الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصْل الأوّل
مقدّمات عامة
(1)
تعريف الإلحاد
يراد من الإلحاد هنا المعنى المصطلح عليه في هذا العصر، وهو إنكار وجود ربّ خالق لهذا الكون، متصرف فيه، يدبّر أمره بعلمه وحكمته، ويُجري أحداثه بإرادته وقدرته.
واعتبار الكون أو مادّته الأولى أزلية، واعتبار تغيراته قد تمت بالمصادفة، أو بمقتضى طبيعة المادة وقوانينها، واعتبار ظاهرة الحياة وما تستتبع من شعور وفكر حتى قمّتها عند الإنسان، من أثر التطور الذاتي في المادة.
وربما كان يطلق على هذا النوع من الكفر كلمة "زندقة" وصاحبها "زنديق" ويجمع على "زنادقة".
والإلحاد في الأصل هو الميل والعدول والجور والظلم، يقال لغة: لَحَدَ في الدين لَحْداً، وألحد في الدين إلحاداً، لمن مال، وعدل عن صراطه وحاد، أو جار وظلم.
وقول الله تعالى في سورة (الأعراف/7 مصحف/39 نزول) :
أي: يجورون في أسمائه عز وجل عن الحق، ويميلون بها عن معانيها، وعن كمالاتها. ومن ذلك اشتقاق مشركي العرب اسم وثنهم "اللات" من الاسم الأعظم "الله" واشتقاقهم اسم وثنهم "العزّى" من اسم الله "العزيز" ونحو ذلك.
وقول الله تعالى في سورة (فُصّلت/41 مصحف/61 نزول) :
يُلحدون في آياتنا: أي يُحرّفون في دلالاتها ومقاصدها، ويميلون بها عن الحقّ والهدى الذي جاء فيها، بتفسيرات يتبعون فيها أهواءهم ومذاهبهم.
وقول الله عز وجل في سورة (الحج/22 مصحف/103 نزول) :
أي: ومن يرد فيه عملاً مصحوباً بميل عن صراط الله بظلم في حق الله أو حق عباده، كالصد عن سبيل الله، والعدوان على حقوق عباد الله. فجزاؤه أن يذيقه الله من عذاب أليم.
وجاء في الحديث: "احتكار الطعام في الحرم إلحادٌ فيه" أي: ظلم وعدوان وميل عما أوجب الله في حقه، لتأمين رزق المقيمين فيه والوافدين إليه.
(2)
ظاهرة الإلحاد في التاريخ الإنساني
1-
لم يكن الإلحاد في التاريخ الإنساني ظاهرة بارزة، ذات تجمّع بشري، أو مذهباً مدعّماً بمنظمات ودول، والكفر السائد قد كان كفر الشرك بالله.
إنما كان الإلحاد ظاهرة فردية شاذة، وربما اجتمع عليه فئات قليلة شاذة من هواة الإجرام، والظلم والعدوان، والفسق والفجور والطغيان، وربما كان نزعة متألّه متسلط من البشر، يجحد الرب الخالق ليجعل نفسه إلهاً، فيعبده الناس من دون الله.
ومعظم النزعات الإلحاد التي ظهرت في التاريخ البشري، وعند بعض الأفراد، إنما كانت عرضاً طارئاً على نفوسهم وأفكارهم، ونزغات غير مستقرّات، ظهرت في بعض مراحل حياتهم، ولأسباب نفسيّة أو اجتماعيةٍ مرّوا بها، ثمّ خَبَتْ هذه النزعات والنزغات، ثمّ انطفأت نيرانها.
وكثير من هؤلاء صحا من سكراته ورعوناته، وعاد إلى حظيرة الإيمان.
2-
ولم يصبح الإلحاد ظاهرة وبائية في كتل بشرية وتجمُّعات إنسانية ثقيلة وخطيرة، إلا بعد أن خطط اليهود لنشر الإلحاد في الناس، ولجعله مذهباً، وإقامة منظمات ودول كبيرة تدين به، وتكونُ مناخاً طبيعياً في أيدي شياطينهم، الذي يحتلون من هذه المنظمات والدول مراكز القيادة والتوجيه، ثمّ عملوا بكل ما أوتوا من مكر وخبث ودهاء وقوة ومال، لتحقيق هذا الهدف، الذي زعموه ممهداً لإقامة دولتهم الكبرى، التي يحلُمون بأن تحكم العالم كله.
جاء في البروتوكول الرابع، من برتوكولات شياطين صهيون:
"يجب علينا أن ننزع فكرة الله ذاتها من عقول "الجوييم" الأميين، وأن نضع مكانها عمليات حسابية، ورغبات مادية".
وجاء في البروتوكول السابع قولهم:
" قد عنينا عناية عظيمة بالحطّ من كرامة رجال الدين من "الجوييم" الأميين في أعين الناس، وفي ذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم التي كان يمكن أن تكون عقبةً كؤوداً في طريقنا. وإن نفوذ رجال الدين يتضاءل يوماً فيوماً. سنقصر رجال الدين وتعاليمهم على جانبٍ صغيرٍ جدّاً من الحياة، وسيكون تأثيرهم وبيلاً سيئاً على الناس، حتى إن تعاليمهم سيكون لها أثر مناقض للأثر الذي جرت العادة بأن يكون لها
…
".
وفعلاً سخّر اليهود فريقاً من أذكيائهم وشياطينهم، لوضع أفكار باسم "نظريات" حديثة، أو إحياء أفكارٍ قديمة، ووضعها في قوالب نظريات علمية أو فلسفية، تنقض بالكذب والتزييف والمغالطات المبادئ والأسس العلميّة والمنطقية الحقة، التي جاءت بها الأديان الربانية الصحيحة المنزلة على أنبياء الله ورسله - كما سبق بيان كثير منه في هذا الكتاب.
وكان هذا تطبيقاً لقولهم في البروتوكول الثالث عشر: "سنحاول أن نوجّه العقل العام، نحو كل نوعٍ من النظريات المبهرجة، التي يمكن أن تبدو تقدّميّة أو تحرريّة
…
".
وقد نظروا إلى بعض نتائج أعمالهم السابقة في هذا المجال فقالوا في البروتوكول التاسع:
" ولقد خدعنا الجيل الناشئ من "الجوييم" الأميين، وجعلناه فاسداً متعفّناً، بما علّمناه من مبادئ ونظريات معروف لنا زيفها التامّ، وكنّا نحنُ أنفسنا الملقنين لها
…
".
(3)
سُبُل انتشار الإلحاد المعاصر
أمّا انتشار الإلحاد في الناس خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، فكان له سبيلان اتخذهما اليهود وأجراؤهم ووكلاؤهم والمنظمات الخاضعة لهيمنتهم، أو السائرة في مخططاتهم.
السبيل الأول: رفع شعار العقلانية والعلمانية، الذي سيطر بقوة على الفكر الغربي، بعد التمهيد لذلك بإطلاق مبادئ الحريات الفكرية والسلوكية، وبعض الحريات السياسية والاجتماعية الأخرى.
وضمن شعاري العقلانية والعلمانية، اندس المضللون يصوغون العلوم الإنسانية، وجذور العلوم البحتة، على أسس الإلحاد بالله، والتفسيرات المادية، دون أي مستند علمي حسّيّ تجريبي، أو منطقيٍّ فكري.
ووسيلتهم في ذلك الادعاءات المجرّدة، والأكاذيب، والمغالطات، والتزييفات، والتستر المستمرّ بشعارات المناهج العلمية المادية، وقواعد البحث العلمي، ونبذ الخرافات والغيبيات.
ويتخذون من بعض الخرافات والأحاديث الكاذبات عن أمور الغيب، ذريعةً لإنكار كلِّ حقٍّ دينيّ، وحقٍّ غيبيٍّ ثابتٍ بيقين.
وانطلق المضللون من المتخصصين بالدراسات الفلسفية يصدّرون الآراء الفلسفية المادّية الملحدة، وينشرونها في مختلف المؤسسات التعليمية والإعلامية.
وأخذت الأجهزة الإعلامية العالمية تروّج أفكار المضلّلين، وتعطيها بريقاً مغرياً خادعاً، وتضفي عليها عبارات التمجيد والتعظيم والإكبار، وتلبسها أثواب الحقائق العقلية والعلمية زوراً وبهتاناً، وتزييفاً وغشاً.
وسقطت الشعوب الصليبية في معظم البلدان التي أخذت تتقدّم في مجالات العلوم المادية، في فخ العقلانية والعلمانية ذواتي المكر اليهودي، وساعد هذه الشعوب على هذا السقوط فساد الكنسية، وما دخل في الديانة النصرانية من تحريف وتخريف، كما سبق شرح ذلك في القسم الأول من هذا الكتاب.
ومع التحرّك الصليبي الاستعماري والتبشيري ضدّ العالم الإسلامي، في عمليات الغزو الفكري لسلخ المسلمين عن دينهم، سلخاً كلياً أو
جزئياً، حمل الصليبيون للعالم الإسلامي شعاري العقلانية والعلمانية.
وتسلّل المذهب الإلحادي ضمن هذين الشعارين، وسَرَّ الصليبيين ذلك، بل دعوا إليه، لأنهم لم يستطيعوا تنصير المسلمين، فرأوا أن نقل أجيال المسلمين من الإسلام إلى نبذ الأديان كلها، ثمّ إلى الإلحاد بالرب الخالق، أسهل عليهم من التنصير الذي رفضته غالبية الشعوب الإسلامية، ونفرت منه.
ورأى الصليبيون أن أبناء المسلمين، إذا ألحدوا كانوا أطوع لهم، وأسرع إلى تنفيذ مخططاتهم الاستعمارية. كما أشار عليهم بذلك أيضاً شياطين اليهود.
السبيل الثاني: نشر الماركسية، بكل فلسفتها، وشعاراتها، وبرامجها الاقتصادية، وألوان مكرها وكيدها.
ومعلوم أن الماركسية قد بُنيت بناءً كلياً على الإلحاد بالله، ومقاومة كل دين يصل الإنسان بإله معبود، مهما كان نوع هذه العقيدة الدينية، ولو كانت أدلتها من أقوى البراهين، ومناهجها أفضل مناهج تضمن السعادة للناس.
لكن الماركسية بتأثير جذورها وقياداتها اليهودية، لم تمس اليهودية واليهود بسوء، بل أقامت بين حربها الشرسة الدنيئة، وبين العقيدة اليهودية والعشب اليهودي، حجاباً ساتراً وواقياً.
وبعد أن ظهرت المنظمات الاشتراكية والشيوعية في العالم، صار للإلحاد بالله كُتَلٌ بشرية كبيرة تدين به.
ثمّ لما قامت الثورة الاشتراكية الشيوعية الكبرى، وصار لها دول ذات وزن في الشرق، أمسى الإلحاد في الناس ظاهرة بارزة، يُنشر في بعض دول الأرض بمختلف وسائل الدعاية والإعلام، والإلزام التعلمي، مع الخداع وتزييف الحقائق، ويُنشر في بعض دول الأرض عن طريق فرضه على الأجيال بالقهر والسلطان، مع الإلزام التعلمي، واستخدام مختلف وسائل التضليل.
فالإلحاد دخل وما يزال يدخل إلى بعض أبناء شعوب الأمة الإسلامية، متسللاً في أثواب العلوم والفنون وأنواع الثقافات الغربية والشرقية، أو ضمن مبادئ المنظمات الاشتراكية والشيوعية، والأحزاب القومية العلمانية.
ووسائل هذه المنظمات تتلخص بإرضاء الشهوات والمطامع، ونزعات الكبر والغرور، مع إفساد البصيرة الفكرية، وإفساد الحس الوجداني.
وقد يدخل الإلحاد مفروضاً فرضاً بالقهر وسلطان الحكم، وذلك في البلدان التي تسقط في أيدي الأحزاب الشيوعية، أو في أيدي أجراء الدول الأخرى التي جعلت من مخططاتها تحويل أبناء المسلمين إلى الإلحاد، وسلخهم عن إسلامهم، بغية تطويعهم لتنفيذ أغراضهم، وتطبيعهم على العبودية الذليلة لهم.
ومن أمثلة فرض الإلحاد على المسلمين المستَعمرين من قبل الاتحاد السوفيتي، ما تضمّنته الوثيقة التالية الصادرة عن جهات رسمية في الاتحاد السوفيتي:
"برغم مرور خمسين سنة تقريباً على الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وبرغم الضربات العنيفة التي وجهتها أضخم قوة اشتراكية في العالم إلى الإسلام، فإن الرفاق الذين يراقبون حركة الدين في الاتحاد السوفيتي صرّحوا كما تذكر مجلّة "العلم والدين" الروسية، في عددها الصادر في أوّل كانون الثاني من سنة (1964م) بما نصّه:
إننا نواجه في الاتحاد السوفيتي تحدّيات داخليّة في المناطق الإسلامية، وكأنّ مبادئ لينين لم تتشرّبها دماء المسلمين
…
وبرغم القوى اليقظة التي تحارب الدين، فإنّ الإسلام ما يزال يرسل إشعاعاً، وما يزال يتفجر قوة، بدليل أن ملايين من الجيل الجديد في المناطق الإسلامية، يعتنقون الإسلام، ويجاهرون بتعاليمه
…
".
وقد جاء في الوثيقة المذكورة بيان للبنود التي يجب على الشيوعيين محاربة الإسلام ضمن تعليماتها، ومن هذه البنود المقرّرات التالية:
"1- مهادنة الإسلام لتتم الغلبة عليه، والمهادنة لأجل، حتى نضمن أيضاً السيطرة، ونجتذب الشعوب العربية للاشتراكية.
2-
تشويه سمعة رجال الدين، والحكام المتدينين، واتهامهم بالعمالة للاستعمار والصهيونية.
3-
تعميم دراسة الاشتراكية في جميع المعاهد والكليات والمدارس في جميع المراحل
…
ومزاحمة الإسلام ومحاصرته حتى لا يصبح قوّة تهدّد الاشتراكية.
4-
الحيلولة دون قيام حركات دينية في البلاد، مهما كان شأنها ضعيفاً، والعمل الدائم بيقظة لمحو أي انبعاث ديني، والضرب بعنف لا رحمة فيه لكل من يدعو إلى الدين ولو أدى إلى الموت.
5-
ومع هذا لا يغيب عنّا أن للدين دوره الخطير في بناء المجتمعات، ولذا وجب أن نحاصره من كل الجهات، وفي كل مكان، وإلصاق التهم به، وتنفير الناس منه، بالأسلوب الذي لا ينم عن معاداة الإسلام.
6-
تشجيع الكتاب الملحدين، وإعطاؤهم الحرية كلها في مواجهة الدين، والشعور الديني، والضمير الديني، والعبقرية الدينية، والتركيز في الأذهان على أن الإسلام انتهى عصره - وهذا هو الواقع - ولم يبق منه اليوم
إلا العبادات الشكلية، التي هي الصوم والصلاة والحج وعقود الزواج والطلاق، وستخضع هذه العقود للنظم الاشتراكية.
أما الصوم والصلاة فلا أثر لهما في الحياة الواقعية، ولا خطر منهما. وأما الحج فمقيّد بظروف الدولة، ويمكن استخدام الحج في نشر الدعوة الاشتراكية بين الحجاج القادمين من جميع الأقطار الإسلامية، والحصول على معلومات دقيقة عن تحركات الإسلام لنستعد للقضاء عليها.
7-
قطع الروابط الدينية بين الشعوب قطعاً تاماً، وإحلال الرابطة الاشتراكية محل الرابطة الإسلامية، التي هي أكبر خطر على اشتراكيتنا العلمية.
8-
إن فصم روابط الدين ومحو الدين لا يتمان بهدم المساجد والكنائس، لأن الدين يكمن في الضمير، والمعابد مظهر من مظاهر الدين في ضمير المؤمنين به، بعد أن نجحنا في جعل السيطرة والحكم والسيادة للاشتراكية، ونجحنا في تعميم ما يهدم الدين، من القصص، والمسرحيات، والمحاضرات، والصحف، والأخبار، والمؤلفات، التي تروّج للإلحاد، وتدعو إليه، وتهزأ بالدين ورجاله، وتدعو إلى العلم وحده، وجعله الإله المسيطر.
9-
مزاحمة الوعي الديني بالوعي العلمي، وطرد الوعي الديني بالوعي العلمي.
10-
خداع الجماهير بأن يُزعم لهم أن المسيح اشتراكي وإمام الاشتراكية، فهو فقير، ومن أسرة فقيرة، وأتباعه فقراء كادحون، ودعا إلى محاربة الأغنياء. وهذا يمكِّننا من استخدام المسيح نفسه لتثبيت الاشتراكية لدى المسيحيين. ونقول عن محمد: إنه إمام الاشتراكيين، فهو فقير، وتبعه فقراء، وحارب الأغنياء المحتكرين، والإقطاعيين، والمرابين، والرأسماليين، وثار عليهم، وعلى هذا النحو يجب أن نصور الأنبياء
والرسل، ونبعد القداسات الروحية، والوحي، والمعجزات عنهم بقدر الإمكان، لنجعلهم بشراً عاديين، حتى يسهل علينا القضاء على الهالة التي أوجدوها لأنفسهم، وأوجدوها لهم أتباعهم المهووسون.
11-
تحطيم القيم الدينية الروحية، بإظهار ما فيها من خلل وعيوب، وتخدير للقوى الناهضة.
12-
نشر الأفكار الإلحادية، بل نشر كل فكرة تضعف الشعور الديني، والعقيدة الدينية.
وزعزعة الثقة برجال الدين في كل قطر إسلامي".
* * *