الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُومًا أَوْ بَصَلًا) نِيئَيْنِ (أَوْ فُجْلًا وَنَحْوَهُ) كَكُرَّاثٍ (حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُ (وَكَذَا جَزَّارٌ لَهُ رَائِحَةٌ مُنْتِنَةٌ، وَمَنْ لَهُ صُنَانٌ) قُلْتُ وَزِيَاتٌ وَنَحْوُهُ، مِنْ كُلِّ ذِي رَائِحَةٍ مُنْتِنَةٍ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْأَذَى.
(وَكَذَا مَنْ بِهِ بَرَصٌ جُذَامٌ يُتَأَذَّى بِهِ) قِيَاسًا عَلَى أَكْلِ الثُّومِ وَنَحْوِهِ، بِجَامِعِ الْأَذَى وَيَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ مَنْعُ الْجَذْمَى مِنْ مُخَالَطَةِ الْأَصِحَّاءِ فَائِدَةٌ يَقْطَعُ الرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ مَضْغُ السَّذَابِ أَوْ السَّعْدِ قَالَهُ الْأَطِبَّاءُ.
[بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ]
ِ وَهُمْ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْخَائِفُ وَنَحْوُهُمْ، وَالْأَعْذَارُ: جَمْعُ عُذْرٍ كَأَقْفَالٍ جَمْعُ قُفْلٍ (يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ مَرِيضٌ قَائِمًا إجْمَاعًا فِي فَرْضٍ، وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا كَصِفَةِ رُكُوعٍ كَصَحِيحٍ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا «صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ زَادَ النَّسَائِيُّ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا وَحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
(وَلَوْ) كَانَ فِي قِيَامِهِ (مُعْتَمِدًا عَلَى شَيْءٍ) مِنْ نَحْوِ حَائِطٍ (أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى حَائِطٍ) وَنَحْوِهَا (وَلَوْ) كَانَ اعْتِمَادُهُ أَوْ اسْتِنَادُهُ إلَى شَيْءٍ (بِأُجْرَةِ) مِثْلِهِ أَوْ زَائِدَةٍ يَسِيرًا (إنْ قَدَرَ عَلَيْهَا) كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأُجْرَةِ صَلَّى عَلَى حَسَبِ مَا يَسْتَطِيعُ (سِوَى مَا تَقَدَّمَ) فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، عِنْدَ عَدِّ الْقِيَامِ مِنْ الْأَرْكَانِ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الْمَرِيضُ الْقِيَامَ (أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ) الْقِيَامُ (مَشَقَّةً شَدِيدَةً، لِضَرَرٍ مِنْ زِيَادَةِ مَرَضٍ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ وَنَحْوِهِ) كَمَا لَوْ كَانَ الْقِيَامُ يُوهِنُهُ (حَيْثُ جَازَ تَرْكُ الْقِيَامِ فَ) إنَّهُ يُصَلِّي (قَاعِدًا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ (مُتَرَبِّعًا نَدْبًا) كَمُتَنَفِّلٍ.
(وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ) كَالْمُتَنَفِّلِ (وَيَثْنِي رِجْلَيْهِ فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمُتَنَفِّلٍ) وَأَسْقَطَهُ الْقَاضِي بِضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ، وَإِنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَ الصَّلَاةَ وَالْقِيَامَ حَتَّى ازْدَادَ مَرَضُهُ أَثِمَ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الْقُعُودَ (أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ) الْقُعُودُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقِيَامِ.
(وَلَوْ) كَانَ عَجْزُهُ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ (بِتَعَدِّيهِ بِضَرْبِ سَاقِهِ وَنَحْوِهِ) كَفَخِذِهِ (كَتَعَدِّيهَا) أَيْ الْحَامِلِ (بِضَرْبِ بَطْنِهَا حَتَّى نَفِسَتْ كَمَا سَبَقَ) فِي آخِرِ بَابِ الْحَيْضِ (فَ) إنَّهُ يُصَلِّي (عَلَى جَنْبٍ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ.
