الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَكَفَّ عَنْهُنَّ) احْتِيَاطًا لِلْحَظْرِ.
(وَ) إنْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ وَنَحْوُهَا (فِي قَبِيلَةٍ كَبِيرَةٍ وَ) فِي (بَلْدَةٍ كَبِيرَةٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، فَ (لَهُ النِّكَاحُ) مِنْهُنَّ (مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ) أَيْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَتَحَرَّى وَنَظِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَيْتَةِ وَالْمُذَكَّاةِ.
(وَلَا مَدْخَلَ لِلتَّحَرِّي فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ) فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ أَوْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً مِنْ إمَائِهِ ثُمَّ نَسِيَهَا، أَوْ كَانَتْ ابْتِدَاءً مُبْهَمَةً أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ، كَمَا يَأْتِي وَلَا تَحَرِّي وَالتَّحَرِّي وَالِاجْتِهَادُ وَالتَّوَخِّي مُتَقَارِبَةٌ وَمَعْنَاهَا بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْمَقْصُودِ وَلَمَّا كَانَ الْمَاءُ جَوْهَرًا سَيَّالًا احْتَاجَ إلَى بَيَانِ أَحْكَامِ أَوَانِيهِ عَقِبَهُ، فَقَالَ.
[بَابُ الْآنِيَةِ]
ِ) الْبَابُ مَعْرُوفٌ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الضَّعْفِ، وَهُوَ مَا يُدْخَلُ مِنْهُ إلَى الْمَقْصُودِ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَبْوَابٍ وَفِي الِازْدِوَاجِ عَلَى أَبْوِبَةٍ (وَهِيَ) أَيْ الْآنِيَةُ لُغَةً وَعُرْفًا (الْأَوْعِيَةُ) وَهِيَ ظُرُوفُ الْمَاءِ وَنَحْوُهَا وَالْآنِيَةُ جَمْعُ إنَاءٍ كَسِقَاءٍ وَأَسْقِيَةٍ، وَوِعَاءٍ وَأَوْعِيَةٍ وَجَمْعُ الْآنِيَةِ: أَوَانٍ وَالْأَصْلُ أَأَنِيٌ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ وَاوًا، كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ هَمْزَتَيْنِ كَآدَمَ وَأَوَادِمَ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأُدْمَةِ أَوْ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ وَهُوَ وَجْهُهَا (كُلُّ إنَاءٍ طَاهِرٍ يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ كَانَ ثَمِينًا كَجَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ) كَالْبِلَّوْرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ، وَغَيْرِ الثَّمِينِ كَالْخَشَبِ وَالزُّجَاجِ وَالْجُلُودِ وَالصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ.
لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ جَفْنَةٍ وَمِنْ تَوْرِ حِجَارَةٍ وَمِنْ إدَاوَةٍ وَمِنْ قِرْبَةٍ فَثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهَا لِفِعْلِهِ، مَا فِي مَعْنَاهَا قِيَاسًا لِأَنَّهُ مِثْلُهَا وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُحَرِّمَةَ لِلنَّقْدَيْنِ مَفْقُودَةٌ فِي الثَّمِينِ، لِكَوْنِهِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَلِأَنَّ إبَاحَتَهُ لَا تُفْضِي إلَى اسْتِعْمَالِهِ لِقِلَّتِهِ بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُمَا فِي مَظِنَّةِ الْكَثْرَةِ، فَيُفْضِي إلَى الِاسْتِعْمَالِ وَكَثْرَةُ أَثْمَانِهَا لَا تَصْلُحُ
جَامِعًا كَمَا فِي الثِّيَابِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْحَرِيرُ وَإِنْ قَلَّ ثَمَنُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَإِنْ بَلَغَ ثَمَنُهُ أَضْعَافَ ثَمَنِ الْحَرِيرِ وَكَذَلِكَ يُبَاحُ فَصُّ الْخَاتَمِ جَوْهَرَةٌ، وَلَوْ بَلَغَ ثَمَنُهَا مَهْمَا بَلَغَ وَيُحَرَّمُ ذَهَبًا وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا.
قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (إلَّا عَظْمَ آدَمِيٍّ وَجِلْدَهُ) فَيُحَرَّمُ اتِّخَاذُ إنَاءٍ مِنْهُ وَاسْتِعْمَالُهُ لِحُرْمَتِهِ (وَ) إلَّا (إنَاءً مَغْصُوبًا) فَيُحَرَّمُ لِحَقِّ مَالِكِهِ (وَ) إلَّا (إنَاءً ثَمَنُهُ) الْمُعَيَّنُ حَرَامٌ فَيَحْرُمُ لِحَقِّ مَالِكِهِ.
(وَ) إلَّا (آنِيَةَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَمُضَبَّبًا بِهِمَا) أَوْ بِأَحَدِهِمَا (فَيَحْرُمُ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاتِّخَاذِ وَالِاسْتِعْمَالِ أَمَّا تَحْرِيمُ الِاتِّخَاذِ؛ فَلِأَنَّ مَا حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا حُرِّمَ اتِّخَاذُهُ عَلَى هَيْئَةِ الِاسْتِعْمَالِ، كَالْمَلَاهِي وَأَمَّا ثِيَابُ الْحَرِيرِ فَإِنَّهَا لَا تُحَرَّمُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا تَبَعًا لِلنِّسَاءِ وَتُبَاحُ التِّجَارَةُ فِيهَا.
وَأَمَّا تَحْرِيمُ الِاسْتِعْمَالِ فَلِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَالْجَرْجَرَةُ: هِيَ صَوْتُ وُقُوعِ الْمَاءِ بِانْحِدَارِهِ فِي الْجَوْفِ وَغَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمُ بِهِ (عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى) وَالْخُنْثَى مُكَلَّفًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ بِمَعْنَى أَنَّ وَلِيَّهُ يَأْثَمُ بِفِعْلِ ذَلِكَ لَهُ، لِعُمُومِ الْإِخْبَارِ وَعَدَمِ الْمُخَصِّصِ.
وَإِنَّمَا أُبِيحَ التَّحَلِّي لِلنِّسَاءِ لِحَاجَتِهِنَّ إلَيْهِ لِأَجْلِ التَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ وَمَا حُرِّمَ اتِّخَاذُ الْآنِيَةِ مِنْهُ حُرِّمَ اتِّخَاذُ الْآلَةُ مِنْهُ (وَلَوْ) كَانَتْ (مِيلًا) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَهُوَ مَا يُكْتَحَل بِهِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْمِيلِ فِي تَحْرِيمِ اتِّخَاذِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعَظْمِ الْآدَمِيِّ وَجِلْدِهِ (قِنْدِيلٌ وَمُسْعَطٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ إنَاءٌ يُجْعَلُ فِيهِ السَّعُوطُ، وَهُوَ مِنْ النَّوَادِرِ الَّتِي جَاءَتْ بِالضَّمِّ وَقِيَاسُهَا الْكَسْرُ لِأَنَّهُ اسْمُ آلَةٍ (وَمِجْمَرَةٌ وَمِدْخَنَةٌ وَسَرِيرٌ وَكُرْسِيٌّ وَخُفَّانِ وَنَعْلَانِ وَمَشْرَبَةٌ وَمِلْعَقَةٌ وَأَبْوَابٌ وَرُفُوفٌ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ لَا تُعْجِبنِي الْحَلْقَةُ وَنَصَّ) .
أَحْمَدُ (أَنَّهَا) أَيْ الْحَلْقَةُ (مِنْ الْآنِيَةِ) أَيْ مِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ فَتُحَرَّمُ مُطْلَقًا وَعِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ هِيَ كَالضَّبَّةِ، فَيَكُونُ فِيهَا التَّفْصِيلُ الْآتِي نَظَرًا إلَى أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْبَابِ.
(وَيَحْرُمُ) اتِّخَاذُ وَاسْتِعْمَالُ إنَاءٍ وَنَحْوِهِ (مُمَوَّهٍ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِأَنْ يُذَابَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ وَيُلْقَى فِيهِ الْإِنَاءُ مِنْ نُحَاسٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَيَكْتَسِبُ مِنْهُ لَوْنَهُ.
(وَ) يَحْرُمُ اتِّخَاذُ وَاسْتِعْمَالُ إنَاءٍ وَنَحْوِهِ
مُطَعَّمٍ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِأَنْ يُحْفَرَ فِي إنَاءٍ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ حَفْرًا وَيُوضَعَ فِيهَا قِطَعُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَلَى قَدْرِهَا.
(وَ) يَحْرُمُ اتِّخَاذُ وَاسْتِعْمَالُ إنَاءٍ وَنَحْوِهِ (مَطْلِيٍّ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِأَنْ يُجْعَلَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ كَالْوَرِقِ وَيُطْلَى بِهِ الْحَدِيدُ وَنَحْوُهُ وَكَثِيرٌ فَسَّرَ الطِّلَاءَ بِالتَّمْوِيهِ.
(وَ) يَحْرُمُ اتِّخَاذُ وَاسْتِعْمَالُ إنَاءٍ وَنَحْوِهِ (مُكَفَّتٍ وَنَحْوِهِ) كَالْمَنْقُوشِ (مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالتَّكْفِيتُ أَنْ يُبْرَدَ الْإِنَاءُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شِبْهُ الْمَجَارِي فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ ثُمَّ يُوضَعُ فِيهَا شَرِيطٌ دَقِيقٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يُدَقُّ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْصَقَ، كَمَا يُصْنَعُ بِالْمَرْكَبِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ «شَرِبَ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مِنْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا حُرِّمَ الْخَالِصُ، وَهِيَ الْخُيَلَاءُ وَكَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَتَضْيِيقُ النَّقْدَيْنِ مَوْجُودَةٌ فِي الْمُمَوَّهِ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَوْ حُكَّ لَاجْتَمَعَ مِنْهُ شَيْءٌ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا.
(وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ) وُضُوءًا كَانَتْ أَوْ غُسْلًا أَوْ غَيْرَهُمَا (مِنْهَا) أَيْ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعَظْمِ الْآدَمِيِّ وَجِلْدِهِ، بِأَنْ يَغْتَرِفَ مِنْهَا بِيَدِهِ.
(وَ) تَصِحُّ الطَّهَارَةُ أَيْضًا (بِهَا) أَيْ بِالْآنِيَةِ الْمَذْكُورَةِ، بِأَنْ يَغْتَرِفَ الْمَاءَ بِهَا.
(وَ) تَصِحُّ الطَّهَارَةُ أَيْضًا (فِيهَا) بِأَنْ يَتَّخِذَ إنَاءً مُحَرَّمًا عَلَى مَا سَبَقَ يَسَعُ قُلَّتَيْنِ وَيَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ دَاخِلَهُ.
(وَ) تَصِحُّ الطَّهَارَةُ (إلَيْهَا بِأَنْ يَجْعَلَهَا مَصَبًّا لِفَضْلِ طَهَارَتِهِ، فَيَقَعُ فِيهَا الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْعُضْوِ) بَعْدَ غَسْلِهِ.
(وَ) تَصِحُّ الطَّهَارَةُ أَيْضًا (مِنْ إنَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ) مِنْ إنَاءٍ (ثَمَنُهُ) وَلَوْ مُعَيَّنًا (حَرَامٌ) وَبِهِ وَفِيهِ وَإِلَيْهِ.
وَالْمَسْرُوقُ وَنَحْوُهُ كَالْمَغْصُوبِ (وَ) تَصِحُّ الطَّهَارَةُ أَيْضًا (فِي مَكَان مَغْصُوبٍ) بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْإِنَاءَ وَالْمَكَانَ لَيْسَ شَرْطًا لِلطَّهَارَةِ فَيَعُودُ النَّهْيُ إلَى خَارِجٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ وَأَيْضًا أَفْعَالُ الصَّلَاةِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَتُحَرَّمُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا (إلَّا) الْمُضَبَّبَ بِ (ضَبَّةٍ يَسِيرَةٍ عُرْفًا) أَيْ فِي عُرْفِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُهَا (مِنْ فِضَّةٍ لِحَاجَةٍ، كَتَشْعِيبِ قَدَحٍ) احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ فَيَجُوزُ تَشْعِيبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ.
لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سَرَفٌ وَلَا خُيَلَاءُ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ وَاَلَّتِي لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ ضَبَّةَ الذَّهَبِ حَرَامٌ مُطْلَقًا (وَهِيَ) أَيْ الْحَاجَةُ (أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا) أَيْ الضَّبَّةِ (غَرَضٌ غَيْرُ زِينَةٍ) بِأَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَى فِعْلِهَا، لَا أَنْ لَا تَنْدَفِعَ بِغَيْرِهَا، فَتَجُوزُ الضَّبَّةُ الْمَذْكُورَةُ عِنْدَ انْكِسَارِ الْقَدَحِ
وَنَحْوِهِ.
(وَلَوْ وَجَدَ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ الضَّبَّةِ الْيَسِيرَةِ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَهُ إلَى كَوْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِأَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُمَا ضَرُورَةً وَهِيَ تُبِيحُ الْمُنْفَرِدَ (وَتُبَاحُ مُبَاشَرَتُهَا) أَيْ الضَّبَّةِ الْجَائِزَةِ (لِحَاجَةِ) تَدْعُو إلَى مُبَاشَرَتِهَا، كَانْدِفَاقِ الْمَاءِ بِدُونِ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ (وَ) مُبَاشَرَتِهَا (بِدُونِهَا) أَيْ بِدُونِ الْحَاجَةِ (تُكْرَهُ) ؛ لِأَنَّ فِيهَا اسْتِعْمَالًا لِلْفِضَّةِ بِلَا حَاجَةٍ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا تُحَرَّمُ لِإِبَاحَةِ الِاتِّخَاذِ.
(وَثِيَابُ الْكُفَّارِ كُلُّهُمْ) أَهْلِ الْكِتَابِ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ كَالْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ (وَأَوَانِيهِمْ) أَيْ أَوَانِي الْكُفَّارِ كُلِّهِمْ (طَاهِرَةٌ إنْ جُهِلَ حَالُهَا، حَتَّى مَا وَلِيَ عَوْرَاتِهِمْ) مِنْ الثِّيَابِ كَالسَّرَاوِيلِ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ،؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ وَلَكِنْ مَا لَاقَى عَوْرَاتِهِمْ كَالسَّرَاوِيلِ فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ إذَا صَلَّى فِيهِ (كَمَا لَوْ عَلِمْتَ طَهَارَتَهَا، وَكَذَا) حُكْمُ (مَا صَبَغُوهُ) أَيْ الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ (أَوْ نَسَجُوهُ، وَ) .
كَذَا (آنِيَةُ مُدْمِنِي الْخَمْرِ) وَثِيَابُهُمْ (وَ) آنِيَةُ (مَنْ لَابَسَ النَّجَاسَةَ كَثِيرًا وَثِيَابُهُمْ) طَاهِرَةٌ (وَبَدَنُ الْكَافِرِ، وَلَوْ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ) طَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِجِمَاعِ الْكِتَابِيَّةِ غَيْرُ مَا يَجِبُ بِنِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا أُجِيبَ بِهِ عَنْهُ (وَطَعَامُهُ) أَيْ الْكَافِرُ (وَمَاؤُهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] .
(وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي ثِيَابِ الْمُرْضِعَةِ وَ) ثِيَابِ (الْحَائِضِ وَ) ثِيَابِ (الصَّبِيِّ) وَنَحْوِهِمْ كَمُدْمِنِي الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهَا (مَعَ الْكَرَاهَةِ) احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: وَتُبَاحُ الصَّلَاةُ فِي ثِيَابِ الصِّبْيَانِ وَالْمُرَبِّيَاتِ وَفِي ثَوْبِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَحِيضُ فِيهِ، إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ نَجَاسَتُهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالتَّوَقِّي لِذَلِكَ أَوْلَى، لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فِيهِ (مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهَا) فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا كَثِيَابِ الْمُسْلِمِينَ.
(وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ فِي حُبِّ الصَّبَّاغِ، مُسْلِمًا كَانَ) الصَّبَّاغُ (أَوْ كَافِرًا نَصًّا) قِيلَ لِأَحْمَدَ عَنْ صَبْغِ الْيَهُودِ بِالْبَوْلِ، فَقَالَ: الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ هَذَا، وَلَا يُبْحَثُ عَنْهُ فَإِنْ عَلِمْتَ فَلَا تُصَلِّ فِيهِ حَتَّى تَغْسِلَهُ (وَإِنْ عَلِمْتَ نَجَاسَتَهُ طَهُرَ بِالْغَسْلِ) الْمُعْتَبَرِ
(وَلَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ) بِحَالِهِ وَسَأَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ عَنْ اللَّحْمِ يُشْتَرَى مِنْ الْقَصَّابِ قَالَ يُغْسَلُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بِدْعَةٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ «نَهَانَا اللَّهُ عَنْ التَّعَمُّقِ وَالتَّكَلُّفِ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَمُّقِ» .
(وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ مَيْتَةٍ نَجِسٌ بِمَوْتِهَا بِدَبْغِهِ) هَذَا قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَائِشَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ «أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ: أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّوْقِيتَ غَيْرُ أَبِي دَاوُد وَأَحْمَدَ وَقَالَ مَا أَصَحَّ إسْنَادَهُ وَقَالَ أَيْضًا: حَدِيثُ ابْنِ حَكِيمٍ أَصَحُّهَا.
وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيّ «كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» وَهُوَ دَالٌّ عَلَى سَبْقِ الرُّخْصَةِ وَأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ مِنْ أَمْرِهِ عليه السلام لَا يُقَالُ: هُوَ مُرْسَلٌ، لِكَوْنِهِ مِنْ كِتَابٍ لَا يُعْرَفُ حَامِلُهُ؛ لِأَنَّ كُتُبَهُ عليه السلام كَلَفْظِهِ.
وَلِهَذَا كَانَ يَبْعَثُ كُتُبَهُ إلَى النَّوَاحِي بِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ فَإِنْ قِيلَ الْإِهَابُ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ الدَّبْغِ، وَقَالَهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أُجِيبَ: بِمَنْعِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَا هُوَ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ.
(تَتِمَّةٌ) : قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ مَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ قُتِلَ عَلَى هَيْئَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ، إمَّا فِي الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ فَمَا ذُبِحَ لِلصَّنَمِ أَوْ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ الْحُلْقُومُ مَيْتَةٌ، وَكَذَا ذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ وَلَا الطَّهَارَةَ اهـ وَالْمَوْتُ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ قَالَهُ فِي الْمُطَوَّلِ.
وَقَالَ السَّيِّدُ: عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّنِ اتَّصَفَ بِهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ (وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ مِنْ مَيْتَةٍ طَاهِرَةٍ فِي الْحَيَاةِ فَقَطْ (فِي يَابِسٍ بَعْدَ دَبْغِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَجَدَ شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ عليه السلام «أَلَا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم لَمَّا فَتَحُوا فَارِسَ انْتَفَعُوا بِسُرُوجِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ مَيْتَةً وَنَجَاسَتُهُ لَا تَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ كَالِاصْطِيَادِ بِالْكَلْبِ وَرُكُوبِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ قَبْلَ الدَّبْغِ مُطْلَقًا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: فَأَمَّا قَبْلَ الدَّبْغِ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَ (لَا) الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ الدَّبْغِ (فِي مَائِعٍ) مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعَدِّي النَّجَاسَةِ.
(قَالَ)
أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيُّ (بْنُ عَقِيلٍ وَلَوْ لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ بِأَنْ كَانَ) جِلْدُ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغُ (يَسَعُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ) قَالَ لِأَنَّهَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ أَشْبَهَتْ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَجَوَّزَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إذَنْ (فَ) عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ الدَّبْغِ فِي يَابِسٍ (يُبَاحُ الدَّبْغُ) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ دَبْغُهُ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، فِي الْيَابِسِ.
قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ أَقْرُبُ إلَى التَّحْرِيمِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ عَبَثٌ.
(وَيَحْرُمُ بَيْعَهُ) أَيْ جِلْدُ الْمَيْتَةِ (بَعْدَ الدَّبْغِ) وَإِنْ قُلْنَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي يَابِسٍ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ مَيْتَةٍ فَلَا يَكُونُ قَابِلًا لِلْعِوَضِ، عَمَلًا بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ ثَمَنِهِ وَبَيْعِهِ (كَ) مَا يَحْرُمُ بَيْعِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ النَّجِسِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الدَّبْغِ، لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِمَامِ (يَطْهُرُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ (جِلْدُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَظِبَاءٍ وَنَحْوِهَا (وَلَوْ) كَانَ جِلْدًا لِحَيَوَانٍ (غَيْرِ مَأْكُولٍ) كَالْهِرِّ وَمَا دُونَهُ خِلْقَةً.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَخِيرًا طَهَارَتَهُ (وهـ ش م ر) عَنْهُ مَأْكُولُ اللَّحْمِ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، لِعَدَمِ رَفْعِ التَّوَاتُرِ بِالْآحَادِ.
وَخَالَفَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ يُؤَيِّدُهُ نَقْلُ الْجَمَاعَةِ: لَا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَنَقَلَ خَطَّابُ بْنُ بَشِيرٍ كُنْتُ أَذْهَبُ إلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ.
قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ خَطَّابٍ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ خَطَّابٍ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَبَيَانُ رُجُوعِهِ عَنْهَا بِخِلَافِ رِوَايَتَيْ الدِّبَاغِ (فَ) عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ (يُشْتَرَط غَسْلُهُ) أَيْ الْجِلْدِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدِّبَاغِ، كَمَا لَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ سِوَى آلَةِ الدَّبْغِ (وَيُحَرَّمُ أَكْلُهُ لَا بَيْعُهُ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَيْتَةِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] يَحْرُمُ بَيْعُهُ عَلَى رِوَايَةِ طَهَارَتِهِ كَسَائِرِ الطَّاهِرَاتِ.
(وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ مَا كَانَ نَجِسًا فِي حَيَاتِهِ) كَالْكَلْبِ (بِذَكَاتِهِ كَ) مَا لَا يَطْهُرُ (لَحْمُهُ) بِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلذَّكَاةِ فَهُوَ مَيْتَةٌ (فَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِذَلِكَ) أَيْ لِجِلْدِهِ أَوْ لَحْمِهِ، لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَإِضَاعَةٌ لِمَا قَدْ يُنْتَفَعُ بِهِ (وَلَا) يَجُوزُ ذَبْحُهُ أَيْضًا (لِغَيْرِهِ) كَلِإِرَاحَتِهِ (وَلَوْ) كَانَ (فِي النَّزْعِ) وَكَذَا الْآدَمِيُّ بَلْ أَوْلَى وَلَوْ وَصَلَ إلَى حَالَةٍ لَا يَعِيشُ فِيهَا عَادَةً أَوْ كَانَ بَقَاؤُهُ أَشَدَّ تَأْلِيمًا لَهُ وَقَدْ
عَمَّتْ بِذَلِكَ الْبَلْوَى.
(وَلَا يَحْصُلُ الدَّبْغُ بِنَجِسٍ) كَالِاسْتِجْمَارِ وَفِي الرِّعَايَةِ: بَلَى وَيُغْسَلُ بَعْدَهُ (وَلَا) يَحْصُلُ الدَّبْغُ (بِغَيْرِ مُنَشِّفٍ لِلرُّطُوبَةِ مُنَقٍّ لِلْخَبَثِ بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ الْجِلْدُ بَعْدَهُ فِي الْمَاءِ فَسَدَ) كَالشَّبِّ وَالْقَرْظِ لِأَنَّهُ مُحَصَّلٌ بِهِ مَقْصُودُ الدِّبَاغِ (وَلَا بِتَشْمِيسِ) الْجِلْدِ (وَلَا بِتَتْرِيبٍ) هـ (وَلَا بِرِيحٍ) لِمَا سَبَقَ (وَجَعْلُ الْمُصْرَانِ وَتَرًا دِبَاغٌ وَكَذَا) جَعْلُ (الْكَرِشِ) وَتَرًا دِبَاغٌ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِيهِ وَلَا يَفْتَقِرُ الدَّبْغُ إلَى فِعْلٍ فَلَوْ وَقَعَ جِلْدٌ فِي مَدْبَغَةٍ فَانْدَبَغَ كَفَى لِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ فَأَشْبَهَ الْمَطَرَ يَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةِ.
(وَيَحْرُمُ افْتِرَاشُ جُلُودِ السِّبَاعِ) مِنْ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ إذَا كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ الْهِرِّ خِلْقَةً (مَعَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهَا) قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ» وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهَا حَالَ الْحَيَاةِ فَيَجُوزُ بَعْدَ دَبْغِهَا، كَجِلْدِ الْهِرِّ وَمَا دُونَهُ خِلْقَةً وَاللُّبْسُ كَالِافْتِرَاشِ.
لِحَدِيثِ «الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لِبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرَّكُوبِ عَلَيْهَا، قَالَ نَعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَوْلُهُمْ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَيُكْرَهُ لِبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ جِلْدًا مُخْتَلَفًا فِي نَجَاسَتِهِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِ، كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: مَعَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهَا.
(وَيُكْرَهُ الْخَرْزُ بِشَعْرِ خِنْزِيرٍ) لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْعَيْنِ النَّجِسَةِ، وَلَا يَسْلَمُ مِنْ التَّنْجِيسِ بِهَا غَالِبًا (وَيَجِبُ غَسْلُ مَا خُرِزَ بِهِ رَطْبًا) لِتَنْجِيسِهِ (وَيُبَاحُ) اسْتِعْمَالُ (مُنْخُلٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (مِنْ شَعْرٍ نَجِسٍ فِي يَابِسٍ) لِعَدَمِ تَعَدِّي نَجَاسَتِهِ، كَرُكُوبِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ بِخِلَافِ اسْتِعْمَالِهِ فِي رَطْبٍ.
(وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِالنَّجَاسَاتِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، فَلَا يَرُدُّ مَا تَقَدَّمَتْ إبَاحَتُهُ أَوْ تَحْرِيمُهُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَنْجَسَ ثُمَّ قَالَ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِتَجْوِيزِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجَاسَةِ لِعِمَارَةِ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ مَعَ الْمُلَابَسَةِ لِذَلِكَ عَادَةً وَسَأَلَهُ الْفَضْلُ عَنْ غَسْلِ الصَّائِغِ الْفِضَّةَ بِالْخَمْرِ: هَلْ يَجُوزُ؟ قَالَ هَذَا غِشٌّ لِأَنَّهَا تُبَيَّضُ بِهِ.
(وَجِلْدُ الثَّعْلَبِ كَلَحْمِهِ) عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا يُدْبَغُ جِلْدُهُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ (وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ) نَجِسٌ لِأَنَّهُ مَائِعٌ لَاقَى وِعَاءً نَجِسًا فَتَنَجَّسَ (وَإِنْفَحَتُهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ: شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ الرَّاضِعِ أَصْفَرُ فَيُصَرُّ فِي صُوفَةٍ فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ: نَجِسَةٌ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَجِلْدَتُهَا) أَيْ جِلْدَةُ إنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ نَجِسَةٌ (وَعَظْمُهَا) أَيْ الْمَيْتَةُ (وَقَرْنُهَا وَظُفُرُهَا وَعَصَبُهَا وَحَافِرُهَا وَأُصُولُ شَعْرِهَا) إذَا نُتِفَ.
(وَ) أُصُولُ