المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالثالتقدمية والرجعية - كواشف زيوف

[عبد الرحمن حبنكة الميداني]

فهرس الكتاب

- ‌فاتِحَة الكِتَاب

- ‌خِطّةُ الكِتَابْ

- ‌القِسمُ الأوّل مِنَ الكِتَابمقدمات عامة

- ‌الباب الأولتَعريفٌ بمَنَاخِ نَشأةِ المذَاهِب الفِكرية المعَاصِرَة

- ‌مَقَدِّمَة عَامَّة

- ‌الفصْل الأوّلمُنَاخ نَشأةِ المذَاهِب الفِكرية المعَاصِرَة في أوربَّا

- ‌الفصْل الثانيتحرّك اليَهُود مُسْتَغلّينَ المنَاخ الملَائِمَ في أورُبَّا

- ‌الفصل الثالث: أسبَابُ تَقبّل شعُوب الأمَّةِ الإسْلاميَّة لوافدات المذاهب الفكرية المعاصرة

- ‌الباب الثانيوَسَائِل التّضليل لِتَرويج الشِّعَارَاتوالآراء والمذاهب الفكرية المزيفة

- ‌الفصْل الأوّلالخطّة العَامّة

- ‌الفصْل الثانيالمغَالَطاتُ الجَدَليّة

- ‌الفصْل الثالثلعبَة تطبيْق المنهَج العِلْميّ الخاصْ بالجَبريّاتْعلى السلوك الإرادي عند الإنسان

- ‌القِسمُ الثاني مِنَ الكِتَابعَرض لأهَمِّ الشعَارات البرّاقة المزيّفّةوَلآرَاء وَمذاهبْ فكريّة معَاصِرة جزئيّةمُنبثقة في عُلوم مختلفة مع كشف زيوفها وتعريفْ بأئِمتهَا

- ‌الباب الأولمقدِّمات حَولَ اعتِمَاد العَقْل وَالعِلْم الإنسَانيبديلاً للدِّين

- ‌الفصْل الأوّلالعَقلَانيَّة

- ‌الفصْل الثانيالعِلمَانيّة

- ‌الباب الثانيافتِراءَات ترَوَّج ضدّ الدّين وَالأخلَاقوَالقَوانين وَالنُظم المنبثقة عَنْهما

- ‌الفصْل الأوّلفريَة التّنَاقض بَيْن العَقل وَالدّينوبَينَ العلم والدّين

- ‌الفصْل الثانيمَزاعِمُ المُضلِّين لِهَدْم أسُس الأخلَاقوأبنيتها وتطبيقاتها في المجتمع

- ‌البَاب الثَالثْخِدَاع الشِّعَارَاتالتي يتولد عنها في الرأي العام مسلمات خاطئات وموقف الإسلام من كلٍّ منها

- ‌المقدمة

- ‌الفصْل الأوّلالحُريّة

- ‌الفصْل الثانيالمُسَاوَاة

- ‌الفصْل الثالثالتقَدّميَّة والرَّجْعيَّة

- ‌الفصْل الرابعالاشتِراكيّة

- ‌الفصْل الخامِسْالوَطنيَّة وَالقَوميَّة وَالإنسَانيّةوموقف الإسلام من كلٍّ منها

- ‌البَاب الرَّابعْأئمّة وَمَذاهِبُ جُزئيّة في عُلُوم مختَلِفَة

- ‌الفصْل الأوّلفروُيْد وَمَدرَسَتُه في عِلْم النّفْس

- ‌الفصْل الثانيدَارْوين وَمَذهَبُ التطوُّر

- ‌الفصْل الثالثدوركايْم وَآرَاؤه في علْم الاجتِمَاعِ

- ‌الفصْل الرابعبرجْسُون وَآرَاؤهُ في نَشأةِ الدّين وَالأخلَاق

- ‌الفصْل الخامِسْسَارْتر وَآراؤهُ الفَلسَفيَّة في الوُجُوديّة

- ‌الفصْل السادسمْكيافيلّي وَفِكرَة: الغاية تبرر الوسيلة

- ‌الفصْل السّابعمَارْكوز وَآرَاؤهُ الثّوريَّةلإقامة ديكتاتورية حكم الأقلية الواعية

- ‌الفصْل الثامِنأوجسْت كونتْوَدين الإنسَانيّة

- ‌القِسمُ الثّالِث مِنَ الكِتَابأئِمة وَمَذاهِبْ فِكريّة معَاصِرَة كَبيرَة

- ‌البَابْ الأوَّلالماديَّة الإلحاديّة وَالماديّون

- ‌الفصْل الأوّلمقدّمات عامة

- ‌الفصْل الثانيأئمّة مَادِّيّون وَنُبّذٌ مِنْ آرَائهم الفَلْسَفيَّةِ الإلحَادية

- ‌الفصل الثالثأسُسُ الفِكْر المادّي الإلحَادي

- ‌الفصل الرابعكشفُ زيُوف أفْكار المادّيّين وَجَدَليَّتِهِم

- ‌الفصل الخامسعقوبَة العَذابْ النّفسِيّ للمُلْحِدينَ

- ‌الفصل السادسالمادية الجدلية في الكون والتاريخ الإنساني

- ‌الباب الثانيالنُّظمُ الاقتِصَاديّة المعَاصِرَة

- ‌الفصل الأولنظرة تاريخيَّة حَول المذاهبْ الوَضْعيَّةللنظم الاقتصادية

- ‌الفصل الثانيلمحّة مُوجَزَة حَول مَنهج دين الله

- ‌الفصل الثالثمقارنة بين المذاهب الاقتصادية

- ‌الفصل الرابعنظرات متفرقة

- ‌الباب الثالثالنّظمُ السِيَاسيَّة المعَاصِرَة

- ‌الفصل الأولنَظرَة تاريخيَّة حَولَ المذاهِبْ الوَضْعيَّةلِلنُظم السيَاسيّة

- ‌الفصل الثانيلمحَة مُوجَزَة حَول مَنهَجْ دين اللهِ للنّاسِفي شؤون الحكم

- ‌الفصل الثالثمقارنة بين النظم السياسية

- ‌الفصل الرابعمتفرقات

الفصل: ‌الفصل الثالثالتقدمية والرجعية

‌الفصْل الثالث

التقَدّميَّة والرَّجْعيَّة

من الكلمات الفضفاضة التي ليست لها دلالات منطقية محددة، كلمتا:"التقدمية والرجعية".

التقدمية:

أما كلمة التقدمية فقد استغل فيها معنى التقدم إلى الأمام الذي هو مزيّةٌ وفضيلة في بعض الأحوال، لتُطلق إطلاقاً تعميمياً باطلاً وفاسداً، موهماً بأن كل تقدم هو أمرٌ خيرٌ وحسنٌ ولو إلى الحضيض والشقاء والهلاك والعذاب الأليم.

ولكن تُطوَى هذه النهايات التعيسة، ويُجعل بينها وبين شعار التقدمية حجاب، ليتابع السائرون وراء هذا الشعار مسيرتهم بقيادة المضلين والمفسدين، وهم عميان عن رؤية نهاياتهم، لا يرون إلا الألوان والأصباغ والزخارف التي وضعت على لوحة شعار التقدمية، ولا يسمعون إلا أصوات الجلاجل التي علقت على حافات لوحة الشعار، فهي تعطي أصواتها، ومختلف أشكال زينتها مع حركة المسيرة، وأصوات طبول المطبلين، وأصوات مزامير النافخين لتحريض موكب المسيرة على متابعة السير، ومعها أصوات المغفلين والمستأجرين الذين يرددون بغباءٍ شعار التقدمية.

والعميانُ السائرون، وقد نُشرت بينهم وبين نهاياتهم التعيسة حجُبٌ من ضباب الأوهام، والأكاذيب، وزخرف القول، والأماني الكواذب، وشُدَّت حواسُّهم للاستمتاع الحاضر بإباحية الشهوات.

ص: 239

ولكن إلى أين هذا التقدّم؟.

يقولون: إلى التقدم الحضاري، فإذا هو العري والخمر، والقمار والحشيش، والفسق والفجور، والسلبُ والنهب، ثمّ العداوة والبغضاء والتقاتل، ثمّ نبذُ كل فضيلة، وارتكاب كل رذيلة.

يقولون: إلى التقدم العلمي، فإذا الموجه له من العلوم، الفلسفة المفسدة لموازين العقول، والناشرة للإلحاد بالله، والهادمة للأخلاق، والمدمّرة للقيم الحقيقية، والمحرضة على الإباحية، وعلى الجريمة، بفلسفة القوة مرة، وفلسفة اللذة أخرى، وفلسفة المنفعة مرة ثالثة، وبالفردية وأنانيتها حيناً، وبالجماعية المزورة حيناً آخر، ومن الفلسفة المادية المغرقة في ماديتها، إلى الروحانيات المسرفة ورياضاتها العجيبة المعذبة للأجساد، إلى غير ذلك من ضلالات.

وإذا الموجه له من العلوم كل ما ينشر الرذيلة والسقوط الخلقي، ويساهم بتمكين الأشرار من امتلاك القوى المادية الهائلة، التي تجعلهم أباطرة البغي والطغيان في الأرض.

يقولون: إلى التقدم في إعداد القوة، ورفع مستوى الكفايات القتالية، فإذا هو الدمار والخراب بالظلم والعدوان، وإطلاق الأنانيات الفردية والقومية والمذهبية والحزبية.

يقولون: على التقدم الفكري والحرية الفكرية، فإذا هو الكفر بالله، والكفر بكل الفضائل والقيم، وصناعة الإنسان الشيطاني المجرم، الذي تحرّكه شهواته وأهواؤه وأنانيته ونفسه الجبارة المجرمة الأمارة بالسوء، وإذا هو الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

هذا هو شعار التقديمة، في معظم تطبيقاته على أيدي قادته ودعاته، وأيدي حَملته وحُمَاته.

فما هو هذا التقدم في مقاييس الحقّ والخير والفضيلة والجمال؟.

إنه تقدمٌ حقاً ولكن إلى الجحيم، والقادة المضلون اللذين يسوقون

ص: 240

أتباعهم بين أيديهم، أو يجرونهم وراءهم يقدُمونهم يوم الدين، فيوردونهم النار، كما يَقْدُم فرعونُ قومه، قال الله عز وجل في سورة (هود/11 مصحف/52 نزول) :

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}

تحديد مفهوم التقدّم:

التقدم - بالتحليل اللغوي والمنطقي - هو كلمة عامة غير محددة الاتجاه، فهي تصلُح للتقدم في كل اتجاه.

وأما قيمة التقدّم فتكشفها غاية مسيرته، فإن كانت الغاية سعادة وخيراً، وكان التقدم فضيلة وعقلاً، وإن كانت الغاية شقاءً وشراً، كان التقدم رذيلة وجهلاً وحماقة، وإن كان التقدم إلى ما لا فائدة فيه ولا مضرة، كان التقدم جهداً ضائعاً، يخسر فيه المتقدم عمراً وطاقة، والعمر والطاقة هما رأسمال الإنسان في حياته.

وهكذا يُقوِّم التقدّم بغاية المسيرة فيه، فليس له لون واحد ثابتٌ يُقوَّمُ به، إنه مثل إناء الزجاج الصافي الشفاف، الذي لا لون له، فهو يتلوَّن بلون ما يوضع فيه.

أفيشرب الإنسان أي شرابٍ من إناء زجاجي شفاف، لمجرد كونه إناءً زجاجياً؟!.

أفلا يمكن أن يكون الذي قد وضع فيه هو سمٌّ قاتل؟!.

ما هكذا يتصرف الحذِرُ العاقل.

الرجعية:

ونظير كلمة التقدمية كلمة "الرجعية" فقد استغل المضللون فيها معنىً أولياً ساذجاً، ينفرُ الساذج منه لأول وهلة، فهو يكره أن يُتَّهم بأنه يرجع إلى

ص: 241

الوراء، ويغفلُ عن سبْرِ احتمالات الرجوع وتقويم كلٍّ منها بقيمته الحقيقية، التي تعتمد على موازين الحق والخير والفضيلة والجمال.

الرجوع مثل التقدم، هو من الأمور النسبية، التي ليس لها حقيقة ثابتة دواماً، فما هو وراء الإنسان إذا اقترب منه وظهره إلى جهته كان اقترابُه منه رُجوعاً، وإذا أدار إليه صدره ثمّ اقترب منه كان ذلك تقدّماً.

والرّجوع تقدّر قيمته بحسب غاية مسيرته وحركته، فإذا كانت الغاية سعادةً وخيراً، كان الرجوعُ فضيلةً وعقلاً، وإذا كانت الغايةُ شقاءً وشرّاً، كان الرجوعُ رذيلةً وجهلاً وحماقةً، وإذا كان الرجوعُ إلى ما لا فائدة فيه ولا مضرَّة، كان الرُّجوعُ جهداً ضائعاً.

فالرجوع عن الباطل إلى الحق من أكبر الفضائل وأكثرها تعبيراً عن خلق الإنسان الرفيع.

والرجوع إلى صراط الهدى بعد تنكبُّه والانحراف عنه من فضائل السلوك المثلى، وهو من التوبة التي تعيد الإنسان إلى الصحة بعد المرض، وإذا كان كلُّ بني آدم خطّاءً، فإن خير الخطّائين التوابون، وهم الرجاعون إلى الطاعة والاستقامة بعد الانحراف والمعصية، كما جاء في الحديث الصحيح:"كل بني آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون".

ومن تاب إلى الله - أي: رجع إلى ربّه بالامتثال والطاعة - تاب الله عليه - أي: رجع الله مقبلاً عليه ومنعماً عليه بعفوه ورحمته وعوائده وفضله.

ومن انحدر من القمة إلى ما دونها حتى الحضيض، فمن الخير له أن يرجع إلى القمة التي كان عليها، وهذا الرجوع هو الذي يعيده إلى المجد والعلاء.

ومن فقد عِزَّةً أو مكانةً اجتماعية أو مالاً أو شيئاً حبيباً عنده، فمن سعادته أن يرجع ذلك إليه.

ومن تراجع ليتفادى خطراً مقبلاً عليه فَنَجَا، كان تراجعه من كمال عقله وحكمته.

ص: 242

ومن ارتدّ عن دينه الحقّ فمن عقله وحكمته وسعادته أن يرجع إليه، ولا يتمادى في غيّه.

إن التضليل في شعار الرجعية التي يتّهم بها الخصومُ خصومَهم، ويخوّف بها المضللون أهل الاستقامة، آتٍ من التعميم الباطل الفاسد، الذي يزحف بالكلمة من المساحة التي تكون فيها ذميمة إلى المساحة التي تكون فيها حميدة، وتكون فيها هي الفضيلة وهي الحق والخير والكمال.

الفتنة بالشعارات:

ويقع المفتونون بالشعارات المزخرفة المزينة، أو بالشعارات المشوّهة المقبّحة، في حبائل شياطين الضلال والإفساد في الأرض، فيتقدّمون إلى هلاكهم اغتراراً بشعار التقدّمية المزخرف المزوّق المزيّن بالباطل، ويحذّرون من الرجوع إلى الحق والفضيلة والخير والكمال والعلاء والجمال، أو المحافظة على مواقعهم فيها، اغتراراً بشعار الرجعية المشوه المقبّح بالباطل، وباستخدامه في الاصطلاح العامي شتيمة ونقيصة يحذَرُ الإنسان أن تُلصقَ به في أعراف الناس.

* * *

ص: 243