الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما دامت اللغة وسيلة مساعدة على تكييف السلوك وضبطه، فقد لجأ يعقوب عليه السلام إلى التعريض دون التصريح، وعلى طرفٍ من المُلامحة، لئلا يفجأ حس يوسف بما عليه إخوته من إضمار السوء له مع الحسد والبغضاء فقال:(لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) من قَتل أو تشريد أو إلقاء في الجب أو
…
وإذاً فليأخذ حذره من كل حيلة.
وأخيراً لم قال: فيكيدوا ولم يقل: فيسيئوا؟ الكيد كما قلت: إرادة السوء في خفاء، وأخوة يوسف كانوا من اللباقة وحسن المعاشرة ما يمنعهم من إظهار الإساءة لأخيهم فكيف يقول فيسيئوا!
* * *
قَالَ تَعَالَى:
(الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ)(2)
.
ذكر الزركشي: لا تقل (على) بمعنى (مِنْ) وإنَّمَا يضمن (اكتالوا) تحكموا في الاكتيال، كِلت لزيد ووزنت له: مفعولهما غير زيد لأن مطلوبهما ما يكال أو يوزن، فالأصل دخول اللام. ثم قد تحذف لزيادة فائدة لأن كيل الطعام ووزنه يتضمَّن معنى المبايعة والمقارضة مع حرف اللام. فإن قلت: كلت لزيد أخبرت بكيل الطعام خاصة. وإذا قلت: كلت زيدا فقد أخبرت بمعاملته ومبايعته مع الكيل، كأنَّك قلت: بايعته بالكيل والوزن. قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) أي بايعوهم كيلا ووزنا وأما قوله اكتالوا على الناس فإنما دخلت (على) لتؤذن أن الكيل على البائع للمشتري. ودخلت التاء في (اكتالوا) لأن افتعل في هذا الباب كله للأخذ، فزيادة الحروف تؤذن بزيادة المعنى.
ذكر السيوطي: (إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ) أي من الناس. وكذلك الموزعي.
أقول: لا تضمين في الحروف وإنَّمَا التضمين في الفعل: جرى في الاكتيال حين اكتسى بثوب التسلط، أو الاستيلاء، كما ذكر أبو السعود في تفسيره، فلتسلطه على الناس، يستوفي حقه إذا اشترى، فلا خسران لحقه، ويبخس الناس حقهم إذا باع، فلا يقوى أحد على استيفاء حقه منه.
فاللَّه يعلن الحرب على المطففين من كبار التجار، وذوي النفوذ في مكة، حين دعا عليهم: ويل للمطففين .... والدعاء من اللَّه قرار. والمطفف يستوفي حقه إذا اشترى ويطفف في الكيل وينقص الميزان إذا باع. يكتالون على الناس لا من الناس
…
فكان لهم سلطاناً على الناس يستخدمون نفوذهم في التسلط: لا لاستيفاء حقهم بل لقسرِ الآخرين على قبول الجَور منهم.
وإطلاق هذه الصرخة المدوية على الغبن والبخس والتطفيف بالحرب في البيئة المكية وهم سادتها وأصحاب السلطان فيها، والإسلام ما زال محاصرا
…
لتدل عل أن هذا المنهج لا يقبل المساومة أو أنصاف الحلول.
ولذلك قال العباس بن عبادة الأنصاري: يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون؟ قالوا: نعم. قال: إنكم تبايعون على حرب الأحمر والأسود من الناس
…
قالوا فما لنا يا رسول اللَّه قال: الجنة. قالوا: ابسط يدك فبسط يده فبايعوه. الحديث.
* * *