الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهَا مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ: يَقْصُرُ، وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِعَدَمِ تَحْرِيمِ السَّبَبِ، أَيْ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقَصْرِ مُبَاحٌ وَالْمَعْصِيَةُ فِيهِ لَا تَمْنَعُ الْقَصْرَ كَمَا تَقَدَّمَ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ عَزَمَ) الْمُسَافِرُ (فِي صَلَاتِهِ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ 000 بِهِ الْإِتْمَامُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ) بِأَنْ قَلَبَ السَّفَرَ لِلْمَعْصِيَةِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، تَغْلِيبًا لَهُ لِكَوْنِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا لَوْ نَوَى الرُّجُوعَ وَمُدَّةُ رُجُوعِهِ لَا يُبَاحُ فِيهَا الْقَصْرُ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى: أَوْ عَزَمَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَنَحْوِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي السَّفَرِ لَا تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ بِخِلَافِ الْمَعْصِيَةِ بِهِ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ تَابَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ (فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ) وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ قَصْرِهَا إذَنْ وَلَا تَبْطُلُ إنْ كَانَ نَوَى الْقَصْرَ فِي ابْتِدَائِهَا جَاهِلًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ عِنْدَ إحْرَامِهَا، أَمَّا إنْ نَوَاهُ عَالِمًا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي ضِمْنِ حُكْمٍ عَامٍّ بِقَوْلِهِ.
(وَإِنْ نَوَى مُسَافِرٌ الْقَصْرَ حَيْثُ يُحْرِمُ عَالِمًا) بِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ (كَمَنْ نَوَاهُ) أَيْ الْقَصْرَ (خَلْفَ مُقِيمٍ عَالِمًا) بِأَنَّ إمَامَهُ مُقِيمٌ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ إذَنْ لَمْ تَنْعَقِدْ (أَوْ قَصَرَ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَ الْقَصْرِ) وَلَوْ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي اعْتِقَادِهِ (وَلَمْ تَنْعَقِدْ) نِيَّتُهُ فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (كَنِيَّةِ مُقِيمٍ الْقَصْرَ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ.
(وَ) كَ (نِيَّةِ مُسَافِرٍ الظُّهْرَ خَلْفَ إمَامِ الْجُمُعَةِ) فَلَا تَصِحُّ (نَصًّا) لِلِاخْتِلَافِ عَلَى الْإِمَامِ (وَلَوْ ائْتَمَّ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ) وَنَوَاهُ (جَاهِلًا حَدَثَ نَفْسِهِ بِمُقِيمٍ، ثُمَّ عَلِمَ حَدَثَ نَفْسِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ) فِي الْمُعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَنْعَقِدْ، بِخِلَافِهِمَا لَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَمَا تَقَدَّمَ.
[فَصْلٌ نِيَّةُ الْقَصْرِ]
(فَصْلٌ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَصْرِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ، وَإِطْلَاقُ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ مُطْلَقًا: انْصَرَفَ إلَى الِانْفِرَادِ (وَالْعِلْمِ بِهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ) هَكَذَا فِي الْفُرُوعِ.
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَلَمْ يُعْلَمْ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَالْعِلْمِ بِهَا اهـ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَعْنَاهُ: الْعِلْمُ بِالنِّيَّةِ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَتْ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَقْصُورَةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ حُكْمًا لَا ذِكْرًا، عِنْدَ التَّكْبِيرِ قُلْتُ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ نَوَى
الْقَصْرَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ، بِأَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهِ شَكٌّ هَلْ نَوَاهُ؟ فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ.
(وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْعِلْمُ بِ (أَنَّ إمَامَهُ إذَنْ) أَيْ حَالَ الصَّلَاةِ (مُسَافِرٌ، وَلَوْ بِأَمَارَةٍ وَعَلَامَةٍ، كَهَيْئَةِ لِبَاسٍ) إقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْعِلْمِ وَ (لَا) يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ (أَنَّ إمَامَهُ نَوَى الْقَصْرَ عَمَلًا بِالظَّنِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ (فَلَوْ قَالَ) الْمَأْمُومُ (إنْ أَتَمَّ) الْإِمَامُ (أَتْمَمْتُ، وَإِنْ قَصَرَ قَصَرْتُ لَمْ يَضُرَّ) ذَلِكَ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَإِنَّ سَبَقَ إمَامَهُ الْحَدَثُ فَخَرَجَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ، عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَإِنْ صَلَّى مُقِيمٌ وَمُسَافِرٌ خَلْفَ) إمَامٍ (مُسَافِرٍ أَتَمَّ الْمُقِيمُ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ) إجْمَاعًا وَإِذَا أَمَّ مُسَافِرٌ مُقِيمِينَ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ صَحَّ،؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِنِيَّتِهِ (وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ) الْمُسَافِرُ (لِلْمُقِيمِينَ: أَتِمُّوا فَإِنَّا سَفْرٌ) لِلْحَدِيثِ وَلِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَى الْجَاهِلِ عَدَدُ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ (وَلَوْ قَصَرَ الصَّلَاتَيْنِ) أَوْ صَلَّاهُمَا بِتَيَمُّمٍ (فِي وَقْتِ أُولَاهُمَا) جَمْعَ تَقْدِيمٍ (ثُمَّ قَدِمَ) وَطَنَهُ (قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ) أَوْ وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَهُ (أَجْزَأَهُ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْفِعْلِ (وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ) مَنْ يُبَاحُ لَهُ (ثُمَّ رَفَضَهُ وَنَوَى فِي الصَّلَاةِ الْإِتْمَامَ أَتَمَّ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَفَرْضُهُ الْأُولَتَانِ وَهَذِهِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْإِتْمَامُ.
(وَلَوْ نَوَى) مُسَافِرٌ (الْقَصْرَ، ثُمَّ أَتَمَّ سَهْوًا فَفَرْضُهُ الرَّكْعَتَانِ وَالزِّيَادَةُ سَهْوٌ يَسْجُدُ لَهَا نَدْبًا) ؛ لِأَنَّ عَمْدَهَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مُتَابَعَةِ الْمَأْمُومِ لَهُ وَلَوْ كَانَ إمَامًا.
(وَمَنْ لَهُ طَرِيقَانِ) طَرِيقٌ (بَعِيدٌ، وَ) طَرِيقٌ (قَرِيبٌ فَسَلَكَ الْبَعِيدَ لِيَقْصُرَ الصَّلَاةَ فِيهِ) قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ قَصْدٍ صَحِيحٍ وَكَمَا لَوْ كَانَ الْآخَرُ مَخُوفًا أَوْ مُشِقًّا فَعَدَمُ الْحِكْمَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يَضُرُّهُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: مَنْعُ مَنْ قَصَدَ قَرْيَةً بَعِيدَةً لِحَاجَةٍ هِيَ فِي قَرْيَتِهِ، وَجَعَلَهَا صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَصْلًا لِلْجَوَازِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَعَلَّ التَّسْوِيَةَ أَوْلَى (أَوْ) سَلَكَ الطَّرِيقَ الْبَعِيدَ (لِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ لِغَيْرِ الْقَصْرِ، كَجَلْبِ مَالٍ أَوْ نَفْعٍ، أَوْ نَفْيِ ضَرَرٍ قَصَرَ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ قَوْلًا وَاحِدًا (أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ (أَوْ فِي سَفَرٍ آخَرَ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْحَضَرِ قَصَرَ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا وَفِعْلَهَا وُجِدَا فِي السَّفَرِ أَشْبَهَ أَدَاءَهَا فَإِنْ ذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ، أَوْ قَضَى بَعْضَهَا فِي الْحَضَرِ أَتَمَّ.
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْإِتْمَامُ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَلَوْ نَوَى إقَامَةً مُطْلَقَةً) بِأَنْ لَمْ يَحُدَّهَا بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ (فِي بَلَدٍ، وَلَوْ الْبَلَدُ الَّذِي يَقْصِدُهُ بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ فِي بَادِيَةٍ لَا يُقَامُ بِهَا، أَوْ كَانَتْ لَا تُقَامُ فِيهَا الصَّلَاةُ) أَتَمَّ، لِزَوَالِ السَّفَرِ الْمُبِيحِ لِلْقَصْرِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ.
الْعِشْرُونَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ) نَوَى إقَامَةَ (أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً)
أَتَمَّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعِ ذِي الْحَجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ وَصَلَّى الصُّبْحَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ» وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى إقَامَتِهَا، وَقَالَ أَنَسٌ أَقَمْنَا بِمَكَّةَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ حَدِيثَ أَنَسٍ وَيَقُولُ: هُوَ كَلَامٌ لَيْسَ يَفْقَهُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَجْهَهُ: أَنَّهُ حَسَبَ مُقَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ وَمِنًى وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا.
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ (أَوْ شَكَّ فِي نِيَّتِهِ هَلْ نَوَى) إقَامَةَ (مَا يُمْنَعُ الْقَصْرَ أَمْ لَا؟ أَتَمَّ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ مَعَ الشَّكِّ فِي مُبِيحِ الرُّخْصَةِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً بِأَنْ نَوَى عِشْرِينَ فَأَقَلَّ (قَصَرَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَوْمُ الدُّخُولِ وَيَوْمُ الْخُرُوجِ يُحْسَبَانِ مِنْ الْمُدَّةِ) فَلَوْ دَخَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ احْتَسَبَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ وَلَوْ خَرَجَ عِنْدَ الْعَصْرَ احْتَسَبَ بِمَا مَضَى مِنْ الْيَوْمِ.
(وَإِنْ أَقَامَ) الْمُسَافِرُ (لِقَضَاءِ حَاجَةٍ) يَرْجُو نَجَاحَهَا أَوْ جِهَادِ عَدُوٍّ وَسَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ انْقِضَاءُ حَاجَتِهِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ أَوْ كَثِيرَةٍ بَعْدَ أَنْ يُحْتَمَلَ انْقِضَاؤُهَا فِي مُدَّةٍ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ السَّفَرِ بِهَا (بِلَا نِيَّةِ إقَامَةٍ تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ) وَهِيَ إقَامَةُ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً (وَلَا يَعْلَمُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ قَبْلَ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةٍ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً.
(وَلَوْ) كَانَ الْعِلْمُ (ظَنًّا) لِإِجْرَائِهِ مَجْرَى الْيَقِينِ، حَيْثُ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ (أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا، أَوْ حَبَسَهُ مَطَرٌ أَوْ مَرَضٌ وَنَحْوُهُ) كَثَلْجٍ وَجَلِيدٍ (قَصَرَ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ مَعْمَرٌ بِرَاوِيَتِهِ مُسْنَدًا وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ مُرْسَلًا.
«وَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ أَقَامَ فِيهَا تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَنَسٌ أَقَامَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِرَامَهُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ مَا لَمْ يَجْمَعْ إقَامَةً وَلَوْ أَتَى عَلَيْهِ سُنُونَ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ حَالَ الثَّلْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ فَإِنْ حُبِسَ بِحَقٍّ لَمْ يَقْصُرْ وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ يَقْصُرُ الَّذِي يَقُولُ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا: شَهْرًا وَعَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ أَقَامَ فِي بَعْضِ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ (فَإِنْ) أَقَامَ لِحَاجَةٍ، وَ (عَلِمَ) أَوْ ظَنَّ (أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ) كَمَا لَوْ نَوَى إقَامَةً
أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْقَصْرِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ.
(وَمَنْ رَجَعَ إلَى بَلَدٍ) كَأَنْ (أَقَامَ بِهِ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ) وَلَمْ يَنْوِ حَالَ الْعَوْدِ إقَامَةً بِهِ تَمْنَعُ الْقَصْرَ (قَصَرَ، حَتَّى فِيهِ، نَصًّا) ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ، وَلَيْسَ كَمَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ.
(وَإِنَّ عَزَمَ عَلَى إقَامَةٍ طَوِيلَةٍ فِي رُسْتَاقٍ) أَيْ نَاحِيَةٍ مِنْ أَطْرَافِ الْإِقْلِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ: الْمُعَامَلَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى أَمْكِنَةٍ (يَنْتَقِلُ فِيهِ) أَيْ الرُّسْتَاقِ (مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لَا يَجْمَعُ) أَيْ لَا يَعْزِمُ مِنْ جَمْعٍ بِمَعْنَى نَوَى (عَلَى الْإِقَامَةِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا) أَيْ الْقُرَى (مُدَّةً تُبْطِلُ حُكْمَ السَّفَرِ) أَيْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (قَصَرَ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ عَشَرًا بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ وَمِنًى يَقْصُرُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كُلِّهَا» ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ نَوَى إقَامَةً بِشَرْطٍ كَأَنْ يَقُولَ: إنْ لَقِيتَ فُلَانًا فِي هَذَا الْبَلَدِ أَقَمْتَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ) فِي الْبَلَدِ (فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ) لِعَدَمِ الشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْإِقَامَةَ.
(وَإِنْ لَقِيَهُ بِهِ صَارَ مُقِيمًا) لِاسْتِصْحَابِهِ حُكْمَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ فَسَخَ نِيَّتَهُ الْأُولَى) لِلْإِقَامَةِ (قَبْلَ لِقَائِهِ أَوْ حَالَ لِقَائِهِ) فَإِنْ فَسَخَهَا إذَنْ فَلَهُ الْقَصْرُ.
(وَإِنْ فَسَخَ) النِّيَّةَ (بَعْدَ لِقَائِهِ، فَهُوَ كَمُسَافِرٍ نَوَى الْإِقَامَةَ الْمَانِعَةَ مِنْ الْقَصْرِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ السَّفَرُ قَبْلَ تَمَامِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ فِي مَوْضِعِ إقَامَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ ثَبَتَ لَهُ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ أَشْبَهَ وَطَنَهُ (حَتَّى يَشْرَعَ فِي السَّفَرِ) وَيُفَارِقَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَالْمَلَّاحُ) صَاحِبُ السَّفِينَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (الَّذِي مَعَهُ أَهْلُهُ فِي السَّفِينَةِ، أَوْ لَا أَهْلَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ بِبَلَدٍ لَا يَتَرَخَّصُ) بِقَصْرٍ وَلَا فِطْرٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاعِنٍ عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ أَشْبَهَ الْمُقِيمَ وَلِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِلسَّفَرِ الْمُبِيحِ كَوْنُهُ مُنْقَطِعًا، بِخِلَافِ الدَّائِمِ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ الْمَلَّاحِ (أَهْلٌ وَلَيْسُوا مَعَهُ، تَرَخَّصَ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ،؛ لِأَنَّ الشَّبَهَ حَقِيقَةٌ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ (وَمِثْلُهُ) أَيْ الْمَلَّاحِ فِي التَّفْصِيلِ السَّابِقِ (مُكَارٍ وَرَاعٍ وَفَيْجٌ) بِالْجِيمِ (وَهُوَ رَسُولُ السُّلْطَانِ وَبَرِيدٌ وَنَحْوُهُمْ) كَالسَّاعِي، فَلَا يَتَرَخَّصُونَ إذَا كَانَ مَعَهُمْ أَهْلُهُمْ وَلَيْسَ لَهُمْ نِيَّةُ إقَامَةٍ بِبَلَدٍ (نَصًّا) وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَهْلٌ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَهْلٌ وَلَيْسُوا مَعَهُمْ، فَلَهُمْ التَّرَخُّصُ.
(وَعَرَبُ الْبَدْوِ الَّذِينَ حَيْثُ وَجَدُوا الْمَرْعَى رَعَوْهُ يُصَلُّونَ تَمَامًا،؛ لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ فِي أَوْطَانِهِمْ) وَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الْفِطْرُ بِرَمَضَانَ لِذَلِكَ (فَإِنْ كَانَ لَهُمْ سَفَرٌ مِنْ الْمَصِيفِ إلَى الْمَشْتَى، وَمِنْ الْمَشْتَى إلَى الْمَصِيفِ كَمَا لِلتَّرْكِ فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ فِي مُدَّةِ هَذَا السَّفَرِ) حَيْثُ بَلَغَ الْمَسَافَةَ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ (وَكُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَالْفِطْرُ) لِوُجُودِ مُبِيحِهِمَا، وَهُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ.
(وَلَا عَكْسَ)
أَيْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ وَالْجَمْعُ أُبِيحَ لَهُ الْقَصْرُ (؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ) مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ أَوْ الْجَمْعُ (لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي) إتْمَامِ (الصَّلَاةِ) بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَ (قَدْ يَنْوِي الْمُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَيَقْطَعُهَا مِنْ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ مِثْلًا، فَيُفْطِرُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ) إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَلَاةٌ يَقْصُرُهَا أَوْ يُتِمُّهَا.
(قَالَ الْأَصْحَابُ) مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ (الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ) الَّذِي يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ (أَرْبَعَةٌ الْقَصْرُ، وَالْجَمْعُ، وَالْمَسْحُ) عَلَى الْخُفِّ وَنَحْوِهِ (ثَلَاثًا وَالْفِطْرُ) بِرَمَضَانَ، وَأَمَّا أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَاحِلَتِهِ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ فَلَا تَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ.