الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعاون وغاية الدعوة:
من أجل تبين ذلك في أوضح صورة يحسن الوقوف المتأمل عند هذا الدعاء القرآني النبوي من نبي الله ووجيهه موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} (1){وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} (2){وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} (3){يَفْقَهُوا قَوْلِي} (4) إلى قوله: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} (5){وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} (6){إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} (7).
هنا ثلاث وقفات:
الوقفة الأولى: عند قوله سبحانه: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} (8) أن موسى عليه السلام اعلم من أمر الله له بالذهاب إلى فرعون أنه كلف أمرا عظيما وخطبا جسيما يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط، وصدر فسيح، فاستوهب ربه تعالى أن يشرح صدره؛ فيجعله حليما حمولا، يستقبل ما عسى أن يرد عليه في طريق التبليغ والدعوة من مر الحق والشدائد ما يذهب معه صبر الصابر بجميل الصبر وحسن الثبات. يشرح صدره فلا يضجر ولا يقلق مما يقتضي بحسب الطبيعة البشرية الضجر والقلق.
مع ما يتجلى في هذا الطلب من إظهار كمال الافتقار إليه عز وجل والإعراض عن الحول والأنانية بالكلية. إن شرح الصدر نور من الله وسكينة وروح منه سبحانه (9).
(1) سورة طه الآية 25
(2)
سورة طه الآية 26
(3)
سورة طه الآية 27
(4)
سورة طه الآية 28
(5)
سورة طه الآية 33
(6)
سورة طه الآية 34
(7)
سورة طه الآية 35
(8)
سورة طه الآية 25
(9)
تفسير أبي السعود ج (3) ص (624)، روح المعاني ج (16) ص (181، 182).
ولذا فإن الصدر إذا ضاق لم يصاحبه لهداية الخلق ودعوتهم، وعسى الخلق أن يقبلوا الحق مع اللين وسعة الصدر وانشراحه عليهم (1).
والصدر إذا انشرح والقلب إذا انفتح لم يضق بسفاهة المعاندين ولجاجة الجاهلين، ومن ثم فلا يخاف شوكة ولا يهاب من كثرة ولا يراع من صولة (2).
الوقفة الثانية: قوله تعالى: {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} (3) دعاء لتسهيل الأمر وتيسيره لتقوم الدعوة على وجهها بتوفر آلاتها ووجود المعين عليها. ولا شك أن التيسير والتسهيل لا يكون إلا بتوفيق الأسباب ورفع الموانع (4).
الوقفة الثالثة: قوله تعالى: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} (5){وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} (6) إذا تحقق شرح الصدر وتيسير الأمر ووجد الوزير والنصير فذلك مظنة تكثير الدعوة وأهلها وأنصارها، ومن مظاهر ذلك ومن غاياته كذلك كثرة التسبيح والمسبحين والذكر والذاكرين.
ذلك أن الدعوة تشتمل على التعريف بالله وصفاته وتنزيهه وتقديسه وتسبيحه، وهي حث للعباد على القرب من مولاهم لإدخالهم في حظيرة الإيمان والتقوى، وحين يتحقق ذلك يكثر
(1) تفسير ابن سعدي ج (5) ص (153).
(2)
تنوير الأذهان ج (2) ص (428).
(3)
سورة طه الآية 26
(4)
تفسير أبي السعود ج (3) ص (624).
(5)
سورة طه الآية 33
(6)
سورة طه الآية 34
ذكر الله بإبلاغ أمره ونهيه، ألا ترى إلى خطاب الله لنبيه موسى عليه السلام في الآية قبيل ذلك:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1)، ثم خطابه وأخيه فيما بعد وهما يقومان بمهمة الدعوة:{اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} (2). أي: لا تضعفا في تبليغ الرسالة. إذن فتعليلهما بالتسبيح والذكر الكثيرين يعني تحقيق الدعوة نجاحها (3).
أما الإمام أبو السعود في تفسيره فينظر إلى ذلك من زاوية أخرى، حين يقرر أن التسبيح والذكر في الآية ليس مرادا بهما ما يكون بالقلب أو في الخلوات، فهذا لا يتفاوت حاله عند التعدد والانفراد، بل المراد ما يكون منهما في تضاعيف أداء الرسالة ودعوة المردة والعتاة إلى الحق، وذلك مما لا ريب في اختلاف حاله في حالتي التعدد والانفراد فإن كلا منهما يصدر عنه بتأييد الآخر من إظهار الحق ما لا يكاد يصدر عنه مثله في حال الانفراد (4).
وفي الختام يقول موسى عليه السلام مخاطبا ربه: {إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} (5) أي: إنك أنت العالم بأحوالنا وبأن التعاضد مما يصلحنا (6).
(1) سورة طه الآية 14
(2)
سورة طه الآية 42
(3)
التحرير والتنوير ج (16) ص (213، 214).
(4)
تفسير أبي السعود ج (3) ص (626).
(5)
سورة طه الآية 35
(6)
تفسير الزمخشري ج (2) ص (536).