الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإظهار والإعلاء
…
) ومن معاني (أفعل): التمكين 0 أي مكنكم من الاستيلاء والاستحواذ على المشركين. وهو البصير بكل خاطرة وكل حركة وكل حادث وقع لكم، وهو يختار لكم عن علم وعلى بصيرة، ولن يضيعكم إذا استسلمتم له. بلا ترقد ولا تلفت موقنين أن الأمر كله له، وأن الخيرة فيما اختاره لكم، وأنكم مسيرون بقدرته ومشيثته، وأنه يريد بكم الخير (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
…
لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ).
وهكذا يكشف التضمين عن جانب من:
- حكمة اللَّه المغيبة وراء تدبيره
…
ليدخل اللَّه في رحمته من يشاء ....
- وسبب اختيار اللفظ ليضيء به المعنى وينبّه على أسبابه.
* * *
قَال تعالى:
(وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا)
(2).
ذكر العز بن عبد السلام: أي فكفروا بها ظالمين، أي فكذبوا بها ظالمين. وقال القرطبي: جحدوا بها وكفروا أنها من عند الله.
وذكر الآلوسي: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ) بآياتنا متعلق بـ يظلمون لتضمنه معنى (يكذبون أو يجحدون). وكذلك أبو حيان. وقال الزمخشري: كذبوا.
أقول: تضمن (ظلم) معنى (خان وختل وخدع) وهذه تتعدى بالباء لأن نفوسهم الظالمة خدعتهم فالقرآن معجزة الإسلام الباقية إلى يوم القيامة يخاطب الفكر والقلب ويلبي الفطرة. أما المعجزة المادية فتقتصر على من يشاهدها. فثمود الذين طلبوا آية جاءتهم الناقة وفق طلبهم ولكنهم جحدوا بها فأوردوا أنفسهم موارد الهلكة تصديقا لوعد اللَّه بإهلاك المكذبين بعد مجيء الخوارق والمعجزات، وقد رأوا المعجزة الباهرة في الناقة المبصرة.
لقد جمع التضمين الظلم إلى الجحد، والتكذيب إلى الخيانة والختْل والخدْع في هذه الباء، ظلموا أنفسهم فخسروها وجحدوا بآية مرئية فأنكروها، وكذبوا بآية حسية وختلوا وخدعوا وخانوا فاستحقوا وقوع العذاب. وبهذا جمع التضمين هذا الشتات فأوعى.
إنه التضمين يكشف عن طبيعة الصنعة في هذه اللغة الشريفة، وعن الغرض من إبدال هذه الحروف، والإشعاع المنير الذي يستضيء به الفعل حين يمسه حرف لا يألفه ولا يأنس به فإذا له خيال مشبوب كأنما كسبت روحه قوة، وشبَّت في نفسه شبابا يزيد في معناه، ويتفتح عن رصيده المذخور، وإيحائه المُتجدد.
* * *