الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ تَعَالَى:
(وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ)
(1).
ذكر الزمخشري: ولا تعزموا عقدة النكاح من عزم الأمر وعزم عليه وذكر العزم مبالغة في النهي عن عقد النكاح في العدة لأن العزم على الفعل يتقدمه، فإذا نهى عنه كان عن الفعل أشد وأنهى.
وقال أبو حيان: يتضمن تعزم معنى ما يتعدى بنفسه أي تنووا أو تصححوا أو تباشروا، وقيل: انتصب على المصدر. ومعنى تعزموا: تعقدوا، وقيل: انتصب على إسقاط (على) وعقدة النكاح ما تتوقف عليه صحة النكاح على اختلاف العلماء في ذلك، ولذلك قال ابن عطية: عزم العقدة: عقدها بالإشهاد والولي، وبلوغ الكتاب أجله: انقضاء العِدة وهذا النهي معناه التحريم فلو عقد عليها في العدة فسخ الحاكم النكاح.
قال الراغب: العزيمة: عقد القلب على إمضاء الأمر.
قال القرطبي: والمعنى لا تعزموا على عقدة النكاح في زمان العدة.
قال النحاس: ويجوز أن يكون: ولا تعقدوا عقدة النكاح لأن معنى تعزموا وتعقدوا واحد. حَرّم عقد النكاح أثناء العدة وأباح التعريض.
وقال البروسوي: ولا تعزموا عقدة النكاح: لا تقصدوا قصدا جازما عقد (عقدة النكاح) وفي النهي عن مقدمة الشيء نهي عن الشيء على وجه أبلغ. وقيل: المعنى لا تقطعوا ولا تبرموا عقدة النكاح ويكون النهي عن نفس الفعل لا عن قصده.
أقول: يأتي التعبير القرآني في منتهى الدقة وغاية اللطف فلم يقل: لا
تعزموا على عقدة النكاح: أي تنووها. بل قال: لا تعزموا عقدته؛ أي (تظهروها وتباشروها وتحققوها)، النية التي في القلب خافية لا حرج على صاحبها فيها ولا معها، وإنما الحرج وإنَّمَا المنهي عنه أن تظهر على السطح بصورة عزيمة تنشئ العقدة.
جاء النهي عن الاقتراب من حدود الخطر في فترة العدة فضلا عن اجتيازه، فلم يقل (ولا تعقدوا) بل قال:(ولا تعزموا) والعزم على الفعل يتقدم الفعل، والعزم على عقدته يتقدم عقدته. فإذا جرى النهي عن العزم فالنهي عن العقد أنهى. ولعل السياق قبلها - لا تواعدوهن سراً - وبعدها - واعلموا أن اللَّه يعلم مافي أنفسكم فاحذروه - يؤنسنا بصحة ما عرضنا له، فاللَّه عليم بالمشاعر المستكنَّة والعلاقات الشديدة الحساسية بين الرجل والمرأة. يظاهر ما أثبتناه قوله تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم:(فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ) أي جد الجد ولزم فرض القتال فلو صدقوا اللَّه لكان خيرا لهم.
* * *
قَالَ تَعَالَى: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (2).
وقال: (فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ).
عكف يتعدى بـ (على) كقوله تعالى: (يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ).
فقيل: (لها) بمعنى (عليها) كما قيل في قوله تعالى: (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) أي فعليها. والظاهر أن اللام لام التعليل أي لتعظيمها. وصلة (عاكفون) محذوفة أي على عبادتها.
ذكر الزمخشري والعكبري: قيل: ضمن (عاكفون) معنى (عابدون) فعداه باللام. وقال: لم ينو لـ (عاكفون) محذوفا وأجراه مجرى ما لا يتعدى كقولك: فاعلون العكوف لها، أو واقعون لها. وقال أبو حيان: عكف يتعدى بـ (على) فقيل (لها) هنا بمعنى (عليها). والظاهر أن اللام في (لها) لام التعليل أي لتعظيمها، وصلة عاكفون محذوفة أي على عبادتها، وقيل: ضمن عاكفون معنى عابدين فعداها باللام. وقال الآلوسي: اللام في (لها) للبيان فهي متعلقة بمحذوف كما في قوله تعالى: (لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ). أو للتعليل فهي متعلقة بـ (عاكفون) وليست للتعدية لأن عكف إنما يتعدى بـ (على) كما في قوله: (يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ) وقد نزل الوصف هنا منزلة اللزوم أي التي أنتم لها فاعلون العكوف، واستظهر أبو حيان كونها للتعليل وصلة (عاكفون) محذوفة أي عاكفون على عبادتها، ويجوز أن تكون اللام بمعنى (على) (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) وتتعلق حينئذٍ ب (عاكفون) على أنها للتعدية. وجوز أن يؤول العكوف بالعبادة فاللام حيئنذ كما قيل: دعامة لا معدية. وقيل: لا يبعد أن تكون للاختصاص، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبراً و (عاكفون) خبر بعد خبر. ومن الناس من لم يرتض تأويل العكوف بالعبادة لما أخرج ابن أبي شيبة وغيره عن علي رضي الله عنه أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم
…
لأن يمس أحدكم جمرا خير له من أن يمسها، وفيه نظر.
أقول: كلمة عاكفون تفيد الانكباب الدائم المستمر عليها والتعلق بها يشهد على ذلك الجملة الاسمية: (أنتم لها عاكفون)، وفي الشعراء: (فَنَظَلُّ