الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنذار وتحذير
…
فأمر الطلاق ليس أمر أسرة بل أمر الأمة كلها، عتوا عن أمر اللَّه لا يؤاخذ به الأفراد الذين يرتكبونه، وإنما تؤاخذ به الأمة التي تقع فيها المخالفة حين تنحرف عن نهج اللَّه وأوامره، تذوقه فسادا وانحلالا وفقرا وقحطا وظلما وجورا فلا طمأنينة فيها ولا استقرار.
فهذا الدين منهج جاء لينشئ أمة مسلمة، فالأمة كلها مسؤولة عنه وعن أحكامه، وتبقى الحجة في تعدية الفعل بـ (عَنْ) أنْور وأبْهر فلولا (عن) لانتهت المادة اللغوية (لعتت) إلى جفاف لا نَسْمة من ورائها ولا إشراق.
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)
(1).
ذكر الجمل: تعدى استعجل بالباء من حيث تضمينه معنى المطالبة، وإلا فالذي في كتب اللغة أنه إنما يتعدى بنفسه.
أقول: لا تضمين في الفعل لأنه يتعدى بالباء وليس كما قال الجمل ففي
التنزيل: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ).
وقَالَ تَعَالَى: (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ).
وقال: (لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ).
وقال: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا).
وقال: (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ).
وقال: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ).
وقال: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ).
وجاء في الحديث: " لولا تعجلوا بالبلية قبل نزولها ". وقال صلى الله عليه وسلم: " لا تعجلوا بنداء أساراكم ". وقال زهير بن أبي سلمى:
فلا تحسبن يا ابن أزنمَ شحمة
…
تعخلهاطاهٍ بشيٍّ مُلَهوج
فالفعل إذاً يتعدى بالباء ولا تضمين فيه واللَّه أعلم.
* * *
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (8).
قال الآلوسي: والمراد بالتعجيل تقدمه عليه لا الإتيان قبل تمام الميعاد، خلافا لبعضهم، والاستفهام للإنكار، لأن العجلة نقيصة في نفسها فكيف من أولي العزم. واللائق بهم المزيد من الحزم.
وقال البروسوي: أي شيء حملك على العجلة وأوجب سبقك منفردا عن قومك وهم النقباء السبعون، وأنه سبقهم شوقا إلى ميعاد اللَّه وأمرهم أن يتبعوه (وما أعجلك): سؤال انبساط كقوله: (وَمَا تِلْكَ
بِيَمِينِكَ) لا سؤال إنكار كما ظن أكثر المفسرين.
وقال الرازي: وأما قوله (هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي) فغير منطبق على سؤاله عن سبب العجلة.
أقول: (أعْجلَ) لا يتعدى بـ (عَنْ) وإنما تضمن معنى (أَبْعد) فعجلتُهُ أبعدته عن قومه. فلما سئل عن سببها (قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي) وغير بعيدين عني، لقد غلب الشوق عليه إلى مناجاة ربه بعد أن ذاق حلاوتها من قبل فهو إليها مشتاق عجول. وقف في حضرة مولاه لا يعلم ما أحدثه القوم خلفه في أسفل الجبل.
استعد لهذا اللقاء أربعين يوما ليتلقى الألواح وفيها التوجيه من ربه والذي يقيم عليه حياة بني إسرائيل بعد أن أنقذهم من ذل الفراعنة ليصوغ منهم أمة ذات رسالة.
وما كاد يتركهم في رعاية أخيه هارون حتى ينهاروا أمام أول اختبار
…
إنه العجل من الذهب أضلهم به السامري وهاهم يتبعون أول ناعق إلى الوثنية، إلى عبادة العجل. والعلاقة بين المضمن والمضمن فيه سببية، فعجلته سبب في بعد قومه عنه. فجمع التضمين مع العجلة معنى البعد والذي أوحى به الحرف (عن) وقد يحمل المعنى على نقيضه كما يحمل على نظيره: أي ما أبطأهم عنك؟ ويأتي جوابه: هم أولاء على أثري، وعجلت إليك ربي لترضى.
إنه التضمين وإنه النور المبين.
* * *