الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صورة من
رسالة الإمام أحمد إلى الخليفة المتوكل في مسألة القرآن
رسالة الإمام أحمد
إلى الخليفة المتوكل
في مسألة القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
حدثنا صالح قال: كتب عبيد الله بن يحيى إلى أبي رحمة الله عليه يخبره: أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك أسألك عن أمر القرآن، لا مسألة امتحان، ولكن مسألة معرفة وبصيرة. فأملى على أبي رحمه الله:
إلى عبيد الله، أحسن الله عاقبتك أبا الحسين (1) في الأمور كلها، ودفع عنك مكاره الدنيا والآخرة برحمته، قد كتبت إليك رضي الله عنك بالذي سأل عنه أمير المؤمنين [بأمر القرآن بما
(1) في سير أعلام النبلاء في ترجمته 13/ 9 كنيته أبو الحسن.
حضرني، وإني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين] فقد كان الناس في خوض من الباطل، واختلاف شديد يغتمسون فيه حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين، فنفى الله بأمير المؤمنين كل بدعة، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المحابس، فصرف الله ذلك كله، وذهب به أمير المؤمنين.
ووقع ذلك من المسلمين موقعا عظيما ودعوا الله لأمير المؤمنين، فأسأل الله أن يجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء، وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين، ويزيد في نيته ويعينه (1) على ما هو عليه.
وقد ذكر عن عبد الله بن عباس - رحمة الله عليه - أنه قال: لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؛ فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم.
(1) في المخطوطة: ويغنيه بالغين، وهو تصحيف ظاهر، والصواب ما أثبته.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تماروا في القرآن، فإن مراء فيه كفر (2)» .
(1) هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند في مواضع، في 2/ 195 - 196 و 118، قال: حدثنا إسماعيل، ثنا داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به. وأخرجه ابن ماجه في السنن في باب القدر رقم 85 بهذا الطريق بنحوه، وفيه قال ابن عمرو: ما غبطت نفس بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غبطت نفس بذلك المجلس وتخلفي عنه. حسن أحسنأحسن بللللل وأخرجه بهذا اللفظ ابن أبي عاصم في السنة رقم 406 به. حسنه الألباني فيه.
(2)
أخرجه أحمد في المسند في مواضع: في 2/ 286، 300، 424، 475، 503، 528، قال: ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به. وأبو داود في سننه رقم 6403، من طريقه. والآجري في الشريعة ص 67، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 10/ 529، في فضائل القرآن، وصححه ابن حبان برقم 73. وأخرجه ابن بطة في الكبرى رقم 791، 792. وأخرجه اللالكائي في شرح السنة رقم 72، والحاكم في المستدرك 2/ 223، وصححه، ووافقه الذهبي والبغوي في شرح السنة 1/ 260، والطبراني في الصغير 1/ 78، من اسمه شباب كلهم من طريق محمد بن عمرو به. وصححه الشيخ أحمد شاكر في طبعته للمسند رقم 7499. وقال ابن كثير في فضائل القرآن ص 15 على حديث أحمد: وهذا إسناد صحيح أيضا.
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا.
فقال ابن عباس: فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة. قال: فزبرني عمر، ثم قال: مه، فانطلقت إلى منزلي مكتئبا حزينا، فبينما أنا كذلك إذ أتاني رجل فقال: أجب أمير المؤمنين، فخرجت فإذا هو بالباب ينتظرني، وأخذ بيدي فخلا بي، وقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل؟ [فقلت: يا أمير المؤمنين إن كنت أسأت فإني أستغفر الله عز وجل وأتوب إليه، وأنزل حيث أحببت. قال: لتحدثني ما الذي كرهت مما قال الرجل](1)، قال: إنما قلت يا أمير المؤمنين متى يتسارعوا هذه المسارعة يتحقوا، ومتى يتحقوا
(1) ما بين المعكوفتين زيادة في الأثر من المصنف لعبد الرزاق الصنعاني.
يختصموا، ومتى يختصموا يختلفوا، ومتى يختلفوا يقتتلوا. قال: لله أبوك، والله إن كنت لأكتمها الناس حتى جئت بها.
وروي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: " هل من رجل يحملني إلى قومه؛ فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي (2)» .
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند 3/ 322 - 339، وأبو داود في السنن رقم (4734) في كتاب السنة باب في القرآن في آخر فضائل القرآن رقم 2925، وابن ماجه في المقدمة فيما أنكرت الجهمية رقم 201، والدارمي في سننه 2/ 532، رقم 3354، والبخاري في خلق أفعال العباد رقم 86 و 205، والحاكم في المستدرك 2/ 612، وقال: حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، واللالكائي في شرح أصول السنة 554 - 555، والدارمي في الرد على الجهمية رقم 284. وطرقهم مدارها على إسرائيل ثنا عثمان بن المغيرة، عن سالم بن أبي الجعد عن جابر رضي الله عنهما به، وقال بعده الترمذي هذا حديث غريب صحيح. وهذا إسناد كلهم ثقات، وسالم من المرتبة الثانية من مراتب المدلسين عند ابن حجر، وقد اغتفر الأئمة تدليسهم، وهو في نفسه ثقة. رحمهم الله.
(2)
في المخطوطة: إلى قومي، وهو خطأ، والتصويب من روايات الحلية والسنة والنبلاء وما في التخريج. (1)
وروي عن جبير بن نفير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه - يعني القرآن (1)» .
(1) أخرجه الترمذي في فضائل القرآن رقم 2912، قال: ثنا إسحاق بن منصور، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية، عن العلاء بن الحارث، عن زيد بن أرطأة، عن جبير بن نفير به. وأخرجه من طريقه أبو داود في مراسيله 6/ 103، وهو مرسل عن جبير. وأخرجه عنه كذلك أحمد في المسند 5/ 268 عن عبد الرحمن بن مهدي به. لكن أخرجه الحاكم موصولا في موضعين: الأول: في 2/ 441، من طريق عبد الله بن صالح، ثنا معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن زيد بن أرطأة، عن جبير، عن عقبة بن عامر الجهني بلفظ:" أن الرسول صلى الله عليه وسلم تلا: (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) ثم ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث ". وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. والثاني: 1/ 555 من طريق سلمة بن شبيب ثنا أحمد بن حنبل، عن ابن مهدي، عن معاوية، عن العلاء بن الحارث، عن جبير، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. اهـ. وعلته في جميع الطرق الموصولة والمرسلة العلاء بن الحارث، وهو صدوق، رمي بالقدر، وقد اختلط في آخره وهو من الخامسة مات سنة 136 هـ. وبه ضعفه الألباني في الضعيفة رقم 1957. والله أعلم.
وروي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه - يعني القرآن (1)» .
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: " جردوا القرآن ولا تكتبوا فيه شيئا إلا كلام الله ".
(1) أخرجه الإمام أحمد بنحوه في المسند 5/ 268، وهو الحديث السابق، وأخرجه أيضا عن أبي أمامة بلفظه الترمذي في فضائل القرآن رقم 2911 قال: ثنا أحمد بن منيع، ثنا أبو النضر، ثنا بكر بن خنيس، عن ليث بن أبي سليم، عن زيد بن أرطأة، عن أبي أمامة به. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وبكر بن خنيس قد تكلم فيه ابن المبارك، وتركه في آخر عمره. وقد روي هذا الحديث عن زيد بن أرطأة عن جبير بن نفير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. اهـ.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: " إن هذا القرآن كلام الله فضعوه على مواضعه ".
وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد إذا قرأت كتاب الله وتدبرته ونظرت في عملي كدت أن أيأس وينقطع رجائي. قال: فقال له الحسن: " إن القرآن كلام الله وأعمال بني آدم إلى الضعف والتقصير فاعمل وأبشر ".
وقال فروة بن نوفل الأشجعي: " كنت جارا لخباب وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فخرجت معه يوما من المسجد وهو آخذ بيدي، فقال: يا هناة تقرب إلى الله بما استطعت؛ فإنك لن تقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه ".
وقال رجل للحكم بن عتيبة: ما حمل أهل الأهواء على هذا؟ قال: الخصومات.
وقال معاوية بن قرة، وكان أبوه ممن أتى النبي صلى الله عليه وسلم:" إياكم وهذه الخصومات فإنها تحبط الأعمال "(1).
وقال أبو قلابة، وكان أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تجالسوا أصحاب الأهواء أو قال أصحاب الخصومات فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون "(2).
ودخل رجلان - من أصحاب الأهواء - على محمد بن سيرين فقالا: يا أبا بكر، نحدثك بحديث؟ قال: لا. قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال: لا. لتقومان عني، أو لأقومنه. قال: فقام الرجلان فخرجا. فقال بعض القوم: يا أبا بكر، ما كان
(1) سبق تخريجه والتعريف بقائله في رسالة خلق القرآن لإبراهيم بن إسحاق الحربي.
(2)
سبق تخريجه والتعريف بقائله في رسالة خلق القرآن لإبراهيم بن إسحاق الحربي.
عليك أن يقرءا عليك آية من كتاب الله؟ فقال محمد بن سيرين: " إني خشيت أن يقرءا علي آية، فيحرفانها، فيقر ذلك في قلبي " فقال محمد: " لو أعلم أني أكون مثل الساعة لتركتهما "(1).
وقال رجل من أهل البدع لأيوب السختياني: " يا أبا بكر، أسألك عن كلمة، فولى وهو يقول بيده: ولا نصف كلمة "(2).
وقال ابن طاوس (3) لابن له - وتكلم رجل من أهل البدع -: أدخل أصبعيك (4) في أذنيك حتى لا تسمع ما يقوله. ثم قال: اشدد، اشدد.
وقال عمر بن عبد العزيز: " من جعل دينه عرضا للخصومات أكثر التنقل ".
(1) سبق تخريجه والتعريف بقائله في رسالة خلق القرآن لإبراهيم بن إسحاق الحربي.
(2)
سبق تخريجه والتعريف بقائله في رسالة خلق القرآن لإبراهيم بن إسحاق الحربي.
(3)
سبق التعريف به في رسالة خلق القرآن لإبراهيم بن إسحاق الحربي.
(4)
في المخطوطة: أصبعك، والتصويب من بقية الروايات والأصول.
وقال إبراهيم النخعي (1): " إن القوم لم يدخر عنهم شيء خبئ لكم لفضل عندكم "(2).
وكان الحسن البصري يقول: " شر داء خالط قلبا، يعني الهوى "(3).
وقال حذيفة بن اليمان - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " اتقوا الله معاشر القراء، خذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا، أو قال: مبينا ".
(1) سبق التعريف به في رسالة خلق القرآن لإبراهيم بن إسحاق الحربي.
(2)
سبق تخريجه في رسالة خلق القرآن لإبراهيم بن إسحاق الحربي.
(3)
سبق تخريجه والتعريف بقائله في رسالة خلق القرآن لإبراهيم بن إسحاق الحربي.
وإنما تركت ذكر الأسانيد، لما تقدم من اليمين التي حلفت بها مما قد علمه أمير المؤمنين، لولا ذلك ذكرتها بأسانيدها.
وقد قال الله جل ثناؤه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (1) وقال: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (2) وأخبر تبارك وتعالى بالخلق، ثم قال: والأمر، فأخبر أن الأمر غير الخلق.
وقال تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنِ} (3){عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (4){خَلَقَ الْإِنْسَانَ} (5){عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (6) فأخبر تبارك وتعالى أن القرآن من علمه. وقال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (7) وقال: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (8) وقال: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} (9) فالقرآن علم الله.
وفي هذه الآيات دليل على أن الذي جاءه صلى الله عليه وسلم هو القرآن لقوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (10)
(1) سورة التوبة الآية 6
(2)
سورة الأعراف الآية 54
(3)
سورة الرحمن الآية 1
(4)
سورة الرحمن الآية 2
(5)
سورة الرحمن الآية 3
(6)
سورة الرحمن الآية 4
(7)
سورة البقرة الآية 120
(8)
سورة البقرة الآية 145
(9)
سورة الرعد الآية 37
(10)
سورة البقرة الآية 120
وقد روي عن غير واحد ممن مضى من سلفنا أنهم كانوا يقولون: " القرآن كلام الله ليس بمخلوق ". وهو الذي أذهب إليه، ولست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا
إلا ما كان من كتاب الله، أو في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه، أو عن أصحابه - رحمة الله عليهم - أو عن التابعين، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود.
وإني أسأل الله أن يطيل بقاء الأمير، وأن يثبته ويمده منه بمعونة، إنه على كل شيء قدير.