الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهَا عَاكِفِينَ) وكأنهم
…
يعبدونها دلنا ظاهر جوابهم عليه (وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ)، فهو دليل عبادتهم لها تقليدا لآبائهم ووراثة عن أجدادهم فهم متحجرون عقليا لا يقوم لهم دليل على عبادتها يخلع عليها أية قداسة. وتعدي المشتق (عاكفون) باللام وهو يتعدى بـ (على) شاهد على تضمنه معنى الصلاة والتقديس لها والمتعديان باللام. فجمع التضمين معنى تعلق القلوب بها في انكبابهم الدائم عليها مع الصلاة والتقديس لها. ثم العكوف مطلق والصلاة والتقديس مقيدان وحمل المطلق على المقيد دليله غير مدفوع. وتبقى العربية مرنة تتسع لعديد من المداليل وتختزن الكثير من المشاعر والأفكار عن طريق التضمين.
* * *
قَال تعالى:
(وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا)
(3).
ذكر أبو حيان والرازي والآلوسي: ليعلم أي ليَميزَ وليُظهرَ.
وذكر الجمل: ولما ضمّن ليعلم معنى يظهر تعدى لمفعول واحد.
أقول: التصور الإسلامي له من الشمول ما ليس لسواه. وهو يُقرّ بوجود الإرادة الفاعلة، ولكنها تجري في ناموس مرسوم ومشيئة مدبِّرة. فإرادة الإنسان
وحريته وتفكيره تقع موافقة لقدر اللَّه ومشيئته المحيطة بكل شيء في تناسق وتوازن. فإذا نزل به مصاب نتيجة خطأ ارتكبه، كانت النازلة هذه من وسائل التمحيص والإعداد والتربية. وبهذا التصور تطمئن قلوب المؤمنين وهم يواجهون قدر الله، ويتعاملون مع سننه الكونية، وأن اللَّه يفعل ما يريد بهم وبمن حولهم.
(فالعلم) تضمن (الفرز والتمييز) فتعدى لواحد وَجَمَع التضمين المعنيين: العلم والفرز والكشف، علْم اللَّه الذي به يتم الفرز والتمييز والكشف. وما وقع في غزوة أحد لم ينته، فوراء المخالفة والألم تمييز المؤمنين من المنافقين، وتمحيص قلوب المؤمنين وكشف ما فيها من غَبَش، لأن الألم وسيلة من وسائل التربية والتمحيص. هذا الموقف المكشوف يحسون من ورائه أنهم أداة من أدوات القدر يفعل بها اللَّه ما يشاء.
فموقف عبد اللَّه بن سلول ومن معه كشفهم اللَّه في هذه الموقعة وميز المسلمين منهم فقد كان يرأس النفاق، فحرمه قدوم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ما كانوا يعدونه له من الرئاسة فيهم والذي جعلهم يرفضون الاستجابة إلى عبد اللَّه بن عمرو بن حرام وهو يقول لهم (تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا) محتجين بأنهم لا يعلمون وجود قتالٍ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ).
* * *
قَال تعالى: (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (1).
ذهب أبو حيان: إلى أن (مِنْ) متعلقة بـ يعلم على تضمين ما يتعدى بمن كأن المعنى: واللَّه يميز بعلمه المفسد من المصلح
…
وذكر أبو السعود: العلم بمعنى المعرفة المتعدية إلى واحد و (مِنْ) لتضمينه معنى التمييز، وقد حمل المخالطة على المصاهرة ففيه وعد ووعيد، خلا أن في تقديم المفسد مزيدَ تهديدٍ وتأكيداً للوعيد. وذكر الآلوسي: تضمن (يعلم) معنى (يميز) ولذا عداه بمن. وكذلك أستاذنا سعيد الأفغاني.
أقول: قواعد التكامل الاجتماعي حريصة على رعاية مصلحة اليتيم.
وبعد أن سُمِحَ لأوصيائه بخلط طعامه وماله بطعامهم وأموالهم ليرفع عنهم العنت ما داموا أعضاء في أسرة كبيرة، ربط هذا السماح بعلمه وهدد بكشفه، وجعله ضمانا لتنفيذ تشريعه ما دام عارفاً بالنيات، عليما بالنفوس صالحها من فاسدها. فليست القضية في الشكل: يخلط أو لا يخلط، بل في نية الوصي وفي ثمرات عمله.
نعم
…
لما أريد (بالعلم) معنى (الكشف) و (الفرز) عدي بمن إيذانا أنه بمعناه وإشعارا بأن الوصي مكشوف أمره مفروز من سواه في فساده أو صلاحٍ قد ابتغاه عن طريق مؤاكلته أو مصاهرته لمن يرعاه.