الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ تَعَالَى:
(مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ)
.
قال الزمخشري: إلى الله: صلة أنصاري مضمنا معنى الإضافة. كأنه قيل؛ من الذين يضيفون أنفسهم إلى اللَّه ينصرونني كما ينصرني.
وأورد أبو حيان: أقوالا منها: إلى الله: أي مع الله، قاله السُدّي.
وقال الحسن: في السبيل إلى الله. وقال أبو علي الفارسي: إلى الله: أي لله. كقوله: يهدي إلى الحق أي للحق. وقال ابن بحر: معي إلى الله. وقال أبو عبيدة: من أعواني في ذات الله. وذكر كثيرون أن (إلى) بمعنى (مع). أ. هـ.
وقال المرادي: و (إلى) في هذا أبلغ من (مع) لأنك لو قلت: من ينصرني مع فلان، لم يدل على أن فلانا وحده ينصرك، ولا بد. بخلاف (إلى) فإن نصرة ما دخلت عليه محققة واقعة مجزوم بها إذ المعنى على التضمين: من يضيف نصرته إلى نصرة فلان. وحكى ابن عصفور عن الكوفيين وحكاه ابن هشام عنهم وعن كثير من البصريين أن (إلى) بمعنى (مع) وورد ذلك في: تأويل مشكل القرآن، والصاحبي، والأزهية، والبرهان، والمغني، والإتقان، ومعاني القرآن للفراء، وشرح اللمحة البدرية، ومنتخب قرة العيون، ومعترك الأقران، ومجمع البيان، والجنى الداني.
أقول: ذكر المرادي: من نصيري مع فلان معناه أن فلانا وحده لا ينصرك بخلاف (إلى) فإن نصرة ما دخلت عليه محققة ومجزوم بها. أ. هـ، ولم يلتفت القائلون بتضمين الحروف إلى هذا الفارق الدقيق في توجيه المعنى بين الحرفين فجانَبَهم الصواب، ولو أخذوا بتضمين المشتق لتراجعوا عما قالوه.
وفي تضمين المشتق (نصير) معنى (مساند) والمتعدي بـ (إلى) منتهى الوضوح في المعنى وأكشف عن وجه التأويل وأنصع لجلاء الصورة: إذ لا بد لكل صاحب عقيدة من أنصار يحملون عِبأها ينهضون معه ويحامون عنه وُيبلغون دعوته فيَكِل إلى اللَّه أمره، ويعهد إليه شأنه، وُيسند إليه ظهره. وُيبدي
الحواريون استعدادهم لنصرة دين اللَّه ومعاضدة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فهم مساندوه
إلى الله، واللَّه هو النصير وهو السند والظهير. فيتوجهون إلى ربهم قائلين:(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).
ومعناه عقدوا بيعة مع اللَّه على اتباع منهجه والاقتداء برسوله وتحقيق هذا المنهج وإيثار الموت في سبيله وهذا خير من حياةِ لا يتحقق في ظلها منهج الله. فشهادتهم خير من حياتهم، والشهادة في سبيل اللَّه أعز ما يحرص عليه المؤمن. فحين سأل من مسانديَّ إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله.
فلْنُرِح أنفسنا من هذا المسلك العسوف الذي ألزمنا فيه النحاة وكثير من المفسرين بجدع الأنف: تضمين الحروف. وهو منكور عند أهل الحذق بالعربية، ليس له وزن ولا يقوم به دليل.
* * *