المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثانيمزاعم المضلين لهدم أسس الأخلاقوأبنيتها وتطبيقاتها في المجتمع - كواشف زيوف

[عبد الرحمن حبنكة الميداني]

فهرس الكتاب

- ‌فاتِحَة الكِتَاب

- ‌خِطّةُ الكِتَابْ

- ‌القِسمُ الأوّل مِنَ الكِتَابمقدمات عامة

- ‌الباب الأولتَعريفٌ بمَنَاخِ نَشأةِ المذَاهِب الفِكرية المعَاصِرَة

- ‌مَقَدِّمَة عَامَّة

- ‌الفصْل الأوّلمُنَاخ نَشأةِ المذَاهِب الفِكرية المعَاصِرَة في أوربَّا

- ‌الفصْل الثانيتحرّك اليَهُود مُسْتَغلّينَ المنَاخ الملَائِمَ في أورُبَّا

- ‌الفصل الثالث: أسبَابُ تَقبّل شعُوب الأمَّةِ الإسْلاميَّة لوافدات المذاهب الفكرية المعاصرة

- ‌الباب الثانيوَسَائِل التّضليل لِتَرويج الشِّعَارَاتوالآراء والمذاهب الفكرية المزيفة

- ‌الفصْل الأوّلالخطّة العَامّة

- ‌الفصْل الثانيالمغَالَطاتُ الجَدَليّة

- ‌الفصْل الثالثلعبَة تطبيْق المنهَج العِلْميّ الخاصْ بالجَبريّاتْعلى السلوك الإرادي عند الإنسان

- ‌القِسمُ الثاني مِنَ الكِتَابعَرض لأهَمِّ الشعَارات البرّاقة المزيّفّةوَلآرَاء وَمذاهبْ فكريّة معَاصِرة جزئيّةمُنبثقة في عُلوم مختلفة مع كشف زيوفها وتعريفْ بأئِمتهَا

- ‌الباب الأولمقدِّمات حَولَ اعتِمَاد العَقْل وَالعِلْم الإنسَانيبديلاً للدِّين

- ‌الفصْل الأوّلالعَقلَانيَّة

- ‌الفصْل الثانيالعِلمَانيّة

- ‌الباب الثانيافتِراءَات ترَوَّج ضدّ الدّين وَالأخلَاقوَالقَوانين وَالنُظم المنبثقة عَنْهما

- ‌الفصْل الأوّلفريَة التّنَاقض بَيْن العَقل وَالدّينوبَينَ العلم والدّين

- ‌الفصْل الثانيمَزاعِمُ المُضلِّين لِهَدْم أسُس الأخلَاقوأبنيتها وتطبيقاتها في المجتمع

- ‌البَاب الثَالثْخِدَاع الشِّعَارَاتالتي يتولد عنها في الرأي العام مسلمات خاطئات وموقف الإسلام من كلٍّ منها

- ‌المقدمة

- ‌الفصْل الأوّلالحُريّة

- ‌الفصْل الثانيالمُسَاوَاة

- ‌الفصْل الثالثالتقَدّميَّة والرَّجْعيَّة

- ‌الفصْل الرابعالاشتِراكيّة

- ‌الفصْل الخامِسْالوَطنيَّة وَالقَوميَّة وَالإنسَانيّةوموقف الإسلام من كلٍّ منها

- ‌البَاب الرَّابعْأئمّة وَمَذاهِبُ جُزئيّة في عُلُوم مختَلِفَة

- ‌الفصْل الأوّلفروُيْد وَمَدرَسَتُه في عِلْم النّفْس

- ‌الفصْل الثانيدَارْوين وَمَذهَبُ التطوُّر

- ‌الفصْل الثالثدوركايْم وَآرَاؤه في علْم الاجتِمَاعِ

- ‌الفصْل الرابعبرجْسُون وَآرَاؤهُ في نَشأةِ الدّين وَالأخلَاق

- ‌الفصْل الخامِسْسَارْتر وَآراؤهُ الفَلسَفيَّة في الوُجُوديّة

- ‌الفصْل السادسمْكيافيلّي وَفِكرَة: الغاية تبرر الوسيلة

- ‌الفصْل السّابعمَارْكوز وَآرَاؤهُ الثّوريَّةلإقامة ديكتاتورية حكم الأقلية الواعية

- ‌الفصْل الثامِنأوجسْت كونتْوَدين الإنسَانيّة

- ‌القِسمُ الثّالِث مِنَ الكِتَابأئِمة وَمَذاهِبْ فِكريّة معَاصِرَة كَبيرَة

- ‌البَابْ الأوَّلالماديَّة الإلحاديّة وَالماديّون

- ‌الفصْل الأوّلمقدّمات عامة

- ‌الفصْل الثانيأئمّة مَادِّيّون وَنُبّذٌ مِنْ آرَائهم الفَلْسَفيَّةِ الإلحَادية

- ‌الفصل الثالثأسُسُ الفِكْر المادّي الإلحَادي

- ‌الفصل الرابعكشفُ زيُوف أفْكار المادّيّين وَجَدَليَّتِهِم

- ‌الفصل الخامسعقوبَة العَذابْ النّفسِيّ للمُلْحِدينَ

- ‌الفصل السادسالمادية الجدلية في الكون والتاريخ الإنساني

- ‌الباب الثانيالنُّظمُ الاقتِصَاديّة المعَاصِرَة

- ‌الفصل الأولنظرة تاريخيَّة حَول المذاهبْ الوَضْعيَّةللنظم الاقتصادية

- ‌الفصل الثانيلمحّة مُوجَزَة حَول مَنهج دين الله

- ‌الفصل الثالثمقارنة بين المذاهب الاقتصادية

- ‌الفصل الرابعنظرات متفرقة

- ‌الباب الثالثالنّظمُ السِيَاسيَّة المعَاصِرَة

- ‌الفصل الأولنَظرَة تاريخيَّة حَولَ المذاهِبْ الوَضْعيَّةلِلنُظم السيَاسيّة

- ‌الفصل الثانيلمحَة مُوجَزَة حَول مَنهَجْ دين اللهِ للنّاسِفي شؤون الحكم

- ‌الفصل الثالثمقارنة بين النظم السياسية

- ‌الفصل الرابعمتفرقات

الفصل: ‌الفصل الثانيمزاعم المضلين لهدم أسس الأخلاقوأبنيتها وتطبيقاتها في المجتمع

‌الفصْل الثاني

مَزاعِمُ المُضلِّين لِهَدْم أسُس الأخلَاق

وأبنيتها وتطبيقاتها في المجتمع

لما كانت الأخلاق في المجتمع الإنساني تمثل معاقد الترابط الاجتماعي بين الناس، وأسس قوانين العدل الحامية للحقوق بين الناس، كان من مهام أصحاب المذاهب المعاصرة الرامية إلى تدمير المجتمعات المتماسكة، بغية السيطرة عليها، أن يبذلوا ما يستطيعون من جهد ومكر وكيد لتدمير الأخلاق وقوانين العدل المبنية عليها، في هذه المجتمعات، من مختلف النواحي الفكرية والنفسية والتطبيقية.

ومن وسائلهم إلى ذلك أمران:

الأمر الأول: توجيه الافتراءات والأكاذيب والشتائم ضد مفاهيم الأخلاق السائدة في المجتمعات، وضد تطبيقاتها في السلوك.

الأمر الثاني: بث الأفكار والآراء والفلسفات المشحونة بالزيوف والمغالطات، لزلزلة أسس الأخلاق وقواعدها، وقوانين العدل المشتقة منها، أو المنبثقة عنها، ثمّ نسفها من جذورها.

1-

أما الأمر الأول: وهو توجيه الافتراءات والأكاذيب والشتائم، فأهمُّها ما نجده لدى الشيوعيين، إذ يتهم أئمتهم الأخلاق والقوانين المنبثقة عنها بأنها أوهام صنعها أصحاب مصالح طبقية، ليستروا بها مصالحهم، وبأنها نتاج أوضاع اجتماعية متغيرة، فهي غير ذات قِيَمٍ حقيقية، لذلك يجب عدم الاكتراث بها، بل تجب محاربتها.

ص: 199

2-

وأما الأمر الثاني: وهو بث الأفكار والآراء والفلسفات المشحونة

ص: 201

بالزيوف والمغالطات، لنسف الأخلاق والقوانين، ففيما يلي بيانه وكشف زيوفه.

أخبث ما في هذه الآراء التي روجها الماديون الملحدون وجنودهم ادعاء أن الأخلاق أمور اعتبارية ليس لها قيمُ ذاتية، فهي لا ثبات لها، لذلك فهي تختلف من شعب إلى شعب، ومن أمةٍ إلى أمة، ومن زمانٍ إلى زمان، فبعض الأمور تعتبر منافية لمكارم الأخلاق عند شعب آخر، أو أمةٍ أخرى، وبعض الأمور كانت في زمانٍ مضى أموراً منافيةً لمكارم الأخلاق، ثمّ صارت بعد ذلك أموراً غير منافية لها.

قالوا: وهذا يدل على أن الأخلاق مفاهيم اعتبارية تتواضع عليها الأمم والشعوب، وليس لها ثبات في حقيقتها، وليس لمقاييسها ثبات.

ويقولون أحياناً: إن الأخلاق أمور نسبية، ويقصدون بنسبيتها أن العمل الخلقي ق يكون فضيلة إذا فعله فريق من الناس، فإذا فعله فريق آخر كان رذيلة خلقية، فهو بالنسبة إلى صدوره من الفريق الأول أمرٌ حسن وخير، وبالنسبة إلى صدوره من الفريق الثاني أمرٌ قبيح وشر.

ويضربون لذلك أمثلة مشحونة بالزيوف، ومغلفة من ظاهرها بالمغالطات.

* * *

وحين يتبصر الباحث في أقوال هؤلاء الرامية إلى تدمير أسس الأخلاق، وأبنيتها، وتطبيقاتها، والقوانين والنظم المنبثقة عنها، يستطيع أن يكتشف عناصر المغالطات التي يلتجئون إليها، وما في دعاواهم من زيف لا يقبل به العقلاء، ذوو الإدراك السليم والانصياع للحق.

ومغالطتهم في هذا الموضوع ترجع إلى عدة أمور، أهمُّها:

* مدُّ عُنوان الأخلاق مداً يشمل التقاليد والعادات والآداب، وبعض الأحكام الدينية التي لا علاقة لها بموضوع الأخلاق من حيث ذاتها.

ص: 202

* مفاهيم بعض الناس للأخلاق ولأسسها، مع أنها مفاهيم غير صحيحة.

* اضطراب الفكر الفلسفي في تحديد المبادئ التي يرجع إليها الأخلاق، كالقوة، والمنفعة، واللذة، وغيرها.

ومن التعميم الفاسد الذي يطلقونه ويقررونه، ومن مفاهيم بعض الناس غير الصحيحة للأخلاق، ومن اضطراب الفكر الفلسفي في تحديده للمبادئ التي ترجع إليها الأخلاق، يجد المضلون أمامهم مجالاً مُهَيّأً لاستغلال أمثلة تدخل في هذه الأُطر العامة الموسّعة بالباطل، وهذه الأمثلة تخضع للتغيّر والتبدّل، ولا تظهر فيها قِيمٌ خلقية ثابتة، لأنها في الحقيقة ليست من الأخلاق، وإنما دُسَّت في الأخلاق تزييفاً لنقض الأخلاق بها.

واللعبة تتم على الوجه التالي:

o هذه أمثلة من مفردات الأخلاق التي يؤمن بها الأخلاقيون.

o هذه الأمثلة تخضع للتغيّر والتبدّل، فليس لها قيم ثابتة.

o إذن فالأخلاق كلها أمور ذات مفاهيم متغيرة متبدلة.

o إذن فالأخلاق كلها ليس لها قيم ثابتة.

o إذن فالأخلاق أمور اعتبارية، أو نسبية.

وبلعبة المغالطة هذه يسهل على مدمري الأخلاق في المجتمعات الإنسانية، إفساد الأجيال، حتى تتمرد على جميع الضوابط الخلقية، التي تُمثّل في الأمم قوى مترابطة وتماسكها، وعناصر الدفع لارتقائها الإنساني، وشروط المحافظة على أمجادها الموروثة والمتجددة بأعمالها.

* * *

شرح وتحليل:

منشأ المشكلة يرجع إلى الخطأ في تحديد مفهوم الأخلاق، وتحديد دوافعها وغاياتها، وتحديد مستوياتها، من قِبَل كثير من الناس، وفيهم كثير من الباحثين في علم الأخلاق، من فلاسفة ومفكرين.

ص: 203

وهذا هو الذي يفتح الثغرة الفكرية التي يعبُر منها الخبثاء الماكرون، ليهدموا الأبنية الأخلاقية الحصينة التي تتمتع بها الشعوب العريقة بأمجادها، لا سيما المسلمون الذين سبق أن رفعتهم الأخلاق العظيمة إلى قمة مجد لم يطاولهم فيها أحد.

وحين يتبصر الباحث بالأسس الأخلاقية، التي تم فيها تحديد مستوياتها، وفق المفاهيم المقتبسة من التعاليم الإسلامية، يتبين له بوضوح تساقط أقوال الذين يزعمون أن الأخلاق اعتبارية أو نسبية، وأنها من الأمور التي تتواضع عليها الأمم، وأنها ليست ذات قيم حقيقية، أو حقائق ثابتة.

فالباحث المتحري للحقيقة يستطيع أن يكتشف بسرعة عناصر المغالطة التي يصطنعها هؤلاء المضللون، إذ يأتون بأمثلة جزئية يزعمون أنها من الأخلاق، ثمّ يثبتون أنها أمور اعتبارية أو نسبية تتواضع عليها الأمم، وليس لها حقائق ثابتة في ذاتها، ثمّ ينقضون بها ثبات الأخلاق نقضاً كلياً، بطريقة تعميمية لا يقبل بها العلم، حتى على افتراض أن هذه الأمثلة هي من الأخلاق فعلاً، لأنه لا يجوز علميّاً الحكمُ على النوع كله من خلال الحكم على بعض أفراه، ما لم يثبت أن سائر الأفراد مشتركة بمثل الصفة التي كانت علة صدور الحكم على بعض الأفراد.

إن مغالطتهم هذه تشبه مغالطة من يأتي بمجموعة من القرود، ويلبسها لباس بني آدم، ويدخلها بين مجموعاتهم ثمّ يقول: إن الناس جميعهم لهم صفات القرود، بدليل أن هذا الإنسان - ويشير إلى بعض قروده - له صفات القرود، بدليل أن هذا الإنسان - ويشير إلى فرد آخر من هذه المجموعة المزيفة- له صفات القرود. وهكذا يأتي بأمثلة متعددة من هذا العنصر الدخيل، ثمّ يصدر حكمه التعميمي في مغالطة أخرى، فيقول: ومن هذا يتبين لنا أن جميع الناس لهم صفات القرود.

إن هذه العملية قد تضمنت مغالطة مركبة تمت على مرحلتين:

المرحلة الأولى: إدخال عنصر ليس من البشر تحت عنوان البشر.

ص: 204

المرحلة الثانية: تعميم الحكم الذي يَصدر على هذا العنصر الدخيل، وجعله شاملاً للناس جميعاً.

وهذا مثال مطابق تماماً لمغالطتهم في موضوع الأخلاق، فهي أيضاً تشتمل على إدخال ما ليس من أفراد الأخلاق تحت عنوان الأخلاق، ثمّ تعميمهم حكمهم على هذه الأفراد الدخيلة، وجعله شاملاً لجميع أفراد الأخلاق الحقيقية.

نماذج من الأمثلة التي يدخلونها في الأخلاق وهي ليست منها:

فمن الأمثلة الجزئية التي يدخلونها في الأخلاق وليست منها، وغرضهم من ذلك التمهيد لنقض الأخلاق بها، ما يلي:

1-

يقولون: إن أكل لحم الميتة أمر لا يعتبر منافياً للأخلاق عند بعض القبائل، بينما يعتبر منافياً للأخلاق عند الذين لا يأكلون لحم الميتة، حتى حين تأكل بعض القبائل موتاها من الناس فإن لها في ذلك مبرراتها الاقتصادية، إذ ترى أن انتفاعها بلحوم موتاها خير من تركها للدود، وخير من دفنها في التراب، وتركها تتعفن وتتفسخ وتتحلل.

وهذا يدل على أن الأخلاق أمور اعتبارية ونسبية، وليس لها قيم حقيقية ثابتة، وهي قابلة للتغير والتبدل من زمان إلى زمان، ومن أمة إلى أمة.

2-

ويقولون: إن بعض الأمم تحرم شرب بعض أنواع من الأشربة، كالخمور، وتعتبر شربها عملاً منافياً للأخلاق، بينما ترى أمم أخرى أنه لا شيء في شربها.

3-

ويقولون: إن بروز المرأة بزينتها، وتعريها من ثيابها، وعرضها مفاتنها للرجال الأجانب، أمرٌ لا يعتبر منافياً للأخلاق عند كثير من الشعوب، بينما يعتبر عند شعوب أخرى من الرذائل الخلقية.

ويأتون بمثال تعدد الزوجات وإباحته عند أمة وتحريمه عند أمة أخرى.

ص: 205

4-

ويقولون: إن دعم مراعاة الأنظمة المتبعة في الطعام والشراب واللباس عند بعض الأمم، يعتبر من الأمور المستنكرة جداً، والمنافية للأخلاق، بينما ترى أمم أخرى خلاف ذلك، إذ ترى أن ترك الإنسان حراً يتصرف كما يحلو له في طعامه وشرابه ولباسه هو الفضيلة الخلقية.

ويأتون بأمثلة الطقوس في البلاد الأقيانوسية، ومنها تحريمهم الطعام تحت سقف، والمكث في المسكن إذا كان الإنسان مريضاً، وتحريمهم استعمال الأيدي في تناول الطعام بعد فراغ الإنسان من حلق شعره، أو بعد فراغه من صنع زورق، وهكذا يوردون أمثلة هي من العادات والتقاليد الاجتماعية، أو من الظواهر الجمالية، أو من الأحكام الدينية لدين صحيح أو لدين وضعي من وضع البشر.

قالوا: وكل هذا يدل على أن الأخلاق أمور اعتبارية ونسبية، وليست لها قيم حقيقية مطلقة ثابتة، وهي قابلة للتغير والتبدل من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن بيئة اجتماعية إلى بيئة اجتماعية أخرى، ومن أمة إلى أمة أخرى.

وحين يورد المضلون مثل هذه الأمثلة الجزئية، لا يعرجون على أخلاق الصدق، والعدل، والأمانة، والوفاء بالعهد والوعد، والكرم، والشجاعة وأمثالها، ولا يذكرون الرذائل الخلقية المضادة لها، كالكذب، والجور، والظلم، والخيانة، والغدر، والشح، والجبن في المواطن التي تحسن فيها الشجاعة، وأمثالها.

المناقشة:

لدى تحليل الأمثلة التي يذكرونها لنقض الأخلاق بها، يلاحظ الباحث الفاحص أنها ليست في الحقيقة من فروع الأخلاق، وإنما ترجع إلى أصول أخرى.

فالمنع من أكل لحم الميتة مثلاً، أو شرب الخمور يرجع إلى أنه

ص: 206

حكم دينيٌّ، لابتلاء إرادة الإنسان في الحياة الدنيا، وهو من ناحية أخرى حكم تقتضيه موجبات الحماية الصحية.

فإدخاله في الأخلاق، وإرجاعه إلى أصولها، واعتباره من مفرداتها، غلطٌ فكري، أو مغالطة وتزييف.

وحجاب المرأة وإلزامها بالحشمة، وعدم عرض زينتها ومفاتن جسمها للرجال الأجانب، حكم ديني لابتلاء إرادة الإنسان في الحياة الدنيا، وهو أيضاً أمر اقتضته قاعدة سد الذرائع، فهو يساعد على درء الفتنة، وحماية المجتمع من أن تنتشر فيه الفاحشة، التي يتولد عن انتشارها اختلاط الأنساب، وتفكك الأسر، وانهيار المجتمعات.

فإدخال هذا الموضوع في الأخلاق، وإرجاعه إلى أصولها، واعتباره من مفرداتها، غلطٌ فكري، أو مغالطة وتزييف.

وتتعدد الزوجات حكم ديني روعيت فيه مصالح إنسانية لا دخل له في الأخلاق.

ومراعاة الأنظمة المتبعة عند بعض الأمم في الطعام والشراب واللباس، أمرٌ من الآداب الجمالية الحضارية لديهم، وليس فرعاً من فروع الأخلاق.

فإدخاله في الأخلاق، وإرجاعه إلى أصولها، واعتباره من مفرداتها، غلط فكري، أو مغالطة وتزييف.

أليس عجيباً أن يدخلوا مثل هذه الأمثلة في باب الأخلاق مع أنها في جوهرها من أبواب غير باب الأخلاق، فهي إما أحكام دينية، أو طقوس وعادات وتقاليد؟! وإدخالها في باب الأخلاق مغالطة.

ولستر مغالطتهم التي يدخلون بها في الأخلاق ما ليس منها، تمهيداً لنسف الأخلاق من جذورها، يعتمدون على مفاهيم بعض الناس الخاطئة للأخلاق، إذ يعتبرون أن هذه المفاهيم جزء من حقيقة الأخلاق.

ص: 207

مع أن مفاهيم الناس قد تصدق وقد تكذب، فهي لا تمثل جزءاً من حقيقة الشيء الذي هو موضوع البحث، وإنما تمثل مقدار إدراك أصحابها لحقيقة الشيء، وهذا الإدراك قد يكون مطابقاً لحقيقة الشيء، وقد يكون مخالفاً لها، وقد يكون كاملاً وقد يكون ناقصاً، وهو لا يؤثر بحالٍ من الأحوال على حقيقة الشيء.

لقد كان للفلاسفة القدماء مفاهيم عن السماء، وهذه المفاهيم مخالفة لواقع حال السماء، ومع ذلك فإن أي ذي عقل سليم لا يقبل اعتبار هذه المفاهيم جزءاً من حقيقة السماء.

وللناس مفاهيم كثيرة باطلة عن الخالق، ولا يجوز مطلقاً أن تكون هذه المفاهيم جزءاً من حقيقة الخالق.

وينكر كروية الأرض منكرون، ولكن مفاهيمهم هذه لا يمكن أن تجعل الأرض في واقع حالها غير كروية.

على مثل هذا الغلط الفكري يدخل كثير من الناس في الأخلاق ما هو ليس من الأخلاق، كتقاليد، وعادات، وأحكام وضعية، ليس لها أسس ولا جذور تجعلها نابعة من الأسس الخلقية، أو منبثقة عنها.

كذلك يجحد كثير من الناس بعض ما هو من الأخلاق فعلاً، فيزعم أنه لا داعي للتقيد بقواعد الأخلاق فيها.

فهل يؤثر هؤلاء أو هؤلاء على الحقيقة المطلقة للأخلاق؟!.

إن مفاهيم الناس ليست هي التي تصنع الحقائق، بل وظيفتها أن تعمل على إدراك الحقائق، حتى تكون صورة الحقائق فيها مطابقة لما هي عليه في الواقع.

وما قيمة مفاهيم الناس حول حقيقة من الحقائق، ولنفرض أن بعض الناس استحسنوا رذائل الأخلاق، ولم يجدوا أي رادع من ضمائرهم يردعهم عنها، فمارسوا الظلم بمثل الجرأة التي يمارسون بها العدل،

ص: 208

ومارسوا الخيانة بمثل الجرأة التي يمارسونها بها الأمانة، ومارسوا قسوة القلب بمثل الجرأة التي يمارسون بها الشفقة والرمة، ومارسوا الكذب الضار بمثل الجرأة التي يمارسون بها الصدق النافع، أفيغير ذلك واقع حال الرذائل فيجعلها من قبيل الفضائل؟!.

