَّه تعالى:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن (5) فاختمرن بها. رواه

(1)«الجامع لأحكام القرآن» (ص: 12 - 229).

(2)

البيضاوي مهمشًا بالجلالين (2 - 138)[وقد سبقت الإشارة إلى ذلك من صفوة التفاسير]. (قل).

(3)

رواه ابن أبي شيبة وابن جرير وفي «الدر المنثور» نقول عديدة في هذا المعنى من اعتبار الوجه عورة مستورة.

(4)

ولكنها تدخل يديها في كميها كما دلت على ذلك الآثار الصحيحة. (قل).

(5)

المرط: كساء من صوف ونحوه يؤتزر به.

ص: 244