(وَ) الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنْبِ (الْأَيْمَنِ أَفْضَلُ) مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنْبِ الْأَيْسَرِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ مَرْفُوعًا «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ
أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنْ صَلَّى عَلَى الْأَيْسَرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ جَوَازُهُ لِظَاهِرِ خَبَرِ عِمْرَانَ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَهُوَ حَاصِلٌ وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُكْرَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَيْمَنِ.
(وَيَصِحُّ) أَنْ يُصَلِّي (عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَى الصَّلَاةِ (عَلَى جَنْبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِقْبَالٍ وَلِهَذَا يُوَجَّهُ الْمَيِّتُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ (مَعَ الْكَرَاهَةِ) لِلِاخْتِلَافِ، فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ إذَنْ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنْبِهِ (تَعَيَّنَ الظَّهْرُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ.
(وَيَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِرَأْسِهِ مَا أَمْكَنَهُ) لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (وَيَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ) وُجُوبًا لِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَتَقَدَّمَ وَلِيَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ لِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ (أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ) أَيْ عَيْنِهِ (وَنَوَى بِقَلْبِهِ) لِمَا رَوَى زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ» وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَلْزَمُهُ وَصَوَّبَهُ فِي الْفُرُوعِ، لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ (كَأَسِيرٍ عَاجِزٍ) عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْإِيمَاءِ بِهِمَا بِرَأْسِهِ (لِخَوْفِهِ) مِنْ عَدُوِّهِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ إذَنْ (وَيَأْتِي حُكْمُ الْأَسِيرِ) فِي آخِرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْإِيمَاءِ بِطَرْفِهِ (فَ) إنَّهُ يُصَلِّي (بِقَلْبِهِ مُسْتَحْضِرًا الْقَوْلَ) إنْ عَجَزَ عَنْهُ بِلَفْظِهِ (وَ) مُسْتَحْضِرًا (الْفِعْلَ) بِقَلْبِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَقَوْلِهِ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
(وَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ) عَنْ الْمُكَلَّفِ (مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا) لِقُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ مَعَ الْإِيمَاءِ بِطَرْفِهِ، أَوْ بِدُونِهِ، وَلِعُمُومِ أَدِلَّةِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَحَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ» إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
(قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْأَحْدَبُ يُجَدِّدُ لِلرُّكُوعِ) قُلْتُ: وَمِثْلُهُ الرَّفْعُ مِنْهُ وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ (نِيَّةً، لِكَوْنِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، كَمَرِيضٍ لَا يُطِيقُ الْحَرَكَةَ، يُجَدِّدُ لِكُلِّ فِعْلٍ وَرُكْنٍ قَصْدًا) لِتَتَمَيَّزَ الْأَفْعَالُ وَالْأَرْكَانُ (كَفُلْكٍ فِي) اللُّغَةِ (الْعَرَبِيَّةِ) فَإِنَّهُ يَصْلُحُ (لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ) وَيَتَمَيَّزُ
أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ (بِالنِّيَّةِ) فَإِذَا أُرِيدَ الْوَاحِدُ نَوَى الْمُتَكَلِّمَ ذَلِكَ، وَإِذَا أُرِيدَ الْجَمْعَ نَوَاهُ كَذَلِكَ أَفْعَالُ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ تَمْيِيزُهَا بِالْفِعْلِ فَإِنَّهَا تَمَيُّزٌ بِالنِّيَّةِ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ وَحْدَهُ رَكَعَ وَأَوْمَأَ بِالسُّجُودِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَحْنِيَ ظَهْرَهُ حَتَّى رَقَبَتِهِ وَإِنْ تَقَوَّسَ ظَهْرُهُ فَصَارَ كَالرَّاكِعِ زَادَ فِي الِانْحِنَاءِ قَلِيلًا إذَا رَكَعَ وَيُقَرِّبُ وَجْهَهُ إلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ، حَسَبَ الْإِمْكَانِ.
