الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَالْمَاءُ النَّجِسُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ بِحَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَالنَّجَسُ خَبِيثٌ (إلَّا لِضَرُورَةِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا، وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَهُورٌ وَلَا طَاهِرٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173](أَوْ) لِضَرُورَةٍ مِنْ (عَطَشِ مَعْصُومٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ تُؤْكَلُ) كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ (أَوْ لَا) كَالْحُمُرِ وَالْبِغَالِ.
(وَلَكِنْ لَا تُحْلَبُ) ذَاتُ اللَّبَنِ إذَا سُقِيَتْ النَّجَسَ (قَرِيبًا) قُلْتُ بَلْ بَعْدَ أَنْ تُسْقَى طَاهِرًا يَسْتَهْلِكُ النَّجَسَ، كَمَا فِي الزَّرْعِ إذَا سُمِّدَ بِنَجَسٍ (أَوْ لِطَفْء حَرِيقٍ مُتْلِفٍ) لِدَفْعِ ضَرُورَةٍ (وَيَجُوزُ بَلُّ التُّرَابِ بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ النَّجِسِ (وَجَعْلُهُ) أَيْ التُّرَابُ (طِينًا يُطَيَّنُ بِهِ مَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى تَنْجِيسُهُ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَيَّنَ بِهِ نَحْوُ مَسْجِدٍ (وَمَتَى تَغَيَّرَ الْمَاءُ) الطَّهُورُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (بِطَاهِرٍ ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ ضُمَّ شَيْءٌ إلَيْهِ (عَادَتْ طَهُورِيَّتُهُ) ؛ لِأَنَّ السَّلْبَ لِلتَّغَيُّرِ وَقَدْ زَالَ، فَعَادَ إلَى أَصْلِهِ وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ بَعْضِهِ عَادَتْ طَهُورِيَّتُهُ مَا زَالَ تَغَيُّرُهُ (فَإِنْ تَغَيَّرَ بِهِ بَعْضُهُ فَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ) مِنْهُ (طَهُورٌ) عَلَى أَصْلِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ عَنْهُ.
[فَصْل فِي الْقِسْم الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْمِيَاهِ الْمَاءُ نَجَسٌ]
الْقِسْمُ (الثَّالِثُ) مِنْ أَقْسَامِ الْمِيَاهِ (نَجَسٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا وَسُكُونِهَا، وَهُوَ لُغَةً الْمُسْتَقْذَرُ ضِدُّ الطَّاهِرِ، يُقَالُ: نَجِسَ يَنْجَسُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ وَشَرِفَ يَشْرَفُ (وَهُوَ) هُنَا (مَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَسَوَاءٌ قَلَّ التَّغَيُّرُ أَوْ كَثُرَ (فِي غَيْرِ مَحِلِّ التَّطْهِيرِ) فَيَنْجَسُ إجْمَاعًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
(وَ) الْمُتَغَيِّرُ بِنَجَاسَةٍ (فِي مَحِلِّهِ) أَيْ مَحِلِّ التَّطْهِيرِ (طَهُورٌ) إنْ كَانَ الْمَاءُ (وَارِدًا) عَلَى مَحِلِّ التَّطْهِيرِ لِضَرُورَةِ التَّطْهِيرِ إذْ لَوْ قُلْنَا فَيَنْجَسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ لَمْ يُمْكِنْ تَطْهِيرُ نَجِسٍ بِمَاءٍ قَلِيلٍ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْرُودًا، بِأَنْ غُمِسَ الْمُتَنَجِّسُ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ، تَنَجَّسَ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا وَتَغَيَّرَ تَنَجَّسَ وَإِلَّا فَلَا (فَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُهُ) أَيْ بَعْضِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ (فَالْمُتَغَيِّرُ نَجِسٌ) لِلتَّغَيُّرِ (وَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ) فَهُوَ (فَطَهُورٌ إنْ كَانَ كَثِيرًا) لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَوَقَعَ فِي جَانِبٍ مِنْهُ نَجَاسَةٌ فَتَغَيَّرَ بِهَا، نَظَرْتَ فِيمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنْ
نَقَصَ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ فَالْجَمِيعُ نَجَسٌ لِأَنَّ الْمُتَغَيِّرَ نَجَسٌ بِالتَّغَيُّرِ وَالْبَاقِي يَنْجَسُ بِالْمُلَاقَاةِ انْتَهَى.
وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَقَطْ وَغَيَّرَتْ النَّجَاسَةُ مِنْهُ قَدْرًا يُعْفَى عَنْهُ فِي نَقْصِ الْقُلَّتَيْنِ كَالرَّطْلِ وَالرَّطْلَيْنِ فَالْبَاقِي طَهُورٌ لِأَنَّهُ قُلَّتَانِ (وَلَهُ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ مَا لَا يَنْجَسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ (وَلَوْ مَعَ قِيَامِ النَّجَاسَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ (وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ (قَلِيلٌ) لِأَنَّ تَبَاعُدَ الْأَقْطَارِ وَتَقَارُبَهَا لَا عِبْرَةَ بِهِ، إنَّمَا الْعِبْرَةُ بِكَوْنِ غَيْرِ الْمُتَغَيِّرِ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا وَيُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمُلَاصِقِ لِلنَّجَاسَةِ إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ كَثِيرًا فَهُوَ (نَجَسٌ) لِمُلَاقَاتِهِ النَّجَاسَةَ (فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ الَّذِي خَلَطَتْهُ النَّجَاسَةُ وَهُوَ يَسِيرٌ فَ) هُوَ (نَجَسٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ «سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ فَقَالَ: إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ «لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ وَسُئِلَ عَنْهُ ابْنُ مَعِينٍ فَقَالَ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيَكْفِي شَاهِدًا عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ نُجُومَ أَهْلِ الْحَدِيثِ صَحَّحُوهُ
، وَلِأَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِإِرَاقَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ التَّغَيُّرَ.
وَعَنْهُ لَا يَنْجَسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْمُنَجَّا وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وِفَاقًا لِمَالِكٍ لِحَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَجَوَابُهُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيَنْجَسُ الْقَلِيلُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ.
(وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ) أَيْ الْبَصَرُ كَالَّتِي بِأَرْجُلِ الذُّبَابِ خِلَافًا لِعُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَسَوَاءٌ (مَضَى زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ) النَّجَاسَةُ (أَمْ لَا) لِأَنَّ النَّجَاسَةَ بِالْمُلَاقَاةِ لَا بِالِاسْتِهْلَاكِ (وَمَا انْتَضَحَ مِنْ) مَاءٍ (قَلِيلٍ لِسُقُوطِهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ (فِيهِ نَجَسٌ) لِأَنَّهُ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ بِالنَّجَاسَةِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا انْتَضَحَ مِنْ كَثِيرٍ طَهُورٌ (وَالْمَاءُ الْجَارِي كَالرَّاكِدِ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (إنْ بَلَغَ مَجْمُوعُهُ) أَيْ الْجَارِي (قُلَّتَيْنِ دَفَعَ) .
(النَّجَاسَةَ إنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ) وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَ مَجْمُوعُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (فَلَا اعْتِبَارَ بِالْجِرْيَةِ) وَهِيَ مَا أَحَاطَ بِالنَّجَاسَةِ فَوْقَهَا وَتَحْتَهَا وَيَمْنَةً وَيَسْرَةً.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَمَا انْتَشَرَتْ إلَيْهِ عَادَةً أَمَامَهَا وَوَرَاءَهَا، وَعَنْهُ كُلُّ جِرْيَةٍ مِنْ جَارٍ كَمُنْفَرِدٍ فَمَتَى امْتَدَّتْ نَجَاسَةٌ بِجَارٍ فَكُلُّ جِرْيَةٍ نَجَاسَةٌ مُفْرَدَةٌ فَيُفْضِي إلَى تَنْجِيسِ نَهْرٍ كَبِيرٍ بِنَجَاسَةٍ قَلِيلَةٍ لَا كَثِيرَةٍ لِقِلَّةِ مَا يُحَاذِي الْقَلِيلَةَ.
إذْ لَوْ فَرَضْنَا كَلْبًا فِي جَانِبِ نَهْرٍ وَشَعْرَةٌ مِنْهُ فِي
جَانِبِهِ الْآخَرِ لَكَانَ مَا يُحَاذِيهَا لَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ لِقِلَّتِهِ فَيَنْجَسُ وَمَا يُحَاذِي الْكَلْبَ يَبْلُغُ قِلَالًا فَلَا يَنْجَسُ وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ.
