الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْل يُسَنُّ ذِكْرُ اللَّهِ وَالدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ عَقِبَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ]
ِ (كَمَا وَرَدَ) فِي الْأَخْبَارِ عَلَى مَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ مُفَصَّلًا قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي الشَّرْحِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمَا أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَاعِدٌ وَلَوْ قَالَهُ بَعْد قِيَامِهِ وَفِي ذَهَابهِ فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُصِيبٌ لِلسُّنَّةِ أَيْضًا، إذْ لَا تَحْجِيرَ فِي ذَلِكَ.
وَلَوْ شُغِلَ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فَذَكَرَهُ، فَالظَّاهِرُ حُصُولُ أَجْرِهِ الْخَاصِّ لَهُ أَيْضًا إذَا كَانَ قَرِيبًا لِعُذْرٍ، أَمَّا لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ فَالظَّاهِرُ فَوَاتُ أَجْرِهِ الْخَاصِّ، وَبَقَاءِ أَجْرِ الذِّكْرِ الْمُطْلَقِ لَهُ (فَيَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ثَلَاثًا اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) لِمَا رَوَى ثَوْبَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ إذَا سَلَّمَ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِمَّا وَرَدَ مِنْ الذِّكْرِ: مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةِ حِينَ يُسَلِّمُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ» رَوَاهُ مُسْلِم.
وَعَنْ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «يَقُولُ: فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةِ مَكْتُوبَةٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيُسَبِّحُ وَيُحَمِّدُ وَيُكَبِّرُ، كُلَّ وَاحِدَةٍ) مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَة أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «تُسَبِّحُونَ وَتُحَمِّدُونَ وَتُكَبِّرُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ» .
(وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُنَّ) أَيْ مِنْ عَدَدِ الْكُلِّ (مَعًا) لِقَوْلِ أَبِي صَالِحٍ رَاوِي الْحَدِيثِ - «تَقُول: اللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَتَّى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَمَامُ الْمِائَةِ - لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَيَعْقِدُهُ»
أَيْ يَعْقِدُ الْعَدَدَ الْمُتَقَدِّمَ بِيَدِهِ (وَ) يَعْقِدُ (الِاسْتِغْفَارَ بِيَدِهِ، أَيْ يَضْبِطُ عَدَدَهُ بِأَصَابِعِهِ كَمَا يَأْتِي) لِحَدِيثِ بُسْرَةَ مَرْفُوعًا «وَاعْقِدْهُ بِالْأَنَامِلِ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ عَقِبَ) كُلِّ (صَلَاةٍ انْتَهَى) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ كُنْتُ أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ، إذَا سَمِعْتُهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ «كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ بَطَّةَ عَنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ خِلَافَهُ، وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا مُخْتَلِفٌ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ الْجَهْرُ لِقَصْدِ التَّعْلِيمِ فَقَطْ ثُمَّ يَتْرُكُهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْعَدَدِ: أَنْ لَا يَنْقُصَ مِنْهُ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا تَضُرُّ شَيْئًا لَا سِيَّمَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِأَنَّ الذِّكْرَ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ يُشْبِهُ الْمُقَدَّرَ فِي الزَّكَاةِ، إذَا زَادَ عَلَيْهِ.
(وَ) يَقُولُ (بَعْدَ كُلِّ مِنْ) صَلَاتِي (الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ، وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ، قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، عَشْرَ مَرَّاتٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لِخَبَرِ أَحْمَدَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ مَرْفُوعًا وَلِهَذَا مُنَاسَبَةٌ وَيَكُونُ الشَّارِعُ شَرَعَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، لِيَحْتَرِس بِهِ عَنْ الشَّيْطَانِ فِيهِمَا وَالْخَبَرُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَغْرِبَ فَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْفَجْرِ فَقَطْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَشَهْرٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ جِدًّا اهـ وَيَقُولُ أَيْضًا، وَهُوَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ:(اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ) .
لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ عَنْ أَبِيهِ - وَقِيلَ الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِيهِ - «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسَرَّ إلَيْهِ فَقَالَ: إذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا فَإِنَّكَ إذَا قُلْتَ ذَلِكَ ثُمَّ مِتّ فِي لَيْلَتِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جِوَارًا مِنْهَا وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ فَإِنَّكَ إنْ قُلْتَ ذَلِكَ ثُمَّ مِتَّ مِنْ يَوْمِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَك جِوَارًا مِنْهَا قَالَ الْحَارِثُ أَسَرَّ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَخُصُّ بِهَا إخْوَانَنَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ تَفَرَّدَ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَلِهَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يُعْرَفُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِي لَفْظِهِ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ.
(وَ) يَقْرَأُ (بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْإِخْلَاصِ) لِخَبَرِ أَبِي أُمَامَةَ «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلَّا الْمَوْتُ» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَارَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا
وَيَقْرَأُ (الْمُعَوِّذَتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «أَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْرَأَ الْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ» لَهُ طُرُقٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَفِي هَذَا سِرٌّ عَظِيمٌ فِي دَفْعِ الشَّرِّ مِنْ الصَّلَاةِ إلَى الصَّلَاةِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَيَدْعُو) الْإِمَامُ (بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ، لِحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ) أَيْ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (فِيهِمَا فَيُؤَمِّنُونَ) عَلَى الدُّعَاءِ فَيَكُونُ أَقْرَبَ لِلْإِجَابَةِ (وَكَذَا) يَدْعُو بَعْدَ (غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّلَوَاتِ) لِأَنَّ مِنْ أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ: أَدْبَارَ الْمَكْتُوبَاتِ (وَيَبْدَأُ) الدُّعَاءَ (بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (وَيَخْتِمُ) دُعَاءَهُ (بِهِ) أَيْ بِالْحَمْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10](وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ) .
قَالَ الْآجُرِّيُّ: وَوَسَطَهُ، لِخَبَرِ جَابِرٍ قَالَ قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ فَإِنَّ الرَّاكِبَ يَمْلَأُ قَدَحَهُ ثُمَّ يَضَعُهُ، وَيَرْفَعُ مَتَاعَهُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَرَابٍ شَرِبَ أَوْ الْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَإِلَّا أَهْرَاقَهُ، وَلَكِنْ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ، وَأَوْسَطِهِ وَآخِرهِ» .
(وَيَسْتَقْبِلُ) الدَّاعِي (غَيْر إمَامٍ هُنَا الْقِبْلَةَ) لِأَنَّ خَيْرَ الْمَجَالِسِ: مَا اُسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ.
(وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ) اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ (بَلْ يَسْتَقْبِلُ) الْإِمَامُ (الْمَأْمُومِينَ) لِمَا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهِمْ إذَا سَلَّمَ.
(وَيُلِحُّ) الدَّاعِي فِي الدُّعَاءِ لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» (وَيُكَرِّرُهُ) أَيْ الدُّعَاءُ (ثَلَاثًا) لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْإِلْحَاحِ (وَ) الدُّعَاءُ (سِرًّا أَفْضَلُ) مِنْهُ جَهْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِخْلَاصِ (وَيَعُمُّ بِهِ) أَيْ بِالدُّعَاءِ، «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ يَا عَلِيُّ عَمِّمْ» الْحَدِيثَ.
(وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ: بَسْطُ يَدَيْهِ وَرَفْعُهُمَا إلَى صَدْرِهِ) لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا «إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَتَكُونُ يَدَاهُ مَضْمُومَتَيْنِ، لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا دَعَا ضَمَّ كَفَّيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ» وَضَعَّفَهُ فِي الْمَوَاهِبِ وَيَكُونُ مُتَطَهِّرًا، وَيُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ حَاجَتِهِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ.
(وَيَدْعُو بِدُعَاءٍ مَعْهُودٍ) أَيْ مَأْثُورٍ، إمَّا مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ السُّنَّةِ، أَوْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَوْ
التَّابِعِينَ، أَوْ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ، وَيَكُونُ جَامِعًا (بِتَأَدُّبٍ) فِي هَيْئَتهِ وَأَلْفَاظِهِ، فَيَكُونُ جُلُوسُهُ إنْ كَانَ جَالِسًا كَجُلُوسِ أَذَلِّ الْعَبِيدِ بَيْنَ يَدَيْ أَعْظَمِ الْمَوَالِي.
(وَخُشُوعٍ وَخُضُوعٍ، وَعَزْمٍ وَرَغْبَةٍ) وَحُضُورِ قَلْبٍ وَرَجَاءٍ لِحَدِيثٍ «لَا يُسْتَجَابُ مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَيَتَمَلَّقُ وَيَتَوَسَّلُ إلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَيُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ دُعَائِهِ صَدَقَةً وَيَتَحَرَّى أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ، هِيَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ، وَعِنْد الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَأَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَعِنْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ، وَآخِرَ سَاعَةٍ بَعْد الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
(وَيَنْتَظِرُ الْإِجَابَةَ) لِحَدِيثِ «اُدْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» (وَلَا يُعَجِّلُ، فَيَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يُعَجِّلْ قَالُوا: وَكَيْف يُعَجِّلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي فَيَسْتَحْسِرَ عِنْدَ ذَلِكَ» وَيَدْعُو الدُّعَاءَ وَيَنْتَظِرُ الْفَرَجَ فَهُوَ عِبَادَةٌ أَيْضًا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْمَسْأَلَةِ إلَّا لِيُعْطِيَ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ «مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ دَعْوَةً إلَّا أَتَاهُ اللَّهُ إيَّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: إذَنْ نُكْثِرُ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ» وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ وَفِيهِ «إمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا أَوْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا» وَيَبْدَأُ فِي دُعَائِهِ بِنَفْسِهِ.
(وَلَا يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ فِيهِ) أَيْ الدُّعَاءِ، خِلَافًا لِلْغَنِيَّةِ لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي» .
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ نَصًّا) لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «إذْ أَوَّلُهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك وَأَسْأَلُكَ» ذَلِكَ يَخُصُّ نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ صلى الله عليه وسلم قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَالْمُرَادُ) بِهِ أَيْ بِالدُّعَاءِ الَّذِي لَا يُكْرَهُ، أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ: الدُّعَاءُ (الَّذِي لَا يُؤَمَّنُ عَلَيْهِ كَالْمُنْفَرِدِ وَكَ) الدُّعَاءِ (بَعْدَ التَّشَهُّدِ) أَوْ فِي السُّجُودِ وَنَحْوِهِ (فَأَمَّا مَا يُؤَمَّنُ عَلَيْهِ، كَالْمَأْمُومِينَ مَعَ الْإِمَامِ فَيَعُمُّ) بِالدُّعَاءِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ يُؤَمَّنُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعُمّهُمْ، فَقَدْ (خَانَهُمْ، وَكَدُعَاءِ الْقُنُوتِ) فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعُمَّ بِهِ كَانَ خَائِنًا لَهُمْ لِخَبَرِ ثَوْبَانَ فَإِنَّ فِيهِ «لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ» .
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَهُ) أَيْ الدُّعَاءَ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ الْإِفْرَاطِ فِي الدُّعَاءِ» وَالْإِفْرَاطُ يَشْمَلُ كَثْرَةَ الْأَسْئِلَةِ.
(وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا) قَالَ فِي الْفُصُولِ، فِي آخِرِ الْجُمُعَةِ: