الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
حول خطة المضلين في استغلال ألفاظ عامة فضفاضة
من أخطر وسائل التجهيل المعار تعمُّد الغموض في المعاني، ودلالات الألفاظ المستخدمة في أساليب التعبير، وتعمّد جعلها رجراجة مائعة قابلة للتغير والتبدل والانسياح والزحف، ثمّ استغلال ذلك بمكر عند الرغبة بالتضليل.
بخلاف منهج الإسلام القائم على تحديد المعاني، وتحديد دلالات المصطلحات، وضبط التعريفات ضبطاً تاماً، حتى لا يدخل في المعرّف ما ليس منه، ولا يخرج منه ما هو منه، ويشترط علماء المسلمين في التعريف أن يكون جامعاً مانعاً، أي: جامعاً لكل عناصر المعرّف داخل التعريف، مانعاً من دخول ما ليس منه فيه.
يستغل المضللون - عن طريق لعبة ذكاء شيطاني فيه مكرٌ كُبَّار - ألفاظاً عامةً فضفاضة، قابلة للمط والاتساع، حتى استيعاب دلالة كل منها لأمور متخالفةٍ ومتضادةٍ ومتناقضةٍ أحياناً.
ويكون لكلٍّ من هذه الألفاظ جانبٌ ذو مساحة مقبولة معقولة في حكم إيجابي، من أصل المساحة العامة لدلالته الكلية، أما ما وراء هذه المساحة فيكون على العكس من ذلك، إذ قد يكون أمراً مفروضاً غير مقبول ولا معقول، والأخذ به إيجابياً ضلالةٌ وغيّ، والحكم المنطقي الملائم له هو الحكم السلبي، وقد يكون أمراً لم تثبت بعدُ إيجابيته ولا سلبيَّتُه بدليل صحيح.
وتكون الجماهير من الناس في حالة عناء، أو في حالة رغبةٍ ملحّة، وهذه الحالة تستدعي المطالبة الشديدة، أو السعي الحثيث لتحقيق الجانب المقبول المعقول، الذي يدل عليه اللفظ العام الفضفاض ضمن دلالته العامة.
وهنا تأتي لعبة المضللين، فيرددون اللفظ العام الفضفاض، ويتخذونه شعاراً براقاً، ويحاولون تثبيت أنظار الجماهير - وفيهم أهل الفكر والرأي والعلم - ضمن دلالة اللفظ التي تتناول الجانب المقبول المعقول. ويحاولون في الوقت نفسه صرف هذه الأنظار عن دلالته على مساحات أخرى غير مقبولة ولا معقولة، أو غير مُسَلَّم بها. ويبررون ذلك بالمصلحة الراهنة، وبأن الظروف الوقتية لا تسمح بمعالجته بفلسفة شاملة، ومنطقيّة دقيقة.
ويقبل أهل الفكر التعليل المطروح، والتبرير المزعوم، على أساس أن القضية هي من قبيل العلاج الوقتي، الذي يستدعي التغاضيَ وعدمَ التحقيق والتدقيق، للخلاص من المعاناة القائمة، أو لتحقيق الرغبة الملحّة.
وينطلق الشعار، وتردده الجماهير بدون تفكير، في المناسبات التي تستدعي ترديده وفي غيرها، ويمر الزمن، وتنصرف الأفكار الحصيفة عن محاكمة دلالته بمنطقيةٍ وبحث علميٍ، في كل المساحات الفكرية التي يتناولها.
وهنا يزحف المضللون زحفاً تعميمياً، فينتقلون من المساحة المقبولة المعقولة، إلى المساحات الأخرى شيئاً فشيئاً، بحسب تقبُّل الجماهير لهذا الزحف، وهَضْمِه وتحوَُلِه من فكر إلى سلوك.
ثمّ يُمْسِي الزحفُ التعميميّ مقبولاً بصفة عامة لدى الجماهير، وتستشري تطبيقاته في أنواع السلوك، ويغدو الشعار من المسلَّمات اللاتي لا يجوز أن تناقش، ومن المبادئ المقررة التي قبلها العلماء والمفكرون من قَبْلُ، ولم يعترضوا عليها.
وإذْ صار الشعارُ مبدأً مقبولاً يردّده الصغار والكبار، والجهَّال والعلماء، والعامة والمفكرون، فعلى الجميع أن يقبلوا إيجابيته في كل المساحات الفكرية التي يَدُلُّ عليها، رغم أن البديهة العقلية لدى كل الناس تقرّر سلبيّته حتماً في بعض هذه المساحات، ولا تُسلّم به في مساحات أخرى، إذْ لم يقم لديها الدليل على إيجابيته أو سلبيته فيها.
ومن هذه الشعارات كلمات:
(الحرية - المساواة - التقدمية - الرجعية - الاشتراكية - التطوّر الحضاري - الوطنية - القومية - العلمانية -) إلى غير ذلك من ألفاظ، وما أكثر الشعارات البراقة المضللة في عالمنا المعاصر.
وفي مقولات تاليات تحليل منطقي علمي لبعض هذه الشعارات الفضفاضة وتعميماتها الباطلة.
* * *