الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
فاتِحَة الكِتَاب
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
والصلاة والسلام على سيدنا وقائدنا محمد خاتم رسل الله، الذي اجتباه ربّه واصطفاه، وأرسله بخاتمة رسالاته للناس، فأظهر به وبمن اتّبعه بإحسان دينه الحقّ على الدين كلّه، وعلى كل فكرة ومذهب مناقض له، بالحجّة والبرهان، وبما يكتشف الناس على الدوام من سيّئات وويلات تطبيقات الأديان والمذاهب المخالفة.
اللهم أرنا الحق حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واهدنا وسدّدنا يا ربّ العالمين.
وبعد فإن الفتنة المعاصرة الكبرى آتية من الآراء والأفكار والشعارات والمذاهب الفكرية المعاصرة، التي تناولت حرمات العقائد الدينيّة الربّانية الكبرى، وتناولت مقدّسات المبادئ والأخلاق، بالتقويض والهدم، والتشويه والرجم. وعبثت بالنظم ومناهج السلوك الإنساني الفردي والاجتماعي، التي جاءت بها الشرائع الربانية، وأكملها الله بالرسالة الخاتمة، التي بعث محمداً خاتم أنبيائه ورسله.
وقد انتشرت هذه المحدَثات الفكرية المعاصرة مع تفجّر منجزات الحضارة الماديّة المعاصرة التي بدأت منذ أواخر القرن السابع عشر الميلادي في الغرب وما زالت تتسارع بصورة مذهلة حتى وقتنا هذا.
وقد أثبت المتتبعون من أهل البحث أن اليهود يحملون كبر نشرها في العالم، وظهر هذا في مخططاتهم السرية، وفي كون أئمة معظم هذه المذاهب المعاصرة هم من اليهود.
وكانت الدراسات الفلسفية والنفسية والاجتماعية، هي المجالات الخاصبة، التي أُسست فيها هذه الآراء والأفكار والمذاهب الفكرية المعاصرة، مع بعض مجالات أخرى.
وجرَّت هذه المحدثات الفكرية المعاصرة التي عبثت بالعقائد الدينية، والمبادئ والأخلاق والنظم ومناهج السلوك، للأمم والشعوب بلاءً كبيراً، وشراً مستطيراً، وأمست منذرة بانهيار ساحق، ودمار ماحق، وكثير من هذه المحدثات هو من دفائن الأولين، من الكافرين والفاسقين والمجرمين، والمهلَكين المدمر عليهم.
وصار لزاماً على دعاة الحق وأهل الفكر أن يكشفوا للناس زيوف هذه المذاهب، وما اشتملت عليه من باطل كثير.
وقد حمّل الله الأمة الإسلامية مسؤولية دعوة الخلق إلى الحق، وتبصير الناس به، ليكونوا يوم القيامة شهداء على الناس.
وإن ثقل هذه المسؤولية يقع على علماء المسلمين ومفكريهم وباحثيهم، إذْ لا سعادة للبشرية إلا باتباع منهج الله، الذي بلغهم عن خاتم رسل الله محمد وحملهم اله مسؤولية تبليغه وبيانه.
وقد بدأ المفكرون الإسلاميون، بحمد الله، يتحملون هذه المسؤولية، ويجاهدون في سبيل الله جهاداً فكرياً، ويحاولون القيام بواجبهم في هذا المجال على قدر استطاعتهم، فظهرت مقالات وبحوث وكتب ورسائل جامعية مشكورة.
ولكن لا يزال العمل في هذا المجال - كما أرى - في المراحل الأولى من الطريق الطويل.
وإني ما زلت منذ مطلع العام الدراسي (1397 - 1398 هجرية) أقوم بتدريس مادة " المذاهب الفكرية المعاصرة " في جامعة أم القرى بمكة المكرمة (جامعة الملك عبد العزيز: سابقاً) على مستوى الدراسة الجامعية، ومستوى الدراسات العليا، التي تُعِدّ لنيل شهادة الماجستير فالدكتوراه.
وكتبت في هذه المادة مذكرات للطلاب والطالبات، لتكون بين أيديهم شارحة بعض الموضوعات فيها.
ومنذ حين وفي عزمي على أن أستكمل هذه المذكرات، حتى تستوعب الموضوعات والعناصر التي ينبغي أن تشتمل عليها مادة " المذاهب الفكرية المعاصرة "، وأن أرتبها وأصنّفها تصنيفاً يجعلها صالحة لإخراجها في كتاب ملتزم بمنهجية التصنيف والتبويب والتقسيم والترتيب المنطقي.
وكانت تشغلني عن استكمال تصنيفه مشاغل أخرى نافعة إن شاء الله، ظهرت ثمراتها في عدة مؤلفات.
إلى أن أذن الله عز وجل، فأقدرني على متابعة العمل بفضله وجوده وكرمه، ومعونته وتوفيقه، ولا حول ولا قوة إلا به.
وكان شهر رمضان الميمون في مكة المكرمة من سنة (1404 هجرية) شهر بركة وفتح، وعون من العلي القدير، فتفرغت فيه لمتابعة العمل في هذا الكتاب، حتى قطعت فيه من أشواط السعي بنسبة خمسة إلى سبعة.
ثمّ سافرت مع أسرتي في إجازة الصيف إلى تركيا، فانقطعت عن العمل في إتمام الكتاب.
ولم يتهيا لي بعد العودة من الإجازة الصيفية التفرغ الكامل لإتمام العمل، لكني صرت أقتطع أوقاتاً للعمل، وانتهبها انتهاباً، حتى أذن الله بإكمال الكتاب في اليوم الأول من شهر صفر سنة (1405) هجرية.
وإذ قم تم الكتاب بفضل الله ومنه وكرمه، فإني أقدمه لقراء العربية، لا سيما المسلمون الذين يُهمهم أن يعرفوا زيوف الأفكار التي غزتهم في
هذا العصر، عن طريق المذاهب الفكرية المعاصرة، ليكونوا على بصيرة بها، وليبصروا بها الأجيال الصاعدة من أجيال الأمة الإسلامية، ولتكون لديهم القدرة على حماية أنفسهم وأمتهم، ومقارعة خصومهم بالحجج المنطقية، والبراهين والقواطع.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل ، والحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
مكة المكرمة غرة صفر 1405 هجرية
عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة