الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَهَرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ الطُّهْرُ، كَحَكَمَ حُكْمًا.
وَشَرْعًا: (ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ) أَكْبَرَ كَانَ أَوْ أَصْغَرَ أَيْ زَوَالُ الْوَصْفِ الْمَانِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَعَبَّرَ بِالِارْتِفَاعِ لِيُطَابِقَ بَيْنَ الْمُفَسِّرِ وَالْمُفَسَّرِ، وَلَمْ يُعَبَّرْ بِالرَّفْعِ - كَمَا عَبَّرَ بِهِ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلتَّطْهِيرِ لَا الطَّهَارَةِ، وَلَكِنْ سَهَّلَهُ كَوْنُ الطَّهَارَةِ أَثَرَهُ وَنَاشِئَةً عَنْهُ وَسُمِّيَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ طَهَارَةً لِكَوْنِهِ يُنَقِّي الذُّنُوبَ وَالْآثَامَ كَمَا فِي الْإِخْبَارِ (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ كَالْحَاصِلِ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ لَا عَنْ حَدَثٍ وَالْحَاصِلُ بِغَسْلِ يَدَيْ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الْمُسْتَحَبَّيْنِ وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(وَزَوَالُ النَّجَسِ) سَوَاءٌ كَانَتْ إزَالَتُهُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ كَغَسْلِ الْمُتَنَجِّسِ، أَوْ بِنَفْسِهِ كَزَوَالِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَانْقِلَابِ الْخَمْرَةِ خَلًّا (أَوْ ارْتِفَاعُ حُكْمِ ذَلِكَ) أَيْ الْحَدَثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَالنَّجَسُ، إمَّا بِالتُّرَابِ كَالتَّيَمُّمِ عَنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَسٍ بِبَدَنٍ، أَوْ عَنْ غُسْلِ مَيِّتٍ أَوْ عَنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ مَسْنُونٍ وَإِمَّا بِالْأَحْجَارِ نَحْوهَا فِي الْخَارِجِ مِنْ سَبِيلٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَأَوْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّنْوِيعِ وَهَذَا الْحَدُّ أَجْوَدُ مَا قِيلَ فِي الطَّهَارَةِ وَقَدْ عُرِفَتْ بِحُدُودٍ كَثِيرَةٍ وَكُلُّهَا مُنْتَقَدَةٌ،.
وَمَا حَذَفَهُ مِنْ عِبَارَةِ التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ بَلْ مِنْ الْمَحْدُودِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّنْقِيحِ، وَقَوْلُهُ أَوْ ارْتِفَاعُ حُكْمِ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمَا: أَوْ ارْتِفَاعُ حُكْمِهِمَا: لِمَا قَدَّمْتُهُ فِي تَفْسِيرِهِ، وَحَيْثُ أُطْلِقَ لَفْظُ الطَّهَارَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ، حَيْثُ لَا صَارِفَ، وَكَذَا كُلُّ مَالَهُ مَوْضُوعٌ شَرْعِيٌّ وَلُغَوِيٌّ كَالصَّلَاةِ فَكِتَابُ الطَّهَارَةِ هُوَ الْجَامِعُ لِأَحْكَامِ الطَّهَارَةِ مِنْ بَيَانِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَمَا يُتَطَهَّرُ لَهُ، وَمَا يَجِبُ أَنْ يُتَطَهَّرَ مِنْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
[أَقْسَامُ الْمَاءِ]
(وَأَقْسَامُ الْمَاءِ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجُوزَ الْوُضُوءُ بِهِ أَوْ لَا فَإِنْ جَازَ فَهُوَ الطَّهُورُ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجُوزَ شُرْبُهُ أَوْ لَا، فَإِنْ جَازَ فَهُوَ الطَّاهِرُ، وَإِلَّا فَهُوَ النَّجَسُ، أَوْ تَقُولُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي اسْتِعْمَالِهِ أَوْ لَا، الثَّانِي النَّجِسُ وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا لِغَيْرِهِ أَوْ لَا الْأَوَّلُ الطَّهُورُ، وَالثَّانِي الطَّاهِرُ وَزَادَ ابْنُ رُوَيْنَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ وَطَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى طَاهِرٍ وَنَجِسٍ وَقَالَ إثْبَاتُ قِسْمٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُطَهِّرٍ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الْمَاءُ الطَّهُور]
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَاءٌ (طَهُورٌ) قَدَّمَهُ لِمَزِيَّتِهِ بِالصِّفَتَيْنِ وَهُوَ الطَّاهِرُ فِي ذَاتِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ، فَلِهَذَا قَالَ (بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ) مِثْلُ الْغَسُولِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَعَدِّيَةِ.
قَالَ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11]
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَلَوْ أَرَادَ بِهِ الطَّاهِرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ.
وَرَوَى مَالِكٌ وَالْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيّ عَنْ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَوَابًا لِلْقَوْمِ حِين سَأَلُوهُ عَنْ الْوُضُوءِ، بِهِ، إذْ لَيْسَ كُلّ طَاهِرٍ مُطَهِّرًا وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْ مُطَهِّرًا مِنْ الْغِلِّ وَالْغِشِّ قَالَ فِي الشَّرْحِ.
وَالنِّزَاعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ وَقَدْ ذَكَرْتُ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ فِي الْحَاشِيَةِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَفَصْلُ الْخِطَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ صِيغَةَ التَّعَدِّي وَاللُّزُومِ أَمْرٌ مُجْمَلٌ يُرَادُ بِهِ النَّحْوِيُّ، وَلَمْ يُفَرِّقْ فِيهِ الْعَرَبُ بَيْنَ فَاعِلٍ وَفَعُولٍ، وَالْفِقْهِيُّ: الْحُكْمِيُّ وَقَدْ فَرَّقَ الشَّرْعُ فِيهِ بَيْنَ طَاهِرٍ وَطَهُورٍ هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُزَالُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ غَيْرَ الْمَاءِ عِنْدَنَا، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَيْ الْحَنَفِيَّةُ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَا تُدْفَعُ النَّجَاسَةُ عَنْ نَفْسِهَا وَالْمَاءُ يَدْفَعُهَا لِكَوْنِهِ مُطَهِّرًا قَالَ وَلَيْسَ طَهُورٌ مَعْدُولًا عَنْ طَاهِرٍ حَتَّى يَلْزَمَ مُوَافَقَتُهُ لَهُ فِي التَّعَدِّي وَاللُّزُومِ، بَلْ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْآلَاتِ كَالسُّحُورِ وَالْوَجُورِ اهـ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ لَا لَفْظِيٌّ وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمَصْدَرُ قَالَهُ الْيَزِيدِيُّ وَحُكِيَ الضَّمُّ فِيهِمَا وَالْفَتْحُ فِيهِمَا (لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ غَيْرُهُ (وَلَا يُزِيلُ النَّجَسَ الطَّارِئَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمَاءِ الطَّهُورِ.
وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَمُبِيحٌ لَا رَافِعٌ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ، وَكَذَلِكَ الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ مُزِيلٌ لِلْحُكْمِ فَقَطْ (وَهُوَ) أَيْ الْمَاءُ الطَّهُورُ (الْبَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ) أَيْ صِفَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا مِنْ حَرَارَةٍ أَوْ بُرُودَةٍ أَوْ عُذُوبَةٍ أَوْ مُلُوحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (حَقِيقَةً) بِأَنْ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (أَوْ حُكْمًا) كَالْمُتَغَيِّرِ بِمُكْثٍ أَوْ طُحْلُبٍ وَالْمُتَصَاعِدِ مِنْ بُخَارَاتِ الْحَمَّامِ ثُمَّ يَقْطُرُ وَالْمَاءُ الطَّهُورُ مَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ كَالْمَطَرِ وَذَوْبِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] .
وَقَوْلِهِ عليه السلام «اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَمَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّهُورِ (مَاءُ الْبَحْرِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ (وَ) مِنْ الطَّهُورِ (مَا اُسْتُهْلِكَ فِيهِ مَائِعٌ طَاهِرٌ) بِحَيْثُ لَمْ يُغَيِّرْ كَثِيرًا مِنْ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي أَقْسَامِ الطَّاهِرِ (أَوْ) اُسْتُهْلِكَ فِيهِ (مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ يَسِيرٌ) وَلَمْ يُغَيِّرْهُ، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْلُبُهُ اسْمَ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ أَشْبَهَ الْبَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ (فَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ الطَّهُورُ لَا يَكْفِي) لِلطَّهَارَةِ (قَبْلَ الْخَلْطِ) ؛ لِأَنَّ الْمَائِعَ اُسْتُهْلِكَ فِي الْمَاءِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ يَكْفِيهِ فَزَادَهُ مَائِعًا وَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَبَقِيَ الْقَدْرُ الْمَائِعُ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَحَمَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّ الْمَائِعَ لَمْ يُسْتَهْلَكْ وَفَرَضَ الْخِلَافَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ فِي زَوَالِ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ، وَرَدَّهُ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ بِرَدٍّ حَسَنٍ.
(وَمِنْهُ) أَيْ الطَّهُورِ غَيْرِ الْمَكْرُوهِ مَاءٌ (مُشَمَّسٌ) مُطْلَقًا.
وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ وَقَدْ سَخَّنَتْ مَاءً فِي الشَّمْسِ «لَا تَفْعَلِي فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» .
قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْضُوعًا وَكَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا تَغْتَسِلُوا بِالْمَاءِ الَّذِي سُخِّنَ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهُ يُعْدِي مِنْ الْبَرَصِ» . قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: غَيْرُ صَحِيحٍ وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ إجْمَاعُ أَهْلِ الطِّبِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْبَرَصِ وَأَنَّهُ لَوْ أَثَّرَ لَمَا اُخْتُلِفَ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، وَلَمَا اخْتَصَّ تَسْخِينُهُ فِي الْأَوَانِي الْمُنْطَبِعَةِ دُونَ غَيْرِهَا.
(وَ) مِنْهُ (مُتَرَوِّحٌ بِرِيحِ مَيْتَةٍ إلَى جَانِبِهِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَغَيُّرُ مُجَاوَرَةٍ.
(وَ) مِنْهُ (مُسَخَّنٌ بِطَاهِرٍ) كَالْحَطَبِ نَصًّا لِعُمُومِ الرُّخْصَةِ.
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ مَاءٌ فِي قُمْقُمٍ فَيَغْتَسِلُ بِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَعَنْ ابْن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِل بِالْحَمِيمِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ دَخَلُوا الْحَمَّامَ وَرَخَّصُوا فِيهِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ، قَالَ: وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْكَرَاهَةَ عَلَّلَ بِخَوْفِ مُشَاهَدَةِ الْعَوْرَةِ أَوْ قَصْدِ التَّنْعِيمِ بِهِ.
(وَ) مِنْهُ (مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثِهِ) أَيْ الْمَاءِ الْآجِنِ الَّذِي تَغَيَّرَ بِطُولِ إقَامَتِهِ فِي مَقَرِّهِ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ، لِأَنَّهُ عليه السلام «تَوَضَّأَ بِمَاءٍ آجِنٍ» ؛ وَلِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَنْ غَيْرِ مُخَالَطَةٍ أَشْبَهَ الْمُتَغَيِّرَ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعُ مَنْ يُحْفَظُ قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَى ابْنِ سِيرِينَ فَإِنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ.
(أَوْ) أَيْ وَمِنْ الطَّهُورِ مُتَغَيِّرٌ (بِطَاهِرٍ يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ كَنَابِتٍ فِيهِ) أَيْ فِي
الْمَاءِ (وَ) كَ (وَرَقِ شَجَرٍ) يَسْقُطُ فِي الْمَاءِ بِنَفْسِهِ (وَ) كَ (طُحْلُبٍ وَ) كَ (سَمَكٍ وَنَحْوِهِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ وَجَرَادٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً) كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْعَقْرَبِ وَالصَّرَاصِيرِ، إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ كُنُفٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ أَشْبَهَ الْمُتَغَيِّرَ بِتِبْنٍ أَوْ عِيدَانَ.
(وَ) مِنْ الْمُتَغَيِّرِ بِمَا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ الْمُتَغَيِّرُ فِي (آنِيَةِ أُدْمٍ) أَيْ جِلْدٍ (وَ) آنِيَةِ (نُحَاسٍ وَنَحْوِهِ) كَحَدِيدٍ (وَ) مُتَغَيِّرٌ بِ (مَقَرٍّ وَمَمَرٍّ) مِنْ كِبْرِيتٍ وَنَحْوِهِ (فَكُلُّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ) لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْ ذَلِكَ (كَمَاءِ الْحَمَّامِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّحَابَةَ دَخَلُوا الْحَمَّامَ وَرَخَّصُوا فِيهِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ وَقُودُهَا نَجِسًا.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ تَشْمَلُ الْمَوْقُودَ بِالطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ (وَإِنْ غَيَّرَهُ) أَيْ الْمَاءَ طَاهِرٌ (غَيْرُ مُمَازَجٍ كَدُهْنٍ وَقَطِرَانَ وَزِفْتٍ وَشَمْعٍ) فَطَهُورٌ، لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ عَنْ مُجَاوَرَةِ مَكْرُوهٍ لِلِاخْتِلَافِ فِي سَلْبِهِ الطَّهُورِيَّةَ، لَكِنَّ الْقَطِرَانَ قَسَّمَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قِسْمَيْنِ مَا لَا يُمَازِجُ وَالْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الدُّهْنِ، وَمَا يُمَازِجُ الْمَاءَ فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، كَسَائِرِ الطَّاهِرَاتِ الْمُمَازِجَةِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا لَكِنَّ كَلَامَهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ (وَقِطَعُ كَافُورٍ وَعُودٌ قَمَارِيٌّ) بِفَتْحِ الْقَاف مَنْسُوب إلَى قَمَارٍ مَوْضِعٌ بِبِلَادِ الْهِنْدِ.
(وَ) قِطَعُ (عَنْبَرٍ إذَا لَمْ يُسْتَهْلَكْ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ فِيهِ) فَطَهُورٌ مَكْرُوهٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ إذَا اُسْتُهْلِكَ فِي الْمَاءِ أَوْ انْمَاعَ فِيهِ وَذَابَ وَغَيَّرَ كَثِيرًا مِنْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَنَّهُ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ لِمُمَازَجَتِهِ لَهُ.
وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ، فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: إنْ تَحَلَّلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَطَاهِرٌ وَإِلَّا فَطَهُورٌ، فَلَوْ خَالَطَ الْمَاءَ بِأَنْ دَقَّ أَوْ انْمَاعَ فَأَقْوَالٌ اهـ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي الْحَاشِيَةِ.
(أَوْ) غَيَّرَهُ (مِلْحٌ مَائِيٌّ) فَطَهُورٌ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُرْسَلُ عَلَى السِّبَاخِ فَيَصِيرُ مِلْحًا لِأَنَّ الْمُتَغَيِّرَ بِهِ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْمَاءِ، أَشْبَهَ ذَوْبَ الثَّلْجِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمِلْحَ الْمَائِيَّ لَوْ انْعَقَدَ مِنْ طَاهِرٍ غَيْرِ مُطَهِّرٍ فَحُكْمُهُ كَبَاقِي الطَّاهِرَاتِ وَإِنَّ الْمِلْحَ الْمَعْدِنِيَّ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيطٌ مُسْتَغْنٍ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ مِنْ الْمَاءِ، أَشْبَهَ الزَّعْفَرَانَ.
(أَوْ سُخِّنَ بِمَغْصُوبٍ) فَطَهُورٌ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، مَكْرُوهٌ لِاسْتِعْمَالِ الْمَغْصُوبِ فِيهِ (أَوْ اشْتَدَّ حَرُّهُ) فَطَهُورٌ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ كَمَالَ الطَّهَارَةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَنْ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْحَمِيمِ إنْ ثَبَتَ، لِكَوْنِهِ مُؤْذِيًا أَوْ يَمْنَعُ الْإِسْبَاغَ.
(أَوْ) اشْتَدَّ (بَرْدُهُ فَطَهُورٌ مَكْرُوهٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَكَذَا مُسَخَّنٌ بِنَجَاسَةٍ) وَإِنْ بَرَدَ كَمَا فِي الرِّعَايَةِ فَيُكْرَهُ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ» ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ دُخَانِهَا وَصُعُودِهِ بِأَجْزَاءٍ لَطِيفَةٍ مِنْهَا وَإِنْ تَحَقَّقَ وُصُولُ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ وَكَانَ يَسِيرًا نَجُسَ كَمَا فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ (إنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى
الْمُسَخَّنِ بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ تَعَيَّنَ وَزَالَتْ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا قُلْتُ وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مَكْرُوهٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ.
(وَيُكْرَهُ إيقَادُ النَّجَسِ) فِي تَسْخِينِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَعَدِّيهِ إلَى الْمُسَخَّنِ فَيُنَجِّسُهُ (وَ) كَذَا (مَاءُ بِئْرٍ فِي مَقْبَرَةٍ) فَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا فِي أَكْلٍ وَغَيْرِهِ وَكَرِهَ الْإِمَامُ بَقْلَ الْمَقْبَرَةِ وَشَوْكَهَا (وَ) كَذَا (مَاءٌ) فِي (بِئْرٍ فِي مَوْضِعِ غَصْبٍ أَوْ) مَاءُ بِئْرٍ (حَفْرُهَا) غَصْبٌ (أَوْ أُجْرَتُهُ) أَيْ الْحَفْرُ (غَصْبٌ) فَيُكْرَهُ الْمَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ غَصْبٍ مُحَرَّمٍ (وَ) وَكَذَا (مَا ظُنَّ تَنْجِيسُهُ) فَيُكْرَهُ، بِخِلَافِ مَا شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ.
(وَ) كَذَا يُكْرَهُ (اسْتِعْمَالُ مَاءِ زَمْزَمَ فِي إزَالَةِ النَّجَسِ فَقَطْ) تَشْرِيفًا لَهُ، وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ «ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا بِسَجْلٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَشَرِبَ مِنْهُ وَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمَا رَوَى عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ رَأَيْتُ الْعَبَّاسَ قَائِمًا يَقُولُ: أَلَا لَا أُحِلُّهُ لِمُغْتَسِلٍ، وَلَكِنَّهُ لِكُلِّ شَارِبٍ حِلٌّ وَبِلٌّ.
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ: أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ قَالَ ذَلِكَ حِينَ احْتَفَرَهُ: مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَضِيقُ عَلَى الشَّرَابِ، وَكَوْنُهُ مِنْ مَنْبَعٍ شَرِيفٍ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ كَعَيْنِ سُلْوَانَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ انْفَرَدَ بِهَا، وَهِيَ كَوْنُهُ يَقْتَاتُ بِهِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ فِي بَدْءِ إسْلَامِهِ (وَلَا يُكْرَهُ مَا جَرَى عَلَى الْكَعْبَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَفِي الْمُبْدِعِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ.
(فَهَذَا كُلُّهُ يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ (جَمْعُ حَدَثٍ وَهُوَ مَا) أَيْ وَصْفٌ يَقُومُ بِالْبَدَنِ (أَوْجَبَ وُضُوءًا) أَيْ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ وَيُسَمَّى أَصْغَرَ (أَوْ) أَوْجَبَ (غُسْلًا) وَيُسَمَّى أَكْبَرَ وَ (أَوْ) لِمَنْعِ الْخُلُوِّ لَا الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ مَا أَوْجَبَ الْغُسْلَ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ غَيْرَ الْمَوْتِ وَيُطْلَقُ الْحَدَثُ عَلَى نَفْسِ الْخَارِجِ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْحَدَثُ وَالْأَحْدَاثُ مَا اقْتَضَى وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا أَوْ هُمَا، أَوْ اسْتِنْجَاءً أَوْ اسْتِجْمَارًا أَوْ مَسْحًا أَوْ تَيَمُّمًا قَصْدًا، كَوَطْءٍ وَبَوْلٍ وَنَحْوِهِمَا، غَالِبًا وَاتِّفَاقًا كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَاسْتِحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا وَاحْتِلَامِ نَائِمٍ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَخُرُوجِ رِيحٍ مِنْهُمْ غَالِبًا (إلَّا حَدَثَ رَجُلٍ وَخُنْثَى) بَالِغٍ فَلَا يَرْتَفِعُ (بِمَاءٍ) قَلِيلٍ (خَلَتْ بِهِ امْرَأَةٌ) مُكَلَّفَةٌ لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ عَنْ حَدَثٍ (وَيَأْتِي) فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مُفَصَّلًا.
(وَالْحَدَثُ لَيْسَ بِنَجَاسَةٍ،
بَلْ مَعْنًى يَقُومُ بِالْبَدَنِ تُمْنَعُ مَعَهُ الصَّلَاةُ) ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ لَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ (وَ) يُمْنَعُ مَعَهُ (الطَّوَافُ) بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَيُمْنَعُ مَعَهُ أَيْضًا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَيُمْنَعُ أَيْضًا قِرَاءَةُ آيَةٍ فَأَكْثَرَ إنْ كَانَ أَكْبَرَ (وَالْمُحْدِثُ لَيْسَ نَجِسًا) مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَيْسَ بِنَجَاسَةٍ (فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِحَمْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا (وَهُوَ) أَيْ الْمُحْدِثُ (مَنْ لَزِمَهُ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا) كَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ (وُضُوءٌ أَوْ غُسْلٌ) مَعَ الْقُدْرَةِ أَوْ لَزِمَهُ لِذَلِكَ (أَوْ تَيَمُّمٌ لِعُذْرٍ) مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ عَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِهِ مُفَصَّلًا (وَالطَّاهِرُ) شَرْعًا (ضِدُّ النَّجِسِ وَالْمُحْدِثُ) إذْ الطَّهَارَةُ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ وَزَوَالُ النَّجَسِ كَمَا تَقَدَّمَ فَالطَّاهِرُ الْخَالِي مِنْهُمَا.
(وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ الطَّارِئَةَ) مَعْطُوفٌ عَلَى: بِرَفْعِ الْأَحْدَاثِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صُبُّوا عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» وَالْأَنْجَاسُ (جَمْعُ نَجَسٍ وَهُوَ) لُغَةً مَا يَسْتَقْذِرُهُ ذُو الطَّبْعِ السَّلِيمِ وَعُرْفًا (كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا) لِذَاتِهَا (مَعَ إمْكَانِهِ) أَيْ إمْكَانِ التَّنَاوُلِ، خَرَجَ بِهِ مَا لَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ كَالصِّوَانِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْمُمْتَنَعِ مُسْتَحِيلٌ (لَا لِحُرْمَتِهَا) مُخْرِجٌ لِصَيْدِ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ (وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا) كَالْبُزَاقِ وَالْمُخَاطِ فَالْمَنْعُ مِنْهُ لِاسْتِقْذَارِهِ لَا لِنَجَاسَتِهِ (وَلَا لِضَرَرٍ بِهَا فِي بَدَنٍ) احْتِرَازٌ عَنْ السُّمِّيَّاتِ مِنْ النَّبَاتِ (أَوْ) ضَرَرٍ بِهَا فِي (عَقْلٍ) .
خَرَجَ بِهِ نَحْوُ الْبَنْجِ (قَالَهُ فِي الْمُطْلِعِ وَهِيَ) أَيْ النَّجَاسَةُ الْمُعَرَّفَةُ فِي كَلَامِهِ (النَّجَاسَةُ الْعَيْنِيَّةُ وَلَا تَطْهُرُ بِحَالٍ) لَا بِغُسْلٍ وَلَا بِاسْتِحَالَةٍ، قُلْتُ فَلَا يَرِدُ نَحْوُ الْخَمْرَةِ وَالْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ،؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ حُرِّمَ تَنَاوُلُهَا لَكِنْ لِمَا طَرَأَ كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ (وَإِذَا طَرَأَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى مَحِلٍّ طَاهِرٍ فَنَجَّسَتْهُ) لِبَلَلِهِمَا أَوْ لِبَلَلِ أَحَدِهِمَا (وَلَوْ بِانْقِلَابِ) الطَّاهِرِ (بِنَفْسِهِ كَعَصِيرٍ تَخَمَّرَ) وَمَتَى صَارَ نُطْفَةً (فَمُتَنَجِّسٍ وَنَجَاسَتُهُ حُكْمِيَّةٌ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا) كَانْقِلَابِ الْخَمْرَةِ بِنَفْسِهَا خَلًّا وَصَيْرُورَةِ النُّطْفَةِ حَيَوَانًا طَاهِرًا (وَيَأْتِي) ذَلِكَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ.
(وَلَا يُبَاحُ مَاءُ آبَارِ دِيَارِ ثَمُودَ غَيْرَ بِئْرِ النَّاقَةِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «إنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ وَأَمْرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهُوَ الْبِئْرُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يَرِدُهَا الْحَاجُّ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ انْتَهَى) .
قَالَ فِي الْهَدْيِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِئْرُ النَّاقَةِ اسْتَمَرَّ عِلْمُ النَّاسِ بِهَا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ إلَى وَقْتِنَا هَذَا، فَلَا تَرِدْ الرُّكُوبُ بِئْرًا غَيْرَهَا وَهِيَ مَطْوِيَّةٌ مُحْكَمَةُ الْبِنَاءِ