الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَبْلَغُ بِالْوَضْعِ عَلَيْهِ لِحِفْظِهِ (وَمَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى وَضْعِ كَفِّهِ الْأَيْمَنِ عَلَى كُوعِهِ الْأَيْسَرِ وَجَعْلِهَا تَحْتَ سُرَّتِهِ: أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ ذُو (ذُلٍّ بَيْنَ يَدَيْ ذِي عِزٍّ) نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الرَّقِّيُّ.
(وَيُكْرَهُ) جَعْلُ يَدَيْهِ (عَلَى صَدْرِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ رَوَاهُ.
قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَيُسْتَحَبُّ نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فِي كُلِّ حَالَاتِ الصَّلَاةِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَلِّبُ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَتْ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ» وَرَوَاهُ سَعِيدٌ بِسَنَدِهِ أَيْضًا عَنْهُ وَزَادَ فِيهِ " قَالَ «كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ مُصَلَّاهُ وَلِأَنَّهُ أَخْشَعُ وَأَكَفُّ لِنَظَرِهِ إلَّا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْعَدُوِّ لِلْحَاجَةِ وَكَذَا إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، أَوْ كَانَ خَائِفًا مِنْ سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ فَوَاتِ» وَقْتِ (الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ ضَيَاعِ مَالِهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ ضَرَرٌ، إذَا نَظَرَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) .
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَحَالُ إشَارَتِهِ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى سَبَّابَتِهِ، لِخَبَرِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَصَلَاتُهُ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا.
وَفِي الْغُنْيَةِ: يُكْرَهُ إلْصَاقُ الْحَنَكِ بِالصَّدْرِ وَعَلَى الثَّوْبِ، وَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَرِهَتْهُ.
[فَصْلٌ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ سِرًّا]
فَصْلٌ ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ سِرًّا (فَيَقُولُ سُبْحَانَك) أَيْ: أُنَزِّهُكَ تَنْزِيهَك اللَّائِقَ بِجَلَالِك (اللَّهُمَّ) أَيْ: يَا اللَّهُ (وَبِحَمْدِك) قِيلَ الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: سَبَّحْتُك بِكُلِّ مَا يَلِيقُ تَسْبِيحُك بِهِ، وَبِحَمْدِك سَبَّحْتُك، أَيْ: بِنِعْمَتِكَ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيَّ حَمْدًا سَبَّحْتُك، لَا بِحَوْلِي وَقُوَّتِي.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ سَبَّحْتُك بِحَمْدِك قَالَ أَبُو عُمَرَ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْوَاوَ صِلَةٌ، أَيْ: زَائِدَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَبِحَمْدِكَ اللَّائِقِ بِك أَحْمَدُكَ (وَتَبَارَكَ) فِعْلٌ لَا يَتَصَرَّفُ فَلَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ غَيْرُ الْمَاضِي (اسْمُكَ) أَيْ: دَامَ خَيْرُهُ وَالْبَرَكَةُ: الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ، أَيْ: الْبَرَكَةُ تُكْسَبُ وَتُنَالُ بِذِكْرِكَ وَيُقَالُ: تَبَارَكَ: تَقَدَّسَ وَالْقُدْسُ الطَّهَارَةُ.
وَيُقَالُ: تَعَاظَمَ (وَتَعَالَى جَدُّكَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، أَيْ: عَلَا جَلَالُكَ، وَارْتَفَعَتْ عَظَمَتُك (وَلَا إلَهَ غَيْرُك) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَمَلُ
عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَلِيِّ الرِّفَاعِيِّ وَقَدْ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَابْنُ مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَعَمِلَ بِهِ عُمَرُ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَجَوَّزَ الِاسْتِفْتَاحَ بِغَيْرِهِ مِمَّا وَرَدَ.
وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَيَجُوزُ، وَلَا يُكْرَهُ بِغَيْرِهِ مِمَّا وَرَدَ) وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ نَوْعٍ أَحْيَانًا وَكَذَا صَلَاةُ الْخَوْفِ (ثُمَّ يَتَعَوَّذُ سِرًّا، فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] الْآيَةَ) أَيْ: إذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ (وَكَيْفَمَا تَعَوَّذَ بِهِ مِنْ الْوَارِد فَحَسَنٌ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا " أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيَادَةِ وَالْأَخْذُ بِهَا أَوْلَى لَكِنْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَ ابْنُ بَطَّةَ وُجُوبَ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: التَّعَوُّذَ أَوَّلَ كُلِّ قُرْبَةٍ (ثُمَّ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ) أَيْ: يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (سِرًّا) لِمَا رَوَى نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ قَالَ: صَلَّيْت وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، حَتَّى بَلَغَ وَلَا الضَّالِّينَ الْحَدِيثُ ثُمَّ قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُسِرُّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ " فِي الصَّلَاةِ " فَيُسِرُّ بِهَا.
(وَلَوْ قِيلَ: إنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ) كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ بَطَّةَ وَأَبُو حَفْصٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ شِهَابٍ (وَلَيْسَتْ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْفَاتِحَةِ، جَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي إجْمَاعًا سَابِقًا وَ (كَغَيْرِهَا) أَيْ: وَلَيْسَتْ آيَةً مِنْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ: قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي الْحَدِيثَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَوْ كَانَتْ آيَةً لَعَدَّهَا وَبَدَأَ
بِهَا.
وَلَمَّا تَحَقَّقَ التَّنْصِيفُ لِأَنَّ مَا هُوَ ثَنَاءٌ وَتَمْجِيدٌ أَرْبَعُ آيَاتٍ وَنِصْفٌ، وَمَا هُوَ لِآدَمِيٍّ آيَتَانِ وَنِصْفٌ لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ إجْمَاعًا لَكِنْ حَكَى الرَّازِيّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا ثَمَانِ آيَاتٍ «وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ أَنَّهَا ثَلَاثُونَ أَيَّةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْعَادُّونَ أَنَّهَا ثَلَاثُونَ أَيَّةً، بِدُونِ الْبَسْمَلَةِ.
قَالَ الْأُصُولِيُّونَ: وَقُوَّةُ الشُّبْهَةِ فِي: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مَنَعَتْ التَّكْفِيرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ (بَلْ) {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] بَعْضُ آيَةٍ مِنْ النَّمْلِ إجْمَاعًا.
وَ (آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ) فَاصِلَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ فَهِيَ (مَشْرُوعَةٌ قَبْلَهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ (وَبَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ سِوَى بَرَاءَةَ فَيُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهَا بِهَا) لِنُزُولِهَا بِالسَّيْفِ وَقِيلَ: لِأَنَّهَا مَعَ الْأَنْفَالِ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ.
(فَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِفْتَاحَ) وَفِي نُسْخَةٍ " الِافْتِتَاحَ "(وَلَوْ عَمْدًا، حَتَّى تَعَوَّذَ) سَقَطَ (أَوْ) تَرَكَ (التَّعَوُّذَ حَتَّى بَسْمَلَ) سَقَطَ (أَوْ) تَرَكَ (الْبَسْمَلَةَ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقُرْآنِ) وَفِي نُسَخِ " الْقِرَاءَةِ "(سَقَطَ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا.
وَيُسَنُّ كِتَابَةُ الْبَسْمَلَةِ أَوَائِلِ الْكُتُبِ كَمَا كَتَبَهَا سُلَيْمَانُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَإِلَى قَيْصَرَ وَغَيْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فَتُذْكَرُ فِي ابْتِدَاءِ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ لِلتَّبَرُّكِ، وَهِيَ تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ إذَا ابْتَدَأَ فِعْلًا تَبَعًا لِغَيْرِهَا لَا مُسْتَقِلَّةً فَلَمْ تُجْعَلْ كَالْحَمْدَلَةِ وَغَيْرِهَا وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا تُكْتَبُ أَمَامَ الشِّعْرِ وَلَا مَعَهُ.
وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ يَشُوبهُ الْكَذِبُ وَالْهَجْوُ غَالِبًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَسْمَعُهُ أَنَسٌ مِنْهُمْ " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ عَنْ أَنَسٍ وَيُخَيَّرُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ بَيْنَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ وَتَرْكِهِ قَالَ الْقَاضِي: كَالْقِرَاءَةِ.
(ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً مُشَدَّدَةً) أَيْ بِتَشْدِيدَاتِهَا، وَهِيَ رُكْنٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ «لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ يَقُولُ ثَلَاثًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْخِدَاجُ النُّقْصَانُ فِي الذَّاتِ نَقْصُ فَسَادٍ، وَبُطْلَانٍ تَقُول الْعَرَبُ أَخَدَجَتْ النَّاقَةُ وَلَدَهَا، أَيْ أَلْقَتْهُ وَهُوَ دَمٌ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ فَإِنْ نَسِيَهَا فِي رَكْعَةٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا وَسُمِّيَتْ فَاتِحَةً
لِأَنَّهُ يَفْتَتِحُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَبِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَتُسَمَّى الْحَمْدَ وَالسَّبْعَ الْمَثَانِيَ وَأُمَّ الْكِتَابِ وَالرَّاقِيَةَ، وَالشَّافِيَةَ، وَالْأَسَاسَ، وَالصَّلَاةَ، وَأُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ - تَقْرِيرًا - أُمُورُ الْإِلَهِيَّاتِ وَالْمَعَادِ، وَالنُّبُوَّاتِ، وَإِثْبَاتُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لِلَّهِ تَعَالَى فَالْحَمْدُ لِلَّهِ إلَى الرَّحِيمِ يَدُلُّ عَلَى الْإِلَهِيَّاتِ " وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ " يَدُلُّ عَلَى الْمَعَادِ، " وَإِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " يَدُلُّ عَلَى نَفِي الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ، وَعَلَى أَنَّ كُلًّا بِقَضَاءِ اللَّهِ " وَاهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ " إلَى آخِرِهَا: يَدُلُّ عَلَى النُّبُوَّاتِ وَتُسَمَّى: الشِّفَاءَ وَالشَّافِيَةَ، وَالسُّؤَالَ، وَالدُّعَاءَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ أَوْدَعَ اللَّهُ فِيهَا مَعَانِي الْقُرْآنِ كَمَا أَوْدَعَ فِيهِ مَعَانِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُرَتَّلَةً مُعَرَّبَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] وَيَأْتِي لِذَلِكَ تَتِمَّةٌ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ (يَقِفُ فِيهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ (عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ) لِقِرَاءَتِهِ صلى الله عليه وسلم (وَإِنْ) أَيْ: وَلَوْ (كَانَتْ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْأُولَى مُتَعَلِّقَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ) كَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَعْدَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (أَوْ) كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَا (غَيْرَ ذَلِكَ) التَّعَلُّقِ، كَتَعَلُّقِ الْبَدَلِ بِالْمُبْدَلِ مِنْهُ، كَصِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ، بَعْدَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
(وَيُمَكِّنُ حُرُوفَ الْمَدِّ وَاللِّينِ) وَهِيَ الْأَلِفُ اللَّيِّنَةُ وَالْوَاوُ الْمَضْمُومُ مَا قَبْلَهَا، وَالْيَاءُ الْمَكْسُورُ مَا قَبْلَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] (مَا لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ) التَّمْكِينُ (إلَى التَّمْطِيطِ) فَيَتْرُكُهُ (وَهِيَ) أَيْ الْفَاتِحَةُ (أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ) وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ أَفْضَلُ سُورَةٍ وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا «أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ» (وَأَعْظَمُ آيَةٍ فِيهِ) أَيْ: الْقُرْآنِ (آيَةُ الْكُرْسِيِّ) كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَمِنْهُ: يُؤْخَذُ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ مِنْ الْمَعَانِي وَالْبَلَاغَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْجَمِيعِ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ التَّفَضُّلَ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقِ لَا بِالذَّاتِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ " أَنَّهَا - آيَةُ الْكُرْسِيِّ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ.
(وَفِيهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ (إحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً) وَذَلِكَ فِي: لِلَّهِ، وَرَبِّ، وَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالدِّينِ، وَإِيَّاكَ، وَإِيَّاكَ، وَالصِّرَاطِ، وَاَلَّذِينَ، وَفِي الضَّالِّينَ ثِنْتَانِ.
وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَفِيهَا ثَلَاثُ تَشْدِيدَاتٍ (فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ، بِأَنْ قَدَّمَ بَعْضَ الْآيَاتِ عَلَى بَعْضٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِأَنَّ تَرْتِيبَهَا شَرْطُ صِحَّةِ قِرَاءَتِهَا فَإِنَّ مَنْ نَكَّسَهَا لَا يُسَمَّى قَارِئًا لَهَا عُرْفًا وَقَالَ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْقَاضِي: وَإِنْ قَدَّمَ آيَةً مِنْهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا
عَمْدًا أَبْطَلَهَا.
وَإِنْ كَانَ غَلَطًا رَجَعَ فَأَتَمَّهَا (أَوْ) تَرَكَ (حَرْفًا مِنْهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْهَا، وَإِنَّمَا قَرَأَ بَعْضَهَا، (أَوْ) تَرَكَ (تَشْدِيدَةً) مِنْهَا (لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا) لِأَنَّ التَّشْدِيدَةَ بِمَنْزِلَةِ حَرْفٍ، فَإِنَّ الْحَرْفَ الْمُشَدَّدَ قَائِمٌ مَقَامَ حَرْفَيْنِ، فَإِذَا أَخَلَّ بِهَا فَقَدْ أَخَلَّ بِحَرْفٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ: وَهَذَا إذَا فَاتَ مَحَلُّهَا وَبَعُدَ عَنْهُ بِحَيْثُ يُخِلُّ بِالْمُوَالَاةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ فَأَعَادَ الْكَلِمَةَ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَكُونُ بِمَثَابَةِ مَنْ نَطَقَ بِهَا عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ فَيَأْتِي بِهَا عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ.
قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ تَرَكَ التَّشْدِيدَةَ سَهْوًا أَوْ خَطَأً، أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا فَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي بُطْلَانَ صَلَاتِهِ إنْ انْتَقَلَ عَنْ مَحَلِّهَا، كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ، فَأَمَّا مَا دَامَ فِي مَحَلِّهَا، وَهُوَ حَرْفُهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْفَاتِحَةَ رُكْنٌ وَاحِدٌ مَحَلُّهُ الْقِيَامُ، لِأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ رُكْنٌ.
(تَتِمَّةٌ) إذَا أَظْهَرَ الْمُدْغَمَ، مِثْلَ أَنْ يُظْهِرَ " لَامَ " الرَّحْمَنِ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْإِدْغَامَ، وَهُوَ لَحْنٌ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ (وَإِنْ قَطَعَهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةَ (غَيْرُ مَأْمُومٍ) وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ (بِذِكْرٍ) كَثِيرٍ (أَوْ دُعَاءٍ) كَثِيرٍ (أَوْ قُرْآنٍ كَثِيرٍ، أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ عَمْدًا، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا) لِاخْتِلَالِ نَظْمِهَا (لَا إنْ كَانَ) الْقُرْآنُ أَوْ الذِّكْرُ أَوْ الدُّعَاءُ (يَسِيرًا) فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهَا لِعَدَمِ إخْلَالِهِ بِنَظْمِهَا (أَوْ) كَانَ الْقُرْآنُ أَوْ الذِّكْرُ أَوْ الدُّعَاءُ (كَثِيرًا سَهْوًا أَوْ نَوْمًا) فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهَا لِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ» (أَوْ انْتَقَلَ) عَنْ الْفَاتِحَةِ (إلَى) قِرَاءَةِ (غَيْرِهَا غَلَطًا فَطَالَ) ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهَا لِمَا تَقَدَّمَ، (وَلَا يَضُرُّ) الْقَطْعُ (فِي حَقِّ مَأْمُومٍ إنْ كَانَ الْقَطْعُ) مَشْرُوعًا.
(أَوْ) كَانَ (السُّكُوتُ مَشْرُوعًا كَالتَّأْمِينِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالتَّسْبِيحِ بِالتَّنْبِيهِ) أَيْ: لِأَجْلِ التَّنْبِيهِ (وَنَحْوِهِ) كَالْفَتْحِ عَلَى إمَامِهِ، إذَا ارْتَجَّ عَلَيْهِ أَوْ غَلِطَ (أَوْ) كَانَ السُّكُوتُ (لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ) فَلَا أَثَرَ لِلتَّقْطِيعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ (وَيَبْنِي) الْمَأْمُومُ عَلَى مَا قَرَأَهُ (وَلَا تَبْطُلُ) الْقِرَاءَةُ (بِنِيَّةِ قَطْعِهَا وَلَوْ سَكَتَ يَسِيرًا) فَيَبْنِي عَلَى مَا قَرَأَهُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِاللِّسَانِ، فَلَمْ تَنْقَطِعْ بِخِلَافِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ (وَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ: إذَا لَحَنَ لَحْنًا يُمِيلُ الْمَعْنَى، أَوْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَنَحْوِهِ) كَإِدْغَامِ مَا لَا يُدْغَمُ.
(وَيُكْرَهُ الْإِفْرَاطُ فِي التَّشْدِيدِ) بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى حَرْفٍ سَاكِنٍ، لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَهُ، فَإِذَا زَادَهَا
عَنْ ذَلِكَ زَادَهَا عَمَّا أُقِيمَتْ مَقَامَهُ (وَ) الْإِفْرَاطُ فِي (الْمَدِّ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا جَعَلَ الْحَرَكَاتِ حُرُوفًا.
(وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَقُولَ مَعَ إمَامِهِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] وَنَحْوَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204](" مَالِكِ " أَحَبُّ إلَيَّ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ مِنْ " مَلِكِ ") لِمَا فِي مَالِكٍ مِنْ زِيَادَةِ حَرْفِ الْأَلِفِ.
وَلِأَنَّهُ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَوْسَعُ وَأَجْمَعُ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: مَالِكُ الْعَبِيدِ وَالطَّيْرِ وَالدَّوَابِّ وَلَا يُقَالُ: مَلِكُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ اهـ وَلَا يُقَالُ: مَالِكُ الشَّيْءِ إلَّا وَهُوَ يَمْلِكُهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَلِكُ الشَّيْءِ وَلَا يَمْلِكُهُ وَقَالَ قَوْمٌ: مَلِكٌ أَوْلَى لِأَنَّ كُلَّ مَلِكٍ مَالِكٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مَالِكٍ مَلِكًا، وَهَذَا غَيْرُ مُفِيدٌ هُنَا، لِأَنَّ مَالِكَ الشَّيْءِ مَلِكٌ لَهُ وَزِيَادَةٌ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي مَالِكٍ الْمُضَافِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ، فَإِذَا كَانَ مَالِكُهُ كَانَ مَلِكًا لَهُ.
(فَإِذَا فَرَغَ) مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ (قَالَ آمِينَ، بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ، لِيُعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ) وَإِنَّمَا هِيَ طَابِعُ الدُّعَاءِ، وَمَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ، وَقِيلَ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى (يَجْهَرُ بِهِ إمَامٌ وَمَأْمُومٌ مَعًا فِي صَلَاةِ جَهْرٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى أَبُو وَائِلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ «آمِينَ يُمِدُّ بِهَا صَوْتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ عَطَاءٌ " كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُؤَمِّنُ وَيُؤَمِّنُونَ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ (وَ) يَجْهَرُ بِهَا (مُنْفَرِدٌ) إنْ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ تَبَعًا لَهَا.
(وَ) يَجْهَرُ بِهَا (غَيْرُ مُصَلٍّ إنْ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ) تَبَعًا لَهَا (وَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ: التَّأْمِينَ عَمْدًا (إمَامٌ) أَوْ سَهْوًا أَتَى بِهِ مَأْمُومٌ جَهْرًا (أَوْ أَسَرَّهُ) الْإِمَامُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (أَتَى بِهِ مَأْمُومٌ جَهْرًا لِيُذَكِّرَهُ) أَيْ: يُذَكِّرُ النَّاسَ، وَكَسَائِرِ السُّنَنِ إذَا تَرَكَهَا الْإِمَامُ أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِي تَرْكِهَا (وَيَأْتِي الْمَأْمُومُ أَيْضًا بِالتَّعَوُّذِ، وَلَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ) وَقِيَاسُهُ: الِاسْتِفْتَاحُ وَالْبَسْمَلَةُ.
(فَإِنْ تَرَكَ) الْمُصَلِّي (التَّأْمِينَ، حَتَّى شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَاتَ مَحَلُّهَا (وَالْأَوْلَى) فِي هَمْزَةِ آمِينَ (الْمَدُّ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْإِمَالَةَ وَعَدَمَهَا سِيَّانِ (وَيَجُوزُ الْقَصْرُ فِي آمِينَ) لِأَنَّهُ لُغَةٌ فِيهِ (وَيَحْرُمُ تَشْدِيدُ الْمِيمِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَعْنَى قَاصِدِينَ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَحَرُمَ وَبَطَلَتْ إنْ شَدَّدَ مِيمَهَا اهـ مَعَ أَنَّهُ فِي شَرْحِ الشُّذُورِ حَكَى ذَلِكَ لُغَةً فِيهَا عَنْ بَعْضِهِمْ (فَإِنْ قَالَ آمِّينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَمْ يُسْتَحَبَّ) قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ فِي التَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا: لَا يُسْتَحَبُّ.
(وَيُسْتَحَبُّ سُكُوتُ الْإِمَامِ بَعْدَهَا) أَيْ: بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ (بِقَدْرِ قِرَاءَةِ مَأْمُومٍ) الْفَاتِحَةَ
فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ سَمُرَةَ: لِيَتَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَ الْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ.
(وَيَلْزَمُ الْجَاهِلَ) يَعْنِي مَنْ لَمْ يُحِسَّنْ الْفَاتِحَةَ (تَعَلُّمُهَا) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَزِمَهُ تَحْصِيلُهَا إذَا أَمْكَنَهُ كَشُرُوطِهَا (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: لَمْ يَتَعَلَّمْ الْفَاتِحَةَ (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) لِتَرْكِهِ الْفَرْضَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) عَلَى تَعَلُّمِ الْفَاتِحَةِ لِبُعْدِ حِفْظِهِ (أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُ، سَقَطَ) كَسَائِرِ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ (وَلَزِمَهُ قِرَاءَةُ قَدْرِهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ (فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ وَالْآيَاتِ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ، لِمُشَارَكَتِهِ لَهَا فِي الْقُرْآنِيَّةِ.
وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ عَدَدُ الْحُرُوفِ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ، بِدَلِيلِ اعْتِبَارِ تَقْدِيرِ الْحَسَنَاتِ بِهَا فَاعْتُبِرَتْ كَالْآيِ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ) مِنْ الْقُرْآنِ (إلَّا آيَةً وَاحِدَةً مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْفَاتِحَةِ (أَوْ مِنْ غَيْرِهَا كَرَّرَهَا بِقَدْرِهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ، مُرَاعِيًا عَدَدَ الْحُرُوفِ وَالْآيَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ آيَةً مِنْهَا) أَيْ: الْفَاتِحَةِ.
(وَ) يُحْسِنُ (شَيْئًا مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ: آيَةً فَأَكْثَرَ مِنْ بَاقِي السُّورِ (كَرَّرَ الْآيَةَ) الَّتِي يُحْسِنُهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ وَ (لَا) يُكَرِّرُ (الشَّيْءَ) الَّذِي لَيْسَ مِنْ الْفَاتِحَةِ (بِقَدْرِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِكَرَّرَ، لِأَنَّ الَّذِي مِنْهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا (لَمْ يُحْسِنْ إلَّا بَعْضَ آيَةٍ، لَمْ يُكَرِّرْهُ وَعَدَلَ إلَى غَيْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ بَعْضُ الْآيَةِ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ» وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ بَعْضُ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَكْرَارِهَا (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ حَرُمَ أَنْ يُتَرْجِمَ عَنْهُ) أَيْ: أَنْ يَقُولَهُ (بِلُغَةٍ أُخْرَى) غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ (كَعَالِمٍ) بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ عَنْهُ تَفْسِيرٌ لَا قُرْآنٌ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ الْمُنَزَّلُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] وَقَالَ تَعَالَى " بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ".
(وَتَرْجَمَتُهُ) أَيْ: الْقُرْآنَ (بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا لَا تُسَمَّى قُرْآنًا فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَلَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ) لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ أَحْمَدُ الْقُرْآنُ مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ، أَيْ: بِخِلَافِ تَرْجَمَتِهِ بِلُغَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهَا، فَدَلَّ أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَفِي بَعْضِ آيَةٍ إعْجَازٌ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَفِي كَلَامِهِ فِي التَّمْهِيدِ فِي النَّسْخِ وَكَلَامِ أَبِي الْمَعَالِي: لَا.
(وَتَحْسُنُ لِلْحَاجَةِ تَرْجَمَتُهُ) أَيْ: الْقُرْآنِ (إذَا احْتَاجَ إلَى تَفَهُّمِهِ إيَّاهُ
بِالتَّرْجَمَةِ) وَتَكُونُ تِلْكَ التَّرْجَمَةُ عِبَارَةً عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ، وَتَفْسِيرًا لَهُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ لَا قُرْآنًا وَلَا مُعْجِزًا، كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) عَلَى هَذَا: فَإِنَّمَا (حَصَلَ الْإِنْذَارُ بِالْقُرْآنِ) أَيْ: الْمُعَبَّرُ عَنْ مَعْنَاهُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ (دُونَ تِلْكَ اللُّغَةِ، كَتَرْجَمَةِ الشَّهَادَةِ) أَيْ: كَمَا لَوْ تُرْجِمَتْ الشَّهَادَةُ لِلْحَاكِمِ فَإِنَّ حُكْمَهُ يَقَعُ بِالشَّهَادَةِ، لَا بِالتَّرْجَمَةِ.
(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: مَنْ لَمْ يُحْسِنْ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ (أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ " وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِينِي عَنْهُ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» الْحَدِيثَ.
وَمَنْ أَسْقَطَ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، اعْتَمَدَ عَلَى حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ رَجُلًا الصَّلَاةَ فَقَالَ: إنْ كَانَ مَعَك قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَكَبِّرْهُ، وَهَلِّلْهُ، ثُمَّ ارْكَعْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ إيجَابُ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ الْأَمْرُ بِالتَّسْبِيحِ، وَقَدْ أَوْجَبَهُ، أَخْذًا بِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فَكَأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِجَمِيعِهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ قُلْتُ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَمْدَ لَمَّا كَانَ مُقَارِنًا لِلتَّسْبِيحِ غَالِبًا فَكَأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْهُمَا فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ، وَدَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فَكَأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَوْقَلَةِ فَإِسْقَاطُهَا مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى لَيْسَ لِلْوُجُوبِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ الْإِتْيَانُ بِهَا، لِلْحَدِيثِ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
تَنْبِيهٌ الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ السَّابِقَ يُجْزِئُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِهَا، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ لِأَنَّ هَذَا بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ أَشْبَهَ التَّيَمُّمَ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ) الْمُصَلِّي (إلَّا بَعْضَ الذِّكْرِ) الْمَذْكُورِ (كَرَّرَهُ) أَيْ: مَا يُحْسِنُهُ (بِقَدْرِ الذِّكْرِ) مُرَاعِيًا لِعَدَدِ الْحُرُوفِ وَالْجُمَلِ، عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ) الْمُصَلِّي (شَيْئًا مِنْهُ، أَيْ: مِنْ الذِّكْرِ، وَقَفَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ كَالْأَخْرَسِ) وَمَقْطُوعِ اللِّسَانِ، لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، فَمَعَ الْقُدْرَةِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ وَالْقِيَامُ بِقَدْرِهَا، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ الْآخَرُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
(وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَكْبِيرَة