الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحْمَدُ بَيْنَهُمَا، أَيْ: بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ (حَتَّى يَخْرُجَ مُرَتَّبًا نَصًّا، فَيُخْرِجُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ) ؛ لِأَنَّ غَسْلَهُ مِنْ غَيْرِ إمْرَارِ يَدٍ غَيْرُ كَافٍ، وَتَقَدَّمَ (ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ الْمَاءِ) قُلْت خُرُوجُهُ مِنْهُ بَعْدُ لَيْسَ قَيْدًا؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ رِجْلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتَا فِي الْمَاءِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالْمُوَالَاةُ) مَصْدَرُ وَالَى الشَّيْءَ يُوَالِيهِ إذَا تَابَعَهُ وَالْمُرَادُ هُنَا:(أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشُفَ) الْعُضْوُ (الَّذِي قَبْلَهُ يَلِيهِ) .
بِأَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ الْيَدَيْنِ حَتَّى يَجِفَّ الْوَجْهُ، وَلَا مَسْحَ الرَّأْسِ حَتَّى تَجِفَّ الْيَدَانِ وَلَا غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ حَتَّى تَجِفَّ الرَّأْسُ لَوْ كَانَتْ مَغْسُولَةً، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ مَسْحَ الرَّأْسِ حَتَّى جَفَّ الْوَجْهُ دُونَ الْيَدَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَيُتِمَّهُ صَحِيحًا (فِي زَمَنٍ مُعْتَدِلِ) الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ (أَوْ قَدْرِهِ) أَيْ: قَدْرِ الْمُعْتَدِلِ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ: غَيْرِ الْمُعْتَدِلِ، مِنْ زَمَنٍ حَارٍّ أَوْ بَارِدٍ.
(وَلَا يَضُرُّ جَفَافٌ لِاشْتِغَالِهِ بِسُنَّةٍ) مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ (كَتَخْلِيلِ) لِحْيَةٍ أَوْ أَصَابِعَ (وَ) كَاشْتِغَالِهِ ب (إسْبَاغٍ) أَيْ: إبْلَاغِ الْمَاءِ مَوَاضِعَ الطَّهَارَةِ (وَ) كَاشْتِغَالِهِ ب (إزَالَةِ شَكٍّ وَوَسْوَسَةٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الطَّهَارَةِ (وَيَضُرُّ) أَيْ: يُفَوِّتُ الْمُوَالَاةَ إنْ جَفَّ الْعُضْوُ ل (إسْرَافٍ وَإِزَالَةِ وَسَخٍ وَنَحْوِهِ) كَحَلِّ جَبِيرَةٍ (لِغَيْرِ طَهَارَةٍ) بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَلَا يَضُرُّ إنْ كَانَتْ إزَالَةُ الْوَسَخِ وَنَحْوُهُ (لَهَا) أَيْ: لِلطَّهَارَةِ، بِأَنْ كَانَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ إذَنْ مِنْ أَفْعَالِ الطَّهَارَةِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلُ (وَتَضُرُّ الْإِطَالَةُ فِي إزَالَةِ نَجَاسَةٍ) بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لَا بِهَا، لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَسَخِ (وَ) تَضُرُّ الْإِطَالَةُ فِي (تَحْصِيلِ مَاءٍ) وَلَوْ لِلطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا.
[فَصْلٌ سُنَنُ الْوُضُوءِ]
فَصْلٌ (وَجُمْلَةُ سُنَنِ الْوُضُوءِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالسِّوَاكُ) عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ (وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ ثَلَاثًا لِغَيْرِ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ) نَاقِضٍ لِوُضُوءٍ، وَيَجِبُ ذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى (وَالْبُدَاءَةُ قَبْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ بِالْمَضْمَضَةِ، ثُمَّ الِاسْتِنْشَاقِ) وَكَوْنُهُمَا بِيَمِينِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ بِدَلِيلِهِ وَعَدَمُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا (وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ (لِغَيْرِ صَائِمٍ) وَتُكْرَه لَهُ، وَتَقَدَّمَ (وَ) الْمُبَالَغَةُ (فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِصَائِمٍ وَغَيْرِهِ وَالِاسْتِنْثَارُ) وَكَوْنُهُ بِيَسَارِهِ.
قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَيُكْرَهُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَنْتَثِرَ وَيُنَقِّيَ أَنْفَهُ وَوَسَخَهُ وَدَرَنَهُ وَيَخْلَعَ نَعْلَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ بِيَسَارِهِ، مُطْلَقًا،
وَتَنَاوُلُ الشَّيْءِ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ بِالْيَمِينِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ لِلْخَبَرِ وَلَا يُكْرَهُ بِيَسَارِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ، وَقَالَ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُنَاوِلَ إنْسَانًا تَوْقِيعًا أَوْ كِتَابًا فَلْيَقْصِدْ يَمِينَهُ.
(وَ) مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ (تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ) وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ (وَتَخْلِيلُ الشُّعُورِ) أَيْ: شُعُورِ اللِّحْيَةِ (الْكَثِيفَةِ فِي الْوَجْهِ، وَالتَّيَامُنُ حَتَّى بَيْنَ الْكَفَّيْنِ لِلْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، وَبَيْنَ الْأُذُنَيْنِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ.
وَقَالَ الْأَزَجِيُّ: يَمْسَحُهُمَا مَعًا، وَمَسْحُهُمَا) أَيْ: الْأُذُنَيْنِ (بَعْدَ الرَّأْسِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَمُجَاوَزَةُ مَوْضِعِ الْفَرْضِ، وَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ) .
وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: الْأُولَى فَرِيضَةٌ وَالثَّانِيَةُ فَضِيلَةٌ وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ:.
وَإِذَا قِيلَ لَكَ: أَيُّ مَوْضِعٍ تُقَدَّمُ فِيهِ الْفَضِيلَةُ عَلَى السُّنَّةِ فَقُلْ: هُنَا (وَتُقَدَّمُ النِّيَّةُ عَلَى مَسْنُونَاتِهِ) إذَا وُجِدَتْ قَبْلَ الْوَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَاسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (إلَى آخِرِهِ) أَيْ: آخِرِ الْوُضُوءِ (وَغَسْلُ بَاطِنِ الشُّعُورِ الْكَثِيفَةِ) فِي الْوَجْهِ، غَيْرِ اللِّحْيَةِ فَيُخَلِّلُهَا فَقَطْ، جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ (وَأَنْ يَزِيدَ فِي مَاءِ الْوَجْهِ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَوْلُ مَا وَرَدَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَيَأْتِي) آخِرَ الْبَابِ.
(وَأَنْ يَتَوَلَّى وُضُوءَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَنَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَكِلُ طُهُورَهُ إلَى أَحَدٍ وَلَا صَدَقَتَهُ الَّتِي يَتَصَدَّقَ بِهَا إلَى أَحَدٍ يَكُونُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (وَتُبَاحُ مُعَاوَنَةُ الْمُتَطَهِّرِ) مُتَوَضِّئًا كَانَ أَوْ مُغْتَسِلًا (كَتَقْرِيبِ مَاءِ الْغُسْلِ، أَوْ) مَاءِ (الْوُضُوءِ إلَيْهِ أَوْ صَبَّهُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ «أَفْرَغَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَضُوئِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ «صَبَبْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَاءَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِي الْوُضُوءِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) يُبَاحُ لِلْمُتَطَهِّرِ (تَنْشِيفُ أَعْضَائِهِ) لِمَا رَوَى سَلْمَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «تَوَضَّأَ ثُمَّ قَلَبَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ (وَتَرْكُهُمَا) أَيْ: تَرْكُ الْمُعِينِ وَالتَّنْشِيفِ (أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلِهِمَا، أَمَّا تَرْكُ الْمُعِينِ فَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ، وَأَمَّا تَرْكُ التَّنْشِيفِ فَلِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اغْتَسَلَ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَلَمْ يُرِدْهَا، وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَتَرْكُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الْمُبَاحَ وَأَيْضًا هَذِهِ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ الْمِنْدِيلَ لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ بِهَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانُوا لَا يَرَوْنَ بِالْمِنْدِيلِ بَأْسًا وَلَكِنْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْعَادَةَ وَلِأَنَّهُ إزَالَةٌ
لِلْمَاءِ عَنْ بَدَنِهِ، أَشْبَهَ نَفْضَ يَدَيْهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْمَعِينِ عَنْ يَسَارِهِ) لِيَسْهُلَ تَنَاوُلُ الْمَاءِ عِنْدَ الصَّبِّ (كَإِنَاءِ وُضُوئِهِ الضَّيِّقِ الرَّأْسِ) لِيَصُبَّ بِيَسَارِهِ عَلَى يَمِينِهِ (وَإِنْ كَانَ) إنَاءُ وُضُوئِهِ (وَاسِعًا يَغْتَرِفُ مِنْهُ بِالْيَدِ، فَعَنْ يَمِينِهِ) لِيَغْتَرِفَ مِنْهُ بِهَا.