كم نشاهد من شعوب تألف القذارات، وتعيش فيها، ولا تشعر بأنها تعمل عملاً غير مستحسن أو غير جميل، فهل تغير مفاهيمهم من واقع حال القذارة القبيح شيئاً؟!.

إن فساد مفاهيم الناس حول حقيقة من حقائق المعرفة لا يغير من واقع حال هذه الحقيقة شيئاً، وجميع حقائق المعرفة تتعرض لمشكلة فساد مفاهيم الناس عنها، وفساد تصور الناس لها.

ويوجد سبب آخر للخطأ الذي يقع فيه الباحثون في علم الأخلاق، هو اعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق، ونسبوا إلى هذا المقياس العصمة عن الخطأ مع أنه مقياس غير كافٍ وحده، فقد يخطئ، وقد يُصابُ عند بعض الناس بعلةٍ من العلل المرَضِيَّة، فيعشى أو يعمى، أو تختلُّ عنده الرؤية، فيصدّر أحكاماً فاسدة.

* * *

تلخيص لأسباب الغلط أو المغالطة:

مما سبق يتضح أن أسباب الغلط أو المغالطة عند القائلين بأن الأخلاق اعتبارية أو نسبية، وليس لها ثبات ولا قيمٌ حقيقية مطلقة، ترجع إلى ثلاثة أمور:

الأمر الأول: تعميم اسم الأخلاق على أنواع كثيرة من السلوك الإنساني، فلم يميّزوا الظواهر الخلقية، عن الظواهر الجمالية والأدبية، وعن العادات والتقاليد الاجتماعية، وعن التعاليم والأحكام المدنية أو الدينية البحتة، فحشروا مفردات كل هذه الأمور تحت عنوان الأخلاق، فأفضى

ص: 209

ذلك بهم إلى الخطأ الأكبر، وهو حكمهم على الأخلاق بأنها أمور اعتبارية أو نسبية.

الأمر الثاني: أنهم جعلوا مفاهيم الناس عن الأخلاق مصدراً يرجع إليه في الحكم الأخلاقي، مع أن في كثير من هذه المفاهيم أخطاءً فادحة، وفساداً كبيراً، يرجع إلى تحكم الأهواء والشهوات والعادات والتقاليد فيها، ويرجع أيضاً إلى أمور أخرى غير ذلك.

والتحري العلمي يطالب الباحثين بأن يتتبعوا جوهر الحقيقة، حيث توجد الحقيقة، لا أن يحكموا عليها من خلال وجهة نظر الناس إليها، فكل الحقائق عرضة لأن يثبتها مثبتون ، وينكرها منكرون، ويتشكك فيها متشككون، ويتلاعب بها متلاعبون، ومع ذلك تبقى على ثباتها، لا تؤثر عليها آراء الناس فيها.

الأمر الثالث: اعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق، مع أن هذه عرضة للصواب والخطأ، كما سبق بيان ذلك.

* * *

تلخيص طريقة دُهاة التضليل لهدم الأخلاق:

ويمكن تلخيص طريقة دُهاة التضليل لهدم الأبنية الأخلاقية، والقوانين والأنظمة المنبثقة عنها بالوسائل الأربعة التالية:

الوسيلة الأولى: إقناع الأجيال بأن الأخلاق أمور اعتبارية، ونسبية، وهي متغيرة متبدلة، ولا ثبات لها، وليس لها حقائق مطلقة لا تتغير.

الوسيلة الثانية: أن يستغلوا بخبث بعض الآراء والأفكار الفلسفية، التي من شأنها تقليل قيمة الأخلاق في نفوس الناس، إذ تقيمها على أسس واهنة ضعيفة، أو على شفا جرف هار.

ومتى قامت في نفوس الناس على مثل ذلك تداعت الأبنية الأخلاقية

ص: 210

التقليدية، ثمّ انهارت، وحلت محلها أنانيات فوضوية، تعتمد على القوة والحيلة، والإباحية المطلقة لكل شيء مستطاع، فلا خير إلا ما تدعمه القوة، ولا شر إلا ما تضعف القوة عن تحقيقه.

الوسيلة الثالثة: أن يلفقوا من عند أنفسهم آراءً وأفكاراً فلسفية، يطلقون عليها اسم "نظريات" تزييفاً للحقيقة، ثمّ يخدعون بها الناس، لا سيما الناشئون منهم، ويستغلون فيهم رغبات المراهقة بالتمرد على الحق والواجب، تطلعاً لمجد موهوم.

وقد تطول فترة المراهقة عند بعض الناشئين، حتى تكستح عمر الشباب منهم، وجزءاً من عمر الكهولة، وسبب ذلك الاستسلام التام لعواصف طور المراهقة، ووجود المغذيات الشيطانية الخبيثة، وضعف التربية الإسلامية، أو انعدامها.

ومتى وجدت هذه الظروف المواتية لنمو الشر، فليس من البعيد أن يصير الإنسان شيخاً في سنة وجسمه، ويبقى مراهقاً في علقه ونفسه.

الوسيلة الرابعة: اتخاذ الوسائل العملية التطبيقية لإفساد أخلاق الأمم، وأهمها الغمس في بيئات موبوءة بالأخلاق الفاسدة، حتى تكون الانحرافات عادات مستطابات.

* * *

نظرة حول المفاهيم الإسلامية:

لقد ميزت المفاهيم الإسلامية الأخلاق عما سواها، وميزت السلوك الأخلاقي عن سائر أنواع السلوك الإنساني، فلم تعمم تعميماً فاسداً، ولم تدخل في مفردات الأخلاق ما ليس منها.

وهي أيضاً لم تعتمد على مفاهيم الناس المختلفة، ولم تتخذها مصدراً يرجع إليه في الحكم الأخلاقي.

وأما العقل والضمير فإن المفاهيم الإسلامية لم تُهْمِلْهما، وإنما قرنتهما

ص: 211

بعاصم يردها إلى الصواب، كلما أخطأ سبيل الحق والهداية والرشاد، وهذا العاصم هو الوحي الذي نزل بدين الله لعباده، وشرائعه لخلقه، وتعاليمه التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، لأنها تنزيل من عزيز حكيم، وقد بلغها رسله، أما صورتها المثلى المحفوظة من التغيير فهي ما ثبت في نصوص الشريعة الإسلامية، المنزلة على رسول الله صلوات الله وسلاماته عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

فمن تبصّر بالأصول العامة للأخلاق في المفاهيم الإسلامية، وتبصّر بأن الأخلاق الإسلامية مقترنة بالوصايا والأوامر والنواهي الربانية، وتبصّر بأن هذه الوصايا والأوامر والنواهي محفوفة بقانون الجزاء الإلهي بالثواب أو بالعقاب، فإنه لا بد أن يظهر له بجلاء أن الأخلاق الإسلامية هي حقائق في ذاتها، وهي ثابتة ما دام نظام الكون، ونظام الحياة، ونظام الخير والشر، أموراً مستمرّة ثابتة، وهي ضمن المفاهيم الإسلامية الصحيحة غير قابلة للتغير أو التبدل من شعب إلى شعب، ومن أمة إلى أمة، ومن زمان إلى زمان.

أما الأمة الإسلامية فهي أمة واحدة، وهي لا تتواضع فيما بينها على مفاهيم تخالف المفاهيم التي بينها الإسلام، والتي أوضحها في شرائعه ووصاياه.

وإذا رجعنا إلى مفردات الأخلاق الإسلامية، وجدنا أن كل واحدة منها - ضمن شروطها وقيودها وضوابطها - ذات حقيقة ثابتة، وهي غير قابلة في المنطق السليم للتحول من حسن إلى قبيح، أو من قبيح إلى حسن. إن حسنها حسنٌ في كل زمان، وقبيحها قبيح في كل زمان، ولا يؤثر على حقيقتها أن تتواضع بعض الأمم على تقبيح الحسن منها، أو تحسين القبيح، تأثراً بالأهواء، أو بالشهوات، أو بالتقاليد العمياء.

إن الإسلام يقرر مثلاً أن حب الحق وكراهية الباطل فضيلة خلقية، ويقرر أن كراهية الحق وحب الباطل رذيلة خلقية، فهل يشك إنسانٌ سويٌّ عاقل في أن هذه الحقيقة حقيقة ثابتة غير قابلة للتحول ولا للتغير، وإن

ص: 212

تواضع على خلافها جماعة ذات أهواء؟!.

وهكذا سائر الأمثلة الأخلاقية الإسلامية.

* * *

تطلع عقلاء الغرب إلى الأمة الإسلامية لحل مشكلة إشراف العالم على الانهيار:

أصبح الكثير من عقلاء الغرب ومفكريهم يرددون عبارات تطلعهم إلى الأمة الإسلامية التي تملك ميراثاً فكرياً خلقياً عظيماً، وبقايا تطبيقات له، لحل مشكلة الانهيار الأخلاقي السائد في الغرب، والذي أمسى يشمل مختلف نواحي الحياة المعاصرة، ويهدد بأخطار فادحة جداً.

ومن ذلك ما صرح به الدكتور "شون ماكبرايد" الحائز على جائزة نوبل للسلام سنة (1974م) . وجائزة لينين للسلام سنة (1977م) . والمدالية الأمريكية للعدالة سنة (1978م) وجائزة داغ همرشولد سنة (1980م) . وهو رئيس مكتب حركة السلام في جنيف. وعضو مؤسس لمجموعة العفو الدولية. وهو وزير خارجية سابق في بلده "إيرلندا". وقد عمل مساعداً للسكرتير العام للأمم المتحدة

فقد جاء في تصريحه لمندوب جريدة الشرق الأوسط المنشور بعددها الصادر في (17-4-1984م) ما يلي:

1-

يعتقد "ماكبرايد" أن كمية العنف والمشاكل المتنامية في العالم حالياً، والتي يقابلها فقر كامل في توفير الحلول المناسبة، إنما ترجع إلى أسباب عديدة، في رأسها الانهيار التام في المسؤوليات الأخلاقية من جانب الحكومات، فقضايا محاكمات رؤساء الجمهوريات ورؤساء الدول بسبب الرشاوى والفساد أصبحت شيئاً عادياً.

وهذا الاتجاه في الانهيار والذي بدأ منذ الحرب العالمية الثانية، قد جاء في وقت غير ملائم، وذلك لأن الإنسان في هذه الفترة قد توصل إلى اختراع أسلحة يمكنها أن تبيد كل الجنس البشري.

ص: 213

وساهم في الوصول إلى هذا الوضع التشجيع المعلن والخفي من جانب المجمع الصناعي والعسكري القوي والمؤثر لاستمرار الأزمات والحروب، وذلك حتى يتمكن من تسويق الأسلحة التي ينتجها، ويجني مزيداً من الثروة، حتى أنَّ ما ينفق على الأسلحة في العالم الثالث أكثر مما ينفق على شراء القمح.

2-

ويرى أيضاً أن السبب الأساسي للانهيار الكبير في المسؤولية الأخلاقية، يعود إلى التطور المذهل، والسريع، والمتلاحق، في مجال العلوم التطبيقية، الذي لم يواكبه تطور مماثل في مجال العلوم الإنسانية.

فبسبب هذا التطور المادي السريع تزداد الحاجة إلى معادل أخلاقي مماثل، ففي الوقت الذي توصَّل فيه الإنسان إلى اختراع أسلحة نووية، يمكنها إبادة الحياة على هذا الكوكب، يتطلب الأمر أن ترتفع المسؤولية الأخلاقية بمثل هذا المستوى، لكن هذا غير حاصل.

ففي الغرب عموماً نجد أن المجتمعات الغربية تعيش في مرحلة الحريات لا تحدها أية قيود: فتعاطي المخدرات، والخمور، والحرية الجنسية أصبحت أموراً معتادة في الحياة اليومية. وكل ذلك يرجع إلى غياب المعادل الأخلاقي للتطور المادي الذي يعيشه الغرب.

ويرجع هذا بمقدارٍ ما إلى أن المؤسسات الدينية والأخلاقية تأخذ وقتاً أطول في التكيف مع المتغيرات، ومواكبة الظروف المستجدة.

3-

ويقول أيضاً: في الغرب إحساس بالتفوق، واختصاصيو الكمبيوتر مثلاً يقولون: إنه في غضون عامين مثلاً يمكن إنتاج نوع من الكمبيوتر يتفوق على كل شيء. ومن يسيطر على هذا الكمبيوتر يمكنه أن يكون في موقف أقوى من شخص لا يملكه. ومن هنا يتزايد الإحساس بضرورة وجود المعادل الأخلاقي، الذي يمكنه ضبط هذا التقدم التكنولوجي.

4-

ويخاطب العرب والمسلمين فيقول: أنتم محظوظون في هذا الجزء من العالم، لأن الإسلام والقيم الأخلاقية لا زالت ضاربة جذورها في

ص: 214

مجتمعاتكم، ولهذا فأنتم تواجهون تحديين:

* حماية قيمكم الدينية والأخلاقية من أن تتأثر بنوع القيم السائدة حالياً في الغرب. وقد نجح الإسلام حتى الآن في تجنب الآثار السلبية للحضارة الغربية. لكن السؤال هو: هل ستتمكنون من الاستمرار في الحفاظ على نقاوة مجتمعاتكم، في عصر البرامج التلفزيونية، والتي ستُبَثُّ عبر الأقمار الصناعية؟.

* كذلك هناك السعي إلى بناء الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية في العالم، ليس عن طريق فرض القيم الإسلامية، وإنما بإعطاء المثل الخير، وفتح الطريق أمام شباب العالم الحائر.

هذا ما صرح به "شون ماكبرايد" فهل نقوم نحن المسلمين بتحمّل مسؤولياتنا تجاه العالم، فنعلم الناس الإسلام، ومكارم الأخلاق فيه بتقديم القدوة الحسنة، والمثل الخيّر؟ ولا نستورد الانحلال الخلقي الذي استشرى داؤه الشنيع في الغرب.

* * *

ومن المفيد أن أشير إلى أن المفكر الفرنسي "رجاء جارودي" روجيه جاردوي سابقاً الذي كان شيوعياً ومن الله عليه بالهداية، أصبح يعلن في مقالاته ومحاضراته أن الحضارة الغربية في أزمة خطيرة، وأن المنهج الأمريكي والمنهج السوفياتي قد أثبتا فشلهما، وأن العالم يسوده الآن الخوف على استمراره وبقائه، وأن الإسلام هو الأمل الوحيد لإنقاذ العالم.

ص: 215