الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يطوي الليالي يقتات على كسرات
…
يستبدل القسوة باللين والشظف بالنعيم والخوف بالأمن
…
أرأيت كم أوحى الحرف (في) حين دخل على فعل لا يتعدى به فأطلق يده في توجيه دلالاته!!.
إنه التضمين وهذا من جنى ثمراته.
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ)
(1).
قال أبو حيان: سقطت الباء قياسا قبل (أن) - عهد إلينا بأن لا نؤمن - أو مفعول به على تضمين عهد معنى ألزم فكأنه ألزمنا أن لا نؤمن.
وقال الجمل: عهد إلينا: أمرنا وأوصانا وردّد ذلك الآلوسي والبروسوي. وقال العكبري: أن لا نؤمن: يجوز أن يكون في موضع جر على تقدير: بأن لا نؤمن لأن معنى عهد هو وصّى. ويجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير حرف الجر المحذوف. ويجوز نصبه بعهد لأن معناه ألزم.
أقول: هؤلاء يهود قتلة الأنبياء يزعمون أنهم لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يأتيهم بقربان وتهبط نار فتأكله، وما دام لم يفعل فهم على عهدهم مع اللَّه ملتزمون بالزبور كما يزعمون والباء تسقط قياسا قبل (أن) المصدرية. والعهد
هنا معناه الوصاة وهو أظهر لشناعة يهود وأكشف عن خستهم ولؤم طبيعتهم من تضمين عهد معنى (ألزم وأمر) لأنهم يريدون تبرير كفرهم بالرسالة المحمدية بقوة تدينهم وفرط عنايتهم بأوامر ربهم فاللَّه أمرهم وألزمهم (كذا) فلا يؤمنون لرسول حتى يأتيهم بمعجزة.
أما تضميننا (الوصاة) فاحتمال التحلل منها ليس بالهين على المتقين ذوي البصيرة وهذه تتعدى بـ (إلى) والباء كما جاء في المعجم.
ويبقى للسياق دوره في توجيه المعنى فيما دل عليه دليل وأرشد إليه نظر، في فضح كذبهم والتوائهم وإصرارهم على الكفر وافترائهم على الله، لا يصح الغفول عنه والغضُّ من نفاسته، فهو أنبه له وأذهب في كشف الستر عنه.
* * *
قَالَ تَعَالَى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)(2).
ذكر أبو حيان والآلوسي والعكبري: عهدا مفعول به على تضمين (عاهدوا) معنى (أعطوا). وقال الزمخشري: وقرئ (عوهدوا) واليهود موسومون بنقض العهود. والنبذ: الرمي بالذم.
أقول: الأيدي النابذة للمواثيق
…
مشهد حسي يصور تصرف يهود الأرعن، موسوما بالحماقة وسوء الأدب ليكشف عن جحودهم وحقدهم الدفين
للإسلام والإنسانية جميعا. إنه انحراف الفطرة لأن النفوس السليمة لا تملك إلا الإيمان مع وجود الحجة والبرهان. ومع كراهيتهم لسواهم لا يحفظ بعضهم عن بعض. فما أبرموا عهدا إلا نقضه فريق منهم.
القرآن يكشف هذه السمة الوخيمة فيهم مع أنبيائهم ومع نبينا صلوات اللَّه عليهم أجمعين.
فتضمين (عاهد) معنى (أبرم) أعون على ظهور مزية الصنعة البيانية في قراءة ابن عباس لما بين النقض والإبرام من المقابلة. وتضمين (عاهد) معنى أعطى (أكشف) عن المعنى الوظيفي، ويألفه السياق ويرتاح لاستعماله فهم لا يَثْبتون على عهد ولا يستمسكون بعُروة، بل لا يحفظ بعضهم عن بعض. بئس خَلة في يهود ما يقطعون على أنفسهم عهدا إلا نقضته فئة منهم، صورة قميئة صورة النبذ تشخص النزوة والهوى، وتحمل الحقد الدفين على الإنسانية، لا تثبت على عهد، ولا تجتمع على رأي، سمة النبذ ذات إشعاع، تكشف عن وضع نفسي منحط، فيه مراوغة والتواء، مثلما فيه خداع ونفاق. تعيش يهود في ظله الآثم، وتتنفس في جوِّه الحبيس على مر العصور، شهده السلف، ونشهده اليوم في عالمنا الإسلامي والغرب النصراني على سواء. وسيشهده الخلف إلى قيام الساعة. ولكن أين مَن يتعظ؟!
ويبقى للسياق دوره في تلوّحُ المعنى واستشرافه، لتحديد مدلوله في الموضع الذي بات عليه، ودون قطع اليقين فيه.
* * *
قَالَ تَعَالَى: (أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ)(1).
وقال: (وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ)(2).
ويتساءل الزمخشري: هلا قيل: اغدوا إلى حرثكم وما معنى على؟ قلت: لما كان الغُدُو إليه ليصرموه ويقطعوه كان عدوا عليه، كما تقول: عدا عليهم العدو، ويجوز أن يضمن الغدو معنى الإقبال كقولهم: يُغدى عليهم بالجَفْنة وُيراح: أي فأقبِلوا على حرثكم باكرين. ومثله أبو حيان والجمل أي ضمّنه معنى (أقبلوا).
وذكر الآلوسي: ويجوز أن يكون من: غدا عليه إذا أغار بأن يكون قد شبه غدوهم لقطع الثمار بغدو الجيش على شيء، لأن معنى الاستعلاء والاستيلاء موجود فيه وهو الصرم والقطع. وضمنه أبو السعود: الإقبال أو الاستيلاء، ومثله البروسوي. ثم قال: وزاد بعضهم أنه يتعدى بـ (على) كما في القاموس: غدا عليه غُدواً وغُدوة.
أقول: لا تضمين في الفعل لأنه يتعدى بـ (على) جاء في اللسان: غدا عليه غدوا وغُدوا بكر وغاداه وغدا عليه: باكره وهو المراد في الآية الكريمة. قال زهير:
ولقد غدوت على القنيص بسابحٍ
…
مثل الوَذيلة جُرشُع لَأمُ
فهو يغدو على صيده باكراً بجواد خفيف كالفضة في صفائه وبريقه، ضخم الجنبين شديد وقال أيضا: