الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقلوب عاسية قاسية، تشمئز من سماعه، فتنفر وتكتئب وتنقبض، تلقاه بغلظة وعتمة في جفاف وقسوة، فتضمين اسم الفاعل (قاسية) معنى (نافرة أو مشمئزة) أولى من تضمين الحروف:(مِنْ) معنى (عن)، يشهد لصحته شياعة استعماله في بابه، فالقسوة إنما تتولد من النفور، وليس الاشمئزاز وهو امتلاء القلب غيظا إلا من أسباب القسوة. قَالَ تَعَالَى:(وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي نفرت، وكلا النفور والاشمئزاز يتعدى بمن. هكذا تظهر مزية هذه الحروف حين تدخل على أفعال أو مشتقات لا تتعدى بها، ويعظم فضلها حين تسلط النظر على الخبيء فيستخرج، وعلى الدفين فيطلب إنها عرائس تزف إليك، يسافر فيها الطرف وقد عرف طريق الاستمتاع بها.
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ)
.
قال ابن عباس: قضينا: بيَّنا لبني إسرائيل.
وذكر الزمخشري: قضينا: أوحينا إليهم وحيا مقضيا أي مقطوعا مبتوتا بأنهم يفسدون. ونقل ذلك عنه البيضاوي وحكى أبو حيان: قضى
يتعدى بنفسه (قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ) ولما ضمن معنى الإيحاء تعدى بـ (إلى).
وذكر البروسوي: قضى إليه: أنهاه وأبلغه. أي أعلمناهم وأوحينا وحيا جازما وبيّنا في الكتاب أي التوراة. فإن الإنزال والوحي إلى موسى إنزال ووحي إليهم.
ونقل الجمل عن السمين: قضى يتعدى بنفسه (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا) وإنما تعدى هنا بـ (إلى) لتضمنه معنى أنفذنا وأوحينا أي وأنفذ إليهم بالقضاء المحتوم. أ. هـ. السمين. وقال الجمل: قضى يتعدى بنفسه أو بـ (على) وإنما عداه بـ (إلى) لتضمنه معنى أوحينا ويجوز أن يكون لتفسدن جوابا لقوله (وقضينا) لأنه ضُمِّن معنى القسم ثم قال: المراد بالإيحاء: الإعلام والإخبار بما سيحل بهم، والموحى به محذوف أي بالفساد.
أقول: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا
…
) في الأفق الساجي مع جو الإسراء اللطيف، وفي تظليل الصورة بالعتمة
…
يأتي العروج في مقام العبودية كي لا تلتبس بمقام الألوهية كما فعل النصارى.
رحلة تربط بين عقائد التوحيد من إبراهيم وإسماعيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، كما تربط بين المقدسات من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
…
قضينا
…
ليس قضاءً قهرياً عليهم فاللَّه لا يقضي بالفساد حاشاه وإنما أوحى إلى بني إسرائيل في التوراة خبر ما كان وما سيكون بأنهم سيفسدون في الأرض مرتين وسيسيطرون في الأرض المقدسة،