الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصْل الرابع
الاشتِراكيّة
من الألفاظ العامّة الفضفاضة، التي تنطبق على مفاهيم ذوات مستويات متفاوتات، كلمة "الاشتراكية" فهي مذاهب مختلفة، منها المعتدل ومنها المغالي، ومنها الوطني ومنها الأممي.
فهي في بعض حدودها الدنيا، وضمن مفهوم عامّ، قد تلتقي مع أحكام الإسلام في نظامه المالي أو الاقتصادي، مثل اشتراك الناس في الماء العام، وفي الهواء، وفي الكلأ النابت في الأراضي العامّة، ويسمّى الكلأ المباح عند الفقهاء، ومثل النفقة الواجبة في نظام الأسرة الإسلامي، ومثل الزكاة المفروضة في الشريعة الإسلامية، لصالح الفقراء والمساكين وبقية الأصناف الثمانية المذكورة في آية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ
…
} . ومثل تدخل الدولة لحماية العمّال والكادحين في حصولهم على الأجور العادلة دون ظلم ولا شطط. ومثل تهيئة فرص العمل لكل قادر عليه، ونحو ذلك.
ويوسّع بعض الاشتراكيين من مفهوم الاشتراكية، حتى تتناول تأميم المرافق العامة ولو بالمصادرة الظالمة، والاستيلاء دون تعويض مكافئ لحقوق أصحابها، وهذا مخالف للإسلام.
ويوسّع اشتراكيون آخرون هذا المفهوم، حتى تتناول الاشتراكية تأميم المصانع الكبرى، ولو بالمصادرة الظالمة، وحتى تتناول مصادرة الأرض وتوزيعها بصورة ظالمة جائرة، وفاسدة مفسدة، وهذا مخالف لأحكام الإسلام.
وهكذا تتسع دائرتها، حتى تصل إلى حضيض الشيوعية المسمّاة بالاشتراكية العلمية، التي تلغي الملكية الفردية للأرض، ولكل وسائل الإنتاج، ولكل النقود المالية، وتجعلها ملكاً للدولة، وتقرّر قاعدتها الشائعة:" من كلٍّ بحسب طاقته، ولكلٍّ بحسب حاجته".
ويحمل مروجو الشيوعية شعار الاشتراكية بين المسلمين، مظهرين من دوائرها دائرة المستوى الأدنى، الذي قد لا يتنافى مع أحكام الإسلام.
وينخدع بذلك منخدعون كثيرون من العمال والفلاحين والكادحين وموظفي الدولة، وبعض الطلبة الناشئين، وكلّ من يشعر بأنه مظلوم في مجتمعه بكسبه، أو تغريه الاشتراكية بكسب أفضل، وتتهيج ببريق هذا الشعار عواطف الفقراء والكادحين، ونوازغ الحاسدين والحاقدين، ويظنُّ البرآء منهم أن الاشتراكية لا تتنافى مع الإسلام.
ثمّ بالتدريج يوسعون من دائرة المفهوم الاشتراكي شيئاً فشيئاً، حتى يبلغوا به الحضيض الأسفل أو قريباً منه.
ويومئذٍ تأتي التطبيقات الطاحنة، ويذوق المنخدعون بالأمس ويلات تطبيقات الشعار الذي كانوا قد فرحوا به، وطبّلوا له وزمروا، وظنوا أن تطبيقاته ستجعلهم في بحبوحة من العيش، وستشفي نفوسهم من ظالميهم الإقطاعيين، والرأسماليين، و"البورجوازيين".
لقد جرّهم خداع الشراع البراق، واستدرجهم بشبكته، حتى قذفهم في جحيم التطبيقات الاشتراكية المشحونة بالظلم والعذاب.
* * *