المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب استقبال القبلة وبيان أدلتها وما يتعلق بذلك] - كشاف القناع عن متن الإقناع - ت مصيلحي - جـ ١

[البهوتي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ]

- ‌[لَمْ يُؤَلِّفْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْفِقْهِ كِتَابًا]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[أَقْسَامُ الْمَاءِ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الْمَاءُ الطَّهُور]

- ‌[فَصْل فِي الْقِسْمُ الثَّانِي الْمَاءِ الطَّاهِر غَيْرُ الْمُطَهِّر]

- ‌[فَصْل فِي الْقِسْم الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْمِيَاهِ الْمَاءُ نَجَسٌ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَثِيرُ قُلَّتَانِ فَصَاعِدًا]

- ‌[فَصْلٌ الشَّكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاء أَوْ غَيْرِهِ]

- ‌[بَابُ الْآنِيَةِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِطَابَةِ وَآدَابِ التَّخَلِّي]

- ‌[فَصْلٌ إذَا انْقَطَعَ بَوْلُهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ مَسْحُ ذَكَرِهِ بِيَدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِجْمَارُ بِكُلِّ طَاهِرٍ جَامِدٍ]

- ‌[بَابُ السِّوَاكِ وَغَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلُ الِامْتِشَاطِ وَالِادِّهَانِ فِي بَدَنٍ وَشَعْرٍ غِبًّا]

- ‌[بَابُ الْوُضُوءِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا]

- ‌[فَصْلٌ يَغْسِلُ وَجْهَهُ]

- ‌[فَصْلٌ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ يَمْسَحُ جَمِيعَ ظَاهِرِ رَأْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ]

- ‌[فَصْلٌ سُنَنُ الْوُضُوءِ]

- ‌[بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَسَائِرِ الْحَوَائِلِ]

- ‌[بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ وَهِيَ مُفْسِدَاتُهُ]

- ‌[فَصْلٌ أَحْدَثَ حَدَثًا أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ]

- ‌[بَابُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمَا يُسَنُّ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ]

- ‌[فَصْلٌ أَحْكَام الْحَمَّام وَآدَاب دُخُولِهِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[فَصْلٌ عَدِمَ الْمَاءَ وَظَنَّ وُجُودَهُ]

- ‌[فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إلَّا بِتُرَابٍ طَهُورٍ]

- ‌[فَصْلٌ فَرَائِضُ التَّيَمُّمِ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ وَتَطْهُرُ أَرْضٌ مُتَنَجِّسَةٌ بِمَائِعٍ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ نَجَاسَةٍ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهَا الْبَصَرُ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ وَالْمُبْتَدَأُ بِهَا الدَّمُ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُعْتَادَةُ إذَا اُسْتُحِيضَتْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّلْفِيقِ وَشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُدْرَكُ بِهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَأَحْكَامُ اللِّبَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةٌ]

- ‌[بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَمَوَاضِعُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَبَيَانِ أَدِلَّتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ]

- ‌[فَصْلٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ النِّيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَابُ آدَابِ الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ سِرًّا]

- ‌[فَصْلٌ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ سِرًّا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ كَالرَّكْعَةِ الْأُولَى]

- ‌[فَصْل السَّلَامِ بَعْد التَّشَهُّدِ]

- ‌[فَصْل يُسَنُّ ذِكْرُ اللَّهِ وَالدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ عَقِبَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُكْرَهُ وَمَا يُبَاحُ وَمَا يُسْتَحَبُّ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْل تَنْقَسِمُ أَقْوَالُ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالُهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[فَصْل فِي السُّجُودِ عَنْ نَقْصٍ فِي صَلَاتِهِ]

- ‌[فَصْل مَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]

- ‌[فَصْلٌ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ الَّتِي تُفْعَلُ مَعَ الْفَرَائِضِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ سَنَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ حِفْظُ الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ تُسْتَحَبُّ النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ صَلَاةُ الضُّحَى]

- ‌[فَصْلٌ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى]

- ‌[فَصْلٌ الْأَوْلَى أَنْ يَشْرَعَ الْمَأْمُومُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَ شُرُوعِ إمَامِهِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّفٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِمَامَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْقِفِ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الِاقْتِدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَصْرِ]

- ‌[فَصْلٌ نِيَّةُ الْقَصْرِ]

الفصل: ‌[باب استقبال القبلة وبيان أدلتها وما يتعلق بذلك]

جَبَلٍ يَخْرُجُ عَنْ مُسَامَتَةِ بُنْيَانِهَا) كَأَبِي قُبَيْسٍ (صَحَّتْ) الصَّلَاةُ (إلَى هَوَائِهَا) وَكَذَا لَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً فِي الْأَرْضِ بِحَيْثُ يَنْزِلُ عَنْ مُسَامَتَةِ بُنْيَانِهَا صَحَّتْ إلَى هَوَائِهَا لِمَا تَقْدَمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْبُقْعَةُ لَا الْجِدَارَ (وَيَأْتِي حُكْمُ صَلَاةِ الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَفِي السَّفِينَةِ أَوَّلَ) بَابِ (صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ) بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى صَلَاةِ الْمَرِيضِ.

[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَبَيَانِ أَدِلَّتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

(بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ) وَبَيَانِ أَدِلَّتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْقِبْلَةُ الْوُجْهَةُ، وَهِيَ الْفِعْلَةُ مِنْ الْمُقَابَلَةِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا لَهُ قِبْلَةٌ وَلَا دِبْرَةٌ إذَا لَمْ يَهْتَدِ لِجِهَةِ أَمْرِهِ وَأَصْلُ الْقِبْلَةِ فِي اللُّغَةِ، الْحَالَةُ، الَّتِي يُقَابِلُ الشَّيْءُ غَيْرَهُ عَلَيْهَا، كَالْجِلْسَةِ لِلْحَالَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا، إلَّا أَنَّهَا صَارَتْ كَالْعَلَمِ لِلْجِهَةِ الَّتِي يَسْتَقْبِلُهَا الْمُصَلِّي وَسُمِّيَتْ قِبْلَةً لِإِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهَا، أَوْ لِأَنَّ الْمُصَلِّي يُقَابِلُهَا وَهِيَ تُقَابِلُهُ، وَالْأَدِلَّةُ جَمْعُ دَلِيلٍ وَتَقَدَّمَ فِي الْخُطْبَةِ «صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَشْرَ سِنِينَ بِمَكَّةَ» .

جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ الصَّغِيرِ، وَالسَّامِرِيِّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي أَقَامَهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ، بِنَاءً عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ «بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ - الْحَدِيثُ» وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ، فِي تَفْسِيرِهِ: اخْتَلَفُوا فِي صَلَاتِهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ بِمَكَّةَ يُصَلِّي إلَى الْكَعْبَةِ فَلَمَّا صَارَ إلَى الْمَدِينَةِ أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ كَانَ بِمَكَّةَ يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ.

وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ كَانَ يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَطْ بِمَكَّةَ وَبِالْمَدِينَةِ أَوَّلًا سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّلَاحِ (وَ)«صَلَّى أَيْضًا صلى الله عليه وسلم إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْمَدِينَةِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ الْبَرَاءِ وَقَيْلَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَقِيلَ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَجُمِعَ بَيْنَهَا بِأَنَّ مَنْ عَدَّهَا سِتَّةَ عَشَرَ لَمْ يَعْتَبِرْ الْكُسُورَ.

وَمَنْ عَدَّهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ اعْتَدَّ بِالشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ وَلَمْ يَنْظُرْ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْكُسُورِ وَمَنْ عَدَّهَا سَبْعَةَ عَشَرَ حَسَبَ كُسُورَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ، وَأَلْغَى بَقِيَّتَهُمَا.

(ثُمَّ أُمِرَ) صلى الله عليه وسلم (بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] الْآيَةُ

ص: 301

(وَهُوَ الشَّرْطُ الثَّامِنُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ سَبْعَةٌ (فَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِدُونِهِ) أَيْ الِاسْتِقْبَالِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] قَالَ عَلِيٌّ ": شَطْرُهُ قِبَلُهُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(إلَّا لِمَعْذُورٍ) عَاجِزٍ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ (كَالْتِحَامِ حَرْبٍ) حَالَ الطَّعْنِ وَالْكَرِّ وَالْفَرِّ (وَهَرَبَ مِنْ سَيْلٍ أَوْ) مِنْ (نَارٍ أَوْ) مَنْ (سَبْعٍ وَنَحْوِهِ وَلَوْ) كَانَ الْعُذْرُ (نَادِرًا، كَمَرِيضٍ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ (وَ)(عَجَزَ عَمَّنْ يُدِيرُهُ إلَيْهَا) أَيْ الْقِبْلَةِ (وَكَمَرْبُوطٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ كَمَصْلُوبٍ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ (فَتَصِحُّ) صَلَاتُهُمْ (إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِنْهُمْ بِلَا إعَادَةٍ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ عَجَزُوا عَنْهُ فَسَقَطَ، كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَكَالْقِيَامِ (وَ) إلَّا (لِمُتَنَفِّلٍ رَاكِبٍ وَمَاشٍ فِي سَفَرٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَلَوْ) كَانَ السَّفَرُ (قَصِيرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] .

قَالَ ابْنُ عُمَرَ نَزَلَتْ فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً وَلِمَا رَوَى هُوَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِلْبُخَارِيِّ إلَّا الْفَرَائِضَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ فِي التَّطَوُّعِ، لِئَلَّا يُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِهِ أَوْ قَطْعِهِ فَاسْتَوَيَا فِيهِ وَأُلْحِقَ الْمَاشِي بِالرَّاكِبِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ أُبِيحَتْ لِلرَّاكِبِ، لِئَلَّا يَنْقَطِعُ عَنْ الْقَافِلَةِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَاشِي وَ.

(لَا) يَسْقُطُ الِاسْتِقْبَالُ (إذَا تَنَفَّلَ فِي الْحَضَرِ كَالرَّاكِبِ السَّائِرِ فِي مِصْرِهِ) أَوْ قَرْيَتِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَافِرًا.

(وَلَا) يَسْقُطُ الِاسْتِقْبَالُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُسَافِرُ جِهَةً مُعِينَةً كَ (رَاكِبِ تَعَاسِيفٍ، وَهُوَ رُكُوبُ الْفَلَاةِ وَقَطْعِهَا عَلَى غَيْرِ صَوْبٍ) وَمِنْهُ الْهَائِمُ وَالتَّائِهُ، وَالسَّائِحُ، وَالسَّفَرُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ، وَجَمْعُهُ أَسْفَارٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ (فَلَوْ عَدَلَتْ بِهِ) أَيْ الْمُسَافِرُ الَّذِي يَتَطَوَّعُ عَلَى رَاحِلَتِهِ (دَابَّتُهُ عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ) إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ (لِعَجْزِهِ عَنْهَا أَوْ لِجِمَاحِهَا وَنَحْوِهِ) كَحِرْنِهَا، وَطَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَإِنْ قَصُرَ لَمْ تَبْطُلْ (أَوْ عَدَلَ هُوَ) أَيْ الْمُسَافِرُ (إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ غَفْلَةً أَوْ

ص: 302

نَوْمًا أَوْ جَهْلًا، أَوْ سَهْوًا، أَوْ لِظَنِّهِ أَنَّهَا جِهَةُ سَيْرِهِ، وَطَالَ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَيُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَجَهْلُهُ.

(وَإِنْ قَصُرَ) عُدُولُهُ لِعُذْرٍ (لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَسِيرُ (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ عُذْرَهُ السَّهْوُ) لَا الْغَفْلَةَ وَالنَّوْمَ وَنَحْوَهُ، فَيُعَايَى بِهَا (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ فِي ذَلِكَ) الْعُدُولِ (بِأَنْ عَدَلَتْ) بِهِ (دَابَّتُهُ وَأَمْكَنَهُ رَدُّهَا) وَلَمْ يَرُدَّهَا بَطَلَتْ، طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ، إنْ لَمْ يَكُنْ عُدُولُهُ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ (أَوْ عَدَلَ) بِنَفْسِهِ (إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعَ عِلْمِهِ) بِأَنَّهَا غَيْرُ جِهَةِ سَيْرِهِ، وَغَيْرُ جِهَةِ الْقِبْلَةِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ، طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ لِأَنَّهُ تَرَكَ قِبْلَتَهُ عَمْدًا.