(وَلَوْ وَضَّأَهُ) أَوْ غَسَلَ لَهُ بَدَنَهُ مِنْ نَحْوِ جَنَابَةٍ (أَوْ يَمَّمَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ) أَوْ غَيْرُهُ (بِإِذْنِهِ) أَيْ: بِإِذْنِ الْمَفْعُولِ بِهِ قُلْتُ وَكَذَا تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ، بِأَنْ نَاوَلَهُ أَعْضَاءَهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ (بِأَنْ غَسَلَ لَهُ الْأَعْضَاءَ، أَوْ يَمَّمَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كُرِهَ، وَصَحَّ) وُضُوءُهُ وَغُسْلُهُ وَتَيَمُّمُهُ لِوُجُودِ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ (وَيَنْوِيهِ الْمُتَوَضِّئُ) وَالْمُغْتَسِلُ (وَالْمُتَيَمِّمُ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ نَوَاهُ الْفَاعِلُ.
(فَإِنْ أُكْرِهَ مَنْ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ) لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ انْتَهَى قُلْت وَالثَّانِي أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَعُودُ لِخَارِجٍ؛ لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الطَّهَارَةِ (أَوْ) أُكْرِهَ مَنْ (يُوَضِّئُهُ عَلَى وُضُوئِهِ لَمْ يَصِحَّ) وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ مَنْ يُغَسِّلُهُ أَوْ يُيَمِّمُهُ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُنْتَهَى لَا إنْ أُكْرِهَ فَاعِلٌ (وَإِنْ أُكْرِهَ الْمُتَوَضِّئُ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ) أُكْرِهَ إنْسَانٌ (عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْوُضُوءِ (مِنْ الْعِبَادَاتِ) كَالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ (وَفَعَلَهَا) الْمُكْرَهُ (لِدَاعِي الشَّرْعِ) بِأَنْ نَوَى بِهَا التَّقَرُّبَ إلَيْهِ تَعَالَى (لَا لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ صَحَّتْ) لِوُجُودِ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ فَعَلَهَا لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ (فَلَا) تَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُودِ النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ.
(وَيُكْرَهُ نَفْضُ الْمَاءُ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَا يُكْرَهُ نَفْضُ الْمَاءِ بِيَدَيْهِ عَنْ بَدَنِهِ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَيُكْرَهُ نَفْضُ يَدِهِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ اهـ.
وَقَالَ فِي غَايَةِ الْمَطْلَبِ هَلْ يُبَاحُ نَفْضُ يَدِهِ أَوْ يُكْرَهُ؟ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ لَا يُكْرَهُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ يُكْرَهَانِ، أَيْ: الْمُعَاوَنَةُ وَالتَّنْشِيفُ، كَنَفْضِ يَدِهِ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَلَا تَنْفُضُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا مَرَاوِحُ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ الْمَعْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُحْتُرِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
(وَ) تُكْرَهُ (إرَاقَةُ مَاءِ الْوُضُوءِ وَ) مَاءِ (الْغُسْلِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَكَان يُدَاسُ فِيهِ كَالطَّرِيقِ تَنْزِيهًا لِلْمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ (وَيُبَاحُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يُؤْذِ بِهِ أَحَدًا وَلَمْ يُؤْذِ الْمَسْجِدَ) ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ مِنْهُ طَاهِرٌ (وَيَحْرُمُ فِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ وَالرِّيحُ) وَالْبَوْلُ، وَلَوْ بِقَارُورَةٍ؛ لِأَنَّ هَوَاءَ الْمَسْجِدِ
كَقَرَارِهِ (وَتُكْرَهُ إرَاقَةُ مَاءٍ غَمَسَ فِيهِ يَدَهُ قَائِمٌ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ خُصُوصًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ غَسْلَهُمَا مُعَلَّلٌ بِوَهْمِ النَّجَاسَةِ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَلَا يُغَسَّلُ فِيهِ مَيِّتٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ تَنْجِيسِهِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ وَصَوْنُ الْمَسْجِدِ عَنْ النَّجَاسَاتِ وَاجِبٌ (وَقَالَ يَجُوزُ عَمَلُ مَكَان فِيهِ لِلْوُضُوءِ لِلْمَصْلَحَةِ بِلَا مَحْذُورٍ) كَقُرْبِ جِدَارٍ أَوْ بِحَيْثُ يُؤْذِي الْمُصَلِّينَ، فَيُمْنَعُ مِنْهُ إذَنْ.
وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ بِرْكَةٌ يُغْلَقُ عَلَيْهَا بَابُ الْمَسْجِدِ لَكِنْ يُمْشَى حَوْلَهَا دُونَ أَنْ يُصَلَّى حَوْلَهَا، هَلْ يَحْرُمُ الْبَوْلُ عِنْدَهَا وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ بِغَيْرِ الِاسْتِجْمَارِ بِالْحَجَرِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ الْجَوَابُ: هَذَا يُشْبِهُ الْبَوْلَ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْقَارُورَةِ قَالَ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا إذَا فُعِلَ لِلْحَاجَةِ فَقَرِيبٌ، وَأَمَّا اتِّخَاذُ ذَلِكَ مَبَالًا أَوْ مُسْتَنْجًى فَلَا.
(وَلَا يُكْرَهُ طُهْرُهُ مِنْ إنَاءٍ نُحَاسٍ وَنَحْوِهِ) كَحَدِيدٍ وَرَصَاصٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ أَنَّهُ عليه السلام تَوَضَّأَ مِنْ تَوْرِ نُحَاسٍ (وَلَا) يُكْرَهُ طُهْرُهُ (مِنْ إنَاءٍ بَعْضُهُ نَجِسٌ) بِحَيْثُ يَأْمَنُ التَّلْوِيثَ (وَلَا) يُكْرَهُ طُهْرُهُ مِنْ (مَاءٍ بَاتَ مَكْشُوفًا وَمِنْ مُغَطًّى أَوْلَى) قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَمِنْ مُغَطًّى أَفْضَلُ، وَاحْتَجَّ بِنُزُولِ الْوَبَاءِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ يَخْتَصُّ الشُّرْبُ أَوْ يَعُمُّ؟ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى حَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «غَطُّوا الْإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ وَلَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ» .
(وَيُسَنُّ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ الْوُضُوءِ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ وَقَوْلُ «أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكِ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مَنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ» ) لِحَدِيثِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ قَالَ «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيَهْلَغُ، أَوْ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَّا فُتِّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَزَادَ فِيهِ «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ «فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إلَى السَّمَاءِ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ» لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ فَفَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِطَابَعٍ ثُمَّ رُفِعَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَلَمْ تُكْسَرْ
إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
قَالَ السَّامِرِيُّ: وَيَقْرَأ سُورَةَ الْقَدْرِ ثَلَاثًا وَالْحِكْمَةُ فِي خَتْمِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا بِالِاسْتِغْفَارِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّصْرِ: أَنَّ الْعِبَادَ مُقَصِّرُونَ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ كَمَا يَنْبَغِي وَعَنْ أَدَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَإِنَّمَا يُؤَدُّونَهَا عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُونَهُ، فَالْعَارِفُ يَعْرِفُ أَنَّ قَدْرَ الْحَقِّ أَعْلَى وَأَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ يَسْتَحِي مِنْ عَمَلِهِ وَيَسْتَغْفِرُ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِيهِ كَمَا يَسْتَغْفِرُ غَيْرُهُ مِنْ ذُنُوبِهِ وَغَفَلَاتِهِ، قَالَ وَالِاسْتِغْفَارُ يَرِدُ مُجَرَّدًا وَمَقْرُونًا بِالتَّوْبَةِ، فَإِنْ وَرَدَ مُجَرَّدًا دَخَلَ فِيهِ طَلَبُ وِقَايَةِ شَرِّ الذَّنْبِ الْمَاضِي بِالدُّعَاءِ وَالنَّدَمِ عَلَيْهِ، وَوِقَايَةِ شَرِّ الذَّنْبِ الْمُتَوَقَّعِ بِالْعَزْمِ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنْهُ وَهَذَا الِاسْتِغْفَارُ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِصْرَارَ وَالْعُقُوبَةَ وَإِنْ وَرَدَ مَقْرُونًا بِالتَّوْبَةِ اخْتَصَّ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهُ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ الْمَاضِي بَلْ كَانَ سُؤَالًا مُجَرَّدًا فَهُوَ دُعَاءٌ مَحْضٌ وَإِنْ صَحِبَهُ نَدَمٌ فَهُوَ تَوْبَةٌ وَالْعَزْمُ عَلَى الْإِقْلَاعِ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ (وَكَذَا) يَقُولُ ذَلِكَ (بَعْدَ الْغُسْلِ قَالَهُ فِي الْفَائِقِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ.
" خَاتِمَةٌ ": اُخْتُلِفَ فِي الْوُضُوءِ هَلْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهَا، مُسْتَدِلِّينَ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ، تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» .
وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَا وَإِنَّمَا الْمَخْصُوصُ بِهَا الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ فَقَطْ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي» وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِضَعْفِهِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِالْأَنْبِيَاءِ دُونَ أُمَمِهِمْ، لَا بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ، فَفِي قِصَّةِ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ لَمَّا رَمَوْهُ بِالْمَرْأَةِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ لِلْغُلَامِ مَنْ أَبُوك قَالَ هَذَا الرَّاعِي وَقَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمَّا مَرَّ عَلَى الْجَبَّارِ وَمَعَهُ سَارَةُ أَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ عَلَى الْجَبَّارِ تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ وَدَعَتْ اللَّهَ عز وجل.