المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأولفرويد ومدرسته في علم النفس - كواشف زيوف

[عبد الرحمن حبنكة الميداني]

فهرس الكتاب

- ‌فاتِحَة الكِتَاب

- ‌خِطّةُ الكِتَابْ

- ‌القِسمُ الأوّل مِنَ الكِتَابمقدمات عامة

- ‌الباب الأولتَعريفٌ بمَنَاخِ نَشأةِ المذَاهِب الفِكرية المعَاصِرَة

- ‌مَقَدِّمَة عَامَّة

- ‌الفصْل الأوّلمُنَاخ نَشأةِ المذَاهِب الفِكرية المعَاصِرَة في أوربَّا

- ‌الفصْل الثانيتحرّك اليَهُود مُسْتَغلّينَ المنَاخ الملَائِمَ في أورُبَّا

- ‌الفصل الثالث: أسبَابُ تَقبّل شعُوب الأمَّةِ الإسْلاميَّة لوافدات المذاهب الفكرية المعاصرة

- ‌الباب الثانيوَسَائِل التّضليل لِتَرويج الشِّعَارَاتوالآراء والمذاهب الفكرية المزيفة

- ‌الفصْل الأوّلالخطّة العَامّة

- ‌الفصْل الثانيالمغَالَطاتُ الجَدَليّة

- ‌الفصْل الثالثلعبَة تطبيْق المنهَج العِلْميّ الخاصْ بالجَبريّاتْعلى السلوك الإرادي عند الإنسان

- ‌القِسمُ الثاني مِنَ الكِتَابعَرض لأهَمِّ الشعَارات البرّاقة المزيّفّةوَلآرَاء وَمذاهبْ فكريّة معَاصِرة جزئيّةمُنبثقة في عُلوم مختلفة مع كشف زيوفها وتعريفْ بأئِمتهَا

- ‌الباب الأولمقدِّمات حَولَ اعتِمَاد العَقْل وَالعِلْم الإنسَانيبديلاً للدِّين

- ‌الفصْل الأوّلالعَقلَانيَّة

- ‌الفصْل الثانيالعِلمَانيّة

- ‌الباب الثانيافتِراءَات ترَوَّج ضدّ الدّين وَالأخلَاقوَالقَوانين وَالنُظم المنبثقة عَنْهما

- ‌الفصْل الأوّلفريَة التّنَاقض بَيْن العَقل وَالدّينوبَينَ العلم والدّين

- ‌الفصْل الثانيمَزاعِمُ المُضلِّين لِهَدْم أسُس الأخلَاقوأبنيتها وتطبيقاتها في المجتمع

- ‌البَاب الثَالثْخِدَاع الشِّعَارَاتالتي يتولد عنها في الرأي العام مسلمات خاطئات وموقف الإسلام من كلٍّ منها

- ‌المقدمة

- ‌الفصْل الأوّلالحُريّة

- ‌الفصْل الثانيالمُسَاوَاة

- ‌الفصْل الثالثالتقَدّميَّة والرَّجْعيَّة

- ‌الفصْل الرابعالاشتِراكيّة

- ‌الفصْل الخامِسْالوَطنيَّة وَالقَوميَّة وَالإنسَانيّةوموقف الإسلام من كلٍّ منها

- ‌البَاب الرَّابعْأئمّة وَمَذاهِبُ جُزئيّة في عُلُوم مختَلِفَة

- ‌الفصْل الأوّلفروُيْد وَمَدرَسَتُه في عِلْم النّفْس

- ‌الفصْل الثانيدَارْوين وَمَذهَبُ التطوُّر

- ‌الفصْل الثالثدوركايْم وَآرَاؤه في علْم الاجتِمَاعِ

- ‌الفصْل الرابعبرجْسُون وَآرَاؤهُ في نَشأةِ الدّين وَالأخلَاق

- ‌الفصْل الخامِسْسَارْتر وَآراؤهُ الفَلسَفيَّة في الوُجُوديّة

- ‌الفصْل السادسمْكيافيلّي وَفِكرَة: الغاية تبرر الوسيلة

- ‌الفصْل السّابعمَارْكوز وَآرَاؤهُ الثّوريَّةلإقامة ديكتاتورية حكم الأقلية الواعية

- ‌الفصْل الثامِنأوجسْت كونتْوَدين الإنسَانيّة

- ‌القِسمُ الثّالِث مِنَ الكِتَابأئِمة وَمَذاهِبْ فِكريّة معَاصِرَة كَبيرَة

- ‌البَابْ الأوَّلالماديَّة الإلحاديّة وَالماديّون

- ‌الفصْل الأوّلمقدّمات عامة

- ‌الفصْل الثانيأئمّة مَادِّيّون وَنُبّذٌ مِنْ آرَائهم الفَلْسَفيَّةِ الإلحَادية

- ‌الفصل الثالثأسُسُ الفِكْر المادّي الإلحَادي

- ‌الفصل الرابعكشفُ زيُوف أفْكار المادّيّين وَجَدَليَّتِهِم

- ‌الفصل الخامسعقوبَة العَذابْ النّفسِيّ للمُلْحِدينَ

- ‌الفصل السادسالمادية الجدلية في الكون والتاريخ الإنساني

- ‌الباب الثانيالنُّظمُ الاقتِصَاديّة المعَاصِرَة

- ‌الفصل الأولنظرة تاريخيَّة حَول المذاهبْ الوَضْعيَّةللنظم الاقتصادية

- ‌الفصل الثانيلمحّة مُوجَزَة حَول مَنهج دين الله

- ‌الفصل الثالثمقارنة بين المذاهب الاقتصادية

- ‌الفصل الرابعنظرات متفرقة

- ‌الباب الثالثالنّظمُ السِيَاسيَّة المعَاصِرَة

- ‌الفصل الأولنَظرَة تاريخيَّة حَولَ المذاهِبْ الوَضْعيَّةلِلنُظم السيَاسيّة

- ‌الفصل الثانيلمحَة مُوجَزَة حَول مَنهَجْ دين اللهِ للنّاسِفي شؤون الحكم

- ‌الفصل الثالثمقارنة بين النظم السياسية

- ‌الفصل الرابعمتفرقات

الفصل: ‌الفصل الأولفرويد ومدرسته في علم النفس

‌الفصْل الأوّل

فروُيْد وَمَدرَسَتُه في عِلْم النّفْس

(1)

من هو فرويد؟.

سيجموند فرويد، عاش ما بين (1856 - 1939م) . يهوديٌّ من أبوين يهوديين، نمساوي. هو مؤسس مدرسة التحليل النفسي. اشترك مع "جوزيف بروير" في علاج السهتريا بالنُّوام، مفسّراً أعراضها بأنّها تعبيرات عضوية عن صدمات مكبوتة، وصراعات نفسية لا شعورية ترجع إلى الطفولة.

ثمّ عمل منفرداً، وترك طريقة النُّوام، مستعيضاً عنها بطريقة التداعي الحرّ، مؤكداً أن الطاقة المسببة لأعراض الهستيريا التحوليّة هي طاقة جنسية.

حاول "فرويد" تطبيق آرائه في تفسير نشأة المجتمع، والدين، والحضارة وتطوّرها.

ص: 290

(2)

دوافع آرائه في التحليل النفسي:

هل دفعت القيادة اليهودية الخفية، ضمن خطّتها العامة، اليهوديّ الصهيوني "سيجموند فرويد" لوضع أفكارٍ وآراءٍ باسم "نظريات" في علم النفس، تهدم العقائد والأخلاق الدينية، وتخدم المخطّط اليهوديّ الخطير ضد شعوب الأرض جميعاً؟.

لقد علمنا أن هذا المخطط اليهودي يرمي إلى استغلال النوازع والغرائز والشهوات ونوازغ الشر في الإنسان، بغية هدم أبنية الفكر الديني، ونشر الإلحاد والإباحية، وإشاعة الفساد في الأرض، لأن ذلك يفضي حتماً إلى تدمير الأمم والشعوب، وسلبها مادّة قوّتها ونظام تماسكها، وهذا يمهّد -بحسب تصوّر شياطين اليهود- لقيام الدولة اليهودية العالمية، القابضة على ناصية كل خيرات الأرض، ونواصي الشعوب والأمم.

ومن النوازع الفردية التي جاء في المخطط اليهودي استغلالها، الأنانية المفرطة، وفكرة الحرية الفردية التي يراد لها أن تنطلق شرهة شرسة، وتتمرّد على كلّ ما يقيِّدها من دين، أو قانون، أو ضوابط اجتماعية، أو مبادئ أخلاقية.

وبتنمية الأنانية المفرطة، وإطلاق الحرّية الفردية، تنطلق الشهوات والغرائز البَهَميّة، كما تنطلق الوحوش المفترسة من أقفاصها، ومع الرغبة بانتهاب اللذات دون ضابط يتسابق الناس إليها، ويتنازعون عليها، ثمّ يتصارعون ويتقاتلون، وبذلك يتم تفتيت الشعوب والأمم، ويتحقّق إضعاف قواها، وتمكين عدوّها منها، وهو قابعٌ في مخابئه، يترقّب تساقطها صريعة، نتيجة صراعاتها فيما بينها.

(3)

مدرسة التحليل النفسي:

قالوا: يرجع لفرويد الفضل في تأسيس أول مدرسة للتحليل النفسي.

ص: 291

وموقفنا الإسلام من التحليل النفسي يمكن تلخيصه بما يلي:

* إننا لا ننكر أصل فكرة التحليل النفسي، وتأسيس مدارس له في علم النفس، ومتابعة الدراسات النفسية العلميّة، القائمة على الملاحظة والتجربة والإحصاءات الإنسانية، فذلك مما يدعو إليه واجب البحث العلمي الذي يمجّده الإسلام، ويرشد إليه القرآن.

* وقد حثّ القرآن على دراسة النفس، وتوجيه النظر الباحث إلى أعماقها، بغية التعرّف على صفاتها وعناصرها الداخلية الهادية إلى معرفة الربّ الخالق الذي أتقن كلّ شيء صنعاً، فقال الله عز وجل في سورة (الذاريات/51 مصحف/67 نزول) :

{وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} .

* وعرض القرآن طائفة كبيرة من صفات النفس، تشتمل على ثروة علمية عظيمة تهدي الباحثين من علماء النفس، ومنها بيان أنها أوتيت الموازين التي تميّز بها بين الخير والشر، فقال الله عز وجل في سورة (الشمس/91 مصحف/26 نزول) :

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} .

* وكان علماء التربية الإسلامية الذين قاموا بمهمّة تأديب جماهير المسلمين بآداب الإسلام، وتسليكهم مسالك الهداية، مهديّين بهدي دلالات كتاب الله وسنة رسوله أولَ من غاص إلى أعماق النفس الإنسانية، وحلّل دوافعها، واستطاع القَبض على أعنّتها، والسيرَ بها في طريق الأخلاق والآداب الإسلامية، والتساميَ بها إلى السلوك الأمثل، وإنقاذها من الأمراض والعقد المضنية لها، ونقلها إلى عالمٍ نفسيٍّ ربّاني تحيط به السعادة من كل جانب.

فليس التحليل النفسيّ في أصوله جديداً على الفكر الإسلامي، بل هو أحد دعامات المربيين الأخلاقيين المسلمين. إلا أنه كان تحليلاً نظرياً وتطبيقيّاً معاً، ومدفوعاً بدافع الإيمان بالله واليوم الآخر، وباحثاً عن السعادة الأبدية، غير ناسٍ نصيب الإنسان من السعادة الدنيوية. بَيْد أنّ بعضهم ربّما وقع في بعض أخطاء، بسبب عدم تقيّده من جانبي منهج الحقّ بحدود مفاهيم القرآن الصحيحة، وسنّة الرسول القولية والعملية، وما كان عليه أصحاب رسول الله الذين تأدّبوا في مدرسته الربّانية العظيمة.

* لكنّ التحليل النفسيّ الذي بدأه "فرويد" وأسس له مدرسة بحث، ساعده فيها عدد من تلاميذه اليهود وغيرهم، قد أقامه على أساسين فاسدين:

الأساس الأول: الإلحاد بالله، وإنكار الغيبيات، واعتبار الإنسان ظاهرة ماديّة فقط، بما فيه من فكر، ونفس، وحياة.

وهذا هو الأمر الأول الذي جعلته القيادة اليهودية السريّة دعامة الإفساد الأولى للمجتمع البشري.

الأساس الثاني: الإباحة الجنسية، وحثّ الإنسان على ممارسة رغباته الجنسية بحريّة تامّة، لا تقف أمامها قيود دينية، أو أخلاقية، أو عادات وتقاليد اجتماعية، أو أية ضغوط من أي جهة كانت.

وضمن المحافظة على هذين الأساسين انطلق "فرويد" في دراساته، ومعالجاته الطبّية النفسية، وكتابة أفكاره وآرائه في علم النفس، ووضعها في قوالب "نظريات" علمية.

فلم يكن "فرويد" باحثاً متجرّداً نزيهاً من أوّل طريق البحث، بل كان باحثاً يريد تدعيم أساسَيْهِ الفاسدين عن طريق البحث الذي قد يجد فيه ما يستطيع تزيينه، وضمّ بعضه إلى بعض، ليتخذ منه بناءً فكريّاً مزخرفاً، يوهم به صحة أساسَيْهِ الفاسدين، الموضوعين في خطة التضليل ابتداءً.

ولكنّ البحث العلمي - مهما كانت دوافعه - قد يشتمل على بعض عناصر جزئية، لو أخذت وحدها لكانت مفيدة في مجال المعرفة الصحيحة، بيد أنّ البناء الفكري الذي يقرره البحث، إذا أخذ جملة واحدة دون تمييز

ص: 292

ولا تمحيص، كان خطراً على المعرفة، ووبالاً على الحقيقة، وطمساً لمعالمها.

ومع معا قدّمته أبحاث "فرويد" من خدمات حسنة في مجال التحليل النفسي، إلا أن عناصر الضعف ظلت بارزة في أبحاثه، لأنه أراد لها أن تخدم أساسيه الفاسدين.

(4)

ما يهمنا مناقشته من آرائه وأفكاره في علم النفس:

1-

أقام آراءه وأفكاره - كما سبق بيانه - على الإلحاد بإنكار الخالق عز وجل، وإنكار الدين والأخلاق، واعتبار الإنسان كائناً ماديّاً ناتجاً عن تطوّر المادّة تطوّراً ذاتيّاً، فهو غير مكلّف من قوىً غيبيّة بمسؤولية، وغير متابع من قبلها بحساب ولا جزاء.

2-

وزعم "فرويد" أنّ كلّ سلوك الإنسان يرجع إلى دافع وحيد في كيانه منذ ميلاده حتى موته، ألا وهو الدافع الجنسي، فهو الدافع الوحيد في حياة الإنسان، وتتشكل ظواهره بأشكال كثيرة في سلوكه.

3-

لذلك ينبغي إعطاء الدافع الجنسي الحرّية المطلقة، ويجب عدم تقييده بأية قيود دينية، أو خلقية، أو قانونية ، أو أسرية، أو عادات وتقاليد اجتماعية.

وزعم أن مقتضيات الصحة النفسية تدعو إلى إطلاق هذا الدافع وعدم كبته.

4-

ادّعى أن كبت الدافع الجنسي هو المسؤول عن الإصابة بالأمراض العصبية في الناس ومنها الهستيريا، وأنّ كل مرض عصبي يمثّلُ اضطراباً في الوظائف الجنسية.

والكبت الجنسيّ من فعل المجتمع والدين والأخلاق والتقاليد، فهي التي تحول دون تنفيس الإنسان عن رغباته، وتكبت غرائزه.

ص: 293

ولكي نمنع العقد النفسية والاضطرابات العصبية يجب أن نزيل هذه الحواجز، ويمارس الإنسان تلبية رغباته الجنسية بأية وسيلة، حمايةً له من أن يكون عرضة للإصابة بمرض عصبي.

6-

اخترع قصّةً خرافيّة من عنده، زعم أنّها حدثت في تاريخ البشرية، وأنها كانت السبب في ظهور الدين والأخلاق والتقاليد، وأنّها ما تزال تؤثر في حياة البشرية من مخزونات ما وراء الشعور في النفس.

والقصة المختلفة هي أنّ الأولاد في العائلة القديمة شعروا بالرغبة الجنسيّة نحو أمهم، لكنّ أباهم كان حائلاً بينهم وبين تحقيق رغبتهم، فاجتمعوا عليه فقتلوه، ليستمتعوا بأمّهم، وكانت تلك أولى الجرائم التي ترتكب في السلالة الإنسانية.

قال: وأحسّ الأولاد بالندم على قتل أبيهم، فقدّسوا ذكراه، وتحوّل هذا التقديس إلى عبادة، ومن ذلك نشأت أولى العبادات التي عرفتها البشرية، وهي عبادة الأب.

ثمّ نزعت نفس كلّ واحد منهم للاستئثار بالأم، لكنهم وجدوا أنّه لن يتم ذلك ما لم يتقاتلوا، ولو فعلوا لَقَتل بعضهم بعضاً، فاتفقوا على أن لا يقربها أحدٌ منهم، فكان ذلك أول تحريم في العلاقات الجنسية، في تاريخ البشرية، وهو تحريم الأم.

وزعم أن كل الديانات والحضارات التي ظهرت في الناس، قد نشأت من ذلك الحدث الخطير، ونشأ الكبت من فكرة التحريم.

فالكبت منذ ذلك التاريخ هو طابع الحياة الإنسانية، بسبب وجود الدين والأخلاق والمجتمع وسلطة الأب، ونحو ذلك.

ص: 294

ويزعم أن كلّ الأطفال الذكور يصابون بعقدة "أوديب" في أول طفولتهم.

7-

أنكر الرؤى المنامية التي تستشفّ تنبُّؤات من الغيب، إذْ هو ينكر ما وراء المادة، فليس للنفس الإنسانية صلة بشيءٍ غيبي، أو بعلم غيبي، وما يطابق الواقع من ذلك فهو مصادفة.

وزعم أن كلَّ ما يراه الإنسان في منامه فهو أحلام تعبّر عن رغبات حبيسة مخزونة فيما وراء الشعور، وهذه الأحلام لا تستطيع أن تظهر في عالم الواقع لأنها مكبوتة بوجود حارس في باب "اللاشعور" متيقّظ كل التيقظ في حالة اليقظة.

وبما أنّ الكبت عند يرجع إلى الكبْت الجنسي، باعتبار أنّ الجنس في رأيه هو الدافع الوحيد في كيان الإنسان، فإنه يفسّر الأحلام تفسيرات تتصل بكبت الدافع الجنسي، وبكل ما يتصل بالجنس، وقَصَرَ الأحلام على بعض أنواعها، وأنكر الأحلام التي تنبئ عن أمور ستحدث في المستقبل.

8-

وحتّى لا تُرفضَ آراؤه في توحيدِ كلِّ الدوافع الإنسانية المختلفة بالدافع الجنسي، وهي دوافع يشعر بها الناس جميعاً في أنفسهم، وسَّع مفهوم الدافع الجنسي، وأطلق عليه كلمة "اللبيدو" وزعم أنه يشمل حياة الإنسان من الطفولة إلى الموت.

و"اللبيدو" في التحليل النفسي هو القدر المتغيّر كميّاً من الطاقة الجنسية، والذي لا يمكن قياسه، والذي يوجّه عادة إلى شيء خارجي، فهو يحتوي على تلك الدوافع التي تتعلّق بالحبّ بالمعنى الواسع، والمكوّن الرئيسيّ له هو الحبّ الجنسي، كما أنّ هدفه هو الاتحاد الجنسيّ.

إلا أنه يشمل أيضاً حبّ النفس، وحبّ الوالدين، والأطفال الصغار،

ص: 295

والصداقة، والتعلّق بأشياء واقعية، وحتى الإخلاص للأفكار المجرّدة.

ويرى "فرويد" أن "اللبيدو" يتحوّل من عناصر جنسيّة، إلى عناصر أخرى غير جنسية لها قيمة اجتماعية، وسمّى ذلك تصعيداً أو إعلاءً.

وبناءً على رأيه هذا فقد رد النشاطات الحضارية والفنية الإنسانية إلى أنها من آثار هذا الإعلاء لما أسماه "اللبيدو".

* * *

(5)

كشف الزيف:

ظهر لنا أن آراء "فرويد" الخاصة تنطلق من أساسين:

o الإلحاد بالله وإنكار الغيبيات واعتماد المادية.

o الدعوة إلى الإباحة الجنسية، تعلّلاً بما زعمه كبتاً جنسيّاً، وبما يولّده هذا الكبت من أمراض عصبية.

أما الإلحاد والمادّية فموضوع له في هذا الكتاب بحث خاصٌّ به، فلا داعي للاشتغال به هنا.

وبقي موضوع الإباحة الجنسية، ومزاعم تبريرها بأنها تحمي من إصابة الإنسان بالكبت، الذي قد يولّد لديه أمراضاً عصبية، وموضوع إنكاره قسم الرؤى التي قد تَسْتَشِفُّ تنبّؤات من الغيب، إذا مكّن الله النفس الإنسانية من ذلك، حين يكون نائماً.

أولاً: أمّا زعم "فرويد" انحصار دوافع الإنسان بالدافع الجنسي فقد تولّى تفنيده والردّ عليه وتزييفه علماء النفس في نظرياتهم.

وأما دعوته الملحّة إلى الإباحية الجنسية، حماية للنفس من الكبت وآثاره المَرَضِيّة، التي عظّم من أمرها وهوّل، واعتبرها من الأخطار الجسيمة، التي لا تستقيم الحياة الإنسانية إلا بالتخلص منها، فزيف آرائه فيها شديد الظهور:

ص: 296

* لقد كشف زيفها واقع الإباحية الجنسية التي أخذ بها الغرب المادّي، والشرق الشيوعي المادي، فلم تنفع شعوبها شيئاً للتخلص من أمراضها النفسية القديمة، بل زادتها أمراضاً فوق أمراض، وآلاماً فوق آلام.

إن الأمراض النفسية، والعقد النفسية، غدت من العلامات البارزة والعلل المتكاثرة، في البيئات الاجتماعية التي يكثر فيها الإلحاد، وتزداد فيها الإباحية الجنسية.

* من أجل حماية الإنسان من الإصابة بالمرض العصبي، الذي قد يحدث عند نسبة قليلة جدّاً من ذوي الكبت، تجاهل ما تجلبه الفوضى الجنسيّة من أمراض خطيرة جداً، تنتشر في المجتمع البشري، وهي لا تنتشر إلا عن طريق الاتصالات الجنسيّة غير المشروعة، كمرض الزهري، ومرض الآيدز.

وتجاهل ما تجلبه الفوضى الجنسية من مضارّ اجتماعيّة خطيرة، كاختلاط الأنساب، وفقد الرابطة الأسرية الحقيقية.

وتجاهل ما تجلبه الفوضى الجنسية من قلق نفسيّ، وذلك لأن السكينة النفسية، التي يجلبها الزواج الشرعي المصون، تنعدم بالفوضى الجنسية، ويحل محلّها القلق والتوتر وعدم الارتياح.

* يضاف إلى كل ذلك ما في الإباحية الجنسية من معصية للرب الخالق عز وجل، فالزنا عمل اتفقت على تحريمه الشرائع الربانية كلها.

فوائد الضبط الجنسي في الإسلام:

أمّا الإسلام بشريعته الربّانية الحكيمة، فقد ضمن للمسلم الملتزم بتنفيذ أحكامها سعادة الآخرة وسعادة الحياة الدنيا:

ص: 297

* لقد ضمن له سعادة الآخرة بطاعة الله.

* وحماه في الحياة الدنيا من الكبت المضرّ، إذ حثه على الزواج، وحضّ المجتمع الإسلامي على أن يهيّء له سبله.

* وحماه من الفوضى الجنسيّة الناشرة لأمراض وخيمة، والمسببة لأمراض ومضارٍ اجتماعية خطيرة.

* وهيّأ للمسلم ظروف الأمن والطمأنينة النفسية السعيدة بأمرين:

الأمر الأول: الإيمان بالله، والاعتماد عليه، والاستعانة به، والطمع بثوابه، والخوف من عقابه، والتطلع للعمل بمراضيه.

الأمر الثاني: التربية الخلقية، التي تغرس في نفس المؤمن المسلم فضائل الأخلاق، ومحاسن الآداب، والاستقامة في السلوك على صراط الله.

ومنهج الإسلام في موضوع الدافع الجنسي يشتمل على عنصرين:

العنصر الأول: الحثّ على الزواج، ففي الزواج الضبط، وتلبية الدافع الجنسي بأفضل الصور وأسلمها.

العنصر الثاني: حياة المسلم من الكبت ومن آثاره حين لا يتهيّأ له الزواج المشروع، وعماد هذه الحماية الأمور التالية:

1-

الثقة بحكمة الله في قضائه وقدره، والتسليم الكامل لمقاديره، والأملُ بالثواب العظيم على العفة والصبر عن المعصية.

فمن شأن هذا الأمر أن يمنح نفس المؤمن المسلم لربه الطمأنينة والرضى.

2-

التصعيد، ويكون بتوجيه النفس لعبادة الله ، وفعل الخير، وتوجيه الإرادة لكل أمرٍ سامٍ يصرف همّةَ النفس وطاقاتها إلى الفضائل.

3-

معالجة الجسد، بتخفيف مثيرات الجنس فيه، كالصيام.

ص: 298

4-

إبعاد المسلم عن المثيرات، بما جاء في أحكام الإسلام من أوامر الستر، وكفّ البصر، ومنع الاختلاط.

لذلك لا نجد الكبت ولا نتائجه المَرَضِيَّة عند المسلمين المطبقين لتعاليم الإسلام، وإنما قد نجده عند غيرهم.

ونجد أخطر من الكبت ونتائجه عند الذين تحللوا من ضوابط العفة، وانطلقوا في أودية الفوضى الجنسية على ما يشتهون، ونجم عن إطلاقهم سُعارُ شبقٍ قذِر في أيّام فتوّتهم، وقد يستمر حتى شبابهم، ثمّ مهانة برود وضعف في أيّام كهولتهم وما بعد ذلك، وقد يحدث ذلك في أيَّام شبابهم.

يضاف إلى ذلك ما شاع في بلاد هذه الفوضى الجنسية من أمراض جنسية ونفسية واجتماعية خطيرة، كانت نتيجة هذه الفوضى، وهي لم تكن في أسلافهم.

فمن أجل درء خطر المرض النادر الذي يمكن تفاديه، باتباع أحكام الإسم ووصاياه، أسقطت أفكار الكبت والإباحية الفرويدية كثيراً من مجتمعات شعوب الأرض المختلفة، لا سيما الغرب المادي، والشرق الشيوعي المادي، في صنوف كثيرة من الآلام الفردية والاجتماعية.

وكان ذلك من العقوبات المعجلة التي جعلها الله عز وجل ضمن سننه في هذه الحياة الدنيا.

أما العقوبات الأخروية فهي أشدّ وأقسى، ولعذاب الآخرة أشقّ لو كانوا يعلمون.

* * *

ثانياً: وأمّا إنكاره الرؤى المنامية التي هي من الله، وتستشف النفس بها تنبُّؤات من الغيب، فالكلام حوله من وجهين:

الوجه الأول: ما تدل عليه ظاهرة هذه الرؤى الموجودة لدى معظم الناس قديماً وحديثاً، وانطباق كثير منها على الواقع المستقبلي الذي أنبأت

ص: 299

عنه، إذا كانت ذات دلالة تنبئ عن أمر سيقع في المستقبل.

إن وجود هذه الظاهرة، وتكررها في الناس، في كلّ عصر، وفي كل أمّة، لا يفسّر بأنه مجرّد مصادفة، كما زعم "فرويد".

يضاف إلى ذلك أن بعض أهل تعبير الرؤيا قد يدركون دلالاتها قبل وقوعها إدراكاً ظنياً، ثمّ تتحقق تعبيراتهم، ويصّدق الواقع إدراكهم الظنّي. ثمّ إن كثيراً من الناس يسترجعون ذكريات الرؤيا ويدركون دلالتها بعد تحقق ذلك في الواقع، فحين تقع ينكشف لهم أنها كانت أنباءً استشفها النفس من وراء حجب الغيب بإذن الله.

والرؤى المنامية قد تكون دلالتها واضحة صريحة، وقد تكون دلالتها إشارية أو رمزية، أو مقلوبة الصورة، أو عكسها، أو ضدّها، أو مثال نفسية الذي دلّ عليه المرئي.

ولكثرة ما نلاحظ من قصص الرؤى التي يحكيها الناس، ويذكرون انطباقها على ما جرى لهم في حياتهم بعد رؤيتها لهم والتجارب الشخصية الكثيرة في ذك، نكاد نؤكد أن معظم الناس قد مرّ في حياتهم رؤيا منامِيَّة أو أكثر انطبقت فعلاً على ما جرى لهم بعدها.

والرؤى التي تنبيء عن أمور ستحدث، ثمّ تقع بعد ذلك، هي بمثابة برهان من الله على قضائه وقدره في عباده وعلى شمول علمه، وهي تدل على أن عالم الغيب حقيقة.

وما يدل على ثبوت القضاء والقدر السابق أو وجود علم سابق بما سيحدث، يهدي إلى الإيمان بالله، ثمّ إلى الإيمان بما جاء من عند الله في كتبه، وفي بيانات رسله.

وهذا النوع من الرؤى، قد يُعين الله به الشاكّين في الله، وفي قضائه وقدره وعلمه الشامل، إذ يكون لهم دليلاً على ذلك، فتطمئن قلوبهم بالإيمان، وبأن عالم الغيب حقيقة.

ص: 300

الوجه الثاني: ما جاء في البيانات الدينيّة حول الرؤى المنامية:

1-

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله:

" لم يبق من النبوّة إلا المبشرات" قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة" - رواه البخاري.

وعن عطاء بن يسار أنه قال: جواباً لسؤالهم "الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو تُرى له" - رواه مالك.

2-

وعن أبي قتادة، قال: قال رسول الله:

"الرؤيا الصالحة من الله، والحُلْم من الشيطان، فإذا رأى أحدُكم ما يُحبُّ فلا يُحدِّثْ به إلا من يُحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً، فإنها لن تضره ". رواه البخاري ومسلم.

3-

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله:

"إذا اقترب الزمان لم يكد تكذب رؤيا المؤمن، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وما كان من النبوة فإنه لا يكذب ".

قال محمد بن سيرين: وأنا أقول: الرؤيا ثلاث: حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من الله، فمن رأى شيئاً يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم فليصلّ. رواه البخاري ومسلم.

4-

وعن جابر قال: جاء رجلٌ إلى النبي فقال: رأيت في المنام كأنّ رأسي قطع. قال: فضحك النبي وقال: " إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدّث به الناس" رواه مسلم.

5-

وعن ابن عمر، أن رسول الله قال:" مِن أفرى الفِرَى أن يُريَ الرجُلُ عينيه ما لم تَرَيا" رواه البخاري.

أي: من أكذب الكذب المفترى، أن يدعي الإنسان أنه رأى في منامه شيئاً، وهو لم ير ذلك الشيء.

ص: 301

6-

وعن ابن عبّاس عن النبي قال: " من تحلّم بحُلْم لم يَرَه، كُلّف أن يَعْقِدَ بين شعيرتين، ولن يَفْعل".

وفي رواية عند الإمام أحمد: "عُذّب حتى يعقد بين شعيرتين وليس عاقداً".

أي: كان عذابه يوم القيامة أن يكلّف أن يعقد بين شعيرتين، فإن لم يستطع عُذّب، وهو لن يستطيع ذلك، والسبب في ذلك أن الكذب في الرؤى المنامية فيه طرف من الكذب على الله، لأن الرؤيا الصالحة من الله، كما ثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن قتادة عن النبي.

7-

وعن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "الرؤيا ثلاث: فرؤيا حق. ورؤيا يحدث الرجل بها نفسه. ورؤيا تَحْزِين من الشيطان". أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

وذكر ابن حجر في الفتح أنّ الحصر في هذه الأنواع الثلاثة غير مراد، لثبوت أنواع أخرى ذكر منها ما يلي:

o ما يهمّ به الرجل في يقظته فيراه في منامه.

o تلاعب الشيطان.

o رؤيا ما يعتده الرائي في اليقظة، كمن عادته أن يأكل في وقت، فنام فيه فرأى أنه يأكل.

o ومنها الأضغاث، وهي الأخلاط المجتمعة، كحزم الحشيش التي فيها أصناف مختلفة.

فأنواع الرؤيا التي وردت في السنَّة سبعة:

النوع الأول: الرؤيا الحق، التي هي من الله، والتي هي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة، ووصفت بأنها الرؤيا الصالحة، وبأنها بشرى من الله.

النوع الثاني: الرؤيا التي يُحدّث الإنسان بها نفسه.

ص: 302

النوع الثالث: الرؤيا التي هي حُلْمٌ، وفيها تحزين من الشيطان، وتنذر به بشرّ، والسنة ترشد المسلم أن يتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، إذا رأى شيئاً منها، وأن يتفل ثلاثاً عن شماله، وأن لا يُحدّث بها أحداً.

النوع الرابع: ما يهمُّ به الرجل في يقظته فيراه في منامه.

النوع الخامس: تلاعبٌ يتلاعبه الشيطان بالإنسان، وهو لا دلالة له، والسنّة أن لا يحدّث المسلم بها أحداً.

النوع السادس: رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة.

النوع السابع: رؤيا الأضغاث.

وأرى أن بعض هذه الأنواع التي ذكرها ابن حجر قد تتداخل.

8-

وقد ثبت في الصحيح أن أوّل ما بُدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم.

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح". رواه البخاري.

9-

وقد أثبت القرآن العظيم الرؤى في نصوص متعدِّدة، فمن أنكرها فهو في حكم الإسلام كافر لا محالة.

أ- فمنها رؤيا يوسف وهو غلام، وقد عرضتها سورة "يوسف" قال الله تعالى فيها:

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ ياأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} .

وقد تحققت فيما بعد هذه الرؤيا.

ب- ومنها ما رآه رفيقا يوسف عليه السلام في السجن، وتعبير يوسف عليه السلام

ص: 303

لهما رؤيَيَاهُما، وتحقق تعبيره كما عبّر.

جـ- ومنها ما رآه فرعون مصر في عهد يوسف وهو في السجن، إذْ رأى سبع بقرات سمان يأكلهنّ سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، وتعبير يوسف عليه السلام هذه الرؤيا، ثمّ تحققها كما عبّر.

د- ومنها الرؤيا التي رآها الرسول أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام، فلمّا صُد عام الحديبية عن البيت طعن المنافقون في ذلك وقالوا: أين رؤياه، فأدخله الله مكة في العام التالي، وأنزل قوله في سورة (الفتح/48 مصحف/111 نزول) :

{لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}

فهذه الآية تدل على أن الرؤيا الحق هي من الله، لقوله تعالى:{لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} .

فالتكذيب بالرؤى التي هي من الله إنكار لحقيقة من الحقائق الكونية، التي هي من سنن الله في خلقه، وإنكار لظاهرة إنسانية موجودة في الناس في كل عصورهم، وكلّ أجناسهم وعقائدهم ومذاهبهم.

وآراءُ فرويد وكلّ الماديين الذين ينكرون الغيبيات حول تفسير ظاهرة الأحلام، هي من قبيل حصر هذه الظاهرة ببعض أنواعها، وآراؤهم في هذا نابعة من إنكارهم للروح، ولكلّ ما وراء المادّة من قوى، وإنكارهم لله عز وجل، ولقضائه وقدره، ولعلمه الشامل لما كان، ولما هو كائن، ولما سيكون في المستقبل، وقصر تفسيراتهم للظواهر على التفسيرات الماديّة التي تتناول الماضي والحاضر فقط.

لقد أنكروا الوحي الرباني الذي اختص الله به أنبياءه ورسله، ودلّت المعجزات الباهرات عليه، وكان الوسيلة لتبليغ دين الله الذي اصطفاه الله لعباده، أفلا ينكرون الرؤيا الصالحة التي هي جزء من ستة وأربعين جزءاً

ص: 304

من النبوة، كما جاء في الصحيح من كلام الرسول.

لقد انقطعت النبوات بعد بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد، ولم يبق منها إلا المبشرات، وهي الرؤيا الصالحة، يراها المسلم لنفسه، أو يراها غيره له.

إن النبوة لا تتحقق في الإنسان الذي يصطفيه الله بها، ما لم تتوافر فيه خصائص تصله بعالم الغيب، وبالوحي، مجموعها ستة وأربعون جزءاً، والرؤيا الصالحة الصادقة جزء واحد من هذه الأجزاء، فهي ليست نبوة، لكن تنبيء عن استعداد في تكوين الإنسان بمقدار جزءٍ من ستة وأربعين جزءاً، وأنى له أن يستكمل سائر الأجزاء، ولو استكملها فلا يكون نبياً إلا بالاصطفاء الرباني.

ولست أدري هل توجد علاقة بين هذا العدد (46) الذي ذكره الرسول وبين عدد كروموسومات الإنسان التي هي (46) كما يقرر علماء الأحياء، وهل الاستعداد الذي يجعل الإنسان مؤهلاً لاستقبال الرؤيا الصالحة التي هي من الله، هو من جهة كروموسوم واحد من كروموسوماته الـ (46) أما النبي فاستعداده يكون من كل كروموسوماته؟.

موضوع يدعو إلى التساؤل، وقد يكشف البحث العلمي في المستقبل ما يؤكد صحة هذه العلاقة، والله أعلم.

* * *

نظرة نقدية إلى آراء فرويد في علم النفس بمنظار النقد المعاصر:

إذا تجاوزنا كلّ ما سبق، ونظرنا إلى آراء فرويد الخاصة نظرة موضوعيّة غير متحيّزة، فإننا نجدها منتقدة ومتخلّفة جدّاً في مجال الدراسات النفسية المعاصرة.

أمّا فكرة تحليل دوافع الأنفس إلى السلوك فهي فكرة إنسانية قديمة، وليست هي بحد ذاتها من مبتكرات "فرويد". إلا أن هذا الرجل قد أفرط في السبح الخيالي في تحليل تصرفات الإنسان، إفراطاً حشد فيه أوهاماً

ص: 305

وفرضيات أقرب ما تكون إلى التخريف المطلق منها إلى الدراسة العلمية الموضوعيّة.

بيد أنه باتجاهه ودراساته نبّه الباحثين النفسيين إلى البحث الموضوعي في مجال التحليلات النفسية، حتى تكونت مدارس التحليل النفسي في عالم العلم، وأصبحت مدرسة "فرويد" اليهودية في نظر العلماء بدائيّة ومتخلّفة جداً.

والسبب في هذا أن "فرويد" قد كان مسخراً أساساً لمحاربة الأديان، وتهديد القيم الخلقية والاجتماعية، وقد فرضت عليه الخطة اليهودية العالمية أن يضع نظريةً تتستر بالعلم لتحقيق هذه الغاية، فاستخدم التحليل النفسي طريقاً إلى ذلك.

كما استخدم غيرُه من اليهود طرقاً أخرى تحت ستار البحث العلمي، لتحقيق الغاية نفسها.

وطبيعيٌّ في الدراسة العلمية الموجهة أساساً لإبطال حقيقة من الحقائق، أن تكون مُكرهةً على أن تصوغ أفكاراً تجمع في ثناياها بعض الحقائق للتمويه، وأن تحشر تخيّلات وأوهاماً وافتراضات لا سند لها من الواقع.

كمثل القصور التي يقيمها الممثلون في مسارح التمثيل، لها زوايا صلبة، خشبية أو حديدية، أما الجدران وسائر البناء فأوراق ملوّنة مصبوغة، أو أقمشة مصبوغة بلون حجارة البناء، فهي في حقيقتها وهم وخداع تمزّقه أية يدٍ تمتدّ إليه بالفحص.

وأقتبس هنا نقداً موضوعياً لمدرسة "فرويد" مما كتبه صديقنا الدكتور "عبد الحميد الهاشمي" وهو نقد مؤلف من النقاط التالية:

1-

إن آراء "فرويد" هي أولاً وقبل كل شيء أفكار افتراضية، وليست من الحقائق النفسية أو المبادئ العلمية التي أثبتتها التجارب، أو صدّقتها الملاحظة العلمية.

ص: 306

فليس لآراء "فرويد" تلك الهالة التي حاول بعض مناصريها أن يلبسوها ثوب الحقائق العلمية، فبعض الجهات العالمية تحاول أن تحيطها بالدعاية لتحقيق أهداف لها تنتج عن ترويجها والإقناع بها.

2-

تعتبر آراء "فرويد" امتداداً لفلسفة أفلاطونية، إلا أن أفلاطون كما هو معروف في فلسفته كان يحاول أن يسير بالنفس الإنسانية نحو المثالية، أما "فرويد" فقد تشبّث - كما يقول تلامذته- بالدافع الجنسي، ليظلّ هو الدافع، والوسيلة، والغاية.

والواقع أن الصحة النفسية إذ تسعى للإشباع الشرعي المعترف به، فإنها تدعو إلى الضبط والاتزان، لأن الحقيقة العضوية (الفسيولوجية) والنفسية تؤكد أن الإشباع الفوضوي المطلق يزيدها تفتّحاً، وتصبح الشغل الشاغل، ومن أجل هذا فالصحة النفسية في مناهجها التكوينية، والوقائية، والعلاجية، دعت إلى التسامي والإبدال، بجانب دعوتها إلى الإشباع المشروع.

3-

لقد اعتمد "فرويد" في آرائه على الحالات الشاذة المرضية التي كان يعالجها في مرضاه، ويكمن الخطأ العلمي في التعميم الذي أطلقه "فرويد" إذ أخذ يفسر السلوك المتزن العادي لدى الأسوياء في ضوء ما عاينه من السلوك الشاذّ عند المصابين.

وهذه النقطة أخذها عليه زملاؤه وتلامذته في العلاج النفسي، وانفصلوا بها عن جماعته، ثمّ عارضوا آراءه وأفكاره بآراء وأفكار أخرى عُرفوا بها.

4-

تأثره بالأساطير اليونانية واضح.

5-

يعلّق "روبرت ودورث" على أفكاره وآرائه بقوله:

"ولو بحثت عن رأيي الشخصي في "سيكولوجيا" فريود، لكان علي أن أقول: إنني لا أؤمن بأن يكون مذهبه صحيحاً بأي معنى مطلق. ولا أن يوضع في مصاف النظريات العلمية الكبرى، التي تربط المعرفة الراهنة.

فإنها بكائناتها وثناياها تبدو متخلّفة أكثر منها ناظرة إلى الأمام".

ص: 307

وإذا عملنا أن البروفسور "روبرت ودورث" يعتبر من رواد علم النفس الحديث فيما بعد الحرب العالمية الأولى في كتبه الكثيرة عن علم النفس التجريبي، وعلم النفس الديناميكي، ورياسته لعلم النفس في لجنة البحث القومي الأمريكي، ولهيئة علماء النفس الأمريكيين. إذا علمنا ذلك أدركنا أن آراء فرويد تمثل في تطوّر الدراسات النفسية مرحلة بدائية متخلّفة، لا ينبغي الوقوف عندها في مجال علم النفس الحديث.

6-

إن آراء فرويد وأفكاره تعكس الحياة المتناقضة الشاذة للمجتمع الغربي، بعد النهضة الصناعية المادية، وانتشار الاختلاط المطلق، وشيوع الإباحية بشتى أسمائها وسماها، نتيجة الترف والغرور الأوروبي، في عنفوان العهد الاستعماري.

فكانت آراؤه وأفكاره انعكاساً أو تبريراً للواقع الشاذ، وليست دراسة علمية دقيقة تنظر إلى المشكلة من جميع أسسها.

7-

والخطأ العلمي الكبير أن آراء "فرويد" تحاول تفسير السلوك الإنساني بنظرة جانبية جزئية، إذ حاول فرويد أن يحدد السلوك الإنساني بدافع الجنس.

ولقد قام لمناهضة هذا التفسير الجانبي والمتحيز عدة علماء نفسيين، لهم وزنهم العلمي حتى يومنا هذا غير من تقدم ذكرهم.

ولعل أعظمهم في ذلك "وليم مكدوجل" الذي ناهض هذا التفسير الضيق والمتحيز في كتابه "تخطيط علم النفس" سنة (1923م) وفيه يرُدّ على كلٍّ من "فرويد" و"يونج" و"كارل" لتحديدهم دوافع السلوك البشري، بدافع واحد، أو اثنين.

ص: 308

أما "مكدوجل" فقد ذكر عدة دوافع سماها غرائز، وقد أوصلها بعد عدة تعديلات إلى عشرة غرائز أو تزيد، منها غريزة الأبوّة في حماية الصغار، وغريزة المقاتلة مع انفعال الغضب، وغريزة الهروب من الخطر مع انفعال مصحوب بالخوف، وغريزة حب الاستطلاع، وغريزة تقدير الذات مع الشعور بالتفوق، وغريزة البحث عن الطعام، وغريزة التجمّع مع الشعور بالعُزْلة. وغيرها من الغرائز.

8-

في آراء "فرويد" المتحيزة نحو التفسير الجنسي، دافعاً لكل سلوك، يتجلى التفكير اليهودي، الذي اشتهر به اليهود منذ أيامهم الأولى، في اتهامهم لبعض أنبيائهم، وفي معاملتهم للأمم التي عاشوا معها، وهو تحيّز مقصود ومخطّط، خدمة للسياسة اليهودية العالمية بعيدة المدى.

(6)

مع المتتبعين لهويّة "فرويد" وأهدافه:

1-

أثبت المتتبعون لفرويد: أنه يهودي متعصب ليهوديته. وأنه صديق حميم لليهودي "تيودور هرتزل" مؤسس الصهيونية الحديثة. وأن التحليلات النفسية التي قدمها تحت ستار الدراسة العلمية المتجردة إنما صاغها على الوجه الذي قدّمها به، ليخدم القضية اليهودية الصهيونية في العالم. وأن الإلحاد الذي أعلنه لم يكن إلا رداءً ظاهرياً ليفتن المنتمين إلى دين غير اليهودية عن أديانهم، فيكونوا ملحدين، وهو في حقيقة وجدانه يهودي متمسك بيهوديته شديد التعصب لها، وصهيونيٌّ يخدم عن طريق دعاوى البحث العلمي المتجرد أغراض الصهيونية.

2-

ومن الذين تتبعوا "فرويد" تتبعاً واسعاً "د. صبري جرجس" في كتابه: "التراث اليهودي الصهيوني والفكر الفرويدي".

لقد وضع هذا الباحث أصابعه على كثير من آراء "فرويد" المقتبسة من جذور التراث اليهودي الصهيوني.

ص: 309

وأوضح في كثير من المناسبات ما يجعل كثيراً من آرائه محلاً للريبة، أو الجزم بأنه إنما وضعها لخدمة أغراض اليهودية العالمية، ولم يضعها على أساس دراسات علمية متجرّدة، ثمّ حملت الدعايات اليهودية العالمية آراءه، وروّجت لها في جميع الأوساط العلميّة والثقافية.

ثمّ وضع اليهود كل ثقلهم الكيدي في العالم لجعل آراء "فرويد" معارف علمية تدرّس في الجامعات في الغرب والشرق، على أنها فتح في ميادين العلم، وذلك ضمن الخطط اليهودية المرسومة ضد شعوب العالم، ولمصلحة الشعب اليهودي فقط.

ثمّ رفعت وسائل الإعلام اليهودية العالمية "فرويد" إلى منزلة غير عادية.

وحمله ملاحدة مختلف الشعوب على رؤوسهم، وداروا به في أرجاء الأرض تمجيداً وإكباراً.

3-

يقول "فرويد" عن نفسه:

"ولدتُ في 6 مايو 185م، في مدينة "فريبور" بمقاطعة "مورافيا" بجمهورية تشيكوسلوفاكيا الحالية، وقد كان والداي يهوديين، وظللت يهودياً أنا نفسي".

4-

وتقول "شويزي"، وهي محللة نفسية من خاصة "فرويد" وذات معرفة به، وصلة وثيقة:

" إن إلحاد فرويد لم يكن إلا إلحاداً زائفاً، لأنه تركه بعد ذلك، متشبثاً باليهودية الصهيونية، وفياً لها، سائراً في طريقها، منفذاً لمخططاتها ".

5-

وقد انخدعت بمكيدته مدارس كثيرة من مدارس التحليل النفسي، وزعمته باحثاً حيادياً، ومكتشفاً مبدعاً في مجال دراساته التي قدّمها، وكان للعصابة اليهودية التي انتمت إلى مدرسته أثر عظيم في الترويج لأفكاره وآرائه، وكان من ورائه أجهزة الإعلام اليهودية المنبثة في العالم.

ص: 310

6-

وإذ كان "فرويد" يهودياً في أعمق وجدانه، كان شديد الحساسية لأية بادرة يشتبه في اتجاهها المضاد لليهود.

وقد كانت استجابته لجميع هذه المواقف عنيفة أشد العنف.

وعلى الرغم من أنه لم يتعرّض في حياته لأي اضطهاد من أجل يهوديته، إلا أنه كان يشعر بالاضطهاد في داخل نفسه من أجل كونه يهودياً، لذلك كان ينطوي على نفسه، وداخل دائرة من أصدقائه، وكلهم من اليهود، وكان لا يأنس إلى صديق ولا يطمئن إليه إلا أن يكون يهودياً.

ونقل عنه "جونز" مؤرخ سيرته أنه قال ذات مرة: "إنه يهودي، وليس نمساوياً أو ألمانياً".

وتساءل "ماكس جراف" أمامه ذات مرة، عما إذا كان من الخير أن يوجه اليهود أبناءهم لاعتناق المسيحية إذا اقتضى الأمر ذلك، فإذا بفرويد يعترض شدة قائلاً:

" إذا لم تنشيء طفلك على أنه يهودي، فسوف تحرمه من مصدر طاقة لا يمكن أن يُعوّض بشيء آخر، إن عليه وهو يهودي أن يكافح، ومن واجبك أن تنمّيَ في نفسه كل الطاقة اللازمة لذلك الكفاح، فلا تحرمه من هذه الميزة".

7-

وأكّد "د. صبري جرجس" أن "فرويد" كان صهيونياً، وصديقاً لهرتزل، مؤسس الصهيونية الحديثة. وأنه كان عضواً في بعض المنظمات الصهيونية العاملة.

فمن الحقائق المعروفة أنه انضم إلى جمعية "بناي برث" الصهيونية، أي: جمعية أبناء العهد. وكان انضمامه إليها سنة (1895م) وهو في التاسعة والثلاثين من عمره، وهذا الجمعية لا تقبل في أعضائها غير اليهود، وقد صرّح رئيس وفد هذه الجمعية الأمريكي الجنسية، في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد بمدينة "بال" في "سويسرا" عام (1897م) بقوله:

ص: 311

" علينا أن ننشر روح الثورة بين العمّال، وهم الذين سندفع بهم إلى خطوط دفاع العدو، موقنين بأنه لا نهاية لرغباتهم، ونحن بأمسّ الحاجة إلى تذمّرهم، لأنه السبيل إلى تخريب المدنية المسيحية، والوصول سريعاً إلى الفوضى فيهم، ولسوف يحين الوقت سريعاً الذي يطلب فيه المسيحيون أنفسهم إلى اليهود أن يتسلموا السلطة".

8-

وحين بلغ "فرويد" من العمر سبعين سنة، أقامت له "جمعية بناي برث" الصهونية حفلاً لتكريمه بهذه المناسبة، ولم يحضر "فرويد" هذا الحفل، لكن أناب عنه طبيبه الخاص البروفيسور "لدفيج براون" الذي ألقى كلمة فرويد فيه، وقد جاء في كلمته ما يلي:

"

إن كونكم يهوداً لأمر يوافقني كل الموافقة، لأني أنا نفسي يهودي، فقد بدا لي دائماً أن إنكار هذه الحقيقة ليس أمراً غير خليق بصاحبه فحسب، بل هو عمل فيه حماقة إيجابية، إنه لتربطني باليهودية أمور كثيرة، تجعل إغراء اليهودية واليهود أمراً لا سبيل إلى مقاومته.

قوىً انفعالية غامضة كثيرة، كلما زادت قوتها تعذّر التعبير عنها في كلمات، بالإضافة إلى شعور واضح بالذاتية الداخلية

وهكذا وجدت نفسي واحداً منكم أقوم بدوي باهتماماتكم بالإنسانية والقومية، واكتسبت أصدقاء من بينكم، وحثثت الأصدقاء القليلين الذين تبقّوْا لي على الانضمام إليكم

".

9-

وكان "فرويد" عضواً فخرياً في منظمة "كاديما". وهي منظمة صهيونية معروفة، ولما اكتفى بالعضوية الفخرية بالنسبة إلى هذه المنظمة، دفع أحد أبنائه ليكون عضواً عاملاً فيها.

(7)

استغلال مدرسة التحليل النفسي لخدمة المخططات اليهودية:

يلاحظ المتتبعون نتاج مدرسة "فرويد" في التحليل النفسي، أن "فرويد" وتلاميذ مدرسته اليهود خاصة قد استغلوا طريق التحليل النفسي،

ص: 312

لخدمة المخططات اليهودية، والحركة الصهيونية العالمية.

فمن ذلك ما استغلوه في موضوع معاداة السامية، وهي الفكرة التي حمل اليهود شبح التخويف منها في الغرب، لإسكات كل لسان يمكن أن يتحرك في انتقاد اليهود، ولإيقاف كل مقاومة تتوجه لصد مكايدهم وتحركاتهم المريبة في السياسة، أو في الاقتصاد، أو في الإعلام، أو في مجالات العلم والثقافة، أو في غير ذلك من مجالات.

أما دور "فرويد" وتلاميذ مدرسته في هذا المجال، فقد كان يعتمد على طريقة التحليل النفسي، لتزييف الواقع والحقيقة، وتمجيد اليهود، وخدمة الصهيونية.

ولفرويد أقوال صريحة وواضحة في هذا المجال، وله تحليلات يزيّنها وفق أهوائه الخاصة، وقد ذكرها في كتابه "موسى والتوحيد".

وممّا ذكر "فرويد" في تحليلاته: أن أسباب كراهية الأمم لليهود كثيرة، واعتبر أنها ترجع إلى صنفين:

الصنف الأول: ظاهر وليس بعميق، وذكر من هذا الصنف سببين:

الأول: كون اليهود غرباء عن الأوطان التي يقيمون فيها.

الثاني: كون اليهود أقلية، لأن الشعور الجماعي كي يكون كاملاً فيما يقرّر، يقتضي توجيه العداء نحو الأقلية.

الصنف الثاني: ما أسماه "فرويد" بالأسباب العميقة، وزعم أنها ترجع إلى الماضي السحيق، وأنها منبعثة في النفس من اللاشعور، وهي في رأيه تتلخص فيما يلي:

1-

غيرة الشعوب الأخرى من اليهود، لأنهم آثرهم عند الله، بوصفهم أكبر أبناء الله.

2-

تمسُّك اليهود بعادة الختان.

3-

أن الشعوب غير اليهودية لما تركت وثنياتها الأولى تحت قوّة

ص: 313

الضغط، حقدت على أديانها الجديدة، في مستوى اللاشعور منها، فأسقطت حقدها على اليهود، لأنها لا تستطيع أن تكره دينها الجديد.

هذه هي التحليلات النفسية التي أرجع إليها فرويد كراهية الأمم غير اليهودية لليهود.

كشف الزيف:

في اعتقادي أن أي عاقل لا يملك نفسه عن إطلاق ضحكات ساخرات من هذا التحليل، ومن هذه الأسباب التي ذكرها "فرويد" نفسه.

1-

أما زعمه أن من أسباب كراهية الأمم لليهود كونهم غرباء في الأوطان التي يقيمون فيها، فهو مردود من وجهين:

الوجه الأول: أننا نجدهم مكروهين، ولو كانوا هم الأصلاء لا الغرباء.

الوجه الثاني: أننا نجد كثيراً من الغرباء في الشعوب محبوبين محترمين غير مكروهين.

فليست الغربة إذن من أسباب كراهية الأمم لهم، إلا أنهم قد ضمنوا إلى غربتهم شيئاً آخر من عند أنفسهم، كالاستغلال بالحيلة والمكر والكيد، والأنانية المفرطة، وعقدة الاستعلاء التي يضعون عليها ستاراً من المسكنة، وحقدهم هم على الأمم.

2-

وأما زعمه أن من أسباب كراهية الأمم لليهود كونهم أقلية، فهذا خلاف الواقع تماماً، بل هو عكس الواقع.

فالواقع أن العداء يتوجه عادة من الأقلية إلى الأكثرية بدافع الحسد، وليس العكس.

فليست الأقلية من أسباب كراهية الأمم لهم، إلا أن ينضم إليها شيء آخر من الأقلية نفسها، كمكايد تكيدها، واستغلالات غير مشروعة تستأثر بها، وعقدة استعلاء تفتخر بها.

ص: 314

فالكراهية سببها اليهود أنفسهم، وأعمالهم داخل الأمم والشعوب التي يعيشون بينها.

3-

وأما ما ذكره "فرويد" من الأسباب العميقة، فشيء مضحكٌ جداً.

أ- إنّ ادعاءه أن الشعوب الأخرى تغار من اليهود، لأنهم آثرهم عند الله، بوصفهم أكبر أبناء الله، فهو يتوقف على اعتراف الشعوب لهم بهذا التميّز.

لكنه لا توجد أمة من أمم الأرض ولا شعب من الشعوب يعترف لهم بهذه الميزة، حتى يغار الناس منهم.

بيد أن الحسد والغيرة من سمات اليهود منذ تاريخهم القديم.

ب- وادّعاؤه أن تمسك اليهود بعادة الختان من أسباب كراهية الأمم الأخرى، ادعاء مضحك جداً.

ومع بالغ السخرية نقول: إن غير اليهود يختنون أيضاً، فالمسلمون الذين يعدون في هذه الحقبة من التاريخ قرابة ألف مليون نسمة، يختتنون، والأمم الأخرى لا تكرههم لذلك.

وأي شيء يمنع أية أمة عن الختان؟!.

جـ- وأما ادعاؤه حقد الأمم على أديانها في مستوى اللاشعور، وإسقاط حقدها على اليهود، فتحليل خرافي جداً، لا يقبل به أي محلل نفسي يحاكم الأمور بوسائل المعرفة الإنسانية.

فهل يوجد سخف أكبر من هذا السخف الفرويدي باسم التحليل النفسي، لدعم اليهودية العالمية؟!!.

* * *

ص: 315