الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سَهَا فَسَلَّمَ وَتَكَلَّمَ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَسَجَدَ لَهُمَا سُجُودًا وَاحِدًا وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْجَبْرِ فَكَفَى فِيهِ سُجُودٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أُخِّرَ لِيَجْمَعَ السَّهْوَ كُلَّهُ، وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ سَلَامٍ فَالسَّهْوُ اسْمُ جِنْسٍ وَمَعْنَاهُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيهَا سَهْوٌ سَجْدَتَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ السَّلَامِ سُجُودَانِ.
(وَ) إذَا اجْتَمَعَ سَهْوَانِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ وَالْآخَرُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ (يُغَلِّبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ) عَلَى مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ السَّلَامِ آكَدُ وَلِسَبَقِهِ (وَإِنْ شَكَّ فِي مَحَلِّ سُجُودِهِ) بِأَنْ حَصَلَ لَهُ سَهْوٌ وَشَكَّ: هَلْ السُّجُودُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؟ (سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَمَتَى سَجَدَ) لِلسَّهْوِ (بَعْدَ السَّلَامِ) سَوَاءٌ كَانَ مَحَلُّهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ (كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) كَسُجُودِ صُلْبِ الصَّلَاةِ (ثُمَّ جَلَسَ) مُفْتَرِشًا فِي الثَّانِيَةِ وَمُتَوَرِّكًا فِي غَيْرِهَا (فَتَشَهَّدَ وُجُوبًا) التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «سَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ يُسَلَّمُ لَهُ، فَكَانَ مَعَهُ تَشَهُّدٌ يَعْقُبُهُ كَسُجُودِ الصُّلْبِ (وَتَقَدَّمَ) بَعْضُهُ (فِي الْبَاب قَبْلَهُ وَإِنْ سَجَدَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ السَّلَامِ (سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بِلَا تَشَهُّدٍ بَعْدَهُمَا) .
ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ إجْمَاعًا (وَسُجُودٌ سَهْوٌ كَسُجُودِ صُلْبِ الصَّلَاةِ وَمَا يَقُولُ فِيهِ) أَيْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ (وَ) مَا يَقُولُ (بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ كَسُجُودِ صُلْبِ الصَّلَاةِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ «ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ» (وَمَنْ تَرَكَ السُّجُودَ الْوَاجِبَ) لِلسَّهْوِ (عَمْدًا لَا سَهْوًا بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ بِتَرْكِ (مَا) مَحَلُّهُ (قَبْلَ السَّلَامِ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا كَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ.
وَ (لَا) تَبْطُلُ (بِ) تَرْكِ (مَا) مَحَلُّهُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ جَبْرٌ لِلْعِبَادَةِ خَارِجٌ عَنْهَا (مُنْفَرِدٌ عَنْهَا) فَلَمْ تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ، كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ وَلِأَنَّهُ (وَاجِبٌ لَهَا كَالْأَذَانِ) يَعْنِي أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ فِي الصَّلَاةِ وَالْوَاجِبِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ كَالْجَمَاعَةِ وَلَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ بِخِلَافِ الْوَاجِبَاتِ فِي الصَّلَاةِ إذَا تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا.
[بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: التَّطَوُّعُ تُكَمَّلُ بِهِ صَلَاةُ الْفَرْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُصَلِّي أَتَمَّهَا وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ، وَبَقِيَّةُ الْأَعْمَالِ اهـ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ: جَاءَتْ السُّنَّةُ بِثَوَابِهِ عَلَى مَا فَعَلَهُ وَعِقَابِهِ عَلَى مَا تَرَكَهُ وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا كَعَدَمِهِ لَمْ يُجْبَرْ بِالنَّوَافِلِ شَيْءٌ وَالْبَاطِلُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ ضِدُّ الصَّحِيحِ فِي عُرْفِهِمْ وَهُوَ مَا أَبْرَأَ الذِّمَّةَ فَقَوْلُهُمْ: تَبْطُلُ صَلَاةُ وَصَوْمُ مَنْ تَرَكَ رُكْنًا بِمَعْنَى وَجَبَ الْقَضَاءُ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِمَا شَيْئًا فِي الْآخِرَةِ (وَهُوَ) أَيْ التَّطَوُّعُ فِي الْأَصْلِ: فِعْلُ الطَّاعَةِ وَ (شَرْعًا) وَعُرْفًا (طَاعَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ) وَالنَّفَلُ وَالنَّافِلَةُ: الزِّيَادَةُ وَالتَّنَفُّلُ التَّطَوُّعُ.
(وَأَفْضَلُهُ) أَيْ التَّطَوُّعِ (الْجِهَادُ) قَالَ أَحْمَدُ لَا أَعْلَمُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ وَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ إيضَاحٍ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ (ثُمَّ تَوَابِعُهُ) أَيْ الْجِهَادِ (مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا فَالنَّفَقَةُ فِيهِ) أَيْ الْجِهَادِ (أَفْضَلُ مِنْ النَّفَقَةِ فِي غَيْرِهِ) مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} [البقرة: 261]- الْآيَةَ (ثُمَّ عِلْمٌ، تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ مِنْ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوِهِمَا) كَتَفْسِيرٍ وَأُصُولٍ لِحَدِيثِ «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» الْحَدِيثَ وَتَقَدَّمَ فِي الْخُطْبَةِ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ (الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ) وَنَقَلَ مُهَنَّا: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ.
قِيلَ: فَأَيُّ شَيْءٍ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ؟ قَالَ: يَنْوِي يَتَوَاضَعُ فِيهِ، وَيَنْفِي عَنْهُ الْجَهْلَ وَقَالَ لِأَبِي دَاوُد شَرْطُ النِّيَّةِ شَدِيدٌ حُبِّبَ إلَيَّ، فَجَمَعْته وَسَأَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ: يَطْلُبُ الْحَدِيثَ بِقَدْرِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ انْتَفَعَ بِهِ؟ قَالَ: الْعِلْمُ لَا يَعْدِلُهُ شَيْءٌ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: أَنَّ تَذَاكُرَ بَعْضِ لَيْلَةٍ أَحَبُّ إلَى أَحْمَدَ مِنْ إحْيَائِهَا - وَإِنَّهُ الْعِلْمُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ قُلْت الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالطَّلَاقُ وَنَحْوُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ فَعَلَ هَذَا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحَبَّةِ لَهُ لَا لِلَّهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَكَاءِ فَلَيْسَ مَذْمُومًا، بَلْ قَدْ يُثَابُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الثَّوَابِ، إمَّا بِزِيَادَةٍ فِيهَا وَفِي أَمْثَالِهَا، فَيَتَنَعَّمُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا قَالَ: وَقَدْ
يَكُونُ مِنْ فَوَائِدِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ فِي الدُّنْيَا، أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إلَى أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهَا إلَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ طَلَبْنَا الْعَلَمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ وَقَوْلُ الْآخَرِ طَلَبُهُمْ لَهُ نِيَّةٌ يَعْنِي نَفْسُ طَلَبِهِ حَسَنٌ يَنْفَعُهُمْ.
قَالَ أَحْمَدُ وَيَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ قِيلَ لَهُ: فَكُلُّ الْعِلْمِ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ قَالَ: الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِهِ قِيلَ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ: صَلَاتُهُ، وَصِيَامُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمُرَادُ أَحْمَدَ مَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فَمَتَى قَامَتْ طَائِفَةٌ بِعِلْمٍ لَا يَتَعَيَّنُ، وُجُوبُهُ قَامَتْ بِفَرْضِ كِفَايَةٍ ثُمَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ فَنَفْلٌ فِي حَقِّهِ، وَوُجُوبُهُ مَعَ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ دَعْوَى تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ وَلْيَحْذَرْ الْعَالِمُ وَيَجْتَهِدْ، فَإِنَّ ذَنْبَهُ أَشَدُّ نَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ: الْعَالِمُ يُقْتَدَى بِهِ لَيْسَ الْعَالِمُ مِثْلَ الْجَاهِلِ، وَمَعْنَاهُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: يُغْفَرُ لِسَبْعِينَ جَاهِلًا قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِعَالِمٍ وَاحِدٍ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ فَذَنْبُهُ مِنْ جِنْسِ ذَنْبِ الْيَهُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ إلَى اللَّهِ وَأَوْلَاهُمْ بِهِ: أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً (ثُمَّ صَلَاةٌ) لِمَا رَوَى سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ ثَوْبَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ إلَى سَالِمٍ قَالَ أَحْمَدُ: سَالِمٌ لَمْ يَلْقَ ثَوْبَانَ بَيْنَهُمَا شَعْبَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَلَهُ طُرُقٌ فِيهَا ضَعْفٌ.
؛ وَلِأَنَّ فَرْضَهَا آكَدُ الْفُرُوضِ فَتَطَوُّعُهَا آكَدُ التَّطَوُّعَاتِ؛ وَلِأَنَّهَا تَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنْ الْعِبَادَةِ: الْإِخْلَاصَ، وَالْقِرَاءَةَ، وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، وَمُنَاجَاةَ الرَّبِّ، وَالتَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ، وَالتَّسْبِيحَ، وَالتَّكْبِيرَ، وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَنَصَّ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: أَنَّ الطَّوَافَ لِغَرِيبٍ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) نَقَلَ حَنْبَلٌ: نَرَى لِمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الطَّوَافُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَكَذَا عَطَاءٌ.
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ، فَيُمْكِنُ التَّنَفُّلُ بِهَا مِنْ أَيِّ مَكَان أَرَادَ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ (ثُمَّ سَائِرُ مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ مِنْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَقَضَاءِ حَاجَةِ مُسْلِمٍ وَإِصْلَاحٍ بَيْنِ النَّاسِ وَنَحْوِهِ) كَإِبْلَاغِ حَاجَةِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إبْلَاغَهَا إلَى ذِي سُلْطَانٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ أَشْبَهَ الصَّدَقَةَ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ:
اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا حَمَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ أَفْضَلِيَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّافِعِ الْقَاصِرِ كَالْحَجِّ، وَإِلَّا فَالْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ (وَهُوَ) أَيْ مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ (مُتَفَاوِتٌ، فَصَدَقَةٌ عَلَى قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ) أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ (وَعِتْقٌ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِهِ مِنْ أَسْرِ الرِّقِّ (إلَّا زَمَنَ غَلَاءٍ وَحَاجَةٍ) فَالصَّدَقَةُ، حَتَّى عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (ثُمَّ حَجٌّ) لِحَدِيثِ:«الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ.
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَمِنْ الْعِتْقِ، وَمِنْ الْأُضْحِيَّةِ قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ إنْ مَاتَ فِي الْحَجِّ مَاتَ شَهِيدًا قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَالْمَوْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَوْلَى بِالشَّهَادَةِ، عَلَى مَا سَبَقَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ - قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ - عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ» وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ وَبَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّطَوُّعِ بِالْحَجِّ، لِمَا سَبَقَ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَيْسَ يُشْبِهُ الْحَجَّ شَيْءٌ، لِلتَّعَبِ الَّذِي فِيهِ وَلِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ.
وَفِيهِ مَشْهَدٌ لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَفِيهِ إنْهَاكُ الْمَالِ وَالْبَدَنِ، وَإِنْ مَاتَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ طَهُرَ مِنْ ذُنُوبِهِ (ثُمَّ عِتْقٌ) هَكَذَا فِي الْمُبْدِعِ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْفُرُوعِ فِيمَا سَبَقَ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا (ثُمَّ صَوْمٌ) لِحَدِيثِ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَإِنَّمَا أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ بِهِ غَيْرُهُ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَإِضَافَةُ عِبَادَةٍ إلَى غَيْرِ اللَّهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ أَفْضَلِيَّتِهَا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ قُرَى الشَّامِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَسْجِدُ مَا عُبِدَ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ قَطُّ وَقَدْ أَضَافَهُ اللَّهُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] فَكَذَا الصَّلَاةُ مَعَ الصَّوْمِ.
وَقِيلَ: أَضَافَ الصَّوْمَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ إلَيْهِ غَيْرُهُ وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَفْضَلِيَّتَهُ «وَسَأَلَهُ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: عَلَيْك بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ» إسْنَادُهُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ فَإِنْ صَحَّ فَمَا سَبَقَ أَصَحُّ ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الصَّلَاةِ، أَوْ بِحَسَبِ السَّائِلِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَكَذَلِكَ اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ وَقَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ: وَقَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ أَفْضَلُ فِي حَالٍ، كَفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ رضي الله عنهم، بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ:
اُنْظُرْ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِقَلْبِك فَافْعَلْهُ (وَقَالَ الشَّيْخُ: اسْتِيعَابُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْعِبَادَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا: أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ الَّذِي لَمْ تَذْهَبْ فِيهِ نَفْسُهُ وَمَالُهُ وَهِيَ) أَيْ الْعِبَادَةُ الَّتِي تَسْتَوْعِبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (فِي غَيْرِ الْعَشْرِ تَعْدِلُ الْجِهَادَ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ.
وَقَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ (وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ) أَيْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ غَيْرِهِ وَقَالَ: الْعَمَلُ بِالْقَوْسِ وَالرُّمْحِ أَفْضَلُ فِي الثَّغْرِ وَفِي غَيْرِهِ نَظِيرُهَا.
وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» .
وَفِي لَفْظٍ «كَاَلَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ» " (وَقَالَ) الشَّيْخُ: (تَعَلُّمُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ يَدْخُلُ بَعْضُهُ فِي الْجِهَادِ، وَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْجِهَادِ) مِنْ جِهَةِ أَنَّ بِهِ إقَامَةَ الْحُجَجِ عَلَى الْمُعَانِدِ، وَإِقَامَةَ الْأَدِلَّةِ فَهُوَ كَالْجِهَادِ بِالرَّأْيِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجِهَادِ.
(تَتِمَّةٌ) فِي خُطْبَةِ كِفَايَةِ ابْنِ عَقِيلٍ إنَّمَا تَشْرُفُ الْعُلُومُ بِحَسَبِ مُؤَدِّيَاتِهَا، وَلَا أَعْظَمَ مِنْ الْبَارِي فَيَكُونُ الْعِلْمُ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَتِهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ وَمَا يَجُوزُ، أَجَلُّ الْعُلُومِ وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ: الِاعْتِنَاءُ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَالتَّحْرِيضُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ: لَيْسَ قَوْمٌ خَيْرًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَعَابَ عَلَى مُحَدِّثٍ لَا يَتَفَقَّهُ، وَقَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ فَهِمًا فِي الْفِقْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَالَ أَحْمَدُ مَعْرِفَةُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْ حِفْظِهِ.
وَفِي خُطْبَةِ مَذْهَبِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: بِضَاعَةُ الْفِقْهِ أَرْبَحُ الْبَضَائِعِ وَفِي كِتَابِ الْعِلْمِ لَهُ: الْفِقْهُ عُمْدَةُ الْعُلُومِ اهـ.
وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَفْضَلِيَّةَ الْفِكْرِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، فَقَدْ يَتَوَجَّهُ أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ وَيَكُونُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ عَمَلَ الْجَوَارِحِ، وَيُؤَيِّدُهُ: حَدِيثُ «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ» ) وَحَدِيثُ «أَوْثَقُ عُرَى الْإِسْلَامِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ» وَقَدْ جَاءَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَجَزَاهُ أَحْسَنَ الْجَزَاءِ (وَآكَدُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ صَلَاةُ الْكُسُوفِ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتْرُكْهَا عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهَا بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ يَسْتَسْقِي تَارَةً وَيَتْرُكُ أُخْرَى (ثُمَّ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْرَعُ لَهَا الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا، أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ (ثُمَّ التَّرَاوِيحُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهَا صلى الله عليه وسلم خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ لَكِنَّهَا أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ مِنْ حَيْثُ مَشْرُوعِيَّةُ الْجَمَاعَةِ لَهَا (ثُمَّ الْوِتْرُ) قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ شُرِعَتْ لِلتَّرَاوِيحِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْوِتْرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا تُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ تَبَعًا لِلتَّرَاوِيحِ وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَيْسَ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ
اللَّيْلِ.
(وَكَانَ) الْوِتْرُ (وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) لِحَدِيثِ «ثَلَاثٌ كُتِبْنَ عَلَيَّ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ: الضُّحَى وَالْأَضْحَى وَالْوَتْرُ» وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ عُذْرٍ أَوْ مِنْ خَصَائِصِهِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ كَمَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيُّ وَالْقَرَافِيُّ، جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى أُمَّتِهِ صلى الله عليه وسلم «لِقَوْلِهِ لِلْأَعْرَابِيِّ، حِينَ سَأَلَهُ عَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَذَّبَ عُبَادَةُ رَجُلًا يَقُولُ: الْوِتْرُ وَاجِبٌ.
وَقَالَ «سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» الْخَبَرَ.
«وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَهَيْئَةِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ سَنَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَشْبَهَ السُّنَنَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا «مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» فَفِيهِ ضَعْفٌ، وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ «الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ: أَوْلَى بِالصَّوَابِ فَمَحْمُولٌ عَلَى تَأْكِيدِ الِاسْتِحْبَابِ لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ عَمْدًا فَهُوَ رَجُلُ سَوْءٍ، لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ (ثُمَّ سُنَّةُ فَجْرٍ)«لِقَوْلِ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «صَلُّوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (ثُمَّ سُنَّةُ مَغْرِبٍ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «سُئِلَ أَكَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُهُ بِصَلَاةٍ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» " (ثُمَّ سَوَاءٌ فِي رَوَاتِبَ) أَيْ بَاقِي الرَّوَاتِبِ، وَهِيَ رَكْعَتَا الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ، وَرَكْعَتَا الْعِشَاءِ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ.
(وَوَقْتُ الْوِتْرِ: بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ " «لَقَدْ أَمَدَّكُمْ اللَّهُ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، هِيَ الْوِتْرُ، فِيمَا بَيْنَ الْعَشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ ضَعْفٌ.
وَعَنْ مُعَاذٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَ) بَعْدَ (سُنَّتِهَا) أَيْ الْعِشَاءِ اسْتِحْبَابًا، لِيُوَالِيَ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَسُنَّتِهَا وَقَدْ أَوْضَحْته فِي حَاشِيَةِ
الْمُنْتَهَى بِكَلَامِ ابْنِ قُنْدُسٍ فِي حَاشِيَةِ الْفُرُوعِ (وَلَوْ) كَانَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ (فِي جَمْعِ تَقْدِيمٍ) بِأَنْ جَمَعَهَا مَعَ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتِهَا، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) لِمَا تَقَدَّمَ.
وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي نَضْرَةَ مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ فَيُحْمَلُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ وَقْتَ صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ (وَلَا يَصِحُّ) الْوِتْرُ (قَبْلَ) صَلَاةِ (الْعِشَاءِ) لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِهِ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ سُنَّتِهَا، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى (وَالْأَفْضَلُ: فِعْلُهُ آخِرَ اللَّيْلِ لِمَنْ وَثِقَ مِنْ قِيَامِهِ فِيهِ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ قِيَامِهِ (أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَيُّكُمْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ ثُمَّ لِيَرْقُدْ وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامِهِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ فَإِنَّ قِرَاءَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَيَقْضِيهِ مَعَ شَفْعِهِ إذَا فَاتَ) وَقْتُهُ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَامَ عَنْ الْوِتْرِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّ إذَا أَصْبَحَ أَوْ ذَكَرَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَأَقَلُّهُ: رَكْعَةٌ وَلَا يُكْرَهُ) الْإِيتَارُ (بِهَا مُفْرَدَةً وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِمَا) لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
(وَأَكْثَرُهُ) أَيْ الْوِتْرِ وَفِي الْوَجِيزِ: وَأَفْضَلُهُ (إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ تَفْرُغَ الْعِشَاءُ إلَى الْفَجْرِ: إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَيُسَنُّ فِعْلُهَا) أَيْ الرَّكْعَةِ (عَقِبَ الشَّفْعِ، بِلَا تَأْخِيرٍ) لَهَا عَنْهُ (نَصًّا، وَإِنْ صَلَّاهَا) أَيْ الْإِحْدَى عَشْرَةَ (كُلَّهَا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ بِأَنْ سَرَدَ عَشْرًا وَتَشَهَّدَ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (ثُمَّ قَامَ فَأَتَى بِالرَّكْعَةِ) جَازَ (أَوْ سَرَدَ الْجَمِيعَ) أَيْ الْإِحْدَى عَشْرَةَ (وَلَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ جَازَ) لَكِنْ الصِّفَةُ الْأُولَى أَوْلَى.
؛ لِأَنَّهَا فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَكَذَا مَا دُونَهَا) أَيْ دُونَ الْإِحْدَى عَشْرَةَ، بِأَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ، أَوْ بِخَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ (وَإِنْ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ سَرَدَ ثَمَانِيًا، وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (وَلَمْ يُسَلِّمْ ثُمَّ صَلَّى التَّاسِعَةَ، وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَإِنْ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ) سَرَدَهُنَّ، (وَلَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ) لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -
يُوتِرُ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ لَا يَفْصِلُ بِتَسْلِيمٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
وَعَنْ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي آخِرِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ أَيْ عَدَمُ جُلُوسِهِ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ (أَفْضَلُ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا أَوْتَرَ بِسَبْعٍ أَوْ بِخَمْسٍ وَجَزَمَ فِي الْكَافِي وَالْمُقْنِعِ فِيمَا إذَا أَوْتَرَ بِسَبْعٍ: أَنْ يَسْرُدَ سِتًّا، وَيَجْلِسَ يَتَشَهَّدَ.
وَلَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يُصَلِّي السَّابِعَةَ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ (وَأَدْنَى الْكَمَالِ: ثَلَاثُ) رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهَتِهَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا شَفْعٌ فَلِذَلِكَ كَانَتْ الثَّلَاثُ أَدْنَى الْكَمَالِ (بِسَلَامَيْنِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «افْصِلْ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الثَّلَاثِ بِسَلَامَيْنِ (أَفْضَلَ) لِمَا سَبَقَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ (وَيَجُوزُ) أَنْ يُصَلِّيَ الثَّلَاثَ رَكَعَاتٍ (بِسَلَامٍ وَاحِدٍ وَيَكُونُ سَرْدًا) فَلَا يَجْلِسُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ (وَيَجُوزُ) أَنْ يُصَلِّيَ الثَّلَاثَ رَكَعَاتٍ (كَالْمَغْرِبِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْقَاضِي إذَا صَلَّى الثَّلَاثَ بِسَلَامٍ وَلَمْ يَكُنْ جَلَسَ عَقِبَ الثَّانِيَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ جَلَسَ، فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا يَكُونُ وِتْرًا (وَيَقْرَأُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) إذَا أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (سَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ".
وَفِي الثَّالِثَةِ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ") «لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يَقْنُتَ فِيهَا) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْوِتْرِ (جَمِيعَ السَّنَةِ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي وِتْرِهِ أَشْيَاءَ، يَأْتِي ذِكْرُهَا وَكَانَ لِلدَّوَامِ وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ فِي رَمَضَانَ شُرِعَ فِي غَيْرِهِ كَعَدَدِهِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حِينَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فَفِيهِ انْقِطَاعٌ ثُمَّ هُوَ رَأْيُ أُبَيٍّ (بَعْدَ الرُّكُوعِ) رُوِيَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَنَتَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الرُّكُوعِ (جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَمْعٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ قَالَ الْخَطِيبُ: الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ (فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى صَدْرِهِ وَيَبْسُطُهُمَا وَبُطُونَهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا دَعَوْت اللَّهَ فَادْعُ بِبُطُونِ كَفَّيْك، وَلَا تَدْعُ بِظُهُورِهِمَا فَإِذَا فَرَغْت فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
(وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثَّلَاثِ رَكَعَاتٍ (رَكْعَةً فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَجْزَأَهُ) مَا أَدْرَكَهُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْوِتْرِ رَكْعَةٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ (قَضَى، كَصَلَاةِ الْإِمَامِ) لِحَدِيثِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ (وَيَقُولُ فِي قُنُوتِهِ جَهْرًا إنْ كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا نَصًّا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يُخَيَّرُ الْمُنْفَرِدُ فِي الْجَهْرِ) بِالْقُنُوتِ (وَعَدَمِهِ كَالْقِرَاءَةِ) وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ فَقَطْ قَالَ فِي الْخِلَافِ: وَهُوَ أَظْهَرُ (اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ يَا اللَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ حُذِفَتْ " يَا " مِنْ أَوَّلِهِ وَعُوِّضَ عَنْهَا الْمِيمُ فِي آخِرِهِ وَلِذَلِكَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ.
وَلَحَظُوا فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، تَبَرُّكًا وَتَعْظِيمًا أَوْ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ بِتَصْيِيرِ اللَّفْظَيْنِ لَفْظًا وَاحِدًا (إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَهْدِيك وَنَسْتَغْفِرُك) أَيْ نَطْلُبُ مِنْك الْمَعُونَةَ وَالْهِدَايَةَ وَالْمَغْفِرَةَ (وَنَتُوبُ إلَيْك) التَّوْبَةُ: الرُّجُوعُ عَنْ الذَّنْبِ، وَشَرْعًا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الذَّنْبِ وَالْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، تَعْظِيمًا لِلَّهِ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ أَنْ يُحَلِّلَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَنُؤْمِنُ بِك) أَيْ نُصَدِّقُ بِوَحْدَانِيِّتِك (وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التَّوَكُّلُ إظْهَارُ الْعَجْزِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْغَيْرِ وَالِاسْمُ التُّكْلَانُ وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ: هُوَ تَرْكُ تَدْبِيرِ النَّفْسِ وَالِانْخِلَاعُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ اللَّهِ عَلَى مَا يُرِيدُ (وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ) أَيْ نَمْدَحُك وَنَصِفُك بِالْخَيْرِ.
وَالثَّنَاءُ فِي الْخَيْرِ خَاصَّةً وَالثَّنَاءُ بِتَقْدِيمِ النُّونِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ (وَنَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك) أَصْلُ الْكُفْرِ الْجُحُودُ وَالسَّتْرُ قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: وَالْمُرَادُ هُنَا كُفْرُ النِّعْمَةِ، لِاقْتِرَانِهِ بِالشُّكْرِ (اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَعْنَى الْعِبَادَةِ: الطَّاعَةُ وَالْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ وَأَبُو الْبَقَاءِ: الْعِبَادَةُ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ وَلَا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ وَسُمِّيَ الْعَبْدُ عَبْدًا لِذُلِّهِ وَانْقِيَادِهِ لِمَوْلَاةِ (وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ) لَا لِغَيْرِك (وَإِلَيْك نَسْعَى) يُقَالُ: سَعَى يَسْعَى سَعْيًا إذَا عَدَا.
وَقِيلَ: إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْجَرْيِ عُدِّيَ بِإِلَى، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَمَلِ فَبِاللَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19](وَنَحْفِدُ) بِفَتْحِ النُّون وَيَجُوزُ ضَمُّهَا يُقَالُ: حَفَدَ بِمَعْنَى أَسْرَعَ، وَأَحْفَدَ لُغَةٌ فِيهِ فَمَعْنَى نَحْفِدُ نُسْرِعُ، أَيْ نُبَادِرُ بِالْعَمَلِ وَالْخِدْمَةِ (نَرْجُو) أَيْ نُؤَمِّلُ (رَحْمَتَك) سَعَةَ عَطَائِك (وَنَخْشَى) نَخَافُ (عَذَابَك) أَيْ عُقُوبَتَك لِقَوْلِهِ تَعَالَى {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر: 49] {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر: 50](إنَّ عَذَابَك الْجِدُّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ: الْحَقُّ لَا اللَّعِبُ (بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ لَاحِقٌ بِهِمْ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا لُغَةً عَلَى مَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْحِقُهُ بِهِمْ وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: غَيْرَ أَنَّ الرِّوَايَةَ هِيَ الْأُولَى.
وَهَذَا الدُّعَاءُ قَنَتَ بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه وَفِي أَوَّلِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَفِي آخِرِهِ " اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِك " وَهَاتَانِ سُورَتَانِ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ كَتَبَهُمَا أُبَيٌّ فِي مُصْحَفِهِ إلَى قَوْلِهِ " مُلْحِقٌ " زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ " وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك "(اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْت) أَصْلُ الْهُدَى: الرَّشَادُ وَالْبَيَانُ: قَالَ تَعَالَى " {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] " فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] فَهِيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى: التَّوْفِيقُ وَالْإِرْشَادُ وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ مُهْتَدِينَ بِمَعْنَى طَلَبِ التَّثْبِيتِ عَلَيْهَا، وَبِمَعْنَى الْمَزِيدِ مِنْهَا (وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْت) مِنْ الْأَسْقَامِ وَالْبَلَايَا وَالْمُعَافَاةُ أَنْ يُعَافِيَك اللَّهُ مِنْ النَّاسِ وَيُعَافِيَهُمْ مِنْك (وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْت) الْوَلِيُّ: ضِدُّ الْعَدُوِّ مِنْ تَلَيْتُ الشَّيْءَ إذَا عَنَيْت بِهِ وَنَظَرْت إلَيْهِ كَمَا يَنْظُرُ الْوَلِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَنْظُرُ فِي أَمْرِ وَلِيِّهِ بِالْعِنَايَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلِيت الشَّيْءَ، إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ وَاسِطَةٌ، بِمَعْنَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَقْطَعُ الْوَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى يَصِيرَ فِي مَقَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَهُوَ مَقَامُ الْإِحْسَانِ (وَبَارِكْ لَنَا) الْبَرَكَةُ الزِّيَادَةُ، وَقِيلَ: هِيَ حُلُولُ الْخَيْرِ الْإِلَهِيِّ فِي الشَّيْءِ (فِيمَا أَعْطَيْت) أَيْ أَنْعَمْت بِهِ (وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْت، إنَّك سُبْحَانَك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك) سُبْحَانَهُ لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ لَهُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ «الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي - إلَى - وَتَعَالَيْت وَلَيْسَ فِيهِ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَثْبَتَهَا
فِيهِ وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ وَالرِّوَايَةُ إفْرَادُ الضَّمِيرِ وَجَمَعَهَا الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمَأْمُومَ فِي الدُّعَاءِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ: " لَك الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْت نَسْتَغْفِرُك اللَّهُمَّ وَنَتُوبُ إلَيْك لَا لَجَأَ وَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْك إلَّا إلَيْك "" اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِعَفْوِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَبِك مِنْك " قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي هَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُجِيرَهُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ وَهُمَا ضِدَّانِ وَمُتَقَابِلَانِ وَكَذَلِكَ الْمُعَافَاةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْعُقُوبَةِ، لَجَأَ إلَى مَنْ لَا ضِدَّ لَهُ وَهُوَ اللَّهُ أَظْهَرَ الْعَجْزَ، وَالِانْقِطَاعَ وَفَزِعَ مِنْهُ إلَيْهِ فَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ: أَعُوذُ بِك مِنْك إذْ حَاصِلُهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ اللَّهِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْخَبَرِ (لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك) أَيْ لَا نُحْصِي نِعَمَك وَالثَّنَاءَ بِهَا عَلَيْك وَلَا نَبْلُغُهُ وَلَا نُطِيقُهُ وَلَا مُنْتَهَى غَايَتِهِ.
وَالْإِحْصَاءُ: الْعَدُّ وَالضَّبْطُ وَالْحِفْظُ قَالَ تَعَالَى {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] أَيْ تُطِيقُوهُ (أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك) اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ تَفْصِيلِ الثَّنَاءِ وَرَدٌّ إلَى الْمُحِيطِ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى لَا نِهَايَةَ لِسُلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ، لَا نِهَايَةَ لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُثْنَى عَلَيْهِ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيَقُولُ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ مَعْنَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ يَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى دُعَاءِ اللَّهُمَّ اهْدِنَا وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَاخْتَارَهُ أَحْمَدُ وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ بِالسُّورَتَيْنِ وَأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ (ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا بَأْسَ) أَنْ يَقُولَ (وَعَلَى آلِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْعُوَ فِي قُنُوتِهِ بِمَا شَاءَ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ نَصًّا قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَهْمَا دَعَا بِهِ جَازَ) .
وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي الْقِيَامِ فَهُوَ كَالْقِرَاءَةِ (وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ) لِمَا رَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا دَعَا رَفَعَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَ (كَخَارِجِ الصَّلَاةِ وَالْمَأْمُومُ يُؤَمِّنُ بِلَا قُنُوتٍ) إنْ سَمِعَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ دَعَا نَصَّ عَلَيْهِ (وَيُفْرِدُ الْمُنْفَرِدُ الضَّمِيرَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا سَلَّمَ) مِنْ
الْوِتْرِ (سُنَّ قَوْلُهُ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثًا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي الثَّالِثَةِ) لِلْخَبَرِ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى.
(تَتِمَّةٌ) قِيلَ لِأَحْمَدَ رَجُلٌ قَامَ يَتَطَوَّعُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَجَعَلَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وِتْرًا قَالَ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا؟ قَدْ قَلَبَ نِيَّتَهُ قِيلَ لَهُ: أَيَبْتَدِئُ الْوِتْرَ؟ قَالَ نَعَمْ.
(وَيُكْرَهُ قُنُوتُهُ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ثُمَّ تَرَكَهُ» .
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ قُلْتِ لِأَبِي إنَّك قَدْ صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَخَلْفَ عَلِيٍّ هُنَا بِالْكُوفَةِ نَحْوَ خَمْسِ سِنِينَ أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ قَالَ أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ فِيهِ فِي الْفَجْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ «مَا زَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ طُولَ الْقِيَامِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى قُنُوتًا أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ إذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَيْهِمْ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا.
يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ إلَّا إذَا دَعَا لِقَوْمٍ أَوْ دَعَا عَلَيْهِمْ» وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي أَوْقَاتِ النَّوَازِلِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ بِدْعَةٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ فَلَمْ يُسَنَّ فِيهَا كَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ (فَإِنْ ائْتَمَّ بِمَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ أَوْ فِي النَّازِلَةِ تَابَعَهُ) لِحَدِيثِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» (وَأَمَّنَ) الْمَأْمُومُ (إنْ كَانَ يَسْمَعُ) الْقُنُوتَ (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْقُنُوتَ دَعَا) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَإِذَا فَعَلَ الْإِمَامُ مَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ تَبِعَهُ الْمَأْمُومُ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَرَاهُ، مِثْلُ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، وَوَصْلِ الْوِتْرِ (فَإِنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ) هِيَ الشَّدِيدَةُ مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ (غَيْرَ الطَّاعُونِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقُنُوتُ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِلْأَخْيَارِ فَلَا يُسْأَلُ رَفْعُهُ (سُنَّ لِإِمَامِ الْوَقْتِ خَاصَّةً) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي قَنَتَ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى مَنْ يَقُومُ مُقَامَهُ (وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ وَنَائِبَهُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (الْقُنُوتَ بِمَا يُنَاسِبُ تِلْكَ النَّازِلَةِ فِي كُلِّ مَكْتُوبَةٍ) لِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (إلَّا الْجُمُعَةَ) لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالدُّعَاءِ فِي خُطْبَتِهَا (وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