الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جنة النعيم لغير المتعة، فصارت الباء كالمنبهة على تكريم أهل الجنة بالحور العين وليست مقحمة ولا زائدة ولا
…
فجمع التضمين الحسنيين ودل على الغرضين فاشددْ يدك به ولا تَنْبُ عنه فالخيرُ في وجهه والفضل في سجاياه.
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ)
(1).
ذكر الزمخشري: تعدى السؤال إلى المفعول الثاني بـ (إلى) لتضمنه معنى الإضافة أما الآلوسي فقد قال: والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله وتعديته إلى مفعول آخر بـ (إلى) لتضمنه معنى الإضافة كأنه قيل: لقد ظلمك بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب، أو ظلمك بسؤال نعجتك مضافة إلى نعاجه. وقريبا منه قول ابن جزي: سؤال مصدر مضاف إلى المفعول وإنما تعدى بـ (إلى) لأنه تضمن معنى الضم والإضافة كأنه قال: بسؤال نعجتك مضافة أو مضمومة إلى نعاجه.
أقول: إن تعدّي السؤال بـ (إلى) حملنا على تضمينه معنى (طلب) و (ابتعى) و (رغب) ولعل إلحاح صاحب التسع والتسعين نعجة على خليطه أن يكفل نعجته الوحيدة وذلك بضمها إلى نعاجه دليل بغيه وظلمه: (وَإِنَّ
كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) أما إصدار الحكم من داود عليه السلام في القضية بكون الخصم ظالما بمجرد دعواه ومن غير بينة وقبل أن يسمع منه، فدليل على استثارته وتعجله. ثم أحس عليه السلام أنه سها عن طلب البينة وأنه تعجل، وأنه الابتلاء من اللَّه
…
فاستغفر ربه وخرَّ راكعا وأناب.
والتعقيب على القصة، يكشف عن طبيعة الفتنة، ويحدد المقصود من الابتلاء. (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى) والهوى هو الانفعال وعدم التريث والتثبت والتبين.
ولولا (إلى) والتي لا يتعدى بها فعل السؤال لما فهمنا معنى الضم والطلب والابتغاء والرغبة. ولو قال: لقد ظلمك بضم نعجتك لفسد المعنى لأنه لم يضمها ولا أضافها وإنما طلب إليه أن يضمها إليها: (أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) فتضمين السؤال معنى الطلب والابتغاء والرغبة - لقد ظلمك بابتغاء نعجتك إلى نعاجه - دل على شرف هذه اللغة بأن اللفظ لتناشره وانبثاثه غيرُ محصور في منظور ضيق لا يخرج عنه فهو من أي عِطفَيه التفت، يجد معنى فوق معناه. هو أوفق له وأملأ به، يعطي
…
ثم يعطي عن ميزة وعلى بصيرة.
* * *
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (1).
ذكر الزمخشري وجوها منها:
- الباء في (به) صلة سل كقوله: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) أو سأل به: اعتنى به.
- أو صلة (خبيرا). فسل رجلا خبيرا به وبرحمته. أو فسل بسؤاله خبيرا.
- أو تجعله حالا عن الهاء فسل عنه عالما بكل شيء.
وفي الجمل: به متعلق بـ خبيرا وقدم عليه لرعاية الفاصلة القرآنية.
وقال الملياني الأحمدي: خبر بالشيء: علمه بحقيقته وكنهه. وقال البطليوسي: إنما جاز استعمال الباء مكان عن بعد السؤال لأن السؤال عن الشيء إنما يكون عن عناية به واهتبال بأمره، فلمّا كان السؤال بمعنى العناية والاهتبال، عُدِّي بما يُعديان به. وأما قوله تعالى:(فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) فإنه يحتمل تأويلين: أحدهما: أن يكون فاسأل عنه العلماء ذوي الخبر من خلقه، والثاني: أن يريد فاسأل بسؤالك إياه خبيرا، أي إذا سألته فقد سألت خبيرا عالما، كما تقول: لقيت بزيد الأسد أي لقيت الأسد بلقائي إياه، فالمسؤول في هذا الوجه هو اللَّه عز وجل، والباء على وجهها، والمسؤول في الوجه الأول غير اللَّه تعالى، والباء بمعنى عن. والقول الثاني عندي أجود وإن كان الأول غير بعيد. أ. هـ.
وذكر السيوطي: فاسأل به: المجاوزة كعن أي عنه بدليل (يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ) وقيل: استدع به خبيرا ضمن (فاعتن أو اهتم به)، لأن السؤال عن الشيء اعتناء به. ومثله قال ابن هشام والأشموني
والزركشي والمرادي وذكر البيضاوي والآلوسي: ويجوز تضمين (سأل) معنى (فتش) فعدي بـ (عَنْ)، ويجوز تضمين سأل معنى اعتنى فيتعدى بالباء، والباء عند البصريين للسبب، ولا يجوز أن تكون بمعنى عن. وقال ابن هشام: فيه بُعد لأن المجرور لا يقتضي أن يكون مسؤولا عنه. وقال الرازي: فاسأل به خبيرا و (به) يعود إلى خلق السماوات والأرض والاستواء على العرش والباء صلة الخبير.
أقول: ويبقى المعنى منوطا بما أومأ إليه السياق وعقد السائل عليه الغرض. فمع السيطرة والاستعلاء (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) الرحمة الشاملة (الرَّحْمَنُ). ومع الرحمة الدائمة الخبرة المطلقة (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) فاكتف به خبيرا لدى سؤالك عن أي أمر، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. فالسائل إذا ظفر بخبير فليكتف به عن سؤال سواه. لأنه محيط بظواهر الأمور وبواطنها، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء اللَّه سبحانه.
والعلاقة واضحة بين المضمن والمضمن فيه فالسائل إنما يكفيه الخبير، لأنه حين يسأل فإن لديه حاجة يسأل عمن يكفيه إياها، وهل يسأل إلا خبيراً (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا): فاكتفِ به خبيراً سبحانه. أو يكون الكلام من باب التجريد والباء ليست صلة ولكنها باء التجريد: سببية، والخبير هو اللَّه تعالى، فإذا سألته فقد سألت خبيراً عالماً.