الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
مقارنة بين المذاهب الاقتصادية
(1)
مقدمة
تتباين المذاهب الاقتصادية الوضعية منها والربانية في هياكلها الكلية، وفي كثير من فروعها وتطبيقاتها، تبعاً لاختلاف أسسها الجذرية، ومنطلقاتها التي تنطلق منها، ومبادئها التي تنبعث عنها.
وليس معنى تباينها أنها تتنافر وتتباين في كل أجزائها، وعناصرها وتطبيقاتها، بل قد تتلاقى وتتشابه في بعض كل ذلك، وتلاقيها وتشابهها في بعض الأجزاء والعناصر والتطبيقات لا يلغي تباينها في هياكلها الكلية، والمجمل العام لكل منها.
وتباينها في هذا نظير تباين أنواع الثعالب والذئاب والضباع والدببة والناس وسائر أنواع الأحياء. فهذه الأنواع متباينة فيما بينها، مع التلاقي والتشابه بين بعض أجزائها وعناصرها وطرائق سلوكها، لكن المركب العام لكل نوع منها مباين لسائر الأنواع.
وأنواع المذاهب الاقتصادية ثلاثة أصول:
أ- فالنظام الاقتصادي الرباني الذي هو صراط سويٌّ على قمة، هو النوع الأول الأعلى.
ولهذا الصراط وسط مرتفع تقع فيه مرتبة الإحسان، وهي مرتبة ذات درجات. ودون مرتبة الإحسان مستوى تقع فيه مرتبة البر، وهي مرتبة ذات درجات أيضاً، ودون مرتبة البر مستوى تقع فيه مرتبة التقوى، وهي مرتبة ذات درجة واحدة، والإخلال بواجباتها وبشروطها أو النزول عن مستواها إخلال بنظام الإسلام الاقتصادي، أو انحدار عنه، ومعصية لله فيه.
ونظام الإسلام الاقتصادي أساسه الحق والعدل والتكافل والتضامن والبر والإحسان وابتغاء مرضاة الله، وليس فيه ظلم ولا عدوان، ولا انحياز للفرد ضد مصالح الجماعة وحقوقها، ولا انحياز الجماعة ضد مصالح الأفراد وحقوقهم.
ب- وتنحدر عن يمين صراط الإسلام النظم الوضعية المنحازة إلى الفرد، والمسرفة في إطلاق حريات الأفراد وتصرفاتهم، وعدم فرض القيود عليهم في التملك، والكسب والإنفاق أو التخفيف منها على خلاف موجبات الحق والعدل وصالح المجتمع البشري التي لا تتحقق بدون التكافل والتعاون والبعد عن كل عدوان وظلم.
وكلما خفت القيود على الأفراد في التملك والكسب والإنفاق كان النظام أكثر انحداراً عن يمين صراط الإسلام، إلى حضيض وادي اليمين.
وتقع في أدنى المنحدر فردية الاسترقاق والنظام الاستعبادي، بسبب إطلاق حريات الأفراد إطلاقاً كاملاً دون أية قيود.
وفوقه تأتي درجات الإقطاع، فالرأسماليات المتفاوتات الدرجات. وأخفها يقترب من مستوى القمة، ولكن لن يصل إليه، لاختلاف الأسس الجذرية والمنطلقات والمبادئ.
والنظم الاقتصادية الواقعة في هذا المنحدر تدخل في النوع الثاني.
جـ- وتنحدر عن يسار صراط الإسلام النظم الوضعية المنحازة إلى الجماعة، في إسرافها ضد الفرد وحقوقه وحرياته، باسم مصلحة الجماعة.
وكلما كان النظام أكثر انحيازاً للجماعة، وضغطاً على الأفراد، وحرماناً لهم من حرية التملك والكسب والإنفاق، وضغطاً على الأفراد، وحرماناً لهم من حرية التملك والكسب والإنفاق على خلاف موجبات الحق والعدل ومقتضيات الفطرة البشرية، كان أكثر انحداراً عن يسار صراط الإسلام، إلى حضيض وادي اليسار.
وتقع في أدنى منحدر اليسار الشيوعية، التي هي أنانية فردية في أقسى صورها واستبدادها، ولكن ضمن قناع الجماعية وحكم الجماعة وسلطة الجماعة.
وفوق الشيوعية تأتي درجات الاشتراكيات الشديدة فالمخففة، وأخفها قد يقترب من مستوى القمة، ولكن لن يصل إليه، بسبب اختلاف الأسس الجذرية والمنطلقات والمبادئ.
والنظم الاقتصادية الواقعة في هذا المنحدر تدخل في النوع الثالث.
ويلاحظ أن دركات المنحدر الواقع دون يمين صراط الإسلام، تشابه نظيراتها في المنحدر الواقع دون يسار صراط الإسلام، في نسب ظلمها وبعدها عن الحق والعدل والخير ومصالح الأفراد والجماعات، وفي مقدار نصيبها من معصية الله عز وجل.
(2)
الأسس الجذرية للمذاهب الاقتصادية
الأول: نظام الإسلام منهج رباني، أحكامه مستنبطة من مفاهيم النصوص الإسلامية والتطبيقات النبوية، وما يقاس عليها ضمن كليات شريعة الله للناس.
والله عز وجل عليم بعباده وبما هو الأصلح لهم، حكيم يصطفي لهم من الأنظمة ما فيه صلاحهم وسعادتهم، أو ما هو الأرجى لصلاحهم وخيرهم وسعادتهم، خبير بفطرهم، وخصائص نفوسهم، ومشكلات حياتهم، فهو يختار لهم - وهم جميعاً عباده - ما هو الأصلح لهم جميعاً دون تحيز.
أما النظم الأخرى فهي نظم وضعية وضعها الناس، وهي نتاج أفكارهم وآرائهم. وواضعوها واقعون في معظم أحوالهم تحت تأثير أهوائهم، أو نزعاتهم الأنانية، أو مصالح طبقاتهم الاجتماعية ضد الطبقات الأخرى، أو أغاليطهم الفكرية، أو وساوس شياطين الإفساد في الأرض.
الثاني: نظام الإسلام منهج ملائم للفطرة الإنسانية، ومصلحة المجتمع البشري، وهو قائم في أحكامه الإلزامية على الحق والعدل دون انحياز للفرد أو للجماعة.
ففي الفطرة الإنسانية حب التملك، الذي هو أحد الدوافع الكبرى في نفس الإنسان.
وحب التملك هو الدافع للعمل والإنتاج والتنافس في الابتكار والتحسين والتقدم الصناعي والزراعي والعمراني والعلمي وسائر وجوه النشاط الحضاري.
والحقوق الفردية والواجبات الاجتماعية، التي يشتمل عليها نظام الإسلام أمور تضمن مصالح المجتمع البشري على أحسن صورة ممكنة.
أما النظم الأخرى فهي:
أ- إما مسرفة في انحيازها لحريات الأفراد الاقتصادية، الأمر الذي يؤدي إلى فساد المجتمع، وهضم لحقوق الجماعة، وتمكين ذوي القوة والحيلة من الظلم والسيطرة والاستبداد بغير حق.
وهي النظم المنحدرة عن يمين صراط الإسلام، مع تفاوت دركات الانحدار، وتفاوت نسب الظلم والسيطرة والاستبداد والفساد.
ب- وإما معاكسة للفطرة الإنسانية، ومسرفة في انحيازها الصوري لمصلحة الجماعة، والضغط بغير حق على حريات الفرد الاقتصادية، مع تمكين الأجهزة المشرفة وأفراد الحزب الحاكم من الاستغلال الفردي والظلم والسيطرة والاستبداد.
وهي النظم المنحدرة عن يسار صراط الإسلام، مع تفاوت دركات الانحدار، وتفاوت نسب الظلم والسيطرة والاستبداد والفساد.
الثالث: نظام الإسلام يقرر أن الملك كله لله عز وجل، وهو الذي يملّك عباده بحكم الدين الذي ارتضى لهم، ضمن ضوابط الحق والعدل
والخير التي اقتضتها حكمته المشمولة بعلمه المحيط بكل شيء.
وهو عز وجل يحرم عليهم التملك المفضي إلى الضرر في الدين، أو الخلق، أو المفضي إلى الإضرار بالناس أفراداً أو جماعات.
ومن هنا تظهر قيود كثيرة على الكسب، فتجعل من الكسب ما هو مشروع، وما هو غير مشروع.
مع التمكين القدري من الكسب غير المشروع، تحقيقاً لحرية إرادة الإنسان، التي هي من مقتضيات امتحانه في الحياة الدنيا، وعليه بعد ذلك أن يتحمل نتائج اختياراته، في الحساب والجزاء بالعدل يوم الدين الأكبر، وبعض ذلك يصيبه معجلاً في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أكبر وأشق.
أما النظم الأخرى فواضعوها على أقسام:
أ- إما كافرون بالله جاحدون لوجوده، ففكرة أن الملك كله لله وكل ما يلزم عن هذه الفكرة، ليست موجودة لديهم أصلاً، فلا وجود إذن للوازم هذا المبدأ لديهم.
وهم الشيوعيون، وسائر الملاحدة الماديين.
ب- وإما مؤمنون بالله خالقاً، ولكنهم لا يؤمنون بأن دينه يتدخل في أنظمة الحياة.
كبعض الفلاسفة، وبعض أتباع الأديان الذين يحاولون حصر الدين في العقائد الغيبية، وفي طقوس العبادات المحضة.
جـ- وإما مؤمنون بالله خالقاً ومنزلاً للشرائع، لكنهم جاحدون لطاعته على طريقة إبليس، أو عاصون لأوامره ونواهيه.
فكل هؤلاء الأصناف تختلف مبادئهم ومنطلقاتهم في أنظمتهم عن نظام الإسلام في حدود هذا الأساس الثالث من الأسس الجذرية.
الرابع: يقوم نظام الإسلام في أحكامه الإلزامية على العدل بين الفرد والجماعة، دون غلو لصالح الفرد، أو غلو لصالح الجماعة.
والعدل يستند إلى الحق، وتحديد حق الفرد وحق الجماعة في قضايا الأموال مرجعه خالق الناس، ومالكهم، ومالك ما يملكهم من حقوق، ضمن حكمة الابتلاء في ظروف هذه الحياة الدنيا، وهو عز وجل عليم حكيم، يوزع الحقوق بحسب مصالح العباد، ويجعل لها موجبات ومبررات طبيعية، وحكماً اجتماعية تدركها العقول.
والعدل يستلزم وضع قيود على حرية الفرد في الكسب لصالح الجماعة، وتكليف الفرد بحقوق في ماله لصالح الأقربين ولصالح الزوجة، ولصالح الجماعة، وللمصالح العامة.
والعدل يستلزم تكليف الجماعة تأمين حقوق الأفراد في حرية الكسب المشروع، وفي التملك المشروع، ما داموا ملتزمين بما أذن الله لهم في ذلك. وتكليف الجماعة أيضاً كفالة الفرد حينما يكون عاجزاً عن كفالة نفسه بماله أو بعمله، أو أسرته.
وللإسلام في ذلك تنظيم رائع، ملائم للفطرة، راعى الله فيه التوزيع الأسري في التكافل، والتعاون الجماعي فيما وراء ذلك.
أما النظم الأخرى فلا تقوم على أساس العدل بين الفرد والجماعة، واحترام الحقوق المقررة لكلٍّ منهما في شريعة الله.
أ- فالنظم المنحدرة عن يمين صراط الإسلام تنطلق من جعل حرية الفرد حقاً مقدساً، والأساس الذي يجب احترامه واعتباره القاعدة التي تبنى عليها حقوق الكسب والتملك.
ولكن قد يلزم من إطلاق حرية الفرد تصرفات فيها عدوان على الآخرين، وظلم لحقوقهم، وتحايل على إرادتهم، واستغلال لهم.
والمُخَفَّفُ من هذه النظم يُدْخِل بعض القيود على حرية الفرد في الكسب والتملك، وهذا ما نلاحظه في أخف صور الرأسمالية.
وكلما كثرت القيود لصالح الجماعة ولصالح الحقوق العامة، اقترب
النظام من القمة التي يحتلها نظام الإسلام، ولكن أخفها لن يصل إلى مستوى القمة، لأن أخفها يجعل من وسائل الكسب المشروعة التي تترتب عليها الحقوق الربا، والميسر وطائفة من الاحتكارات وبعض الاحتيالات كعقود الغرر وهذه كلها محرمة في نظام الإسلام ولا تعتبر من الوسائل المشروعة فيه للكسب. ولأن أخفها أيضاً لا يوجب الزكاة، ولا يوجب كثيراً من النفقات الواجبة في نظام الإسلام.
إلى غير ذلك من فروق تكشفها تفصيلات الأنظمة.
ب- والنظم المنحدرة عن يسار صراط الإسلام تنطلق من جعل حق الجماعة ومصلحتها هو الحق المقدس، والأساس الذي يجب احترامه، واعتباره القاعدة التي يبنى عليها الاقتصاد كله.
لذلك فهي تنحاز إلى الجماعة انحيازاً مسرفاً، مدعيةً أن ملكية الأشياء ملكية يشترك فيها الجميع بالمساواة.
ويقول الاشتراكيون المتشددون: إن نظام الملكية الفردية، أو الملكية الخاصة إنما هو نتيجة الاعتداء الشخصي، وتغلب الأقوياء على الضعفاء وسيطرتهم بذلك على وسائل الإنتاج.
ويرى "ماركس" أن النظام الرأسمالي (ويعني به النظام الذي يستطيع به صاحب المال استخدام العامل مقابل أجر معين) نظام يحرم العامل جزءاً من قيمة عمله، وهذا الجزء هو الزيادة في قيمة السلعة، وهو ربح صاحب المال، ثم إن هذا الربح يتكدس فيكون رأس المال، فرأس المال "سرقة متصلة، وافتئات على العمل" وهو أداة سيطرة صاحب العمل على العامل.
وهذا الانحياز المسرف إلى الجماعة والملكية الجماعية المشتركة، أدى إلى حرمان الفرد من كثير من حقوقه، التي جعلها الله له في هذه الحياة، وإلى مصادمة الفطرة الإنسانية مصادمة عنيفة معطلة للطاقات، وإلى تسلط فئة من الناس باسم الحزب الاشتراكي.
والشيوعية أكثر هذه النظم إسرافاً وانحداراً، وهي تقرر حرمان الفرد
من كل تملك شخصي عدا ما يستهلكه في معيشته، وتقرر قصر حقه على تأمين حاجاته فقط كالطعام والشراب والكساء والمسكن والدواء، ويشرف على تأمين هذه الحاجات سلطة إدارية مستبدة استبداداً صارماً، مقابل تكليفه العمل في المؤسسات العامة بقدر طاقته.
ويعتبر الشيوعيون أن الوسيلة إلى تحقيق الاشتراكية العامة في كل الأشياء إلغاء الملكية الفردية، فالأرض بما عليها وما فيها من كنوز وثروات، ويدخل في ذلك الأبنية والمصانع وآلات الإنتاج، كل ذلك ملك عام مشاع نظرياً. ولكن لا يسمح لأحد أن ينتفع بشيء منه إلا بموجب نظام تضعه السلطة الإدارية للحزب الشيوعي.
وتقضي الأمور من الناحية العملية التطبيقية إلى أن رجال الإدارة الشيوعية هم الذين يتصرفون بالممتلكات تصرفاً مطلقاً بحسب أهوائهم، وينفقون معظم الأموال التي تحت أيديهم في إعداد القوى لحماية أنفسهم من أعدائهم في الداخل وفي الخارج، وبذلك يصير الشعب المحكوم بالشيوعية محروماً مستعبداً مذلاً، مسخراً في الأعمال بأدنى مستويات العيش، مسوقاً بسلطان القهر والقوة ومختلف أساليب الظلم والإرهاب العنيف.
وتخف التطبيقات الاشتراكية عند بعض الاشتراكيين، فمنهم من يسمح ببعض التملك، كسيارة ودار للسكن.
ومنهم من يسمح بأرض صغيرة للزراعة، وورشات عمل صغرى.
ومنهم من يقتصر على تأميم المصانع الكبرى، ومؤسسات المصالح العامة، وتوزيع الممتلكات الكبرى من الأرض.
وكلما خفت التطبيقات الاشتراكية المجحفة اقتربت من القمة التي يحتلها نظام الإسلام الاقتصادي.
ولكن أخفها جميعاً لن يصل إلى مستوى القمة، لأن أخفها يجعل من وسائل الكسب المشروع للجماعة أو للأفراد ما هو محرم في نظام الإسلام،
كالربا والميسر ومصادرة أموال الناس وتأميمها. وكالمعاملات المالية التي تتعامل بها الدول الشيوعية مع غيرها من الدول والأفراد، فهي لا تختلف عن الرأسمالية في وسائلها، إلى أمور كثيرة يصعب حصرها.
ويظل الفرد في الأنظمة الاشتراكية محروماً من كثير من حقوقه الطبيعية، التي منحه الله إياها، وجعله ضمن دوافعه ومطالبه وغرائزه الفطرية، كحرية اختيار العمل في الكسب المشروع، وكحريته في التملك المشروع، والتنافس الشريف، واختيار مطالب حياته بحسب مزاجه، إلى غير ذلك من أمور كثيرة.
الخامس: يقوم نظام الإسلام على الترغيب في التسابق في أعمال البر والإحسان، بمجالات بذل المال ابتغاء مرضاة الله، طمعاً بالأجر العظيم الذي أعده الله للمنفقين في سبيله تبرراً وإحساناً، والذي وعد الله بأن
يوصله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فقال الله عز وجل في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
وهذا ينسجم مع أصل غاية الخلق، وحكمة الابتلاء في ظروف هذه الحياة الدنيا.
أما النظم الأخرى فلا وجود لهذا الأساس لديها مطلقاً:
أ- لأنها إما مادية أنانية، قد سيطرت عليها المادية الفردية، ومطالب الربح الدنيوي، والمنافع العاجلة.
ب- وإما مادية إلحادية، قد سيطرت عليها المادية الجمعية، وسيطرت عليها رغبات التسلط على كل شيء، ونظامها قائم على إلغاء الملكية الفردية، فلا مجال في نظامها لأي عطاء فردي، فضلاً عن التسابق الخيّر فيه.
(3)
الأسس الفرعية لنظام الإسلام المالي
يقول نظام الإسلام المتعلق بشؤون المال على أسس فرعية، يكفل تطبيقها وفق أحكام شريعة الله لعباده تحقيق التقدم الاقتصادي في أحسن صوره، والعدالة الاجتماعية في أكمل أحوالها الممكنة في واقع بشري، والجسدية الواحدة للمجتمع الإسلامي كله.
ويمكن إجمال هذه الأسس الفرعية بالأسس الخمسة التالية:
الأساس الأول
العمل الحر ضمن الخطوط المأذون بها في اللوائح التفصيلية لنظام العمل الإسلامي.
تقع مسؤولية مباشرة العمل على كل فرد قادر عليه، غير مفرغ لصالح الأمة الإسلامية أو المصالح العامة، أو لصالح سلامة الأسرة وسعادتها واستقرارها.
وتقع مسؤولية تهيئة مجالات العمل ووسائله وشروطه وتكافؤ فرصه على المجتمع كله، وتمثله القيادة الإسلامية الحاكمة الحكيمة.
والعمل هو القانون الطبيعي الذي ربط الله به رزق كل دابةٍ في الأرض، فلا محيد لكائن حي عنه بوجه من الوجوه.
إذن فلا غرو أن يكون هو الأساس الأول لتحصيل الرزق وسائر مطالب الحياة.
لذلك نجد العمل هو الأساس الأول في جميع النظم الاقتصادية الربانية، والوضعية البشرية.
وقد أعلن الإسلام أن العمل والكدح فيه هو فطرة الحياة، فقال الله عز وجل في سورة (الانشقاق/84 مصحف/83 نزول) :
فكل إنسان في الحياة كادح، وهو مدعو إلى الكدح، ولكنه إما أن يكدح في الخير فينال خيراً، وإما أن يكدح في الشر فينال شراً، ولذلك أمره الله بأن يستقيم ويلتزم جانب التقوى فيما يكدح من أجله.
وربط الإسلام تحصيل القوت، الذي هو مادة الحياة الأولى، بعد التنفس بالمشي في مناكب الأرض، فقال الله عز وجل في سورة (الملك/67 مصحف/77 نزول) :
{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} .
فأمر الله بالمشي في مناكب الأرض لتحصيل الرزق، وأشار باختيار كلمة (المشي) دون السعي إلى الإجمال في طلب الرزق المقسوم، بخلاف الذهاب إلى صلاة الجمعة، فقد قال الله فيه:{فاسعوا إلى ذكر الله} . وأشار، باختيار كلمة (مناكب الأرض) ، إلى أن طلب الرزق يحتاج مشقة وكدحاً.
وسلط الله أيدي الناس على جميع ما في الأرض، ليحسنوا التصرف فيه بما هو لهم خير، فقال الله عز وجل في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً..} .
وسخر الله للناس ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، ليعملوا وينتفعوا من خصائص هذه المسخرات، فقال الله عز وجل في سورة (الجاثية/45 مصحف/65 نزول) :
{وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} .
وأمر الله المؤمنين بأن يعدوا لأعدائهم ما استطاعوا إعداده من قوة، ومعلوم أن هذا الإعداد لا يكون إلا بالعلم والعمل والإنفاق، فقال الله وعز وجل لهم في سورة (الأنفال/8 مصحف/88 نزول) :
والتفرغ للتعلم والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو جزء من العمل، وليس بطالة ولا كسلاً.
وقد جعل الإسلام للعمل منهجاً يقوم على أسس واضحة تضمن جلب المنافع الحقيقية المعتبرة، ودفع المضار الحقيقية العاجلة والآجلة، ضمن نظرة شاملة عميقة.
وتتنوع طرق العمل طبقاً لتنوع طرق الكسب التي فيها للناس منافع ومصالح، ويمكن تصنيف العمل في مجالات خمسة:
المجال الأول: مجال الاستثمارات
ويدخل في هذا المجال كل عمل يؤدي إلى استثمار واستنتاج وحدات طبيعية جديدة، كالاستثمارات الزراعية المختلفة، والاستنتاجات الحيوانية المتنوعة، وما يلحقُ بذلك.
المجال الثاني: مجال الاستخراجات
ويدخل في هذا المجال كل عمل يؤدي إلى حيازة شيءٍ مما خلق الله للناس، وأودعه في مكان ما من الأرض، برها وبحرها وجوها كالصيد وقطف ثمار الغابات العامة والانتفاع بأشجارها والانتفاع بنبات الأرض الطبيعي، وكاستخراج الجواهر والمعادن وأشباهها، والمواد الكيميائية والعضوية واستخراج المياه والنفط ولحوم البحر وحليته إلى غير ذلك من كل ما هو مسخر للناس في الأرض وفي السماء.
المجال الثالث: مجال التصنيع
ويشمل هذا المجال كل عمل يقوم على أساس تحويل هيئة المواد الأولى، إلى أشكال وصور جديدة تركيبية أو تحليلية، تحقق للإنسان مصلحة من المصالح، أو منفعة من المنافع.
المجال الرابع: مجال الخدمات الخاصة أو العامة الدينية أو الدنيوية.
ويشمل هذا المجال أعمال التجارة والإدارة والتوجيه والتربية والتعليم والتدريب والحراسة والدفاع والصيانة والنقل وأشباه ذلك.
المجال الخامس: مجال البحث العلمي والفني.
ويشمل هذا المجال أنواع التفرغ للبحث العلمي والفني، الذي يهيئ للأمة عوامل تقدمها، وازدهارها المستمر، والذي من شأنه أن يزيد في شأو الحضارات والمدنيات السليمة زيادة مستمرة، وفق النتائج التي يتوصل إليها
الباحثون، أو يصون دين الأمة وأخلاقها واستقامتها على صراط الله، وتماسك بنائها ضد عوامل الانهيار والهدم الداخلية والخارجية.
قيود العمل في نظام الإسلام
لكن حرية العمل في المجالات المبينة فيما سبق مقيدة بقيود إسلامية، تهدف إلى منع أنواع الضرر أو الظلم والعدوان على حقوق الآخرين أفراداً أو جماعات ومنع كل ما فيه تشجيع على مخالفة أي مبدأ من مبادئ الإسلام أو حكم من أحكامه العملية التي ألزم المسلمين بها فعلاً أو تركاً.
لذلك نلاحظ أن من العمل ما هو مأذون به شرعاً، ومنه ما هو محظور تقف دون استباحته من دون مسؤولية حدود إسلامية.
ونستطيع أن نجمل القواعد العامة التي أقيمت عليها الحدود الإسلامية التي تحجز حريات العمل داخل أسوارها، وتحرم على الناس تجاوزها، في القواعد التالية الأربع:
(القاعدة الأولى)
تحريم كل عمل فيه إضرار بالفرد أو عدوان على حق من حقوقه، وهو يشمل أنواع الإضرار بالنفس أو الجسم أو العقل أو المال أو العرض.
(القاعدة الثانية)
تحريم كل عمل فيه إضرار بالمجتمع، أو عدوان على حق من حقوقه العامة، وهو يشمل أنواع الإضرار الذي يمس كيان وحدة المسلمين، أو قوتهم أو مصالحهم أو حقوقهم العامة؛ أو أي حق من حقوق المجتمع الإنساني العام.
(القاعدة الثالثة)
تحريم كل عمل فيه إضرار بالدولة الإسلامية، أو عدوان على حق من
حقوقها، وهو يشمل أنواع الإضرار السياسي أو الإداري أو المالي أو العسكري أو غير ذلك.
(القاعدة الرابعة)
تحريم كل عمل فيه إضرار أو إخلال بمبدأ من مبادئ الإسلام أو حكم من أحكامه المتعلقة بالعقائد أو بالشرائع، أو عدوان على شيء من ذلك بأية وسيلة ظاهرة أو خفية.
كالأعمال التي من شأنها أن تفسد عقائد المسلمين أو أخلاقهم أو تميل بسلوكهم عن صراط الإسلام وأحكام الشريعة الربانية.
فمن ذلك تحريم صناعة الأوثان وصناعة الخمور وعمل الصور والرسوم المفسدة للأخلاق والداعية إلى معصية الله إلى غير ذلك من أمور كثيرة.
موقف النظم الوضعية
أما النظم الوضعية البشرية فهي لا تعترف بمعظم هذه القيود، سواءٌ منها النظم المنحدرة عن يمين صراط الإسلام والنظم المنحدرة عن يسار صراط الإسلام.
ويبقى نظام الإسلام في هيئته التركيبية محتلاً مستوى القمة، وعلى صراط مستقيم فيها.
الأساس الثاني
حيازة ما أذن الله بتملكه أو الانتفاع به، مما سخر للناس في كونه، مما ليس له مالك خاص أو عام، ولم يسبق إلى تملكه واحد أو جماعة وما زال حق التملك فيه سارياً.
ويقف حق التملك للفرد أو للجماعة، أو حق الانتفاع عند حدود الإذن الرباني المنزل في شريعته لعباده.
ومن ذلك السبق إلى حيازة مباح أو السبق إلى الانتفاع به كالكلأ المباح ومياه الأمطار والأنهار العامة وأحطاب الغابات التي ليس لها مالك خاصٌ.
ومنه حيازة ما يجده الإنسان من ذوات القيم في البر أو البحر أو الجو مما ليس له مالك، فرداً كان أو جماعة، ولو لم يبذل أي جهد في الحصول عليه وحيازته.
ويدخل في التملك بموجب هذا الأساس تملك غنائم الحرب الذي أحله الله في الإسلام ولم يكن حلالاً في الشرائع السابقة فالسبب في تملك الغنائم مجرد الإباحة الربانية.
أما القتال في سبيل الله وما يبذله المسلمون من جهد فيه، فليس هو السبب المؤثر في استباحة الغنائم، لأن مشروعية القتال ليست للظفر بالغنائم وإنما لإعلاء كلمة الله وكسر شوكة الكفر وتأمين الدعوة إلى سبيل الله وإقامة العدل في الأرض ومنع فتنة الناس عن دينهم.
وإحلال الغنائم للمقاتلين في سبيل الله قد جاء معونة ربانية للمسلمين وقد كان القتال الظافر سبباً في سلب حق الكافرين في تملكها فعادت إلى مالكها الحقيقي الذي له ملك السماوات والأرض، والله أورثها المقاتلين في سبيله هبة منه عز وجل، بعد أن جعل خمسها لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
ويدخل في هذا الأساس أيضاً الفيء، وهي الأموال التي تصل إلى أيدي المسلمين من أموال أعدائهم المحاربين دون أن يكون منهم قتال لهم أو أعمال جهادية أظفرتهم بها منهم. وقد جعل الله حق تملكها لله، أي: لمصالح المسلمين العامة، وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. قال الله عز وجل في سورة (الحشر/59 مصحف/101 نزول) :
{وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ ولكن
الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير * ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم
…
} .
الأساس الثالث
التكافل الأسري، وهو نظام التكافل داخل الأسرة الواحدة
وتقع مسؤولية هذا التكافل على من لهم زائد كفايتهم الفردية الشخصية داخل أسرتهم، تجاه باقي أفرادها العاجزين عن الكسب، أو الذين لم تتيسر لهم وسائل العمل، أو النساء القائمات بأعباء الخدمات المنزلية المفرغات لها تكريماً لهن عن التبذل.
وتعرف أحكام التكافل الأسري بأحكام النفقة الواجبة أو أحكام النفقات في أبواب الفقه الإسلامي.
ولهذه الأحكام تفصيلات وافية عند الفقهاء.
ويمكن إلحاق نظام الميراث بهذا الأساس، لأن فيه معنى تعويض التكافل.
الأساس الرابع
التعاون الجماعي، وهو نظام يساهم فيه الأفراد بمعونات تتناسب مع استطاعتهم المالية، بنسب معينة، لتقوم هذه المعونات مجتمعة بكفالة ذوي الحاجات الذين لا يستطيعون كسباً أو لا يجدون إليه سبيلاً وليس لهم من أسرهم من هم قادرون على كفالتهم
وتقع مسؤولية هذا التعاون على كل فرد من أفراد الأمة، ذكراً كان أو أنثى، إذا وجد لديه فائض يزيد على حاجاته وحاجات من ألزم بكفالته من أهله وذوي قرابته وكل تابع لأسرته.
وللإسلام في هذا نظام محدد، معروف بنظام الزكاة الذي يكفي
لكفالة ذوي الحاجات في الأحوال العادية، أما في أحوال الطوارئ، فللحاكم المسلم أن يتخذ إجراءات أخرى فوق نظام الزكاة المحدد، وضمن أسس هذا النظام.
والزكاة ركن من أركان الإسلام الكبرى، وله في كتب الفقه باب خاصٌ به، وله تفصيلات واسعات.
موقف النظم الوضعية
والنظم الوضعية البشرية خالية من هذا النظام، أو أي نظام آخر شبيه به، لكن التطورات العالمية الأخيرة قد جعلت الدول الغربية والشرقية تبتكر ضمانات وخدمات اجتماعية، لمساعدة ذوي الحاجات الذين لا يستطيعون كفاية أنفسهم.
الأساس الخامس
دواعم روابط المجمتع الإسلامي بمختلف أنواع الصلات المالية
وهذه الدواعم تتمثل بالمنح والعطايا والهدايا، والصدقات العامة والوصايا وإكرام الضيف والمآدب والولائم المشروعة.
ويلحق بهذه الدواعم نظام الميراث إذ يؤكد روابط الأسرة كما يمكن إلحاق هذا النظام بالأساس الثالث وهو "التكافل الأسري" فله به صلة قوية كما سبق بيانه.
ويلحق بهذا الأساس فيما أرى مهر الزوجة، فقد وصفه الله بأنه نحلة، أي: عطية. ويمكن إلحاقه أيضاً بالأساس الأول وهو (العمل) لأن المرأة في بعض الأحوال مسؤولة عن تمكين زوجها منها، ولو لم يكن لها وطر من هذا التمكين. ولهذا سمى الله المهر في بعض الآيات أجراً {فآتوهن أجورهن} . فالمهر منحة عند ملاحظة التشارك في قضاء
الوطر، وهو أجر عند ملاحظة حالة انفراد الزوج بقضاء الوطر.
ويدخل في هذا الأساس الخامس كل تملك مشروع لا يأتي عن طريق جهد يبذل، ولا يدخل في نطاق أي أساس من الأسس السابقة.
ودواعم روابط المجتمع الإسلامي تشد أواصر التآخي والتواد والتراحم بين المسلمين، وتقوي مفهوم الجسدية الواحدة للأمة الإسلامية.
موقف النظم الوضعية
والمجتمع الإسلامي القائم على مفهوم الجسدية الواحدة، المتماسكة بروابط الإخاء والمحبة والتواد والتراحم والتكافل والتعاون، يخالف المجتمعات الرأسمالية القائمة على ترجيح مفهوم الوحدات الفردية الأنانية. ويخالف المجتمعات الاشتراكية، القائمة على فكرة الوحدات الفردية المبعثرة المرتبطة ارتباطاً قهرياً بقيادة واحدة.
فهذا الأساس من الأسس الفرعية لنظام الإسلام المالي، ضعيف الوجود جداً في النظم الأخرى، سواء منها المنحدر عن يمين صراط الإسلام أو المنحدر عن يسار صراط الإسلام.
وقد حل محله الرشوة لشراء الضمائر والربا والميسر والتعاون على الإثم والعدوان وكيد الناس والمكر بهم إلى غير ذلك مما يورث العداوة والبغضاء والفرقة بين الناس ويورث التحاسد والتنافر والتقاتل.
خاتمة
هذه الأسس الخمسة هي الأسس الفرعية التي ظهر لي أن نظام الإسلام المالي يدور حولها، وضمنها تدور دواليب العيش الرغيد والعمل السعيد، في نظام لا كسل فيه ولا بطالة، ولا ظلم ولا عدوان ولا تحاسد ولا تباغض.
والمجتمع يحيا بموجبه مليئاً بالحركة والعمل والتفاؤل والأمل والتآخي والتعاطف والتواد والطمأنينة القلبية والنفسية والرضا عن الله
بعيداً عن ثورات حقد النفوس وحسدها وطمعها وجشعها وأنانياتها.
عوامل التوفيق لحسن التطبيق
1-
بالدافع الإيماني الداخلي في قلب كل فردٍ مسلم صادق الإيمان.
2-
وبالدافع الجماعي القائم على الأسوة الحسنة والتربية العامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3-
وبسلطان الحكم الإسلامي المطبق لشريعة الله.
يتم لنظام الإسلام الاقتصادي التطبيق الأمثل بتوفيق الله ومعونته واتباع أنظمته السببية.
* * *
(4)
جدليات فكرية مذهبية بين الرأسماليين والاشتراكيين
يروج أنصار الأنظمة الرأسمالية وأنصار الأنظمة الاشتراكية لأنظمتهم بذكر ميزاتها وستر مساوئها وعيوبها.
ويذكر كل فريق منهما مساوئ وعيوب أنظمة الفريق الآخر، ويستر ما فيها من ميزات حسنة.
ويكثر الجدل الفكري المذهبي بين هؤلاء وهؤلاء، ويعترف الباحثون الحياديون، والناقدون الاقتصاديون، ببعض ما يذكر كلٌ منهما ضد مذهب الآخر، وببعض ما يذكر كل فريق منهما من الميزات الحسنة لمذهبه.
ولدى مقارنة مذاهب الفريقين بنظام الإسلام، نجد أن كل ما يذكر من ميزات حسنة حقيقية للأنظمة الوضعية، هو موجود في نظام الإسلام المالي، وأن كل ما يوجه ضدها من انتقادات حقيقية تكشف مساوئها، لا يوجه شيءٌ منها ضد نظام الإسلام المالي..
فنظام الإسلامي نظام رباني، وهو بريء من كل مساوئ
الأنظمة الوضعية جامع لكل فضائلها وفيه محاسن أخرى كثيرة لا توجد في أي منها، ولكن ينقصه التطبيق الصحيح وتطبيقه ميسور متى وجدت جماعة مؤمنة مسلمة تخشى الله والدار الآخرة ويدير شؤونها حكم إسلامي.
أولاً: ما يذكره النقاد من إيجابيات وسلبيات الأنظمة الرأسمالية
الإيجابيات:
يذكر الباحثون الاقتصاديون عدداً من مزايا الأنظمة الرأسمالية أهمها المزايا التالية:
المزية الأولى: إطلاق الحافز الفردي.
قالوا: وبإطلاق الحافز تتقدم الصناعة، ويزدهر الاقتصاد.
ونقول بمنظار إسلامي، هذا صحيح، ولكن إطلاق الحافز الفردي دون قيود تمنع الظلم والعدوان، وهضم حقوق المجتمع، وحقوق الله على عباده قد تتقدم به الصناعة ويزدهر به الاقتصاد ولكن قد ينجم عنه شرور كثيرة.
أما نظام الإسلام الاقتصادي فهو يطلق الحافز الفردي، لكن ضمن قيود تجلب حسناته وتدفع سيئاته. فالمقدار الخير من هذه المزية متوافر في نظام الإسلام.
إن نظام الإسلام يطلق في الأفراد الحوافز، لبذل قصارى جهودهم في العمل والتحرك المستمر، رغبة في تلبية الفطرة الإنسانية، التي تحب الحيازة والتملك، كما قال الله عز وجل في سورة (آل عمران/3 مصحف/83 نزول) :
لكنه قد هذب هذا الحافز الفردي، فخفف من غلوائه، وحد من
طمع الإنسان وجشعه، بما شرع من نظم ووضع من قيود وكلف المسلم من واجبات وحمله من مسؤوليات.
ومن تهذيب الحافز الفردي أن الإسلام قد ربط قلب المسلم المؤمن بالدار الآخرة، ونعيمها وحد بذلك من تعلقه بالدنيا وتهالكه عليها ومن ارتباطه بمادياتها.
المزية الثانية: إتاحة المنافسة بين الأفراد
قالوا: وبإتاحة المنافسة بين الأفراد تتقدم الصناعة ويزدهر الاقتصاد.
ونقول بمنظار إسلامي: هذا صحيح، ولكن إتاحة المنافسة بين الأفراد، دون قيود تمنع الظلم والعدوان والاحتكارات، وحيل السلب والغش، وغير ذلك من أعمال آثمة، قد تتقدم بها النصاعة ويزدهر الاقتصاد، ولكن قد ينجم عنها شرور كثيرة. منها تمكين الأقوياء والمتحالين من استغلال الآخرين، والعدوان على حقوقهم، وتقييد حرياتهم، وإيذائهم بالمضاربات وألوان الاحتكارات، وغير ذلك.
أما نظام الإسلام الاقتصادي فهو يتيح المنافسة الشريفة بين الأفراد، ضمن قيود وضوابط تجلب حسناتها وتدفع سيئاتها.
فالمقدار الخير من هذه الميزة موجود في نظام الإسلام الاقتصادي.
الميزة الثالثة: إتاحة الحرية الاقتصادية
قالوا: وبإتاحة الحرية الاقتصادية تنطلق طاقات الأفراد في مختلف المجالات، ويشمل النشاط الاقتصادي كل جوانب التقدم والازدهار.
ونقول بمنظار إسلامي: هذا صحيح، ولكن إتاحة الحرية الاقتصادية، دون قيود وضوابط تمنع الظلم والعدوان، وتحد من الطمع والجشع، لا بد أن ينجم عنها شرور وأضرار كثيرة، تمس مصالح الأفراد الآخرين، ومصالح الجماعة، ومصالح الدولة، وأحكام شريعة الله، وأسس الدين الاعتقادية.
مع ما تولده من تحاسد وتباغض وتعادٍ وتقاتل وحروب أحياناً ونزعاتٍ
استعمارية إلى غير ذلك من شرور.
أما نظام الإسلام الاقتصادي فهو يتيح الحرية الاقتصادية، لكن ضمن قيود وضوابط تجلب حسناتها وتدفع سيئاتها.
فالمقدار الخير من هذه الميزة موجود في نظام الإسلام الاقتصادي، والحرية الاقتصادية ضمن القيود والضوابط الإسلامية، تحقق جوانب المصلحة المقصودة منها، وتحجزها عن الطغيان المؤدي إلى العدوان أو إهدار حريات الآخرين أو الإفساد في الحياة.
السلبيات:
يكشف الناقدون الاقتصاديون عن مجموعة من مساوئ الأنظمة الرأسمالية وعيوبها ويمكن تلخيصها فيما يلي:
الأولى: إطلاقها الحرية الفردية بشكل يشجع الأفراد على اتخاذ كل وسيلة للاستغلال، والإضرار بغيرهم.
وهذا الإطلاق يؤدي إلى تمكين الأقوياء والمحتالين من سلب الآخرين حرياتهم سلباً لا يكشفه القانون، أو لا يحرمه، وتمكينهم أيضاً من الإضرار بالجماعة.
الثانية: تشجيعها على سيادة الغرائز المادية البحتة.
وسيادة الغرائز المادية يولد في النفوس خلق إهدار الفضائل، والقيم الإنسانية الكريمة، الفردية والجماعية.
لذلك نرى كبار أصحاب رؤوس الأموال في العالم لا يهتمون بسعادة البشرية إلا من خلال حصولهم على أكبر مقدارٍ من الربح، وتنمية ثرواتهم.
الثالثة: إتاحتها الفرصة للكبار أصحاب رؤوس الأموال أن يوجهوا السلطة السياسية إلى ما يحقق أغراضهم.
فهم بامتلاكهم لرؤوس الأموال يتوصلون إلى التأثير على من بأيديهم
السلطة السياسية، لتمكينهم من الاستغلال والربح الفاحش واحتكار ما يريدون من تجارة أو صناعة أو علم.
الرابعة: ما يتولد عنها من الرغبة في استعمار الشعوب واستغلالها استغلالاً ظالماً آثماً وامتصاص خيراتها.
وشاهد ذلك ما فعلته الدول الاستعمارية بتوجيه من المؤسسات الرأسمالية.
الخامسة: إتاحتها الفرصة لأن يكون المال دولة بين طبقة الأغنياء فقط مع حرمان السواد الأعظم منه.
ويشهد لذلك ما هو ملاحظ في الشعوب التي تطبق النظم الرأسمالية.
الرؤية الإسلامية
ونقول بمنظار إسلامي: أن ما ذكره الناقدون من مساوئ وعيوب النظم الرأسمالية صحيح. وسبب اشتمالها على هذه المساوئ والعيوب، خلوها من وازع الإيمان بالله واليوم الآخر والخوف من عقاب الله، وخلوها من القيود والضوابط التي تدفع المضار وتسمح بتحقيق المنافع، وقيامها أساساً على بواعث نفسية أنانية صرف، محرومةٍ من الشعور بواجب الجماعة وحقوق الآخرين والمشاعر الإنسانية العامة.
بخلاف نظام الإسلام الاقتصادي في كل ذلك، فهو مصون أولاً بالإيمان بالله واليوم الآخر والطمع بالجنة والخوف من النار.
والمسلم يطبقه وفي داخله الرغبة في المحافظة على مصلحة الأفراد الآخرين ومصلحة الجماعة الإسلامية وخير الإنسانية مع الرغبة بتحقيق أهداف الدين ومصالح الدولة الإسلامية.
وهو مع ذلك محصن بالقيود والضوابط التي تمنع جنوح الأفراد وتحد من تصرفاتهم وحرياتهم وتجعلها منحصرة في حدود الخير بعيدة عن الشر والضر والعدوان والأذى وكل أسبابها.
وشرط تطبيق نظام الإسلام الاقتصادي وجود الفرد المؤمن المسلم والجماعة الإسلامية والدولة المطبقة لأحكام الإسلام.
ثانياً: ما يذكره النقاد من إيجابيات وسلبيات الأنظمة الاشتراكية.
الإيجابيات
يذكر الباحثون الاقتصاديون عدداً من مزايا الأنظمة الاشتراكية، أهمها المزيتان التاليتان:
الميزة الأولى: حيازتها المقومات التي تمكن رعاياها من استخدام الموارد والعوامل الإنتاجية المتاحة لهم أفضل استخدام.
هذه الميزة المقدر افتراضاً للأنظمة الاشتراكية التي ينعدم فيها الحافز الفردي والحرية الفردية والمنافسة لم يثبت الواقع التجريبي صحتها.
لأن الأجهزة الإدارية والأفراد الحزبيين، الذين أشرفوا على إدارة المؤسسات الاقتصادية العامة في الدول الاشتراكية قد استشرى فيهم داء الإهمال والتهاون والرغبة في الاستئثار بالمنافع لأنفسهم وذويهم فحل بالمؤسسات الخراب والانهيار والإفلاس وانتشر فيها الفساد وتدنت الصناعات وتراجعت وصارت رديئة الإنتاج وقليلته وفعل الإداريون المستغلون أسوأ من أفعال الرأسماليين ظلماً وعدواناً واستغلالاً، مع حرمان الرعايا من الازدهار الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية التي قامت الاشتراكيات لتحقيقها.
لكن هذه الميزة المقدرة افتراضاً للأنظمة الاشتراكية، متوافرة في نظام الإسلام الاقتصادي بصورتها المثالية.
لأن المجتمع الإسلامي حينما يعمل لاستخدام الموارد والعوامل الإنتاجية يكون مدفوعاً بمحركين عظيمين:
المحرك الأول: الواجب الإلهي، الذي يوجب على المسلمين عمران
الأرض واستثمارها، ويدفعهم إلى كل تقدم علمي وحضاري، ويفرض عليهم إعداد المستطاع من القوة.
المحرك الثاني: الحافز الفردي المرتبط بالجماعة بقوة الإخاء والمحبة، والرغبة في الإتقان والتحسين، والمتطلع إلى الربح المأذون به في شريعة الله.
الميزة الثانية: تهيئة العمل لجميع أفراد المجتمع
هذه الميزة المقدرة افتراضاً للأنظمة الاشتراكية، ميزة شكلية أكثر من كونها ميزة حقيقية، وشكليتها تظهر حينما يتحقق المراقبون من أن الاشتراكيين يلجؤون مثلاً إلى توظيف ألف عامل في معمل يكفي لتشغيله تشغيلاً ممتازاً خمسون عاملاً.
والنتيجة التي تحصل هي إيجاد رواتب حقيقية، لموظفين يقومون بأعمال وهمية، وهذا يسبب انهياراً اقتصادياً شاملاً، وإرباكاً لأعمال المؤسسات الاقتصادية، وتدنياً لإنتاجها، وإفساداً له.
وهذا ما أثبتته التجربة الاشتراكية في معظم البلدان التي طبقتها، فالمعامل التي كانت تنتج إنتاجاً ممتازاً أو جيداً قبل تطبيق الاشتراكية، صارت تنتج أردأ إنتاج، مع تدني كمية الإنتاج ثم جاء تعويض الإفلاس برفع أسعار السلع المنتجة على الرعايا المستهلكين.
لكن هذه الميزة يمكن تحقيقها في نظام الإسلام بصورة خالية من المساوئ والعيوب.
فكل قادر على العمل مكلف في نظام الإسلام بالعمل، وعلى المجتمع المتمثل بالدولة الإسلامية تهيئة العمل المناسب لكل قادر على العمل بحسب استطاعتها، إلا النساء فلهن حق التفرغ للقيام بواجبات الخدمات المنزلية مع كفالتهن.
وأما العاجزون عن العمل فهم مكرمون مصونون مكفيون بالكفالة
الإسلامية، عن طريق أسرهم أو عن طريق الصندوق العام المعد لهذه الغاية، الذي تصب فيه موارد الزكاة والصدقات وغيرها، مما هو مقرر في نظام الإسلام لتحقيق الكفالة الاجتماعية.
السلبيات:
يكشف الناقدون الاقتصاديون عن مجموعة من مساوئ الأنظمة الاشتراكية وعيوبها، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
الأولى: محاربتها للفردية بجميع خصائصها، وكبتها لحرية الأفراد.
وفي هذه المحاربة مصادمة للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها. وكل ما هو مصادم للفطرة لا يخدم سعادة الإنسان ولا يُقضَى له بالبقاء والدوام إلا بالقهر والغلبة ودوام القوى المستبدة الظالمة اليقظة.
الثانية: تبنيها لفطرة "الصراع بين الطبقات".
والصراع بين الطبقات إنما يقوم على الحسد والحقد والكراهية، والعداوة والبغضاء، وإعلانها الصراع بين الطبقات فيه إلغاء صريح للأخوة الإنسانية بين جميع الناس.
فبينما يخاطب الإسلام الناس جميعاً بنداءٍ مشترك: {يا أيها الناس} ويقول لهم: {كلكم لآدم وآدم من تراب} يقول الاشتراكيون: يا عمال العالم اتحدوا. ويشحنون العمال والكادحين بالحقد والكراهية ضد أصحاب رؤوس الأموال، وضد أصحاب المصانع وأرباب الأعمال.
الثالثة: تبني الاشتراكيين الثوريين تغيير العالم كله تغييراً ثورياً، يبدأ بهدم جميع الأنظمة القائمة وهدم المبادئ الدينية والقانونية وتدمير كل ما هو قائم في المجتمعات.
وهؤلاء الاشتراكيون يرفضون الإصلاح التطوري المتدرج رفضاً كلياً.
وقد أثبتت تجربات الثورات الاشتراكية أنها استطاعت أن تهدم، لكنها لم تستطع بد ذلك أن تبني بناء صالحاً فيه خير وسعادة للناس.
أما الإسلام فمع أنه حق من عند الله، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإنه جاء ليصلح الفاسد ويتمم مكارم الأخلاق ويكمل جوانب الصلاح الموجودة في المجتمعات، ولم يعلن يوماً ما فكرة الهدم الثوري الشامل بل نادى بالإصلاح، وإتمام مكارم الأخلاق وقَصَرَ الهدم على الفساد والباطل ورموزهما ومُسببِّاتهما، واستفاد من كل خير وصلاح وإصلاح في المجتمعات السابقة، مع أنها مجتمعات جاهلية بهيئاتها الكلية.
الرابعة: حضها على الاستهانة بكل القيم الدينية والخلقية والإنسانية.
وذلك لأنها تنطلق من الإلحاد والكفر بالله، وتسعى لإقامة نظامها على المادية الملحدة الكافرة التي لا تؤمن إلا بالمادة.
والاشتراكيون الثوريون يوجهون جنودهم لاستخدام كل وسيلة غير أخلاقية وغير إنسانية في سبيل إقامة الأنظمة الاشتراكية، وحمايتها بعد قيامها، ومحاربة الأديان الربانية.
الخامسة: إتاحتها الفرصة لقيام ألوان الحكم الطبقي الحاقد المستبد.
فمن الأسس التي تُبنى عليها الاشتراكيات الثورية، إقامة حكم العمال الدكتاتوري المستبد بالقوة وبكل وسائل العنف الثوري.
السادسة: ما يتولد عنها من عقد إنسانية، تحرم الأفراد من شروط سعادتهم في الحياة.
والسبب في ذلك أن النظم الاشتراكية تحجز الأفراد عن تلبية رغباتهم الإنسانية، وإطلاق خصائصهم البشرية، والتعبير العملي عن ذاتياتهم بحسب دوافعهم الفطرية.
السابعة: إجهازها على الحافز الفردي للإنتاج والعمل.
ومن شأن الإجهاز على الحافز الفردي تخفيض الإنتاج وتدني جودته وزيادة المشكلات الاقتصادية العالمية تعقيداً.
ثالثاً: نظرة شاملة إلى نظام الإسلام الاقتصادي من خلال محاسن ومساوئ النظم الأخرى.
إذا نظرنا إلى نظام الإسلام الاقتصادي نظرة تقويم منصف من خلال نظرتنا إلى ما ذكره الاقتصاديون والنقاد من محاسن ومساوئ النظم الأخرى المتباينة فيما بينها، وجدنا ما يلي:
1-
نظام الإسلام برئ من مساوئ وعيوب كل النظم الأخرى، خالٍ من ويلاتها وآثارها الظالمة الآثمة.
2-
نظام الإسلام مشتمل على كل المقادير الخيرة الحسنة ما يذكره الناس من مزايا ومحاسن النظم الأخرى.
3-
نظام الإسلام يشتمل على مزايا ومحاسن عظيمة لا توجد في أي نظام من النظم الوضعية.
4-
نظام الإسلام يتسع لإضافة تنظيمات تطبيقية تحقق أهدافه في العدل والبر والإحسان ومنع الفحشاء والمنكر والبغي والتظالم بين العباد، كأنظمة التأمين الصحي، والتقاعد، وتأمين الشيخوخة، والخدمات الاجتماعية العامة. وكأنظمة منع الاحتكارات والغبن الفاحش ومراقبة الأسعار وأنظمة الإشراف على الصناعات لمنع الغش فيها، وبعض التدخلات التقييدية لحماية سلامة العمل الفردي من الانحراف عن منهج شريعة الله للناس، ومن العدوان على حقوق الآخرين.
5-
ليس في نظام الإسلام طغيان الرأسماليات، التي تفسح المجال للأفراد والعصابات القليلة المستغلة بالمكر والحيلة، والمحمية بسلطة القانون، أن تعتدي على حقوق الأفراد الآخرين ، وعلى حقوق الجماعة، وتفترس بوسائلها الذكية الماكرة حريات الآخرين، فهي بذلك تستغل جهودهم وثمرات كدهم بأقل مما يستحقون، أو تختلس أموالهم بحيل اقتصادية مستترة بالصبغة القانونية، وإرادتهم في كل ذلك مكرهة إكراهاً غير مباشر.
وليس في نظام الإسلام احتكارات الأنظمة الرأسمالية، ولا رباها، ولا
رشواتها ولا غشها ولا تحكمها بالسلطة وتوجيهها لها ولا ظلمها ولا ماديتها المتكالبة على الدنيا ولا شحها وفقدها للمعاني الإنسانية النبيلة ولا الفقر المدقع في بعض أفراد المجتمع الذي تسود فيه إلى غير ذلك من سيئات.
6-
وليس في نظام الإسلام ما في الأنظمة الاشتراكية من سطوٍ على أموال الناس، وتطلع إلى إلغاء الملكية الفردية إلغاءً تاماً. وما فيها من إلغاء للحريات الفردية أو قهر لها. وما فيها من إماتة للحوافز الفردية، وحقد طبقي، وصراع بين الناس. وما فيها من تقسيم الناس إلى سادة حاقدين حاكمين بسلطان القوة وأسلوب العنف الشديد، وعبيدٍ مسخرين بلقمة العيش، وبأدنى مستويات مطالب الحياة دون أن يكون لهم حق حرية اختيار ما يريدون، إلا في حدود يسيرة وما فيها من انعدام معاني الإخاء الإنساني، والتواد والتعاطف والتراحم بين الناس، وانعدام الرغبة الصادقة في العمل والإنتاج ورفع مستوى اقتصاد الأمة.
إلى غير ذلك من شرور وسيئات كثيرة.
خاتمة
بالمقارنة الواعية المتجردة تظهر لنا منزلة الإسلام العظمى، القابضة على ناصية المجد، والتي لا يستطيع أن ينافسه فيها منافس.
ولأنصار المذاهب الوضعية زيوف كثيرة، يروجون بها لمذاهبهم، ويشوهون بها وجه الإسلام الجميل الوضيء المشرق ظلماً وعدواناً وأنانية واتباعاً للهوى واتباعاً لخطوات الشيطان.
إلا أن الإسلام لا يجد في هذا العصر من يحمله ويطبقه ويحميه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* * *