الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَدِيث التاسع عشر [اقتداء المؤمنين من النار بأهل الملل الكافرة]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْحَدَّادُ، إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عبد الله بن أحمد الحافظ، حدثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى:
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دُفِعَ إِلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، فَقِيلَ: هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ "
هَذَا حَدِيثٌ حَسَن، صَحِيح، عَالٍ، مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رضي الله عنه.
تَفَرَّدَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بِإِخْرَاجِهِ فِي صَحِيحِهِ، رَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ.
رواه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أحسن أصحابه صوتاً بالقرآن، وأفصح أقرانه فِي الفقه والبيان: أَبُو مُوسَى عَبْد اللَّهِ بْن قيس بْن سليم الأشعري رضي الله عنه.
من كبار أصحاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي العلم والدين سمع رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صوته وَهُوَ يقرأ القرآن فَقَالَ: " لقد أوتي هَذَا مزمارا من مزامير آل داود ".
قدم عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأشعريين فأسلم وأسلموا بمكة، وهاجر الهجرتين إِلَى الحبشة والمدينة، ثُمَّ جاء مَعَ جَعْفَر بْن أَبِي طالب رضي الله عنه حين افتتح صلى الله عليه وسلم خيبر، فقسم لَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أَبُو مُوسَى: بلغنا خروج رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فخرجنا مهاجرين أنا وأخوان لِي أنا أصغرهم، أحدهما أَبُو بردة والآخر أَبُو أدهم، فركبنا سفينة فوقعنا إِلَى الحبشة فوافقنا جَعْفَر بْن أَبِي طالب، فأقمنا معه حَتَّى قدمنا جميعا حين افتتح رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خيبر فأسهم لنا، أَوْ قَالَ: أعطانا، وما قسم لأحد غاب عَنْ فتح خيبر إِلا لأصحاب سفينتنا، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:" لكم يَا أهل السفينة هجرتان ".
وأم أَبِي مُوسَى: طفية، من عك، أسلمت وماتت بالمدينة.
توفي أَبُو مُوسَى سنة أربع وأربعين، وقيل: سنة خمسين بالكوفة، وقيل بمكة حماها اللَّه.
وفي الْحَدِيث رجاء عظيم لأهل الإيمان بالله تَعَالَى، قَالَ أَبُو أسامة: هَذَا الْحَدِيث خير للمؤمن من الدنيا وما فِيهَا، وعده أئمة الدين من كنوز الْحَدِيث اعتمادا عَلَى فضل اللَّه تَعَالَى فِيهِ واعتدادا بِهِ.
وفيه: دليل عَلَى كمال لطف اللَّه تَعَالَى بعباده المؤمنين وكرامتهم عَلَيْهِ، حيث فدى أولياءه بأعدائه. ويحتمل أن يكون معنى الفداء أن اللَّه تَعَالَى وعد النار ليملأها من الجنة والناس، وهي تستنجز اللَّه تَعَالَى موعده يوم القيامة فِي المشركين وعصاة المؤمنين، فيرضيها اللَّه تَعَالَى بما يقدم إليها من الكفار، فيكون ذَلِكَ كالمفاداة عَنِ المؤمنين.
وَقَالَ بعضهم: معناه أن المؤمنين يتوقون بالكفار من لفح النار إذا مروا عَلَى الصراط، فيكون وقاء وفداء لأهل الإْسِلام.
وأنكر المعتزلة هَذَا الخبر، واستدلوا بقوله تَعَالَى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، والذي صاروا إِلَيْهِ خلاف الكتاب والسنة، قَالَ اللَّه تَعَالَى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} ، وَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:" يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها اللَّه تَعَالَى لهم ويضعها عَلَى اليهود والنصارى "
ولا يستبعد من فضل اللَّه تعالى مَعَ أهل الإْسِلام والإيمان أن يفديهم بأهل الكفر والطغيان، وذلك عدل من اللَّه تَعَالَى مَعَ أهل معصيته، وفضل عَلَى أهل طاعته، فإذا كَانَ الفداء محمولا عَلَى مَا تقدم ذكره فلا يصح استدلالهم بالآية، لأن كل كافر معاقب بوزره عَلَى مَا بيناه.
أَخْبَرَنَا جمال الأئمة أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن مَنْصُور السَّمْعَانِيّ، أَخْبَرَنَا والدي شَيْخ الإْسِلامِ أَبُو المظفر مَنْصُور بْن مُحَمَّد السَّمْعَانِيّ، قَالَ:
قَالَ الفضيل بْن عياض: من أحب صاحب بدعة أحبط اللَّه عز وجل عمله، وأخرج نور الإْسِلام من قلبه، ومن زوج كريمته، من مبتدع فقد قطع رحمها.
وَكَانَ يَقُول: نظر المؤمن إِلَى المؤمن جلاء القلب، ونظر الرجل إِلَى صاحب بدعة يورث العمي.
وحكينا عَنِ الحاكم أَبِي عَبْد اللَّهِ الْحَافِظ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: توفي أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن مهران المقرئ يوم الأربعاء السابع والعشرين من شوال سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة، وتوفي فِي ذَلِكَ اليوم أَبُو الحسن العامري صاحب الفلسفة، قَالَ الحاكم: فحدثني عمر بْن أَحْمَدَ الزاهد قَالَ: سمعت الثقة من أصحابنا يذكر أَنَّهُ رأى أبا بكر بْن الْحُسَيْن المقرئ فِي المنام فِي تلك الليلة الَّتِي دفن فِيهَا، قَالَ: قلت لَهُ: أيها الأستاذ، مَا فعل اللَّه بك؟ قَالَ: إن اللَّه تَعَالَى أقام أبا الحسن العامري حذائي، وَقَالَ: هَذَا فداؤك من النار.
أنشدنا الزاهد أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أميرجه بْن أشعث الْهَرَوِيّ، أنشدنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الحسين بْن حمزة، أنشدنا السيد أَبُو الحسن الْمَغْرِبِيّ، لنفسه:
أفق واطلب لنفسك مستواها
…
ودع عصبا قد اتبعت هواها
وسنة أَحْمَد المختار فالزم
…
وعظمها وعظم من رواها
وإن رغمت أنوف من أناس
…
فقل يَا رب لا ترغم سواها