(وَإِنْ انْحَرَفَ عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ فَصَارَ قَفَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَمْدًا، بَطَلْتُ) لِاسْتِدْبَارِهِ الْقِبْلَةِ وَكَذَا لَوْ اسْتَدَارَ بِجُمْلَتِهِ عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِتَرْكِهِ قِبْلَتِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ انْحِرَافُهُ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا هُوَ الْأَصْلُ.

(وَإِنْ وَقَفَتْ دَابَّتُهُ تَعَبًا، أَوْ) وَقَفَ (مُنْتَظِرًا رُفْقَةً أَوْ لَمْ يَسِرْ لِسَيْرِهِمْ) اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ.

(أَوْ نَوَى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَهُ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ) وَيُتِمُّهَا لِانْقِطَاعِ السِّيَرِ، كَالْخَائِفِ يَأْمَنُ.

(وَلَوْ رَكِبَ الْمُسَافِرُ النَّازِلُ) أَيْ غَيْرُ السَّائِرِ (وَهُوَ فِي) صَلَاةٍ (نَافِلَةٍ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ، سَوَاءً كَانَ يَتَنَفَّلُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا لِأَنَّ حَالَتَهُ إقَامَةٌ فَيَكُونُ رُكُوبُهُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ مِنْ الْمُقِيمِ.

وَ (لَا) تَبْطُلُ صَلَاةُ (الْمَاشِي) بِرُكُوبِهِ فِيهَا (فَيُتِمُّهَا) لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ حَالَةٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّةِ التَّنَفُّلِ فِيهَا، وَهِيَ الْمَشْيُ، إلَى حَالَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَى صِحَّةِ التَّنَفُّلِ فِيهَا، وَهِيَ الرُّكُوبُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَالَةُ سَيْرٍ (وَإِنْ نَزَلَ) الْمُسَافِرُ (الرَّاكِبُ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ النَّافِلَةِ (نَزَلَ مُسْتَقْبِلًا وَأَتَمَّهَا نَصًّا) لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى حَالِ إقَامَةٍ كَالْخَائِفِ إذَا أَمِنَ (وَيَلْزَمُ الرَّاكِبَ) إذَا تَنَفَّلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ (افْتِتَاحُهَا) أَيْ النَّافِلَةِ (إلَى الْقِبْلَةِ بِالدَّابَّةِ) بِأَنْ يُدِيرَهَا إلَى الْقِبْلَةِ إنْ أَمْكَنَهُ بِلَا مَشَقَّةٍ (أَوْ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ يَدُورُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَدَعُ رَاحِلَتَهُ سَائِرَةً مَعَ الرَّكْبِ (إنْ أَمْكَنَهُ) ذَلِكَ (بِلَا مَشَقَّةٍ) .

لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ إذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وِجْهَةُ رِكَابِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (وَكَذَا إنْ أَمْكَنَهُ رُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَاسْتِقْبَالٌ) فِي جَمِيعِ النَّافِلَةِ (عَلَيْهَا) أَيْ الرَّاحِلَةِ (كَمَنْ هُوَ فِي سَفِينَةٍ أَوْ مِحَفَّةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (وَنَحْوِهَا) كَعِمَارِيَّةٍ وَهَوْدَجٍ، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، بِلَا مَشَقَّةٍ (وَكَانَتْ رَاحِلَتُهُ وَاقِفَةً) لَزِمَهُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إلَى الْقِبْلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إنْ أَمْكَنَهُ، بِلَا مَشَقَّةٍ.

(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ افْتِتَاحُ النَّافِلَةِ إلَى الْقِبْلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ كَمَنْ عَلَى بَعِيرٍ مَقْطُورٍ،

ص: 303

وَيَعْسُرُ عَلَيْهِ الِاسْتِدَارَةُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَكُونُ مَرْكُوبُهُ حَرُونًا تَصْعُبُ عَلَيْهِ إدَارَتُهُ، أَوْ لَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوعُ وَلَا السُّجُودُ (افْتَتَحَهَا) أَيْ النَّافِلَةَ (إلَى غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَعْنِي إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ (وَأَوْمَأَ) بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ) طَلَبًا لِلسُّهُولَةِ عَلَيْهِ، حَتَّى لَا يُؤَدِّيهِ إلَى عَدَمِ التَّطَوُّعِ (وَيَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ وُجُوبًا إنْ قَدِرَ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ فَجِئْتُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

(وَتُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ فِي نَفْلِ الْمُسَافِرِ، أَيْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ (طَهَارَةُ مَحَلِّهِ) أَيْ الْمُصَلِّي (نَحْوَ سَرْجٍ وَإِكَافٍ) كَغَيْرِهِ، لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمَرْكُوبُ نَجِسَ الْعَيْنِ، أَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ الرُّكُوبِ مِنْهُ نَجَاسَةٌ وَفَوْقَهُ حَائِلٌ طَاهِرٌ، مِنْ بَرْذَعَةٍ وَنَحْوِهَا، صَحَّتْ الصَّلَاةُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَنْ فَرَشَ طَاهِرًا عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ هَهُنَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ يَشُقُّ فَتَفُوتُ الرُّخْصَةُ وَذَلِكَ أَنَّ أَبْدَانَ الدَّوَابِّ لَا تَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ النَّجَاسَةِ، لِتَقَلُّبِهَا وَتَمَرُّغِهَا عَلَى الزِّبْلِ وَالنَّجَاسَاتِ، وَالْبَغْلَ وَالْحِمَارَ مِنْهَا نَجِسَانِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى رُكُوبِهِمَا وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارِهِ التَّطَوُّعَ» وَذَلِكَ دَلِيلُ الْجَوَازِ (وَإِنْ وَطِئَتْ دَابَّتُهُ نَجَاسَةً فَلَا بَأْسَ) أَيْ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ بَلَى إنْ أَمْكَنَ رَدُّهُ عَنْهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا.

(وَإِنْ وَطْئَهَا) أَيْ النَّجَاسَةَ (الْمَاشِي عَمْدًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ.

(وَإِنْ نَذَرَ) الْمُسَافِرُ السَّائِرُ (الصَّلَاةَ عَلَى الدَّابَّةِ جَازَ) أَيْ انْعَقَدَ نَذْرُهُ، وَمِثْلُهُ نَذْرُهَا فِي الْكَعْبَةِ وَتَقَدَّمَ.

(وَالْوِتْرُ وَغَيْرُهُ مِنْ النَّوَافِلِ) الرَّوَاتِبِ وَغَيْرِهَا وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ (عَلَيْهَا) أَيْ الرَّاحِلَةِ (سَوَاءٌ) لِعَدَمِ الْفَارِقِ وَقَدْ «كَانَ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ عَلَى دَابَّتِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(وَيَدُورُ فِي السَّفِينَةِ وَالْمِحَفَّةِ وَنَحْوِهِمَا) كَالْعِمَارِيَّةِ (إلَى الْقِبْلَةِ فِي كُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ) لِوُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ فِيهِ لِمَا تَقْدَمَ وَ (لَا) يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُورَ فِي (نَفْلٍ) لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ (وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْمَلَّاحِ) فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُورَ فِي الْفَرْضِ أَيْضًا (لِحَاجَتِهِ) لِتَسْيِيرِ السَّفِينَةِ.

(وَيَلْزَمُ الْمَاشِي أَيْضًا الِافْتِتَاحَ) أَيْ افْتِتَاحَ النَّافِلَةِ (إلَى الْقِبْلَةِ وَ) يَلْزَمُهُ (رُكُوعٌ وَسُجُودٌ) إلَى الْقِبْلَةِ بِالْأَرْضِ، لِتَيَسُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ (وَيَفْعَلُ الْبَاقِي) مِنْ الصَّلَاةِ (إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ) وَصَحَّحَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: يُومِئ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ كَالرَّاكِبِ.