(فَلَوْ غُمِسَ الْإِنَاءُ) الْمُتَنَجِّسُ (فِي مَاءٍ جَارٍ فَهِيَ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ مَرَّ عَلَيْهِ جِرْيَاتٌ) كَمَا لَوْ حَرَّكَهُ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ الرَّاكِدِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ) الْمُتَنَجِّسُ (ثَوْبًا وَنَحْوَهُ) مِمَّا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ (وَعَصَرَهُ عَقِبَ كُلِّ جِرْيَةٍ) كَمَا لَوْ عَصَرَهُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ فَغَسْلَةٌ يُبْنَى عَلَيْهَا.
(وَلَوْ انْغَمَسَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ الْجَارِي (لِمُحْدِثٍ حَدَثًا أَصْغَرَ لِلْوُضُوءِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ، حَتَّى يَخْرُجَ مُرَتِّبًا نَصًّا كَالرَّاكِدِ وَلَوْ مَرَّ عَلَيْهِ أَرْبَعُ جِرْيَاتٍ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقِفُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَاءِ وَهُوَ جَارٍ (فَوَقَفَ) فِيهِ (حَنِثَ) هَكَذَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَيَأْتِي فِي بَابِ التَّأْوِيلِ فَالْحَلِفُ لَا يَحْنَثُ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا قَصْدٍ وَلَا سَبَبٍ.
(وَيَنْجَسُ كُلُّ مَائِعٍ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (كَزَيْتٍ وَلَبَنٍ وَسَمْنٍ) وَخَلٍّ وَعَسَلٍ بِمُلَاقَاةِ نَجَاسَةٍ وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهَا لِحَدِيثِ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ وَعَنْهُ حُكْمُهُ كَالْمَاءِ وِفَاقًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
(وَ) يَنْجَسُ (كُلُّ طَاهِرٍ كَمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْمُسْتَخْرَجِ بِالْعِلَاجِ (بِمُلَاقَاةِ نَجَاسَةٍ وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهَا) كَيَسِيرِ الدَّمِ (وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا) قِيَاسًا عَلَى السَّمْنِ (وَإِنْ وَقَعَتْ) نَجَاسَةٌ (فِي مُسْتَعْمَلٍ فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ) وَقَعَتْ (فِي طَاهِرٍ غَيْرَهُ مِنْ الْمَاءِ) كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي غُسْلِ مَيِّتٍ أَوْ غَسْلِ يَدَيْ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ وَكَالطَّهُورِ الَّذِي تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ بِطَاهِرٍ (لَمْ يَنْجَسْ كَثِيرُهُمَا بِدُونِ تَغَيُّرٍ كَالطَّهُورِ) .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَابْنِ عُبَيْدَانَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي نِهَايَتِهِ وَغَيْرُهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْجَسَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ فِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ وَابْنُ تَمِيمٍ انْتَهَى وَقَطَعَ بِالثَّانِي فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَوَجْهُ الْأَوَّلِ عُمُومُ حَدِيثِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» .
وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ غَيْرُ مُطَهِّرٍ فَأَشْبَهَ الْخَلَّ (إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بَوْلَ آدَمِيٍّ) كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا وَظَاهِرُهُ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ (أَوْ عَذِرَتَهُ الْمَائِعَةَ أَوْ الرَّطْبَةَ أَوْ يَابِسَةً فَذَابَتْ نَصًّا وَأَمْكَنَ نَزْحُهُ) أَيْ الْكَثِيرُ الطَّهُورُ أَوْ الطَّاهِرُ مِنْ الْمَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ (بِلَا مَشَقَّةٍ) عَظِيمَةٍ نَزَحَهُ (فَيَنْجَسُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْمَرُّوذِيِّ وَأَبِي طَالِبٍ وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَالشَّرِيفُ وَالْقَاضِي وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَأَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ مُسْلِمٌ «ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَهُوَ خَاصٌّ فِي الْبَوْلِ
وَخَبَرُ الْقُلَّتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى بَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ فَحَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا: وَالْعَذِرَةُ الْمَائِعَةُ كَالْبَوْلِ بَلْ أَفْحَشُ، وَالرَّطْبَةُ وَالْيَابِسَةُ إذَا ذَابَتْ كَذَلِكَ.
وَفِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: وَالْأَوْلَى التَّفْرِيقُ بَيْنَ الرَّطْبَةِ وَالْمَائِعَةِ (وَعَنْهُ لَا يَنْجَسُ) الْكَثِيرُ بِبَوْلِ الْآدَمِيِّ وَلَا عَذِرَتِهِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ (وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ) الْأَصْحَابِ (الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ) اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهَا السَّامِرِيُّ.
وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ وَلِأَنَّ نَجَاسَةَ الْآدَمِيِّ لَا تَزِيدُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَلْبِ وَهُوَ لَا يُنَجِّسُ الْقُلَّتَيْنِ فَهَذَا أَوْلَى وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» إلَى آخِرِهِ لَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهِ فَتَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ أَوْلَى وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ كَمَصَانِعِ طَرِيقِ مَكَّةَ لَا يُنَجَّسُ بِالْبَوْلِ وَلَا بِغَيْرِهِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ (وَإِذَا انْضَمَّ حَسَبَ الْإِمْكَانِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ (عُرْفًا وَلَوْ لَمْ يَتَّصِلْ الصَّبُّ إلَى مَاءٍ نَجِسٍ مَاءٌ طَهُورٌ كَثِيرٌ) طَهَّرَهُ أَيْ صَيَّرَهُ طَهُورًا لِأَنَّ الْكَثِيرَ يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّا اتَّصَلَ بِهِ وَلَا يُنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِإِضَافَةِ يَسِيرٍ إلَيْهِ وَلَوْ زَالَ بِهِ التَّغَيُّرُ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَذَا عَنْ غَيْرِهِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ.
(أَوْ جَرَى إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَاءِ النَّجِسِ مَاءٌ طَهُورٌ كَثِيرٌ (مِنْ سَاقِيَةٍ أَوْ نَبَعَ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ الْمَاءُ الطَّهُورُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمُتَنَجِّسِ (طَهَّرَهُ أَيْ صَارَ) الْمُتَنَجِّسُ (طَهُورًا إنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (إنْ كَانَ مُتَنَجِّسًا بِغَيْرِ بَوْلِ آدَمِيٍّ أَوْ عَذِرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ يَدْفَعُ تِلْكَ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ فَدَفَعَهَا عَنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يَزُولَ تَغَيُّرُهُ (وَإِنْ كَانَ) تَنَجَّسَ (بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِبَوْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ عَذِرَتِهِ (وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) بِأَنْ لَمْ يَشُقَّ نَزْحُهُ (فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ) بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْمُتَوَسِّطِينَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَإِنْ تَغَيَّرَ) الْمَاءُ بِبَوْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ عَذِرَتِهِ (وَكَانَ مِمَّا يَشُقُّ نَزْحُهُ فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ مَعَ زَوَالِ التَّغَيُّرِ) لِأَنَّ عِلَّةَ التَّنَجُّسِ التَّغَيُّرُ وَقَدْ زَالَ (أَوْ بِنَزْحٍ يَبْقَى بَعْدَهُ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ) مَعَ زَوَالِ التَّغَيُّرِ قَلَّ الْمَنْزُوحُ أَوْ كَثُرَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ تَطْهِيرُ الْمَاءِ بِالنَّزْحِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَحْرِيكِهِ لِأَنَّ التَّنْقِيصَ وَالتَّقْلِيلَ يُنَافِي مَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْكَثْرَةِ (أَوْ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِمُكْثِهِ) كَالْخَمْرِ تَنْقَلِبُ خَلًّا.
(وَإِنْ كَانَ) الْمُتَنَجِّسُ بِبَوْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ عَذِرَتَهُ (مِمَّا لَا يَشُقُّ نَزْحُهُ فَ) تَطْهِيرُهُ (بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ عُرْفًا كَمَصَانِعِ طَرِيقِ مَكَّةَ مَعَ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ إنْ كَانَ) فِيهِ تَغَيُّرٌ لِمَا تَقَدَّمَ (وَالْمَنْزُوحُ طَهُورٌ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَغَيِّرًا أَوْ تَكُنْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فِيهِ) حَيْثُ زَالَ التَّغَيُّرُ
بِهِ وَبَقِيَ بَعْدَهُ قُلَّتَانِ، لِأَنَّهُ بَعْضُ الْبَاقِي فَكَانَ طَهُورًا كَاَلَّذِي انْفَصَلَ مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ الْمُنْفَصِلُ مِنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحِلِّ طَاهِرًا لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْمُنْفَصِلَ عَنْ الْمَحِلِّ حُكْمَ الْمَاءِ الْبَاقِي فِي الْمَحِلِّ وَإِذَا حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْمَحِلِّ كَانَ الْبَلَلُ الْبَاقِي فِي الْمَحِلِّ طَاهِرًا، فَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ بَعْضُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْزُوحُ مُتَغَيِّرًا أَوْ كَانَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَهُوَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَنَجِسٌ.
قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ: وَالْمُرَادُ آخِرُ مَا نُزِحَ الْمَاءُ وَزَالَ مَعَهُ التَّغَيُّرُ وَلَمْ يُضِفْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْزُوحِ الَّذِي لَمْ يَزُلْ التَّغَيُّرُ بِنَزْحِهِ (وَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَوَانِبِ بِئْرٍ) ضَيِّقَةً كَانَتْ أَوْ وَاسِعَةً (نُزِحَتْ) لِنَجَاسَةٍ حَصَلَتْ بِهَا (وَ) لَا غَسْلُ (أَرْضِهَا) لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ رَأْسِهَا قُلْتُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَجِبُ غَسْلُ آلَةِ النَّزْحِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ الْمَنْزُوحُ طَهُورٌ كَمَا تَقَدَّمَ: أَنَّ الْآلَةَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ لِلْحَرَجِ وَإِلَّا لَنَبَّهُوا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّجِسُ كَثِيرًا فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَزْحٍ بَقِيَ بَعْدَهُ كَثِيرٌ صَارَ طَهُورًا إنْ كَانَ مُتَنَجِّسًا بِغَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَكُنْ مُجْتَمِعًا مِنْ) مَاءٍ (مُتَنَجِّسٍ) كَمَاءٍ مِنْ الْمِيَاهِ الَّتِي جُمِعَتْ (دُونَ قُلَّتَيْنِ كَاجْتِمَاعِ قُلَّةٍ نَجِسَةٍ إلَى مِثْلِهَا) فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ طَهُرَ لِزَوَالِ عِلَّةِ النَّجَاسَةِ وَهِيَ التَّغَيُّرُ، كَمَا لَوْ أُضِيفَ إلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ وَزَالَ بِهِ تَغَيُّرُهُ (فَإِنْ كَانَ) مُجْتَمِعًا مِنْ مُتَنَجِّسٍ كُلٌّ مِنْهُ دُون قُلَّتَيْنِ (فَ) هُوَ (نَجِسٌ) وَلَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَزْحٍ بَقِيَ بَعْدَهُ كَثِيرٌ، وَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِإِضَافَةِ كَثِيرٍ (وَكَكَمَالِهِمَا) أَيْ الْقُلَّتَيْنِ (بِبَوْلٍ أَوْ نَجَاسَةٍ أُخْرَى) غَيْرِ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِإِضَافَةِ كَثِيرٍ.
(وَكَذَا إنْ اجْتَمَعَ مِنْ نَجَسٍ وَطَهُورٍ وَطَاهِرٍ قُلَّتَانِ وَلَا تَغَيُّرَ فَكُلُّهُ نَجَسٌ) ؛ لِأَنَّ الطَّهُورَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَذَا عَنْ غَيْرِهِ بَلْ أَوْلَى.
(وَتَطْهِيرُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ وَمَاءٌ) نَجَسٌ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (كُوثِرَ بِمَاءٍ يَسِيرٍ بِالْإِضَافَةِ) أَيْ بِإِضَافَةِ مَا يَدْفَعُ تِلْكَ النَّجَاسَةَ لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ ابْتِدَاءٍ عَنْ نَفْسِهِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ إضَافَةِ يَسِيرٍ وَدُونَ زَوَالِ التَّغَيُّرِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَزْحٍ (إنْ كُوثِرَ) هَذَا الْمَاءُ الْمَذْكُورُ (بِمَاءٍ يَسِيرٍ) لَمْ يَطْهُرْ (أَوْ كَانَ) الْمُتَنَجِّسُ (كَثِيرًا فَأُضِيفَ إلَيْهِ ذَلِكَ) أَيْ مَاءٌ يَسِيرٌ (أَوْ) أُضِيفَ إلَيْهِ (غَيْرُ الْمَاءِ) مِنْ تُرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ (لَمْ يَطْهُرْ) بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى.