الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: أسبَابُ تَقبّل شعُوب الأمَّةِ الإسْلاميَّة لوافدات المذاهب الفكرية المعاصرة
كان من المفروض أن تبقى شعوب الأمة الإسلامية منيعة محصنة، لا تسمح بتسلل ضلالات المذاهب الفكرية المعاصرة إليها.
وذلك لأن الإسلام الذي تدين به هذه الشعوب، هو الدين الرباني الحق الذي لم يدخله تحريف ولا تبديل، وهو الدين الذي يهيمن على العقول والأفكار بسلطان الحق وبراهينه، ويهيمن على النفوس والقلوب بكماله وملاءمته للفطرة الإنسانية، وتلبيته لكل حاجات الناس أفراداً وجماعات، وبأن لديه الحل الأمثل لكل مشكلات الحياة، وبأنه يشتمل على أسس الحق والعدل والفضيلة، وبأنه جاء بالنظم المشتملة على أحسن صورة ممكنة بالنسبة إلى الواقع البشري، كفيلة بأن توفر للناس الأمن والطمأنينة والاستقرار والرفاهية والتقدم العلمي والحضاري، وفيها ما يضبط جنوح الأفراد ويقيم العدل، ويكفل ذوي الضرورات والحاجات، ويكبح جماح ذوي النوازع الطاغية، والأهواء الباغية.
ولكن وجدت عدة أسباب، هيأت مناخاً مناسباً لتقبُّل كثير من أفراد هذه الشعوب لوافدات المذاهب الفكرية المعاصرة، مع ما فيها من زيغ وباطل وضلال كثير.
وباستطاعة الباحث في الواقع والظروف التاريخية التي مهدت له، أن يكتشف جملةً من الأسباب، منها وأهمها الأسباب التاليات:
* * *
السبب الأول:
إن معظم المسلمين حكاماً ومحكومين، هجروا إسلامهم، وتهاونوا في تطبيق أحكامه، وأخلدوا إلى الدعة والراحة، وتعلقوا بالدنيا وشهواتها، وتنازعوا عليها، وتفرقوا إلى فرق وأحزاب ودول متصارعة متخالفة.
وكان هذا من أخطر وأهم الأسباب التي أطمعت الأعداء فيهم، فوجهوا لهم جيوش القتال للسيطرة عليهم، وإسقاط سلطانهم، وتحطيم قواهم، وسلب ما يملكون من أرض ومالٍ وطاقات بشرية، وتسخيرهم في الأعمال كالعبيد، ووجهوا لهم جيوش الفتنة والإفساد لسلبهم ذاتيتهم العظيمة القائمة على الإسلام إيماناً وخلقاً وعملاً.
* * *
السبب الثاني:
تفشي الجهل بين معظم المسلمين في جميع أقطارهم وبلدانهم، وبُعْدُهُم عن العلم بصفة عامة في القرون المتأخرة، قرون الانحطاط، بعد القرون العلمية الذهبية التي احتل المسلمون فيها قمة الحضارة، وكانوا فيها قادة الركب الإنساني إلى كل تقدم صحيح فكريٍّ وتطبيقي.
وتفشي الجهل بين معظم المسلمين قد كان في الحقيقة نتيجة طبيعيةً للسبب الأول بالنسبة إليهم، إذْ صرفهم عن العلم وعن الاشتغال به هجرُهم للإسلام، وبُعدُهم عن تطبيق أحكامه، وعن الاهتداء بهديه، نتيجة تعلقهم بمتاع الحياة الدنيا، والتنازع عليها، والتقاتل من أجلها، والتسابق إلى الظفر بالسلطان والجاه، والرغبة بجمع المال، والسعي وراء الاستمتاع بلذات الجسد، من مآكل ومشارب ومناكح ومساكن، وسائر ما في الحياة الدنيا من زينة.
مع أن الإسلام يدفع المسلمين بإلزام، إلى الأخذ بأسباب العلم والبحث العلمي، والتسابق فيه، وأخذ النصيب الأوفى منه، في كل مجال من مجالاته النافعة، فالعلم سبب من أسباب القوة التي أمر الله بإعدادها
جُهدَ الطاقة والاستطاعة، وهو النور الذي يهدي إلى سُبُل السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، ويعرّف الإنسان بربّه، ويُعطيه مفاتيح فهم كتابه المنزّل، والتبصّر بسنّة رسوله المجتبى عليه الصلاة والسلام، والاتعاظ بسنن الله الجزائية، والانتفاع من سننه التكوينية.
إن الكثرة الكاثرة من المسلمين، لما وجهت معظم تعلقتها النفسية لمتاع الحياة الدنيا، وآثرت كل عاجل، انصرفت تلقائياً عن التعلم والتعليم، والكدح بغية التزود من أنواع المعارف النافعة، وأمسى الإسلام لدى كثير من المسلمين إسلاماً تقليدياً موروثاً، يشبه الجبرية النسبية، لا انتماءً إرادياً اختيارياً قائماً على الاقتناع الناتج عن بصيرة علمية، كما كان يوم ظهور الإسلام.
وطبيعيٌّ أن يكون فشوُّ الجهل بالدين ، وبالمعارف الحقة في مختلفة مجالات العلم، مناخاً ملائماً لتسلل الأفكار الباطلة المموهة بزخارف كاذبات، تخدع الناظرين، وتفتن الجاهلين.
* * *
السبب الثالث:
تسرب شوائب وتشويهات إلى مفاهيم كثير من المسلمين، وهي المفاهيم التي تحددت بها تصوراتهم للإسلام، مع أنها تصورات خاطئات، مخالفات لدين الله للناس.
وهذه المفاهيم الخاطئات يمكن جمعها في صور خمس، بسطتها في كتاب "صراع مع الملاحدة" وأوجزها هنا بما يلي:
الصورة الأولى: هي الصورة المختلطة المهزوزة في مفاهيم بعض المسلمين لحقيقة التعاليم الإسلامية، وتكون هذه الصورة باختلاط الحقائق، وعدم إدراك كلٍّ منها في مكانه الصحيح.
والتشويه في هذه الصورة ناتج عن تداخل عناصرها، وتمازج بعضها في بعض، وعدم تمايز حدود كل عنصر منها، فلا تمتاز مثلاً الكبائر عن الصغائر، ولا المحرمات عن المكروهات، ولا الفرائض الكبرى عن الواجبات الصغرى، ولا الواجبات عن المندوبات، ولا تظهر فيها الحدود الفاصلة بين ما يجب فعله أو تركه، وبين ما يقضي الورع بفعله أو تركه، ثمّ بين ذلك وبين ما هو مباح.
وسبب وجود هذه الصورة المهزوزة المختلطة، الجهل بالتعاليم الإسلامية الصحيحة، وقلة أجهزة التثقيف الإسلامي العام في مختلف بلاد المسلمين.
الصورة الثانية: هي الصورة التي دخل فيها أخطاء لدى رسم المفاهيم الإسلامية الصحيحة.
وترجع هذه الأخطاء إلى الأصول العامة التالية:
1-
الخطأ في الاجتهاد، وله أسباب كثيرة يعرفها علماء أصول الفقه الإسلامي. وقد يعذر في هذا الخطأ المجتهد الكفؤ ومقلّده.
2-
الخطأ في تقويم ما توصل إليه الاجتهاد، وذلك باعتباره هو الحق لا غير، رغم أن اليقين القاطع لم يتوافر فيه، وهذا الخطأ لا عذر فيه مطلقاً.
3-
التعصب للرأي أو للمذهب ضد الآراء أو المذاهب الأخرى.
وهذا التعصب لا عذر فيه مطلقاً.
الصورة الثالثة: هي الصورة المزورة المشوَّهة من قِبَلِ أعداء الإسلام، والتي أساء عرضها وقبح جمالها وإشراقها الماكرون المفسدون، بما وجهوا لها من شبهات وتُهَم كاذبات.
وغرض أعداء الإسلام من تصيد الشبهات والتشويهات والأكاذيب والتضليلات، وإلصاقهم بالتعاليم الإسلامية، إفساد عقول أبناء المسلمين، وفتنتهم عن دينهم.
الصورة الرابعة: هي الصورة التي حصل فيها تغيير في النسب بين مفردات وأجزاء التعاليم الإسلامية، إذ أخذ بعضها من المساحة الكلية، في أفكار ونفوس طائفة من المسلمين، أكثر من نصيبه المقدر له في أصل التشريع الإسلامي. نظير التغيير الذي يحدثه المتلاعب في الخريطة، فيعطي القرية الصغيرة مساحة كبيرة في الخريطة، ويعطي المدينة الكبيرة مساحة صغيرة جداً.
وبهذا التغيير في مفردات وأجزاء التعاليم الإسلامية، نلاحظ اهتمام بعض المسلمين بالسيما الظاهرة للمسلم، وإهماله الأسس الجوهرية التي قام عليها الإسلام عقيدة وعملاً، أو يصغر من حجمها ويعطيها أقل اهتمامه.
ومن أسباب التغيير في النسب داخل هذه الصورة، فقدان الإدراك السليم الكامل الشامل للمفاهيم الإسلامية بوجه عام، ولمقادير كلٍ منها، ولكيفية ترابطها وتناسقها في الصورة الإسلامية العامة.
إن فقدان الإدراك السليم الكامل الشامل للمفاهيم الإسلامية يتولد عنه نتائج خطيرة، منها ما يلي:
1-
فساد النسب لأجزاء الصورة الإسلامية العظيمة.
2-
الخلل في وحدة النظام الكلي للمفاهيم الإسلامية التي يكمل بعضها بعضاً.
3-
تشتت شمل وحدة المسلمين، نظراً إلى أن لكل فريق منهم صورة إسلامية خاصة به، تختلف نسب أجزائها عن صور سائر الفرقاء، الأمر الذي يؤدي إلى تعصب كل فريق منهم للصورة التي يرى الإسلام من خلالها.
4-
توجيه كل طاقات العمل دفعة واحدة، لتحقيق ما احتل معظم الساحة في الصورة ذات المناسب الفاسدة.
ومما يزيد في المشكلة أن يكون ما احتل معظم المساحة داخلاً في حدود الأشكال والرسوم، لا في حدود الجواهر الاعتقادية والخلقية والعملية والقيم الحقيقية الذاتية.
الصورة الخامسة: هي الصورة المزورة للتعاليم الإسلامية تزويراً كلياً أو جزئياً.
وأمثال هذه الصورة المزورة نجدها عند الفرق المنحرفة الضالة، التي عمل على إنشاء جيوبها أعداء للإسلام، فتظاهروا بالانتساب إليه نفاقاً، ليعملوا على هدمه من الداخل.
* * *
السبب الرابع:
تسلل دسائس أعداء الإسلام إلى حصون الأمة الإسلامية ومعاقلها، التي كانت بالإسلام حصينة مصونة محفوظة.
وقد تسللت هذه الدسائس من الثغرات التي ظهرت في واقع المسلمين، نتيجة انحطاطهم وضعفهم، وبُعدهم عن تطبيق الإسلام، وتفشي الجهل بينهم.
ونتيجة لهذا التسلل الشيطاني الخبيث، ظهرت داخل الحصون الإسلامية تنظيمات موصولة سراً بالأعداء من خارج الحدود.
فقامت المحافل الماسونية، وقامت الأحزاب ذات الشعارات الخادعة، والمعادية سراً أو جهاراً للدين، والمرتبطة عن طريق الولاء الخفي بدولةٍ ما من الدول الغربية أو الشرقية المعادية للإسلام والمسلمين.
وكثير منها يحمل مكراً يهودياً خبيثاً، ويعمل على خدمة الأهداف اليهودية.
وانطلق الغزو الفكري والنفسي والخلقي والسلوكي، في كل طريق ودخل في كل باب، داخل شعوب الأمة الإسلامية، وعملت دسائسه على ترسيخ قناعات بضرورة التنازل عن الإسلام، أو عن بعض شرائعه وأحكامه، ومتابعة الدول الغربية أو الشرقية المعادية للإسلام والمحاربة له،
بغية الخلاص من واقع التخلف الحضاري الذي أصاب المسلمين.
فتولد عن ذلك مناخ ملائم لاستقبال وامتصاص كل ما يأتي من الغرب أو الشرق، من خيرٍ أو شرّ، ونهض أجراء ومفتونون ومغفلون داخل صفوف شعوب الأمة الإسلامية ينادون بضرورة تقليد الدول المتقدمة في وسائلها الحضارية، واتباعها في مناهجها ومفاهيمها وأخلاقها وكل صور سلوكها في الحياة، بعُجَرها وبُجرها، وخيرها وشرها، وصالحها وفاسدها، وحسنها وسيئها.
وهكذا بدأت تزحف إلى شعوب الأمة الإسلامية زيوف المذاهب الفكرية المعاصرة زحفاً منذراً بالخطر الكبير.
وسقطت الخلافة الإسلامية بفعل الدسائس الصليبية واليهودية، ومساعدة المؤازرين للغزاة من داخل البلاد الإسلامية، من طوائف قديمة كانت تضمر الحقد ضد الأمة الإسلامية، ومرتدين عن الإسلام منافقين في الانتماء إليه، وأجراء، ومغفلين متهاونين، وجهلة منفرين من الإسلام.
وبعد سقوط الخلافة اقتسم الأعداء الاستعماريون الغربيون معظم بلاد المسلمين، وجعلوها دويلات مجزأة صغرى، وأحكموا الفصل فيما بينها، وأقاموا مختلف السدود لقتل أحلام الوحدة، وجمع الكلمة، وإعادة الخلافة الإسلامية.
وبذلك تولى الأعداء داخل البلاد الإسلامية المستعمرة الإشراف على كل شيء، وأخطر كل ذلك قطاع التعليم، فأسسوا المدارس والجامعات، ووضعوا سياستها، وخططها، ومناهجها، وكتبها، وعينوا مدرسيها، وأعدوا كما أرادوا بيئاتها.
وإذ تهيأت لهم الوسائل قاموا بعمليات التحويل الفكري، وبناء الأجيال من أبناء المسلمين على ما خططوا له.
وطبيعيٌّ أن تكون هذه المؤسسات التعليمية، بيئات مناسبة جداً لنشر المذاهب الفكرية المعاصرة، وإقناع الأجيال بما اشتملت عليه من
أفكار باطلة فاسدة مفسدة، والشك في مبادئ الإسلام وأحكامه وشرائعه.
* * *
السبب الخامس:
تراكم النكبات التي تعرض لها المسلمون من قبل أعدائهم من داخل بلاد المسلمين ومن خارجها، مع حالة الضعف النفسي التي وصلوا إليها.
إن تراكم النكبات قد أصاب المسلمين بالذهول وتبلد الحس: أما عامتهم فقد مسهم اليأس من الخلاص، وكادوا يفقدون الأمل بعودة المجد إلى شبابه. وأما خاصتهم فقد نزل في الكثير منهم داء الجمود والتوقف عن التحرك الصاعد بدأب وجهاد وصبر.
مع هذه الحالة الذاهلة اليائسة الجامدة المتوقفة عن حركة الجاهد الواعي الذائب الصابر الحكيم، تتسلل المذاهب المزيفة المعارضة للإسلام، ويتعلق بها فارغو العقول والنفوس من الحق، بغية تحقيق مجد جديد منشود، يكون عوضاً عن مجد غابر مفقود.
لكن هذه المذاهب وشعاراتها، لم تجر إلى المتعلقين بها وإلى جماهير شعوبهم إلا الخيبة بعد الخيبة، والنكبة بعد النكبة، والهزيمة بعد الهزيمة، ولم تجلب لهم إلا الخسران والدمار ، وسفك الدماء وسلب الأموال، وتشتت الأمة وتمزيق وحدتها، وتسلط الأعداء من كل جانب.
* * *
السبب السادس:
وجود طوائف غير مسلمة قويت شوكتها داخل شعوب الأمة الإسلامية، واشتد ظهرها، بمناصرة الدول الاستعمارية والشرقية لها، سراً وعلناً، وتمكينها من أخطر مراكز الإدارة، ومن القوة العسكرية في البلاد.
ومع هذه الطوائف مرتدون عن الإسلام من أبناء المسلمين ظاهراً
وباطناً، أو باطنأً فقد مع التستر الظاهري بقناع الانتماء إلى الإسلام، مخادعة ونفاقاً، ومعهم أيضاً أجراء للأعداء من مختلف طبقات الأمة وأنواع تخصصاتها.
وكان لهذا السبب تأثير العظيم عندما تخلف المسلمون، وضعفت قواهم الإدارية والسياسية والعسكرية، واستهنت جماهيرهم بأمر الإسلام وبشؤون المسلمين، وانصرفوا إلى أمور دنياهم الخاصة، وسمحوا بتسلل أفراد من الطوائف غير الإسلامية، وبتسلل المرتد علن الإسلام، وبتسلل أجراء الدول الاستعمارية إلى مراكز الإدارة والحكم والجيش.
إن جيوب الطوائف غير المسلمة، التي ظلت آمنة مستقرة، محمية لا يمسها أذىً ولا ظُلمٌ ولا جَنَفٌ ولا حكم بغير العدل، طوال ثلاثة عشر قرناً، قد كانت تنطوي صدورها على عداء شديد للإسلام والمسلمين، وتضمر حقداً دفينا عليهما وتتمنى أن تسنى لها الفرصة لهدم الإسلام وإبادة المسلمين، أو طردهم من أوطانهم.
وقد سنحت لها هذه الفرصة لتكشف عما كانت تضمره من قبل، فانطلقت تكيد كيدها من الداخل، مؤازرةً دول الاستعمار من الخارج، ومنفذةً خططها داخل بلاد الإسلام.
* * *
السبب السابع:
فتنة شعوب الأمة الإسلامية بالحضارة الأوروبية المادية، وتطلعهم إليها بشغف، وانبهارهم بمنجزاتها، نتيجة شعورهم بالنقص تجاهها.
ورافق هذه الفتنة تصورات خاطئة، أوهمت طلائع المثقفين أن التقدم الحضاري المادي هو مظهر للتقدم في كل ما يضمن سعادة الناس، من خلق وألوان سلوك في الحياة، ونُظُمٍ اجتماعية مختلفة.
ومع انعدام التجربة، وانبهار المغلوب بالغالب، وشعوره بالنقص تجاهه، واندفاعه لتقليده تقليداً على غير بصيرة، تغدو التصورات
المخطئات هي المسيطرة على الفكر والنفس، وعندئذٍ لا تكون النفوس مستعدة لتقبل أية بيانات تصحيحية تميز بين الحق والباطل، والخير والشر، وتضع كل أمر في موضعه، وتكشف أن التقدم المادي والعلوم الصناعية، إنما تقدم للناس وسائل حضارية مرتقية، صالحة لأن تستعمل في الخير مرة، ولأن تستعمل في الشر أخرى، ولا يضبط توجيهها شطر الخير ويلجمها عن الشر، ما في العلوم المادية والصناعية من قوانين، فهي من دون الإيمان بالله واليوم الآخر، وأحكام الشرائع الربانية، قد تكون بعد حين وسائل تدمير شامل لمظاهر الحضارة نفسها، وللإنسانية كلها، بعد تعمير كثير يقوم بها.
لقد كانت هذه الفتنة بالحضارة الأوروبية المادية، وبما رافقها من انبهار بمنجزات هذه الحضارة، مناخاً ملائماً جداً لزحف كل ما لدى الغربيين، من سلوك، وأفكار وعادات، ومذاهب فكرية حديثة، مناقضة لمبادئ الإسلام، ومفاهيمه وشرائعه وأخلاقه ونظمه وسائر تعاليمه الحقة.
* * *