(وَإِنْ سَجَدَ) الْعَاجِزُ عَنْ السُّجُودِ (مَا أَمْكَنَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْحِطَاطُ أَكْثَرَ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ) مِنْ مِخَدَّةٍ وَنَحْوِهَا (رَفَعَهُ) عَنْ الْأَرْضِ (كُرِهَ) لِلْخِلَافِ فِي مَنْعِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الرَّافِعُ لَهُ غَيْرَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ.
(وَأَجْزَأَ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُمْكِنُهُ مِنْ الِانْحِطَاطِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوَمَأَ.
(وَلَا بَأْسَ بِسُجُودِهِ عَلَى وِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا) مَوْضُوعَةٍ بِالْأَرْضِ لَمْ تُرْفَعْ عَنْهَا وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِفِعْلِ أُمِّ سَلَمَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ وَنَهَى عَنْهُ ابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ (وَلَا يَلْزَمهُ) السُّجُودُ عَلَى وِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا وَيُومِئُ غَايَةَ مَا يُمْكِنُهُ.
وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُ الْمَرِيضِ الْمُصَلِّي عَلَى جَنْبِهِ أَوْ مُسْتَلْقِيًا عَنْ أَجْرِ الصَّحِيحِ الْمُصَلِّي قَائِمًا، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» وَذُكِرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْمُتَخَلِّفِ عَنْ الْجِهَادِ لِعُذْرٍ: لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ، لِأَكْلِهِ، مَعَ قَوْلِهِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ قَائِمًا لِعَجْزِهِ ثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا لَا يَنْقُصُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فَفَرْقٌ بَيْنَ مَنْ يَفْعَلُ الْعِبَادَةَ عَلَى قُصُورٍ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَحَدِيثُ «ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ» يُبَيِّنُ أَنَّ فِعْلَ الْخَيْرِ لَيْسَ كَمَنْ عَجَزَ عَنْهُ وَلَيْسَ مَنْ حَجَّ كَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ.
(فَإِنْ قَدَرَ) الْمَرِيضُ (عَلَى الْقِيَامِ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ انْتَقَلَ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238](أَوْ) قَدَرَ عَلَى (الْقُعُودِ وَنَحْوِهِ مِمَّا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ رُكْنٍ أَوْ وَاجِبٍ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، انْتَقَلَ إلَيْهِ وَأَتَمَّهَا) أَيْ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ الْعَجْزُ وَقَدْ زَالَ، وَمَا صَلَّاهُ قَبْلُ كَانَ الْعُذْرُ مَوْجُودًا فِيهِ وَمَا بَقِيَ يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاجِبِ فِيهِ (لَكِنْ إنْ كَانَ) مَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ (لَمْ يَقْرَأْ) الْفَاتِحَةَ (قَامَ فَقْرًا) بَعْدَ قِيَامِهِ (وَإِنْ كَانَ قَدْ قَرَأَ) قَاعِدًا حَالَ الْعُذْرِ (قَامَ وَرَكَعَ بِلَا قِرَاءَةٍ) لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَطْرَأْ صِحَّةٌ.
(وَيَبْنِي) الْمَرِيضُ (عَلَى إيمَاءٍ) أَيْ عَلَى مَا صَلَّاهُ بِالْإِيمَاءِ، إذَا قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ، لِوُقُوعِهِ صَحِيحًا، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ.
(وَيَبْنِي عَاجِزٌ فِيهَا) أَيْ لَوْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ عَجَزَ أَتَمَّهَا عَلَى مَا يَسْتَطِيعُهُ، وَيُبْنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا فَعَجَزَ عَنْهُ لِوُجُودِ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ
(وَلَوْ طَرَأَ عَجْزٌ) عَلَى الْقَائِمِ (فَأَتَمَّ الْفَاتِحَةَ فِي انْحِطَاطِهِ أَجْزَأَ) هـ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ الْقُعُودَ وَالِانْحِطَاطَ أَعْلَى مِنْهُ.
(وَلَا) تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ (مَنْ بَرِئَ فَأَتَمَّهَا فِي ارْتِفَاعِهِ) أَيْ نُهُوضِهِ كَصَحِيحٍ قَرَأَهَا فِي نُهُوضِهِ.
(وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَعَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ قَائِمًا وَبِالسُّجُودِ قَاعِدًا) ؛ لِأَنَّ الرَّاكِعَ كَالْقَائِمِ فِي نَصْبِ رِجْلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يُومِئَ بِهِ فِي قِيَامِهِ، وَالسَّاجِدُ كَالْجَالِسِ فِي جَمْعٍ فَوَجَبَ أَنْ يُومِئَ جَالِسًا، وَلْيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِيمَاءَيْنِ وَمَنْ قَدَرَ أَنْ يَحْنِيَ رَقَبَتَهُ دُونَ ظَهْرِهِ حَنَاهَا وَإِذَا سَجَدَ قَرَّبَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا أَمْكَنَهُ.
(وَلَوْ قَدَرَ الْقِيَامَ مُنْفَرِدًا، وَفِي جَمَاعَةٍ) لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بَلْ يَقْدِرُ أَنْ يُصَلِّيَ (جَالِسًا لَزِمَهُ الْقِيَامُ قَدَّمَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْت وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ (وَهَذَا قَادِرٌ) عَلَيْهِ (وَالْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا) حَتَّى مَعَ الْقُدْرَةِ وَتَسْقُطُ لِلْعُذْرِ.
(وَقَدَّمَ فِي التَّنْقِيحِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ) بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا مُنْفَرِدًا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا فِي جَمَاعَةٍ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: لِأَنَّهُ يَفْعَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَاجِبًا وَيَتْرُكُ وَاجِبًا.
(وَلَوْ قَالَ إنْ أَفْطَرْتُ فِي رَمَضَانَ قَدَرْتُ عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا وَإِنْ صُمْتُ صَلَّيْت قَاعِدًا أَوْ قَالَ إنْ صَلَّيْت قَائِمًا لَحِقَنِي سَلَسُ الْبَوْلِ، أَوْ امْتَنَعْتُ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَإِنْ صَلَّيْت قَاعِدًا امْتَنَعَ السَّلَسُ) وَأَمْكَنَتْ الْقِرَاءَةُ (فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي يُصَلِّي قَاعِدًا فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَهُ بَدَلٌ وَهُوَ الْقُعُودُ وَيَسْقُطُ فِي النَّفْلِ، بِخِلَافِ الْفِطْرِ وَفَوَاتِ الشَّرْطِ أَوْ الْقِرَاءَةِ وَتَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ.
(وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى صُدْغَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ) السُّجُودُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَا مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ وَيُومِئُ مَا يُمْكِنُهُ.
(وَإِذَا قَالَ طَبِيبٌ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِفِطْنَتِهِ وَحِذْقِهِ (مُسْلِمٌ ثِقَةٌ) أَيْ عَدْلٌ ضَابِطٌ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ كَافِرٍ وَلَا فَاسِقٍ،؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ، فَاشْتُرِطَ لَهُ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ (حَاذِقٌ فَطِنٌ لِمَرِيضٍ: إنْ صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُكَ فَلَهُ) أَيْ الْمَرِيضِ (ذَلِكَ) أَيْ الصَّلَاةُ مُسْتَلْقِيًا (وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى جَالِسًا حِينَ جُحِشَ شِقُّهُ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ، بَلْ فَعَلَهُ إمَّا لِلْمَشَقَّةِ أَوْ وُجُودِ الضَّرَرِ أَشْبَهَ الْمَرَضَ وَتَرْكُهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْعَافِيَةِ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا وَاكْتُفِيَ بِالْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ أَشْبَهَ الرِّوَايَةَ وَمَنْ عَبَّرَ بِالْجَمْعِ فَمُرَادُهُ الْجِنْسُ، إذْ لَمْ يَقُلْ بِاشْتِرَاطِ الْجَمْعِ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
(وَيَكْفِي مِنْ الطَّبِيبِ غَلَبَةُ الظَّنِّ) لِتَعَذُّرِ الْيَقِينِ (وَنَصَّ) أَحْمَدُ (أَنَّهُ يُفْطِرُ بِقَوْلِ) طَبِيبٍ (وَاحِدٍ) أَيْ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ (إنَّ الصَّوْمَ مِمَّا يُمَكِّنُ الْعِلَّةَ) وَقَاسَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ.
(وَتَصِحُّ صَلَاةُ فَرْضٍ عَلَى رَاحِلَةٍ وَاقِفَةٍ أَوْ سَائِرَةٍ خَشْيَةَ تَأَذٍّ بِوَحْلٍ وَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ) كَثَلْجٍ وَبَرَدٍ لِمَا رَوَى يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى إلَى مَضِيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهِمْ، يُومِئُ إيمَاءً يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفَعَلَهُ أَنَسٌ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ.
(وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ يُصَلِّي الْفَرْضَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، لِعُذْرٍ مِمَّا سَبَقَ (الِاسْتِقْبَالُ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] .
(وَ) عَلَيْهِ (مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ) مِنْ رُكُوعٍ غَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ (وَ) عَلَيْهِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (فِي شِدَّةِ خَوْفٍ كَمَا يَأْتِي) فِي صَلَاة الْخَوْفِ (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى النُّزُولِ) عَنْ رَاحِلَتِهِ (وَلَا ضَرَرَ) عَلَيْهِ فِي النُّزُولِ (لَزِمَهُ) النُّزُولُ وَلَزِمَهُ (الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ) كَغَيْرِ حَالَةِ الْمَطَرِ.
(وَأَوْمَأَ بِالسُّجُودِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، إذَا كَانَ يُلَوِّثُ الثِّيَابَ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ «أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ انْصَرَفَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي مَسْجِدِهِ فِي الْمَدِينَةِ.
(وَلَا تَصِحُّ) صَلَاةُ الْفَرْضِ (عَلَيْهَا) أَيْ الرَّاحِلَةِ (لِمَرَضٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ ضَرَرُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ (لَكِنْ إنْ خَافَ هُوَ) أَيْ الْمَرِيضُ (أَوْ) خَافَ (غَيْرُهُ) أَيْ الْمَرِيضُ (بِنُزُولِهِ انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَتِهِ، أَوْ عَجْزًا عَنْ رُكُوبِهِ) إنْ نَزَلَ (صَلَّى عَلَيْهَا) دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ (كَخَائِفٍ بِنُزُولِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ) كَسَبْعٍ.
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ تَصِحُّ صَلَاةُ الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ خَشْيَةَ الِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ، أَوْ حُصُولِ ضَرَرٍ بِالْمَشْيِ، أَوْ تَبَرُّزِ الْحُفْرَةِ.
(وَمَنْ أَتَى بِالْمَأْمُورِ) أَيْ بِجَمِيعِ مَا أُمِرَ بِهِ (مِنْ كُلِّ رُكْنٍ وَنَحْوِهِ) وَهُوَ الشُّرُوطُ وَالْوَاجِبَاتُ (لِلصَّلَاةِ وَصَلَّى عَلَيْهَا) أَيْ الرَّاحِلَةِ (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ) صَلَّى (فِي سَفِينَةٍ وَنَحْوِهَا) كَمِحَفَّةٍ (وَلَوْ جَمَاعَةً مَنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَاقِفَةً) كَانَتْ (أَوْ سَائِرَةً صَحَّتْ) صَلَاتُهُ لِإِتْيَانِهِ بِمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا.
(وَلَا تَصِحَّ) صَلَاةُ الْفَرْضِ (فِيهَا) أَيْ فِي السَّفِينَةِ (مِنْ قَاعِدٍ مَعَ الْقُدْرَةِ) أَيْ قُدْرَتِهِ (عَلَى الْقِيَامِ) ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى رُكْنِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِسَفِينَةٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ، وَأَنْ يَدُورَ إلَى الْقِبْلَةَ كُلَّمَا انْحَرَفَتْ السَّفِينَةُ، وَتُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِي السَّفِينَةِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ، كَمَعَ الْقُدْرَةِ.
(وَكَذَا) أَيْ كَالسَّفِينَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ (عَجَلَةٌ