الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمؤمن آل فرعون وقد جاءه بأسلوب الناصح أن يُلغي وجوده وُيزيل سلطانه ونفوذه لو قال له: من يجيرنا من بأس اللَّه إن جاءنا - إنه إذاً أسلوب حكيم في مخاطبة الطغاة وإنه موضع حرج ومقام زَلْخ لا ترسو فيه قدم، تعجب من لُطف مدخله.
إنها الصنعة البيانية تربأ بنا أفرع مشارفها. تولِّد يقظة النفس لتحقق فضائلها.
وإنها لرعشات من نور الهداية على لسان مؤمن آل فرعون.
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ)
.
ذكر الجمل والآلوسي والأشموني والمرادي والسيوطي والزركشي: الباء بمعنى (في). وقال ابن عباس: ببدر: يوم بدر.
أقول: لا يضق صدرك من هذه الباء ولا تسترسل في كذب الوهم فترميها إلى التناوب بل هي على أصلها، وإنما تضمن (نصر) معنى (أعز) والمتعدي بالباء فأسباب العزة حصلت بهذه البقعة على غير ميعاد بين
الفريقين، فالعَدد والعُدد، ونزول الملائكة، وطبيعة الأرض، ووجود الماء، وأمور
…
فاللَّه وحده أعزكم ببدر وبيده النصر والهزيمة، واللَّه وحده يملك القوة والسلطان وله القهر والغلبة.
ولو قيل: ما العلاقة بين المضمن والمضمن فيه؟ أقول: العلاقة سببية فالنصر سبب من أسباب العز.
ولو سألت: لم عدل سبحانه من (أعز) إلى (نصر)؟ أقول: أسباب العز كثيرة، والمراد: العز الحربي بخاصة وهو النصر ثم يتبعه ما يتبعه. ثم هذه المقابلة بين العز والذل أعزكم ببدر وأنتم أذلة لو تجشمْت كُلفة البحث عنها وتحاملت على نفسك لتناهيت إلى عجز ولم تبلغ حاجتك لولا الباء التي أوقفك عليها التضمين في الفعل.
وكم مرّ عليها المفسرون دون استشفاف لمقاصدها السنية في نظمها البديع والتي لا تأتي إلا مع الأناة والصبر ولا تُبدي زينتها إلا لمُدلج، لأنهم وقعوا أسرى التناوب والتعاور والذي يخالف ما عليه أوضاع اللغة ويُنافرها.
وبعد
…
ليس من شأن الحرف أن يقول: إن الطريق لمظلم، بل يقول: ها أنذا بجوار فعلي مضيء.
فاجتهد لتبلغ غور هذه اللغة الشريفة وتعجب من وسيع مذاهبها وتستضيء بأنوارها وتكشف أسرارها.
إنه التضمين في لغة القرآن الكريم
…
وتحير البلغاء في تفسيرها
…
واستسلموا للعجز في تأويلها
* * *