الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو قال (لن ينقصوه) لكان معناه: يعطيهم إياه كاملا، ولكن قد يكون العطاء سرا من غير علانية، واللَّه يريد كشفه وظهوره على رؤوس الخلائق فنفى عنه السِتْر (كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا)، أما قول الزمخشري: يحرموه ففيه إيحاش، وحاش لله أن يحرم أحدا، فلفظ الحرمان فىِ هذا السياق مستوحش، وهو في مقام الذات العلية مستنكر.
فكشف لنا التضمين عن سِر اختياره للفظة (فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) مما استولى الخفاء على حَميله " يُحرموه " أو ينقصوه، وأبلغ القول ما تعددت وجوه إفادته، فلا تترسم سبيل من ضاق عليه مسلك هذه اللغة على سعتها وانبثاثها وتناشرها، فأزمَّ شواردها في قول مسترثٍّ، وتعبير غث.
وأخيراً جاء التعبير بالبناء للمجهول جَريا على سَنَن الكبرياء في هذه اللغة الشريفة.
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا)
.
ذكر ابن منظور في اللسان: كِدت الرجل أكيده. والكيد: المكر والخبث وهو الاحتيال. وكاده: أراده بسوء. المكر احتيال في خفية، والكيد في الحروب حلال، والمكر في كل شأن حرام. المكر: الخديعة والاحتيال وفي الدعاء: " اللهم امكر لي ولا تمكر علي " أ. هـ. وقال الزمخشري: عُدي
يكيدوا باللام، فإن قلت: هلا قيل: فيكيدوك كما قيل: فكيدوني؟ قلت: ضمن معنى فعل يتعدى باللام، ليفيد معنى فعل الكيد مع إفادة معنى الفعل المضمّن، فيكون آكد وأبلغ في التخويف وذلك نحو: فيحتالوا لك. وقال أبو حيان: عُدِّي يكيد باللام وفي (فكيدوني) بنفسه فاحتمل أن يكون من باب شكر وشكر له. واحتمل أن يكون من باب التضمين، ضمن فيكيدوا معنى ما يتعدى باللام، كأنه قيل: فيحتالوا لك بالكيد. والتضمين أبلغ لدلالته على معنى الفعلين. وذكر الآلوسي: فيحتالوا لإهلاكك حيلة عظيمة لا تتصدى لمدافعتها. وقال القرطبي: أي يحتالوا في هلاكك، واللام في (لك) تأكيد.
وروى أبو السعود: قيل: إنما جيء باللام لتضمنه معنى الاحتيال المتعدي باللام ليفيد معنى المضمن والمضمن فيه للتأكيد، فيحتالوا لك ولإهلاكك حيلة وكيدا.
أقول: إخوة يوسف عليه السلام جمعوا إلى الكيد - وهو الاحتيال في خفاء -: (الإساءة). ولعلم يعقوب بما تكنه صدور أولاده لأخيهم يوسف وما تُخفي قصدوهم قال له: (لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا) ليكون آكد في التخويف من إساءتهم له وأبلغ. فتضمين (كاد) معنى (أساء) يجمع إلى الكيد وهو إرادة السوء إيقاع الإساءة، فهم يحتالون في توجيه الأذى إليه، وإيقاعه في شَرَكِه مما زينه الشيطان لهم. أما الذين ضمَّنوا الكيد معنى الاحتيال فما أضافوا جديدا لأن الكيد معناه الاحتيال في خفاء كما جاء في لسان العرب، ولا يتعدى باللام. فزَمَّ التضمين شوارد خفيات النفوس فأوعى.