(وَالْفَرْضُ فِي الْقِبْلَةِ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهَا كَمَنْ بِمَكَّةَ إصَابَةُ الْعَيْنِ) أَيْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ (بِبَدَنِهِ كُلِّهِ، بِحَيْثُ

ص: 304

لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْكَعْبَةِ نُصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّوَجُّهِ إلَى عَيْنِهَا قَطْعًا، فَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ فَلَوْ خَرَجَ بِبَعْضِ بَدَنِهِ عَنْ مُسَامَتَتِهَا لَمْ تَصِحَّ (وَلَا يَضُرُّ عُلُوُّهُ) عَلَى الْكَعْبَةِ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ (وَلَا نُزُولُ) هـ عَنْهَا كَمَا لَوْ صَلَّى فِي حَفِيرَةٍ تَنْزِلُ عَنْ مُسَامَتَتِهَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْبُقْعَةِ لَا بِالْجُدْرَانِ كَمَا تَقَدَّمَ (إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ إصَابَتُهَا) أَيْ إصَابَةُ الْعَيْنِ بِبَدَنِهِ، كَالْمُصَلِّي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ عَلَى سَطْحِهِ، أَوْ خَارِجِهِ، وَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِنَظَرِهِ أَوْ عِلْمِهِ، أَوْ خَبَرِ عَالِمٍ بِذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ أَوْ أَقَامَ بِهَا كَثِيرًا تَمَكَّنَ مِنْ الْأَمْرِ الْيَقِينِ فِي ذَلِكَ وَلَوْ مَعَ حَائِلٍ حَادِثٍ كَالْأَبْنِيَةِ.

(فَإِنْ تَعَذَّرَتْ) إصَابَةُ الْعَيْنِ (بِحَائِلٍ أَصْلِيٍّ مِنْ جَبَلٍ وَنَحْوِهِ) كَالْمُصَلِّي خَلْفَ أَبِي قُبَيْسٍ (اجْتَهَدَ إلَى عَيْنِهَا) أَيْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِتَعَذُّرِ الْيَقِينِ عَلَيْهِ (وَمَعَ حَائِلٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ كَالْمَنَازِلِ) تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ (لَا بُدَّ مِنْ الْيَقِينِ) أَيْ مِنْ تَيَقُّنِهِ مُحَاذَاةَ الْكَعْبَةِ بِبَدَنِهِ (بِنَظَرٍ) هـ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ (خَبَرِ) ثِقَةٍ.

(وَنَحْوِهِ) وَالْأَعْمَى الْمَكِّيُّ وَالْغَرِيبُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِدَارٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ مَكَّةَ فَفَرْضُهُ الْخَبَرُ عَنْ يَقِينٍ أَوْ عَنْ مُشَاهَدَةٍ مِثْل أَنْ يَكُونَ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ وَعَلَى الْحَائِلِ مَنْ يُخْبِرُهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ أَهْلُ الدَّارِ، أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَيَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ كَالْحَاكِمِ إذَا وَجَدَ النَّصَّ.

(وَ) الْفَرْضُ فِي الْقِبْلَةِ (إصَابَةُ الْجِهَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَيُعْفَى عَنْ الِانْحِرَافِ قَلِيلًا) يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً (لِمَنْ بَعُدَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْكَعْبَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْبَعِيدُ عَنْهَا (مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُعَايَنَةِ) لِلْكَعْبَةِ.

(وَلَا عَلَى مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الِاثْنَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ يَسْتَقْبِلَانِ قِبْلَةً وَاحِدَةً، وَعَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ لَا يُقَالُ: مَعَ الْبُعْدِ يَتَّسِعُ الْمُحَاذَى لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَّسِعُ مَعَ التَّقَوُّسِ لَا مَعَ عَدَمِهِ (سِوَى الْمُشَاهِدِ لِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقَرِيبِ مِنْهُ فَفَرْضُهُ إصَابَةُ الْعَيْنِ) لِأَنَّ قِبْلَتَهُ مُتَيَقَّنَةٌ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَإِ.

وَقَدْ رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ» قَالَ النَّاظِمُ: وَكَذَا مَسْجِدُ الْكُوفَةِ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الشَّرْحِ: فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ نَظَرٌ لِأَنَّ صَلَاةَ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَحِيحَةٌ مَعَ خُرُوجِ بَعْضِهِمْ عَنْ اسْتِقْبَالِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِكَوْنِ الصَّفِّ أَطْوَلُ مِنْهَا وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ: صَحِيحٌ لَكِنْ إنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ وَقَدْ فَعَلَهُ، وَهَذَا الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ اهـ.

وَأَجَابَ ابْنُ قُنْدُسٍ بِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ إنَّمَا يَجِبُ

ص: 305

عِنْدَ تَعَذُّرِ إصَابَةِ الْعَيْنِ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم مُتَمَكِّنٌ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ، بَلْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الشِّفَاءِ أَنَّهُ رُفِعَتْ لَهُ الْكَعْبَةُ حِينَ بَنَى مَسْجِدَهُ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ لَكِنَّ النَّظَرَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ بَاقٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ الْأَصْحَابِ مِنْ إلْحَاقِهِمْ إيَّاهُ بِمَنْ بِمَكَّةَ أَنَّهُ يَضُرُّ انْحِرَافُهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً عَنْ مِحْرَابِهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّنْ بَعُدَ فَلَا يَضُرُّ انْحِرَافُهُ.

(وَالْبَعِيدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي وَمِنْ مَكَّةَ يَجْتَهِدُ (إلَى الْجِهَةِ) لِتَعَذُّرِ إصَابَةِ الْعَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ، فَتَقُومُ الْجِهَةُ مَقَامَهَا لِلضَّرُورَةِ (فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ) أَيْ مَعْرِفَةَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِهَةٍ (بِخَبَرِ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (عَنْ يَقِينٍ) مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ أَوْ تَغْرُبُ مِنْ جِهَةِ عَيْنِهَا، فَيُعْلَمُ أَنَّ الْجِهَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُقَابَلَتِهَا مَثَلًا، أَوْ يُخْبِرُهُ أَنَّ النَّجْمَ الَّذِي تُجَاهُهُ الْجَدْيُ فَيُعْلَمُ مَحَلُّ الْقِبْلَةِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ، لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يَجْتَهِدُ كَالْحَاكِمِ يَقْبَلُ النَّصَّ مِنْ الثِّقَةِ وَلَا يَجْتَهِدُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ كَافِرٍ، وَلَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلَا فَاسِقٍ لَكِنْ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ يَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَى قِبْلَتِهِ فِي بَيْتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْإِشَارَاتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ هُوَ عَمِلَهَا فَهُوَ كَإِخْبَارِهِ اهـ فَلَوْ شَكَّ فِي حَالِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الْأَصَحُّ وَإِنْ شَكَّ فِي إسْلَامِهِ فَلَا وَإِنَّهُ إذَا أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ.

(أَوْ) أَمْكَنَهُ مَعْرِفَةُ الْقِبْلَةِ (بِالِاسْتِدْلَالِ بِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ) جَمْعُ مِحْرَابٍ وَهُوَ صَدْرُ الْمَجْلِسِ وَمِنْهُ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْغُرْفَةُ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: لَا يَكُونُ مِحْرَابًا إلَّا أَنْ يُرْتَقَى إلَيْهِ بِدَرَجٍ (لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ) إذَا عَلَّمَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، عُدُولًا كَانُوا أَوْ فُسَّاقًا، لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهَا مَعَ تَكْرَارِ الْأَعْصَارِ إجْمَاعٌ عَلَيْهَا وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَا يَنْحَرِفُ لِأَنَّ دَوَامَ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ كَالْقَطْعِ.

(وَإِنْ وَجَدَ مَحَارِيبَ) بِبَلَدٍ خَرَابٍ (لَا يَعْلَمُهَا لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا) لِأَنَّهَا لَا دَلَالَةَ فِيهَا، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا آثَارُ الْإِسْلَامِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْبَانِي مُشْرِكًا، عَمِلَهَا لِيَغُرَّ بِهَا الْمُسْلِمِينَ قَالَ فِي الشَّرْحِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَيَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ أَنَّهُ مِنْ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ فَيَسْتَقْبِلهُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَهَا لِلْكُفَّارِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ فَمَحَارِيبُهُمْ أَوْلَى.

وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: إذَا عُلِمَتْ قِبْلَتُهُمْ كَالنَّصَارَى إذَا رَأَى مَحَارِيبَهُمْ فِي كَنَائِسِهِمْ، عُلِمَ أَنَّهَا مُتَقَبِّلَةٌ لِلْمَشْرِقِ

ص: 306